عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
بتاريخ : 11-09-2017 الساعة : 05:54 PM
السؤال: هل الإرادة في الآية تشريعية أم تكوينية؟
بالنسبة إلى آية التطهير العظيمة
هل الإرادة في هذه الآية - آية التطهير - تشريعية أم تكوينية؟ مع ذكر الأدلة على ما تتفضلون بطرحه جواباً عن سؤالي هذا.
حيث أنّ في القرآن المجيد يوجد تطهير إلهي بإرادة تشريعية، كما في آية الوضوء المباركة: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرَافِقِ وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ وَإِن كُنتُم جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَرضَى أَو عَلَى سَفَرٍ أَو جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الغَائِطِ أَو لامَستُمُ النِّسَاءَ فَلَم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامسَحُوا بِوُجُوهِكُم وَأَيدِيكُم مِنهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ï´¾ (المائدة:6)، وأيضاً ï´؟ إِذ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ ï´¾ (الأنفال:11)، حيث أنّ كليهما أتيا بعنوان الإرادة الإلهية بالتطهير على النحو التشريعي، كما في قوله تعالى: ï´؟ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ï´¾ و ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾.
فإذا قال لي المخالف: هذين الموضعين يشبه ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾(الأحزاب:33). وبذلك يقول لي: إنّ الإرادة بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام) يشبه التطهير في آية الوضوء (الإرادة التشريعية) ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾. وإذهاب الرجس كما إذهاب الرجز والتطهير في: ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾، وبالتالي لا يثبت هنالك فضل لأهل البيت(عليهم السلام) بخصوص آية التطهير المباركة, كما يزعم المخالف؟
الجواب:
لا يمكن أن يكون المراد بالإرادة في الآية هي الإرادة التشريعية, لأنّها تنص على قوله: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ï´¾، وإنّما تفيد الحصر والقصر.
والمعنى: إنّ الله طلب من أهل البيت(عليهم السلام) فقط أن يكونوا كذلك, وإذا كانت الإرادة تشريعية، فلا معنى لأن يكون طلب الطهارة والتنزه عن الرجس مختصاً بأهل البيت(عليهم السلام) ومحصوراً بهم دون غيرهم, فالله سبحانه وتعالى أنزل الشريعة الإسلامية لا لكي يتطهّر أهل البيت(عليهم السلام) وحدهم, ويتنزهوا عن الرجس دون سواهم, وإنّما لكي يتطهّر المسلمون جميعاً دون غيرهم، ويتنزه كلّ من بلغه هذا الدين.
ولو حملنا الإرادة على التشريع فسيكون الحصر في غير محله, ولا يلائم الآية المباركة أساساً, وبذلك لايمكن أن تكون الإرادة في الآية تشريعية، وإنّما هي إرادة تكوينية.
وبعبارة أخرى: إنّ الإرادة لو كانت تشريعية، وأنّ الله يريد بيان أنّ الهدف من إرادته ــ أي من التكاليف ــ هو تطهير أهل البيت(عليهم السلام)، فهو غير مختص بهم, حيث أنّ إرادته تعالى متعلقة بصدور الفعل الواجب تشريعاً من غيره بإرادته وإختياره، وحملها هنا عليهم فقط لا خصوصية فيه، فلابد من أن تكون الإرادة هنا تكوينية.
وقد أُورد على كون الإرادة في الآية تكوينية: إنّ ذلك يؤدي بنا إلى شبهة الجبر والإضطرار, أي أنّ ذلك ينافي إرادية وإختيار المعصوم في أفعاله.
ونجيب على ذلك: بأنّ الله سبحانه وتعالى عالم بكلّ شيء لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء, فهو يعلم بأفعال عبيده قبل أن يخلقهم، فمن علم منهم أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلاّ الطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى، أعانهم على ذلك، وأخبر عن مشيئته التي منشؤها العمل بما يريدون الوصول إليه.
فالمسألة لا ترجع إلى إختيار جزافي، بل تتحرك في إطار هادف, فحيث علم الله من هؤلاء أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلاّ الطاعة والعبودية، تعلقت إرادته التكوينية بهم فطهّرهم من كلّ رجس، فعِلمه بهم منشأ لهذه الإرادة التكوينية, وبذلك تنتهي شبهة الجبر وتسقط بإرادة الفاعل على الفعل مسألة الإضطرار.
أمّا الدليل القرآني على أنّ المراد بأهل البيت(عليهم السلام) هم العترة دون غيرهم, فإنّ نفس الآية القرآنية تدلّ على ذلك, لأنّ قوله تعالى: ï´؟ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ دال على العصمة، وقد عرفنا أنّ قوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ï´¾ هو إخبار وليس إنشاء, فالآية لا يمكن أن تشمل أقرباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا نساءه ولا أعمامه ولا أي مصداق آخر غير العترة خاصّة، لأنّ جميع فرق المسلمين تتفق على عدم عصمة أولئك.
