قصة يوسف بين التوراة والقرآن.
مصطفى الهادي.
من اسرار هيمنة القرآن على الكتب السماوية انه يكشف المزيف من الصحيح ويرفع الحيف الذي لحق الانبياء على يد اتباعهم، الله تعالى لا يلغي النصوص الصحيحة التي بقيت في الكتب المقدسة بل يُصحح ما تحرّف منها سهوا او عمدا. ثم يُشير إلى ذلك بوضوح فيقول : (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم).
اهتم القرآن بقصص الامم الماضية وامرنا ان نستمد العبر منها ولذلك نرى القرآن حفل بمختلف انواع قصص الامم الماضية نشوءها اسباب زوالها وما حاق بها نتيجة سوء اعمالهم.، ومن بين هذه القصص حكى لنا القرآن طرفا من قصة سيدنا يوسف عليه السلام وعلاقته باخوته ومدى حب أبيه له، فكان رمز هذا الحب هو (القميص) الذي ركزت عليه التوراة والقرآن بشكل واضح.
هذا القميص على ما يبدو ان له سرا عجيبا، التوراة تقول أن القميص قام يعقوب بنسجه من خيوط الكتان بيده حبا منه لولده يوسف كما نقرأ في سفر التكوين 37: 3 (( وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه ، فصنع له قميصا مُلونا)).
وهذا القميص لم تمض عليه فترة حتى غمسه اخوة يوسف بالدم ثم بدأت رحلة هذا القميص حسب روايات التوراة إلى ان البسه موسى لأخيه هارون علامة له على انه مساعده يخلفه في قومه من بعده.
وهو القميص المخرم كما في سفر الخروج 29: 5 (( وتأخذ الثياب وتُلبسُ هارون القميص)). وهونفسه القميص المقدس كما نقرأ في سفر اللاويين 16: 4 (( يلبس ــ هارون ــ قميص كتانٍ مقدس)).
فهذا القميص هو وراثة يتداولها بنو يعقوب حتى الجيل الرابع حيث لفّت أم موسى ولدها الرضيع فيه بعد أن وضعته في التابوت. ثم كساه موسى لأخيه هارون كما ذكرنا في النص أعلاه.
ثم انتقل هذه القميص في بني إسرائيل إلى أن ارتداه السيد المسيح ، وهو القميص الذي طُعن فيه كما نقرأ في إنجيل يوحنا 19: 23 (( وأخذوا القميص . وكان القميص بغير خياطة، منسوجا كله من فوق)). وهذا القميص هو ضمن مواريث الانبياء مثل التابوت وعصاة موسى والكتب المقدسة وخاتم سليمان وبساطه وغيرها وكلها سوف يتم تسليمها للمهدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. هذا إلى الكثير من الروايات التي تقول ان هذا القميص من الجنة نزل مع آدم عليه السلام . ( 1)
نأت إلى قصة يوسف .
يحكي لنا سفر التكوين (2) قصة يوسف ويبدأ بقميصه فيقول : وسكن يعقوب في أرض كنعان، يوسف إذ كان ابن سبع عشر سنة، وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه فصنع له قميصا ملونا، فحسدهُ اخوته .
وحلم يوسفُ حلما فقال لهم: إني قد حلمت. وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدةُ لي ــ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ـــ (3) وقصهُ على أبيه،
فازداد حسد اخوته له فقال إسرائيل ليوسف: اخوتك يرعون اذهب وانظر سلامتهم إخوتك فلما ابصروه احتالوا ليُميتوه.هوذا صاحب الاحلام قادم . هلم نقتله ونطرحهُ في إحد الأبار ونقول : وحشٌ أكله. ولما جاء يوسف عند اخوته خلعوا قميصهُ وأخذوه وطرحوه في البئر ــ اقتلوا يوسف ..
قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة.(4) فقال لهم رأوبين اخوه لا تقتلوه والقوه في البئر يأخذه الرعاة. فأخذوه وطرحوه في البئر.
