كان لضربة سيفٍ واحدة ، أو طعنة رمح ٍ لاغير ، أن تغير وجه الإسلام ، وأن تقتلع جذور الدولة الاموية قبل إنباتها ، حين دعا علي بن أبي طالب غريمه معاوية بن أبي سفيان للمبارزة في صفين ، على أن يتولى الأمر من ينتصر منهما ... لكن معاوية الداهية ، بعيد النظر ، والقاريء الجيد لظروف الناس ، والمغرم بالحياة ، والعارف تماماً بقدرات خصمه ، أكثر ذكاءاً بكثير من الوقوع في فخٍ كهذا !!! ... فربح حياته ، وربح النتيجة أيضا ً !!! .
أما زعماء الكتل السياسية الأغبياء في العراق فقد جازفوا بكل شيء من أجل وزارة !!!! ... نعم وزارة فقط ، لا خلافة ... ربما لأن المُراهَن به في هذه المرة هو السمعة وليست الحياة ... فمن يهتم لسمعته في عالم ٍ لا يعرف إلا المال !!! ؟؟؟ .
نعشٌ وثمانية مسامير :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لست علياً وهو يوصي عماله .. ولست أرسطو الذي عَلَّم الإسكندر .. ولا أدعي أنني ميكافيللي ... لكنني أزعم انني قاريء واعٍ للكلمة ، وللتاريخ ، ولما بين السطور ، حتى صار الكتاب هوسي في هذه الدنيا ، ولم أتزوج غيره !!! ... وما أراه هو عصارة فهمي لظروف تكليف الدكتور حيدر العبادي بتشكيل الحكومة ، سألخصها بالنقاط لتسهل متابعتها ، وأتمنى على الدكتور العبادي أن يقرأها بترو ٍ ، وصبر ٍ ، و ذهن ٍ متفتح ، وبلا مكابرة .*
لم يكلفك زعماء الكتل بتشكيل حكومة ، بل سلموك حكومةً ميتة ً ، ومعها نعشها المفكك ، وسلموك بضعة مساميرٍ لتكمل صناعة النعش ليس إلا !!! ... فإذا أحييت الميت ( ولستُ غبيا ً لأنتظر هذا !!! ) فلله درك يا حيدر ، وإذا سقطت َ كغيرك فلن يعفيك أحد ، ولن يغفر لك شعبك و أنا أولهم ، ولن نتذكر حينها أنك إنما دفنت ميتاً لا غير ، وأنت بريء ٌ تماما ً من دمه ... هذا الشعب لا يرحم يا حيدر ، وكان عليك ان تكون حذرا ً .
المسامير :
ــــــــــــــــــــ*
1. قيل أن عمر بن الخطاب قال لعمرو بن معدي كرب : أرني صمصامتك التي إشتهرَتْ بفتكها بين الناس ، فأعطاه إياها ، فتفحصها ، وهزها في يده ، وقال : أراها قصيرةً يا عمرو !!! ، فأجابه : أطيلها بخطوتي يا أميرَ المؤمنين !!!!!! .
يستطيع الشجاعُ أن يطيل سيفه بالقفز إلى الأمام لينال به من خصمه ، لكنه لا يستطيع فعل شيءٍ أبداً حين يكون سيفه أطول منه ... السيفُ الطويل يعيقُ حاملَه يا صديقي!!! ... ووزرائك كلهم سيوف طوال سيكونون عبئاً ثقيلاً عليك ... وسيتعبونك مرتين ... مرة بوزاراتهم التي سيتصرفون بها كما يريدون لا كما يريد رئيس حكومتهم ... ومرة ً بتدخلهم في غير شؤون وزاراتهم لأنهم زعماء كتل !!!! .
هذه الوزارة شُكلت قبل تكليفك بشهرين على الأقل ... وأعتقد انها شكلت قبل إرسال هادي العامري ليقود تشكيلات الدفاع عن بغداد وتحرير آمرلي ... فتعيينه وزيراً للداخلية حصل منذ ذلك اليوم !!!! .
قرأت ُ كثيرا ً ، وتأملت ً كثيرا ً ، وأتعبت ذهني أكثر ، ولم أجد عاقلا ً واحدا ً في التاريخ حاول أن يحل المشكلة بالمشكلة ... هذه القيادات هي جزء من المشكلة ، فكيف تأتينا بالحل ؟؟؟؟ .