ولو كانت الآية تنطوي على الإطلاق بحيث تشمل أعمام النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقرابته ونساءه, لكان منهم من أدعى هذا الفخر وهو وسام عظيم لا يمكن لإنسان أن يزهد فيه, ولكن من خلال العودة إلى التأريخ لم نجد أحداً يدّعي ذلك. ومن ناحية ثانية تشير الوقائع التاريخية إلى أنّ هؤلاء كانوا مشركين ثم صاروا مسلمين, وحتى بعد أن أسلموا صدرت منهم أخطاء واشتباهات وبدرت من بعضهم معاص وإنحرافات, وهذا ما يخالف العصمة التي من المفروض أنّ الآية نصت عليها بهم.
السؤال: التطهير في الآية على سبيل الدفع لا الرفع
كيف نستدل على عصمة الأئمة أو أهل البيت(عليهم السلام) منذ ولادتهم، فإنّ آية التطهير: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33) جائت في حياتهم. فهل يعني هذا: أنّه لمّا نزلت الآية صاروا معصومين، وقبل نزول الآية كانوا غير معصومين، لأنّ الآية تقول: ï´؟ لِيُذهِبَ عَنكُم ï´¾، ولم تقل: إنّ الله أذهب عنكم الرجس.
فكيف نستدل على عصمة أهل البيت(عليهم السلام) منذ الولادة؟
الجواب:
إنّ الإتيان بصيغة المضارع في مقام المدح أو الذم أو الشكر ونحوه، إنّما يفيد الإستمرار في الإتصاف، وليس التقيّد بهذا الإتصاف في الحال أو الإستقبال، ألا ترى أنّ قوله عزّ وجلّ: ï´؟ اللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِم وَيَمُدُّهُم فِي طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ ï´¾(البقرة:15)، ليس ناظراً إلى أنّه يستهزئ بهم في الحال أو الإستقبال، ولم يستهزئ بهم في الماضي، وإنّما يفيد أنّه سبحانه شأنه مع هؤلاء هو الإستهزاء بهم، أيّ أنّه سبحانه يجازيهم جزاء الإستهزاء، لأنّه سبحانه لا يستهزئ حقيقة, وذلك لأجل نفاقهم واستهزائهم برسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهكذا الحال في المقام, فإنّه تعالى شأنه، في مقام تنزيه أهل بيت النبوّة(عليهم السلام) عن الرجس, فقوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ ناظر إلى أنّه عزّ وجلّ إنّما يتصف بإرادة تنزيه أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الرجس, ويستمر في هذا الإتصاف, ولا نظر للكلام إلى أنّه يتصف بها في الحال, ولم يتصف بها من قبل, بل تبيين ضمير المخاطب بقوله تعالى: ï´؟ أَهلَ البَيتِ ï´¾ تنبيه على أنّه تعالى إنّما يريد إذهاب الرجس عنهم من جهة أنّهم (أهل البيت)، وهذه الخصوصية ثابتة لهم في الماضي والحال والإستقبال, فلا مجال حينئذ للتفكيك بين الأزمنة, وتعلق الإرادة بالتنزيه في الحال, دون الماضي...
وأيضاً قد أجمع المسلمون سُنّة وشيعة، وكما دلّت عليه بعض الروايات أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) داخل ومشمول في مدلول آية التطهير, وهو لا يتصور في حقّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجود الرجس قبل نزول الآية - نعوذ بالله - وأنّ الله أذهبه عنه بعد ذلك, وكذلك لا يتصور هذا المعنى في حقّ الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) اللذين كانا صغيرين حين نزول الآية, إذ كيف يتصور وجود الرجس في حقهما حتى يتم إذهابه!
فإذهاب الرجس والتطهير الوارد في الآية إنّما هو على سبيل الدفع لا الرفع, إذ تارة يستعمل الإذهاب ويراد به إزالة ما هو موجود, وأخرى يستعمل ويراد به المنع من طريان أمر على محل قابل له, كقوله تعالى: ï´؟ كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ ï´¾ (يوسف:24)، فإنّ يوسف(عليه السلام) لم يقع في الفحشاء قطعاً حتى يصرفها الله عنه بمعنى رفعها, وإنّما هو على سبيل الدفع لا الرفع.