فاجتاز رجال مديانيون تُجارٌ، فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف بعشرين من الفضة لفوطيفار خصي فرعون، فأتوا بيوسف إلى مصر ــ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ــ فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسا وغمسوه فيه وأحضروه إلى أبيهم وقالوا : وحشٌ رديء أكله، افترس يوسف افتراسا.
فمزق يعقوب ثيابه وناح على ابنه ــ وجاءوا على قميصه بدمٍ كذب. ثم رأت يوسف سيّدة القصر وقالت له اضطجع معي ليس في هذا البيت اعظم مني. فقال يوسف : كيف اصنع هذا الشر العظيم وأخطئُ إلى الله؟ ــ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ــ
فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معي فترك ثوبه في يدها وهرب فصرخت بصوت عظيم ونادت اهل بيتها رجلٌ عبراني دخل ليضطجع معي.
فسمع سيدهُ فحمى غضبه فأخذ يوسف ووضعه في السجن ــ واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن ــ
وحدث أن ساقي ملك مصر والخباز أذنبا إلى سيدهما فسخط عليهما فوضعهما في حبس يوسف . وحلما حلما كلاهما فقال لهما يوسف : قصا علي فقص الساقي حلمه وقال : كانت كأس فرعون في يدي فأخذت العنب وعصرته في الكأس واعطيت الفرعون، فقال يوسف في ثلاث أيام يرفع فرعون رأسك ويردك إلى مقامك.
ولكن اصنع لي احسانا اذكرني لفرعون ، ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيهُ.
فقال رئيس الخبازين ليوسف إذا ثلاث سلال على رأسي. وفيها طعام فرعون من الخبز والطيور تأكلهُ من السلّ على رأسي. فأجاب يوسف الثلاث سلال ثلاث أيام. في ثلاث ايام يرفعك فرعون ويُعلقك على خشبة، وتأكل الطيور لحمك عنك ــ يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ـــ
وبعد سنتين أن فرعون رأى حلما سبع بقرات سمينة، وسبع بقرات رقيقة اللحم أخرى فأكلت البقرات السمينة ، وهوذا سبع سنابل على ساق واحدة حسنة. وهوذا سبع سنابل رقيقة وملفوحة فابتلعت السنابل الممتلئة. واستيقظ فرعون فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها. وقص عليهم فرعون حلمه، فلم يكن من يُعبّرهُ لفرعون.
فتذكر رئيس السقاة يوسف وذكره لفرعون وقال كان معنا غلام عبراني فعبّر لنا حلمينا. فأرسل فرعون ودعا يوسف، فدخل على فرعون فقال له : حلمت حلما وليس من يعبره فقال يوسف : حلم فرعون واحد البقرات السبع الحسنة هي سبع سنين، السنابل السبع الفارغة تكون سبع سنين جوعا. ويتلف الجوع الارض لانه يكون شديدا جدا ــ وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون. وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمةٍ أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون. يوسف ايها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ـــ
فالآن لينظر فرعون رجلا بصيرا وحكيما ويجعلهُ على أرض مصر.فيجمعون جميع طعام هذه السنين ويحفظونه فيكون ذخيرة لسبع سني الجوع، فحسن الكلام في عيني فرعون فقال فرعون ليوسف قد جعلتك على كل أرض مصر وخلع فرعون خاتمهُ وجعله في يد يوسف ــ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ــ
وجاءت كل الأرض إلى مصر إلى يوسف لتشتري قمحا لأن الجوع كان شديدا، فلما رأى يعقوب أنهُ يوجد قمع في مصر قال لبنيه : انزلوا إلى هناك واشتروا لنا. فنزل عشرة من إخوة يوسف ، واما بنيامين أخو يوسف فلم يرسله يعقوب مع إخوته،
