ترى في الاية رقم 1 اعلاه في قصة الرسول موسى ع لمّا لحق به فرعون وجيشه وكادوا ان يصلوا اليهم وشعر قومه واصحابه بانهم مُدرَكون ، قال لهم نبي الله واحد اولي العزم من الرسل ، كليمه موسى ع العبارة التالية :
قَالَ كَلَّا ( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي ) سَيَهْدِينِ ، فهنا مَعيَ جائت قبل ربي ويمكن ان يستقيم الكلام ايضا لو قال موسى ع ( قَالَ كَلَّا إِنَّ رَبِّي مَعــيَ سَيَهْدِينِ )
بينما ترى في الاية رقم 2 اعلاه ، ان الرسول الخاتم محمد ص في قصّة الغار لمّا رأى الجزع والحزن من صاحبه ، قال له التالي :
لاَ تَحْزَنْ ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) ، ويمكن ان يستقيم الكلام ايضا لو قال سيد الرسل والانبياء ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ مَعَنَا الله ) اي كموسى لمّا قدّم "معي" على "الله "
الفرق في المعنى الظاهري قد لا يوجد ، او لا ينتبَه اليه ، ولكن هناك فرق حقيقي كبير يسجّله القرآن ويثبته الاعجاز ودقّت الوصف التي تناسب المقام والحال ،
(( الفرق بين التعبيرين هو نابع من مقام القرب الإلهي ، وما يترتب عليه في وجود الانسان ))
فهذا الذي هو خاتم الرسل والانبياء وخاتم مراتب القرب الى الله ، وصاحب مقام قاب قوسين او ادنى ومظهر اسم الله الاعظم وواسطة الفيض الإلهي لعالم الامكان وغيرها كثير من مراتب القرب والفضل التي لا تُعد ولا تحصى ،
فهذا كله له اثره في ذلك الموجود النوراني المقدّس الذي يرى الله في كل شيء ( أو لا يرى إلا الله - كما في فلسفة التوحيد الفاعلي ) وهو منفني الذات في الله ، فبالتاكيد لا يرى لنفسه شيء ولا يرى شيء الا بالله ولله ومع الله وفي الله ، ويكون لسان حاله ومنطقه لمّا يتكلم ان يقدم اسم " الله " على " معنا او معي " وليس صدفتاً او دون قصد كما يتوهمه او لم يحسه المتلقي من هذا التعبير ، بل وحاشا الله ان يكون كتابه المبين كذلك بل هو الحق الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .*
ولكن لا يعني هذا الامر في درجة ومقام ادنى من مقام الخاتمية المحمدية ان يكون مقام الرسول موسى ع وتعبيره ( ان معي ربي ) فيه مؤاخذة على الرسول المعصوم والمصطفى من الله ولقد علمنا من سياق الاية ان موسى ع كان قد وصل الى اعلى مراتب الايمان والثبات بالله ولذلك لمّا خشى قومه ان يدركهم فرعون وجنده وقد ضاقت بهم السبل وشارفوا الى حد البحر ، كان موسى ع واثقاً من رحمة ولطف الله به وبقومه ، وكان تعبيره عن هذا قد اكّده القرآن ليكون عبرةً وآيةً لمن بعده ، إلا انه لكونه لم يصل لما وصله الرسول الخاتم محمد ص كان الاثر والتعبير مختلف ومتناسب مع المقام ، فتأمّل*