وأيضاً حين تقول في الدعاء لغيرك: ((صرف الله عنك كلّ سوء، وأذهب الله عنك كلّ محذور))، فإنّك قد تخاطب بقولك هذا من لا يكون شيء من ذلك متحققاً فيه، ولا حاصلاً له أثناء خطابك له, وإنّما الخطاب يجري على سبيل الدفع لا الرفع.
تعليق على الجواب (1)
إنّ آية التطهير لم تخبر بعصمة آل البيت(عليهم السلام) الذاتية فهي تابثة لهم قبل نزول الآية, وإنّما جاءت لتطهّر تشريعياً المحيط الذي يعيش فيه أهل البيت(عليهم السلام) كرامة للعصمة الذاتية التي خصهم الله بها، ولذلك فهي جاءت في سياق الأوامر الموجهة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
أي إنّ الغاية من الأوامر المشددة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومضاعفة الثواب للمحسنة منهن وضعف العذاب لمن أساءت منهن, هو إبعاد الرجس عن بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، باعتبار أنّ من تعمل الرجس من نساءه فقد ارتكبت الإثم والإساءة لآل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقت واحد, فتعاقب على الإثم وعلى الإساءة. ولذلك فالإرادة هنا تشريعية، أيّ أنّ هذه الآية لا تعصم من وجهّت إليهن الأوامر المشدّدة من المعصية.
أمّا إذا أردنا إثبات العصمة لآل البيت(عليهم السلام)، فيكفي أنّا نصلّي عليهم في صلاتنا (...كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد)، فلأنّه تعالى حميد مجيد، فقد صلّى وبارك على آل محمّد وعلى آل إبراهيم في العالمين، أيّ عالم الدنيا والآخرة، كما أخبر الله تعالى، فقال له الله: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ ï´¾ (الحِجر :42)، فهم عباد الله المخلصون (بفتح اللام). ألم تقرأ قوله تعالى عن يوسف(عليه السلام): ï´؟ كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ ï´¾ (يوسف:24) (بالفتح)، ولم يقل سبحانه: كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء، أنّ يوسف(عليه السلام) صامد على عبوديته لله، والسوء والفحشاء هم الذين يقتربون منه, فتدخل الله ليصرف عنه ما اقترب منه بمعجزة فتح الباب الذي أغلقته إمرأة العزيز, كذلك: ليذهب عنكم أهل البيت ما قد يلحقكم من أذى في حال عصيان نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لله ولرسوله, وليس: ليذهبكم عن الرجس، فهم صامدون على عبوديتهم لله تعالى.
الجواب:
الأول: الظاهر من كلامك الأوّل حدوث خلط بين الإنشاء والإخبار! فإنّ الإنشاء هو جعل حكم لشيء، والإخبار هو الإخبار عن شيء واقع سابقاً على ما هو عليه. ولذا فالآية هنا إخبار عن وجود العصمة لأهل البيت(عليهم السلام) واستمرارها، وكلامك ((لم تخبر بعصمة آل البيت(عليهم السلام) الذاتية فهي ثابتة لهم قبل نزول الآية)) وهم!
وأمّا استدلالنا بالآية على عصمتهم(عليهم السلام) فهو في مقام الإثبات لا في مقام الثبوت - أيّ الواقع - فإنّ العصمة ثابتة لهم في جميع الأزمنة، ولكن نحن نستدل لإثبات وجودها بهذه الآية.
الثاني: إنّ متعلق الإذهاب هم أهل البيت(عليهم السلام) في الآية لا نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى يصح ما قلته ((إنّما جاءت لتظهر تشريعياً))! فإنّ الكلام حول الآية بالذات هل هي تشريعية أو تكوينية؟ فلا تخلط بها الآيات التي سبقتها!
نعم، المجيء بها في هذا الموضع؛ فيه إشارة للنساء بفضيلة هذا البيت وما يتوجب عليهن نحوه كما أشرت أنت.
نعم، حثّ النساء في الآيات الخاصّة بهن تشريع لهن، لكنه لا يتعارض مع الإرادة التكوينية الخاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) في الآية حتى تنقلب الإرادة تشريعية.
الثالث: أمّا اعتبار الإرادة الواردة في الآية الكريمة تشريعية، فيرد عليه محذور أنّ الحصر في غير محله، فالتشريع بطلب التطهّر - لو حملنا الإرادة في الآية على التشريع دون جعل العصمة - لا وجه في إختصاصه بأهل البيت(عليهم السلام) دون غيرهم، إذ ما وجه التشريع بطلب التطهّر من الذنوب وعمل المعاصي من جماعة دون جماعة، وروح الشريعة من هذه الناحية واحدة، إذ المطلوب من الجميع أن يكونوا منزهين عن ارتكاب الذنوب واجتراح المعاصي..