ولما نظر يوسف اخوته عرفهم، فتنكر لهم. وأما هم فلم يعرفوه. فقال لهم : لا تخرجون من هنا إلا بمجيء أخيكم الصغير إلى هنا. (5) فليُحبس واحد منكم ، وانطلقوا أنتم وخذوا قمحكم واحضروا أخاكم الصغير ــ ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ــ
فجاءوا إلى يعقوب أبيهم، وأخبروه بكل ما أصابهم وقالوا قال لنا سيّد الأرض أحضروا أخاكمُ الصغير. فقال لهم يعقوب : أعدمتموني الأولاد يوسف مفقود وبنيامين تأخذونهُ. ثم أمر يوسف قائلا أملأ عدال الرجال طعاما وطاس الفضة تضعُ في عدل الصغير. فلما اضاء الصبح انصرف الرجال ،
قال يوسف للذي على بيته قم اسعَ وراءَ الرجال وقل لهم لماذا جازيتم شرا عوضا عن خير. أليس هذا الطاس الذي يشرب سيدي فيه ؟ فقالوا كيف نسرق من بيت سيّدك؟ فقال : الذي يوجد معهُ يكون لي عبدا. ففتش مبتدئا من الكبير حتى انتها إلى الصغير فوجد الطاسُ في عدل بنيامين ــ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه ـــ
فقال يوسف لإخوته تقدموا إلي . أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر. أسرعوا واصعدوا إلى أبي وقولوا له : هكذا يقول ابنك يوسف قد جعلني الله سيدا لكل مصر. أنزل إلي لا تقف .
فجاءوا إلى أبيهم فأبصر العجلات التي أرسلها يوسفُ لتحمله. فعاشت روح يعقوب أبيهم.
النص التوراتي لهذه القصة جاء طويل وممل وفيه تكرار وتفاصيل اخرجت القصة عن الموضوعية ، فجاء القرآن فاختصر القصة وصحح ما ورد فيها من اخطاء.وانا ازلت المكرر منها لتظهر بصورة مختصرة . والذي نستفيده من الرواية أعلاه أن التوراة لم تذكر عمى يعقوب على ولده يوسف ،ولم تذكر القاء القميص على عينيه فرجع بصره ، ولكن لعلنا إذا تمعنا في آخر الفصل نجد : (فجاءوا إلى أبيهم فأبصر العجلات التي أرسلها يوسفُ لتحمله. فعاشت روح يعقوب أبيهم)
ومن هذا النص لربما نستشف أن يعقوب كان فاقدا بصره ولما اتته ريح يوسف من المركبات وهي على مسافة منه رجع بصره اليه وهو ما اكده القرآن فقال : (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأحد ريح يوسف). (6)
هذا ما استخلصناه من عبر في دمج القصتين من التوراة والقرآن ، واما في الإنجيل فقد جاء على ذكر قصة يوسف بصورة مختصرة ولم يذكر فيها سوى ان يوسف استعلن على ملك مصر وان مجاعة ضربت مصر ثم انفرجت واستدعى يوسف اهله ليسكنوا مصر .
المصادر .
1- جاء في الروايات أن نمرود لما ألقى إبراهيم في النار احترقت ملابسه وبقي عاريا، فنزل إليه جبريل بقميص وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة، وبقي القميص عند إبراهيم حتى كساه إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، وكساه يعقوب ليوسف ، فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود إليه بصره لما فيه من ريح الجنة؛ لأن ريح الجنة لا يقع على مريض إلا شفي ولا مبتلى إلا عوفي.
2- سفر التكوين 37: 3 .
3- سورة يوسف آية 12.
4- سورة يوسف آية : 10.
5- ابناء يعقوب هما يوسف وبنيامين من ام واحد كما في سفر التكوين 35: 24 (وابنا راحيل : يوسف وبنيامين. وهو أخوه الذي أخذهُ من اخوته في مصر).
6- سورة يوسف آية 94.