بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وضّح الشيعة وبيّنوا بما لا يترك مجالاً للشك دلالة حديث الغدير على إمامة وخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) .. يطرح البعض الشبهة التالية :لو كان حديث الغدير واضح الدلالة على إمامة وخلافة علي بن أبي طالب "(عليه السلام)"، فكيف أعرض عنه هذا العدد من الصحابة ؟!
نجيب عن ذلك ، بالأمور التالية :يكفي أن الصحابة قد فهموا مدلول حديث الغدير ، ويتضح ذلك في الحادثتين الآتيتين :
1ـ تهنئة أبي بكر وعمر لأمير المؤمنين "ع" بالولاية ، وقد ذكر ذلك من علماء السنة: الحافظ ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والحافظ أبو يعلى، والحافظ ابن عقدة، والدارقطني، والبيهقي ، والخطيب البغدادي ، وابن حجر ، وغيرهم .
2ـ جاء في كتاب (وقعة صفين) للحافظ السني إبراهيم بن ديزيل بسنده عن رباح بن الحارث النخعي ، قال : "كنت جالسا عند علي (عليه السلام) ، إذ قدم عليه قوم متلثمون ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا ، فقال لهم : أو لستم قوما عربا ! قالوا : بلى ، ولكنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ،وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .
قال : فلقد رأيت عليا (عليه السلام) ضحك حتى بدت نواجذه ، ثم قال : اشهدوا .
ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم فتبعتهم ، فقلت لرجل منهم : من القوم ؟ قالوا : نحن رهط من الانصار ، وذاك – يعنون رجلا منهم - أبو أيوب صاحب منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال : فأتيته فصافحته" .
ورجال السند كلهم ثقات .. وقد روى هذه الحادثة أيضاً : أحمد بن حنبل في ( فضائل الصحابة ) ، وذكره الألباني في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) وقال : "وهذا إسناد جيد رجاله ثقات" ، ورواها الطبراني في المعجم الكبير .
لقد صحّ عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال : "إنه مما عهد إليّ النبي : أن الأمة ستغدر بي بعده" ،رواه الحاكم في المستدرك وصححه ، وكذلك الذهبي في تلخيصه ، وممن رواه أيضاً : ابنأبي شيبه والبزار والدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .
فالانقلاب على علي "(عليه السلام)" حقيقة أخبر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم .
امتلأت صحاح أهل السنة – كالبخاري ومسلم - بالروايات النبوية التي تذكر الانقلاب على الأعقاب والتغيير والتبديل بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، فمنها "ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا ... فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" .
وفي رواية أخرى "فلا أراه يخلص من همإلا مثل همل النعم" .
فلماذا العجب من الانقلاب على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مبايعته يوم الغدير ؟!
لم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) وحيداً في موقفه ، بل وقف معه عدد من الصحابة الكرام المخلصين ، أبرزهم سلمان المحمدي والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري ، وقد ذكر المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين من روّاد التشيع من الصحابة ما يربو على مائتين .
وقد قال رسول الله "(صلى الله عليه وآله)" : "علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" . رواه الطبراني الحاكم النيسابوري وصحّحه .
فاتباع علي (عليه السلام) واجب ، وإن قلّ متبعوه .
لو رجعنا إلى تاريخ الصحابة ، سنجد الكثير من المواقف المشابهة من اجتهادات مقابل نص الرسول(صلى الله عليه وآله) ومخالفات لأمره (صلى الله عليه وآله) ، فمن هذه المواقف:
1- يوم أحد : حيث أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)الرماة بالبقاء على جبل عينين وعدم تركه ، إلا أن الرماة خالفوا أمر الرسول (صلى الله عليه وآله)طمعاً في الغنائم فأخلوا مكانهم ، وفي هذا اليوم أيضاً نزل قوله تعالى "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْقُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ" .
2- صلح الحديبية :حيث لم تعجب المسلمين شروط ذلك الصلح وأثارت حفيظتهم ، حتى أن عمر بن الخطاب أتى أبا بكر فقال : "أليس برسول الله ؟ قال : بلى ، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى، قال : أوَ ليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطى الدنيّة في ديننا" .
3- رزية الخميس : فقبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر الصحابة بإحضار ما يكتب عليه وصيته التي تمنع الأمة من الضلال ، ولكن قسماً منهم رفض ذلك حيث قال عمر : "إن رسول الله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله" ، وقالوا : "هجر رسول الله" !! . فخالفوا بذلك أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاوحي يوحى .
إلى غير ذلك من المواقف ، تجدها في كتاب "النص والاجتهاد" للإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي .
لقد حصلت هذه المواقف في حياته (صلى الله عليه وآله) وبمرأى منه ، فلماذا العجب من حدوث مخالفات لأوامره (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته ؟!!
ختاماً نترككم مع بعض الآيات القرآنية من سورة الأعراف ، حيث تقصّ لنا ما فعله قوم موسى (عليه السلام)بعدما رحل وأخلف فيهم أخاه هارون (عليه السلام) ، وهو مشابه لما وقع على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو الذي من الرسول (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى :
الآية 142 :
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَاخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ .
الآيات من 148- 150 :
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْحُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَيُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ.وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَب ِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .
تراث الصحابة و ما يعتقدونه بالتفصيل قد اندثر و لم يوثق.
و ما وصل الينا هو حالات انتقائية من التدوين في مذهب أهل السنة على هوى بني أمية و من حذا حذوهم بعد ذلك.
الاعلام الاموي روج الى فكرة قداسة الصحابة و المفهوم القرشي بحكم انتمائه الى هذا الثقل في مقابل منافسه ثقل آل البيت و انتمائهم الهاشمي. ( الثقل المنافس في الزعامة).
مع أن الخلفاء الثلاثة الأوائل هم أول من تبنى هذه الفكرة في صورتها البدائية ( طور الجنين)
و كان الثمن ( الرشوة) هو الاعطيات و الجاه الذي حصل عليه معظم الصحابة بموالاتهم للحكام أو سكوتهم عن اقصاء آل البيت. و هذا الثمن و ان كان كثيرا على مستوى الصحابة الا أنه كان قليلا و مقدورا عليه من الأموال المتحصلة و المجتباه من الفتوحات و الشعوب المقهورة.
أي جعلوا من الصحابة شعب الله المختار ( مثل اليهود).
و لذلك لم يحفظ هذا التراث يشكل موثق الا عند الطرف الآخر الذي رفض هكذا رشوة و هم آل البيت و اتباعهم.