فلا محيص من حمل الآية على الإرادة التكوينية، والتي يستفاد منها جعل العصمة لأهل البيت(عليهم السلام)، وهذا هو الذي فهمه المفسرون من الآية الكريمة.
قال الطبري في تفسيره: (( ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ (الاحزاب:33)، يقول: إنّما يريد الله يذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويطهّركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً..
ثم قال: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.. حدّثنا بشر، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سعيد بن قتادة، قوله: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ فهم أهل بيت طهّرهم الله من السوء، وخصّهم برحمة منه.. وروى أيضاً عن ابن زيد قوله: الرجس ها هنا: الشيطان))(1).
وقال ابن عطية الأندلسي (المتوفى456هـ) في (المحرر الوجيز): ((والرجس: اسم يقع على الأثم والعذاب، وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت(عليهم السلام) ))(2).
الرابع: دعوى أنّ الآية نزلت بحقّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يخالفه ظهور الخطاب في ميم الجمع الذي يخاطب به الأعم من الذكور والإناث. ولو سلمنا دخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الخطاب، لا يستقيم عندها قولكم: أنّ العصمة الذاتية ثابتة لأهل البيت(عليهم السلام) (محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين)، إذاً ما فائدة خطاب المعصوم بتشريع يطالبه بالإجتناب عن الذنوب، أليس هذا تحصيل للحاصل، وهو محال؟!
(1) انظر: جامع البيان 22: 9 قوله تعالى: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ )).
(2) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4: 384 الآية (33) من سورة الأحزاب.
تعليق على الجواب (2)
أن كلامكم قابل للمناقشة، ويمكن الإيراد عليكم بعدة إيرادات، وهي :
أولا: قلتم أن الإذهاب قد يراد به إزالة ماهو موجود أو قد يراد به دفع ماهو غير موجود أصلاً، وهذا الكلام غير صحيح، فالإذهاب لغة هو الإزالة، والإزالة لا تكون إلا لما هو موجود، ولو لم يكن موجود لعبر عنه بـ(ليبعد أو ليصرف) عنكم.
لأن هذه اللفظة لا تستخدم إلا للرفع دون الدفع، ومن يقول أنها تستخدم للرفع والدفع معاً فعليه بالدليل.
ثانيا: حاولتم الإستدلال بقضية يوسف عليه السلام من أجل تأييد قولكم، ولكن استدلالكم لم يكن موفقا، لان قوله تعالى (ليصرف) شيء و (ليذهب) شيء، فقوله ليصرف أي يبعد وهي يمكن استخدامها للدفع وأما ليذهب أي ليزيل وهي لا تستخدم إلا للرفع أو الإزالة.
الجواب:
يختلف الامر في حالة تعدى الذهاب بالباء عن حال تعدي الذهاب بعن ففي تاج العروس 1/ 505 قال الزبيدي وقال بعض ائمة اللغة والصرف ان عدى الذهاب بالباء فمعناه الاذهاب او بعلى فمعناه النسيان او بعن فالترك.....) لذا ليس من الصحيح القول ان الاذهاب لا يأتي بمعنى الدفع.
واما الاية القرانية ï´؟ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ ï´¾ فقد اوردناها لايضاح معنى الدفع واختلافه على الرفع ولانريد ان نقول ان الانصراف والاذهاب شئ واحد.
السؤال: الارادة الالهية بإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام) خاصة
إذا قال شخص: إنّ (إنّما) تحصر - فقط سبب الإرادة - في إذهاب الرجس، بحيث يكون معنى الآية: إنّ سبب إرادة الله هو لمنفعة الناس لا لمنفعته هو عزّ وجلّ..
لا أنّ (إنّما) - أيضاً تحصر- المخاطبين بآل البيت فقط... ممّا يجعل الإرادة لهم ولعامة الناس، فيجعل المراد بها الإرادة التشريعية! فما هو الرد؟
وإذا قال: إنّ هناك أحكاماً خاصّة لبعض الناس دون بعض، مثل زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيحرم عليهن الزواج بأيّ رجل بعد زوجهن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), بينما لا يحرم ذلك على باقي النساء.. ممّا يبطل قولنا: أنّ التشريع لا يمكن أن يكون خاصاً!
فما هو الرد؟
الجواب:
إنّ هذا الإشكال طرح من قبل الفخر الرازي في تفسيره ولكن ليس بهذا الشكل.
فقد قال: (( ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33)، يعني ليس المنتفع بتكليفكن هو الله، ولا تنفعن الله فيما تأتين به، وإنّما نفعه لكُنّ، وأمره تعالى إياكن لمصلحتكن))(1).