لا أريد الحديثَ عن الشاعر ولا المناسبة التي سخر فيها من عملية ترقيع الخرق بالخرق كي لا يسميني البعض ُ متهتكا ً !!!!!!!!!!!!! .
2. أنت لم تستلم بلدا ً لكي تشكل فيه حكومتك ... لقد سلموك أنقاضَ بلدٍ ، وبقايا عراق ، وأطلالَ دولة ... داعش وبقايا البعث يحتلان ثلثه ... وزعماءُ الكرد قد تحالفوا معهم قبل أن ينقلب السحرُ على الساحر ... وجيرانه طامعون ... و جيشه مهزوم ... وقياداته خائنة ... وميزانيته خاوية ... و زعماء كتله متنافرون كالضرائر ... ونوابه فاسدون ولصوص ... و موظفوه مرتشون ... وشعبه بين عشائريٍ متخلفٍ منفلت ، وبين مثقفٍ محبطٍ يائس ... وبنيته التحتية منهارة تماماً ... هذا كله بمسمارٍ واحد !!! .
3. أقبل الشتاء ولديك مليوني مهجر في الخيام ، وفي الخرائب ، ينهشهم الجوع ، ويهددهم البرد ، وتنقصهم الحيلة ... و أمامك شهرٌ واحد للحركة لا غير ، فأنظر لنفسك !!! .
4. أنت قد ورثت َ كرةً هائلةً من ثلج البطالة المقنعة ، والرواتب التي تشكل عبئا ً ثقيلا ً على ميزانية الدولة ، وعما قريب ، قريباً جدا ً ، ستعجز ميزانية العراق عن توفير كل هذه الرواتب ... ملايين الشهداء ، والمتقاعدين ، والأيتام ... المالكي إنتقل إلى منصبه الجديد نائباً لرئيس الجمهورية ونقل معه الألوف من تابعيه ورواتبهم ... والنجيفي فعل مثله وربما أكثر ... وعلاوي لا يرضى بأقل من ذلك ... وهكذا سيفعل كل مسؤول يترك وظيفته ... وبيني وبينك ، أرى أن العملية لا تختلف عن تقسيم تركة ٍ لمتوفٍ ، و إقتسام غنائم علني ، ولا علاقة لها بالسياسة ، و لا بحكم بلد على الإطلاق !!!! .
5. تطوع ثلاثة ملايين عراقي إستجابة ً لنداء المرجعية بفتوى الجهاد الكفائي ... وهؤلاء سيشكلون مسماراً جديدا ً في نعشنا الجاهز ... فمن يرفض بعضهم سيكون كافرا ً بالله ، ومارقاً من الدين ، وخائناً بحق الوطن ... ومن يقبلهم جميعا ً ، عليه أن يوفر رواتباً لثلاثة ملايين عسكري !!! ... وهذه تكلف بحساب 500 دولار شهريا ً للمتطوع : 18 مليار دولار ٍ سنويا ً ... فاذا اضفنا لها مصاريف الطعام و السكن والنقل والتدريب والتجهيزات وادامة السلاح والنفقات الادارية وبعض السرقات فهذا يعني أنك بحاجة لنصف ميزانية العراق لتلافي هذا المسمار ... وهذه ليست بالعملية السهلة بوجود باقي المسامير ، ولكثرة المطارق من حولك !!! .
قرار مثل هذا لايجوز أن يتخذ دون مشاورات ذوي المعرفة ، مهما كانت مكانة من يتخذه ، فالأمور تُحسب بعواقبها !!!! .
6. أنت تتعامل مع زعماء عصابات يتربصون بك ، و لا تتعامل مع شركاء يساعدونك في بناء الوطن ... ينطبق هذا الوصف على شركائك في الحكومة ، ولقد وضحت هذا في الجزء الأول من هذا المقال ( مفاهيم 35 ... معضلة حكم العراق ) ، وهؤلاء لا يريدون الإتفاق ، بل غايتهم إفشال عمل الحكومة مهما فعلت ، لأنهم ببساطة ينفذون أجندات خارجية غايتها تخريب العراق ، ولا علاقة لها بشيءٍ إسمه وطن .*
7. إصرار المالكي أن يكون نائباً لرئيس الجمهورية ، ومثله النجيفي ، هو لعبة ذكية للإفلات من المسائلة عن جرائم ، وإخفاقات ، وتجاوزات الفترة السابقة ... وهذا إضعافٌ لجكومتك ، وإلغاء لدور القضاء ، وإفلات من العقاب .