فهو كأنّما قد خصّ الآية بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فجعلها تعليلاً لما جاء من أوامر ونواهي سابقة عليها تخص النساء، وهذا فيه ما فيه، أقلّه عدم تفسير إبدال الضمير في (عليكم) من التأنيث إلى التذكير! فإنّ الآية لا يمكن أن تختص بالنساء فقط لمكان (عليكم)، فلا بد أن يكون الخطاب في الآية لهنّ وغيرهن أو لغيرهن خاصّة.
فإذا قلنا: إنّ المراد بإذهاب الرجس مجرد التقوى والإلتزام بالأوامر الألهية وإجتناب النواهي، وإنّ المعنى هو كما ذكره الرازي، بأنّ الله لا ينتفع من توجيهه هذه التكاليف لكُنّ، وإنّما نفعه عائد إليكنّ، سوف لا يتفق ولا يتلاءم مع المعنيين الذين فرضناهما لأهل البيت! إذ أنّه يعم جميع المسلمين كما لا يخفى، فإنّ الله يريد منهم بالأوامر والنواهي منفعتهم لا منفعته ولا يبقى معنى للإختصاص بأهل البيت بكلمة ï´؟ إِنَّمَا ï´¾ في الآية، فلم يبقى ألاّ أن نقول أنّ المراد بإذهاب الرجس هو العصمة، ولا يكون المراد بأهل البيت سوى غير النساء لأنهن غير معصومات بالإتفاق، فيثبت المطلوب.
ثم إنّ هذا المستشكل لمّا رأى أدلة الشيعة على عدم نزول الآية في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأدلّتهم على كون الإرادة في الآية تكوينية لا تشريعية لظهور ï´؟ إِنَّمَا ï´¾ في الإختصاص، حاول تطوير استدلال الفخر الرازي وطرحه بأسلوب آخر على أنّه إشكال جديد، وذلك بإبدال كون المنفعة في كلام الرازي من كونها راجعة إلى النساء وجعلها راجعة إلى عموم المسلمين، ونسي أنّ الأساس في قول الرازي هو بناءه على أنّ الإرادة في الآية تشريعية لا تكوينية، وبالتالي الإضطرار لجعل مصب الآية التعليل لا التأسيس.
وعلى كلّ نقول:
أولاً: إنّ الآية تصدرت بـï´؟ إِنَّمَا ï´¾ وهي كما نقل أهل اللغة من أقوى أدوات الحصر في اللغة العربية، وتفيد إثبات ما بعدها ونفي ما عداه، كقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّما يدافع عن أحسابهم أنا ومثلي)، والمعنى ما يدافع عن أحسابهم إلاّ أنا أو مثلي(2).
فيكون معنى الآية: ما يريد الله إذهاب الرجس إلاّ عنكم أهل البيت. فعليه يكون في الآية قصران: حصر الإرادة الالهية بإذهاب الرجس، وقصرها على أهل البيت(عليهم السلام) خاصّة.
فما قاله المستشكل أنّها تحصر سبب الإرادة فقط وهو كونها لمنفعة الناس غير صحيح، لأنّ في الآية قصران لا قصر واحد. وهو خلاف الظاهر جداً.
ثانياً: إنّ من قال (الفخر الرازي) بأنّ الآية تعليلية، أُلزم بذلك، بعد أن بنى على أنّها نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط لورود الخطاب لهنّ في الآيات السابقة، ولا نعلم من أين جاء ذكر الناس كلّهم في الآيات حتى يدّعي هذا المدعي حصر الإرادة بالتبع لهم؟! فهذا أجنبي وبعيد عن مراد الآية، والآيات الأخرى أيضاً ولا دخل للناس أو المسلمين بها، وإنّما الأمر يدور على أقصى الإحتمال في تفسير أهل البيت بين نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع آخرين، أو الأخرين غير النساء فقط.
ثالثاً: إذا كانت إرادته تعالى لمنفعة الناس، فلماذا حصر إرادة التطهير بأهل البيت(عليهم السلام) فقط، بإيراد ï´؟ إِنَّمَا ï´¾في أوّل الآية؟ ونحن نعلم بشكل كلّي؛ أنّ لا نفع ولا فائدة ترفع لله سبحانه وتعالى من خلق الكون وعالم الممكنات كلّه، لا فقط إرادة التطهير وإذهاب الرجس، سواء قلنا أنّها عامّة لكلّ الناس أم خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام)، لأنّه لا يطلب النفع إلاّ من فيه جهة من جهات النقص يريد إكمالها، ونعوذ بالله جلّ جلاله من نسبة ذلك لله.
رابعاً: نحن لا ننكر أنّ هناك أحكاماً خاصّة بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن نقول:
إنّ إرادة الله التشريعية بالتطهير عامّة لكلّ المسلمين بلا جدال، فلا وجه لتخصيصها وحصرها هنا بأهل البيت(عليهم السلام)، إلاّ إذا كان للإرادة معنى آخر هو الإرادة التكوينية التي لا يتخلف المراد منها.
ثم إنّ هناك طريقاً آخر لا مجال للتفصيل فيه هنا، ولكن لا بأس بالإشارة إليه، وهو: لو سلمنا أنّ هذه الإرادة خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) وأنّها من التكاليف الخاصّة، فما هو السبب لهذا الإختصاص؟ إذ لابد من ميزة لهم في ذلك. والتأمل في هذه الميزة يقرب لك قولنا.
(1) التفسير الكبير 25: 209 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً)).
(2) لسان العرب 13: 31 مادة (أنن).
السؤال: (إنما) جاءت للحصر لا للتعليل
سؤال حول إشكال على آية التطهير، أشكل به علينا أحد العلماء من أهل السنة، وحاصله أنّه ما المانع من حمل كلمة (إنّما) الواردة في آية التطهير على التعليل لا على الحصر، وذلك نحو قولك: ((كل يا ولدي، انّما أريد أن تقوى وتصح))، بمعنى آمرك بالأكل لأنّي أريدك أن تقوى وتصح، فما المانع أن (إنّما) في قوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ (الاحزاب:33)، هي لا للحصر كما ندعي نحن الشيعة بل للتعليل.
وذلك، لأنّ (إنّما) إذا كانت للتعليل هنا، بطل استدلالنا بها على حصر التطهير بأهل البيت، وتعين إدخال نساء النبيّ معهم، وبذلك يبطل كون الارادة الواردة في الآية تكوينية،ويتم الجمع بين السياق وبين الروايات التي فسرت أهل البيت بأصحاب الكساء، وذلك لأنّ الأصل في الكلام هو جمع القرائن الداخلية والخارجية مع السياق، لأنّ الجمع مع التمكن أولى من العدول عن السياق، فإن تعذر الجمع قدمنا القرائن على دلالة السياق.
الجواب:
لا يمكن حمل (إنّما) على التعليل، لما نص عليه علماء اللغة من كونها أوضح أدوات الحصر.
نعم، أقصى ما يمكن أن يدّعى أنّها تحصر العلّة، كما في المثال الذي ذكره المستشكل ((كل يا ولدي إنّما أريد أن تقوى وتصح))، فمن الواضح أنّ (إنّما) جاءت هنا أيضاً للحصر ولكن لحصر العلة وسبب الأمر بالأكل فحصرت الإرادة بالقوة والصحة.
ولو قال: ((إنّما أريد يا ولدي أن تقوى وتصح))، لأصبح في قوله قصران، قصر الإرادة بالقوة والصحة وحصرها بولده، وهذا الذي جاء في آية التطهير ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾، فإنّ فيها قصران، قصر الإرادة، وأنّها خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام).
هذا ولا دخل لمعنى (إنّما) بمفرها في تعين المراد من أهل البيت، وإنّما لها دخل في تعيين المراد من الإرادة، وانّها التكوينية، سواء قلنا بان معنى (إنّما) للحصر أو لحصر العلّة، وسواء قلنا أنّ أهل بيت يشمل النساء أو لا، لأنّ الحصر عموماً لا يتوافق مع التشريع العام.
إذ يأتي السؤال: بأنّ إرادة التطهير التشريعية شاملة لكلّ الناس، فلمّا خصت هذه الارادة هنا بأهل البيت، حتى لو شمل النساء؟
ولكن لا يخفى أنّ هذا كلّه فيما لو ثبتت وحدة السياق وهي لا تثبت قطعاً، إذ من الواضح أنّ الروايات الصحيحة المستفيضة في سبب النزول تنص على أنّ هذا المقطع من الآية نزل وحده، إضافة إلى دلالة الآية على العصمة المخرجة للنساء.
السؤال: الفرق في معنى (التطهير) في الآية عن معناه في بقية الآيات
سؤالي يدور حول آية التطهير، فأبناء السُنّة يقولون: إنّ الآية كانت عادية، فلم ترفع أهل البيت إلى مستوى العصمة، واستدلّوا بقوله: ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾ (الأنفال:11)، ويقولون: إنّ التطهير كان في هذه الآية للمؤمنين، كما سبق في آية التطهير، فما الفرق بين الآيتان.
الجواب:
إنّ التطهير في قوله: ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾، وكذا في قوله: ï´؟ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِّن حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ ï´¾ (المائدة:6)، يختلف عنه في قوله: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33).
لأنّه هناك عامّ لجميع المسلمين، والمقصود منه فيهما رفع الحدث، سواء الوضوء كما في آية المائدة، أو الجنابة كما في آية الأنفال.
أمّا آية التطهير ففيها خصوصيات كثيرة، تجعلها لا تشابه أية آية أُخرى في ذكر التطهير، منها:
1- أداة الحصر ï´؟ إِنَّمَا ï´¾ فهي تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير.
2ـ كلمة ï´؟ أَهلَ البَيتِ ï´¾ سواء كان لمجرد الإختصاص أو مدحاً أو نداءً يدل على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله: ï´؟ عَنكُمُ ï´¾.
ففي الآية في الحقيقة قصران: قصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت(عليهم السلام).
3- قوله: ï´؟ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ يدلّ على العصمة، لأنّ المراد بالتطهير المؤكّد بمصدر فعله، هو إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل، ويكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعية.
4- اللام في كلمة ï´؟ الرِّجسَ ï´¾ لام الجنس، والمراد من الرجس كلّ ما يشين كما ذُكر في كتاب اللغة.
ففي الآيات الأُخرى من القرآن تتكلّم عن التطهير من النجاسات المادّية أو المعنوية، كالغسل والوضوء، أمّا في هذه الآية، فالطهارة هنا أعمّ وأشمل من كلّ نجاسة وقذر ومعصية وشرك وعذاب، فهي تتكلّم عن أعلى مراتب الطهارة لا مرتبة بسيطة من مراتب الطهارة، كما في الآيات الأُخريات.
وبالتالي فآية التطهير تدلّ على الطهارة بأعلى درجاتها، وهي ما نسمّيه بالعصمة، وأمّا ما سواها من الآيات التي تذكر تطهير المؤمنين فلا ترتقي قطعاً لهذه الآية ولا تشابهها، وإنّما تدلّ على طهارة مادّية أو معنوية، كالوضوء والتيمم والغسل وما شابه.
وأدلّ دليل على مدّعانا، ما رواه العامّة والخاصّة في الصحاح ـ كمسلم وغيره ـ من تطبيق النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهذه الآية بدقّة عالية، من جمع أهل البيت(عليهم السلام) المخصوصين بالعصمة معه، ووضعه الكساء عليهم، وعدم إدخال أحد معهم، حتّى أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة رفض إدخالها، مع مكانتها وتقواها، وبيّن اختصاص أهل البيت(عليهم السلام) بهذه الآية مع طلبها الشديد، وأخذها الكساء، فهي تخبرنا بأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جذب منها الكساء، وقال لها: (ابق إلى مكانك إنّك إلى خير)، وفي رواية: (أنت من أزواج النبيّ)، مع ما يحمله النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من خُلق عظيم، وعدم ردّ طلب أيّ أحد، ناهيك عن نساءه، بل أعزّ واتقى نساءه في زمانها ـ أي بعد خديجة ـ ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع.
ثمّ إخراج يده الشريفة من الكساء ورفعها إلى السماء، ودعا ربّ السماء بأنّ هؤلاء هم أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فأين هذه الآية من تلك؟
السؤال: معنى الرجس في آية التطهير
قوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33)، هل هذا الرجس معنوي أم مادي أم كلاهما؟
الجواب:
الرِجس - بالكسر فالسكون - صفة من الرجاسة, وهي القذارة, والقذارة هيئة في الشيء توجب التجنب والتنفر منها, وتكون بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير, قال الله تعالى: ï´؟ أَو لَحمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ ï´¾ (الأنعام:145).
وبحسب باطنه: وهو الرجاسة والقذارة المعنوية, كالشرك والكفر وأثر العمل السيء, قال الله تعالى: ï´؟ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجساً إِلَى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ ï´¾ (التوبة:125)، وقال الله تعالى: ï´؟ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ ï´¾ (الأنعام:145).
وأيّاًً ما كان؛ فهو إدراك نفساني وأثر شعوري من تعلق القلب بالإعتقاد الباطل أو العمل السيء وإذهاب الرجس - واللام فيه للجنس - إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطئ حقّ الإعتقاد والعمل، فتنطبق على العصمة الإلهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الإعتقاد وسيء العمل(1).
فالقرآن إذن يستخدم الرجس في الدلالة على القذارة المادية, كما يستعملها في الأمور المعنوية أيضاً، فلحم الخنزير هو من مصاديق الرجاسة المادية, والكفر من المصاديق المعنوية أي من مصاديق الرجس والقذارة الباطنية.
ومن الجدير بالذكر أنّ قوله تعالى: ï´؟ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ ï´¾ عامٌ شامل في إذهاب الرجس, وذلك لما تفيده (ال) في الرجس من العموم والشمولية, إذ هي إمّا أن تكون للجنس أو للإستغراق.
ولم يتقدم ذكر أو إشارة إلى الرجس في الآيات السابقة حتى تكون (ال) حينئذ عهدية, وهذه الشمولية تعني نفي الرجس عن هؤلاء البررة نفياً عاماً شاملا ً لجميع مستويات الرجس, فكلّ رجس وكلّ قذارة قد أذهبها الله تعالى عن هؤلاء البررة، وهو معنى العصمة.
(1) انظر: تفسير الميزان 16: 312 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ )).
السؤال: دلالة آية التطهير على عصمة الأئمة الإثني عشر(عليهم السلام)
كيف نثبت عصمة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من خلال آية التطهير، مع العلم أنّها نزلت بأصحاب الكساء الخمسة ولم تشمل باقي الأئمة(عليهم السلام)؟
الجواب:
أولاً: يمكن بيان قاعدة أصولية يذكرها علماء الأصول في كتبهم والمفسرون في تفاسيرهم، وهي: (أنّ المورد لا يخصص الوارد), أو (انّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب), بمعنى أنّ المورد الذي تنزل فيه آية ما فيها حكم معين أو إخبار عن قضية ما أو قاعدة كلّية لا يمنعها - أي المورد - عن العموم أو الشمول لما يمكن أن يدخل تحت عنوانها العام، وإن لم يكن حاضراً ساعة نزول النص, وإلاّ لأقتصرت الأحكام الشرعية أو الأخبار العامّة أو القواعد الكلّية الواردة في أيات القرآن على خصوص المخاطبين بها، وهذا ممّا لا يمكن المصير إليه.
ثانياً: نقول: إنّ عنوان (أهل البيت) شامل حسب أدلة خارجية متظافرة لباقي الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام)، الوارد عددهم في الحديث المشهور عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا يزال هذا الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)(1).
ومن تلك الأحاديث, حديث الثقلين المتواتر المشهور, حيث نجد أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذكر بشكل واضح أنّ التلازم بين القرآن والعترة (أهل البيت) متواصل إلى يوم القيامة, الأمر الذي يعني وجود أئمة غير الخمسة أصحاب الكساء هم من أهل البيت, وداخلون في عنوان أهل البيت المشار إليه في آية التطهير, فقد قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث الثقلين (إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر, كتاب الله وعترتي, فأنظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(2)، وأيضا قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي, ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّاً من بعدي, وليوال وليه, وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي, خلقوا من طينتي, رزقوا فهمي وعلمي, فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي, القاطعين فيهم صلتي, لا أنالهم الله شفاعتي)(3), وأيضاً ورد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (في كلّ خلوف من أمتي عدول من أهل بيتي, ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين, وإنتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين, ألا وإنّ أئمتكم وفدكم إلى الله عزّوجلّ, فانظروا بمن تفدون)(4).
ثالثاً: على أنّا لا نحتاج في تشخيص بقية المعصومين إلى أكثر من معصوم واحد يكون لنا المرجع في تعيين غيره, لأنّ عصمته تعين تنزهه عن المناحي العاطفية, أو الخطأ في التطبيق، كما هو واضح, ويكفينا من آية التطهير إثبات عصمة الخمسة الذين ضمّهم كساء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالفعل, وهم بدورهم يعينون لنا المعصومين من بعدهم, وهذا ما حدث بالفعل فقد جاءت مئات النصوص عن المعصومين بعضهم عن بعض في تعيين الإمام السابق للإمام اللاحق من بعده, فهنالك أحاديث نبوية ذكرها علماء العامة في كتبهم كـ(ينابيع المودة), و(تذكرة الخواص) بالإضافة إلى المجاميع الحديثية عند الشيعة الإمامية التي ذكرت هذا الأمر بكلّ وضوح, وعلى سبيل المثال يمكن مراجعة كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد، و(أعلام الورى) للطبرسي، لتطلع على جملة من هذه الأحاديث.
(1) صحيح مسلم 6: 4 كتاب الإمارة، باب ((الناس تبع لقريش والخلافة في قريش)).
(2) مستدرك الصحيحين 3: 109 ((وصية النبيّ في كتاب الله وعترة رسوله)).
(3) كنز العمال 12: 103 الباب الخامس ((في فضل أهل البيت، الفصل الأوّل)).
(4) ذخائر العقبى: 17 ((ذكر أخباره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّهم سيلقون بعده أثرة)).
يتبع
|