8. أنت تعمل بلا رئاسة جمهورية !!!! ... فالخراب الذي دخل وزارتك بنوعية الوزراء ، دخل مثله لرئاسة الجمهورية بصفة نواب لرئيس الجمهورية ... ولا أدري أي لقاءٍ فيه مصلحة العراق ، وأي قرار يبشر بخير ، سيحمل موافقة هؤلاء الثلاثة من نواب رئيس الجمهورية ؟؟؟ .
أثنتا عشرة وصية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ*
إذا كان ولا بد من إرتداء حذاء ٍ مثقوب ، في جو ٍ بارد ٍ ماطر ، وفي أرضٍ طينية ، فأوصيك أن تحفظ ما يلي :
1. فكِّر في الإتجاه لا في المنجز ، فنحن لا ننتظر منك معجزة ، ولا نبحث عن إنجازات غير ممكنة ... كلنا نعلم صعوبة التحديات والمصاعب و الإملاءات و المحاصصة التي تواجهك ... كل ما نريده منك هو أن تضعنا على أول الطريق ... لتكن البداية سليمة وسنذكر لك هذا الجميل إلى آخر الزمان .
لقد سرقوا إيماننا بالوطن فأعده إلينا ...
لقد سرقوا إيماننا بالله فأعده إلينا ...
لقد سرقوا شعورنا بالكرامة فأعده إلينا ...*
لقد سرقوأ خبز أطفالنا ، وبسمتهم ، ومستقبلهم ، وأمنهم ، فأعده إليهم ...
أعد ثقة الشيعي بالسني ... والسني بالشيعي ... والكردي بالعربي ... والعربي بالكردي ... والمسيحي والصابئي بالمسلم ... والأيزيدي بالكردي والعربي والمسلم... وقبل ذلك ثقة المواطن الفقير بالسياسي اللص ، وبرجل الحكم والدين ، المنافق والتاجر ، و الذي صار ذئباً لا راعيا ً !!! .
2. إياك وتقريب العشيرة !!! ... فهي نصف خراب الذمم !!! ... أنت لكل العراقيين ولست لعشيرتك ... ولن تستطيع إرضاء عشيرة كبيرة ... فعبادة هي عقيل ، وعقيل هي عامر ، وهي قيس ، وهي خفاجة ، وهي كعب ، وهي هلال ، وهي وهي وهي ... فكيف سترضي الجميع ؟؟؟ .*
أفتح لهم باب بيتك إذا أردت ، وأغلق أبواب الحكومة ... ولا تعينهم على باطل ... وسأضع في أذنك حقيقة ً صغيرة ، فشرفاء العباديين لن بقصدوك ، ولن يعينوك على باطل ، وسيعملون على الحفاظ على سمعتهم بالمحافظة على نزاهتك ، وسيطلبون منك أن تكون لغيرهم قبل أن تكون لهم ... أما العبادي التافه و الوضيع فسيطرق باب بيتك !!! ... أنا شخصيا ً لن أعتبرك قريبا ً لي طيلة فترة بقائك في الحكومة ، و أدعو جميع عبادة لأن تفعل ذلك ... وليعصبها كل عبادي غير شريف تضرر من هذا المقال برأسي ، وليشتمني ما شاء .
3. العراق في وضع إقتصادي مريب ... وفساد السنين السابقة يهددنا بإحتمال اللجوء لمصيدة الإقتراض من البنوك الدولية التي يسيل لعابها لمقترضٍ قادرٍ على دفع الفوائد كالعراق ... فإحذر ، إحذر ، إحذر من هذه المصيدة ... ولا تدعها تمر ولو على جثتك !!! .
4. تسلح بالقوة وإياك أن تضعف ، فالحاكم الضعيف مسخرة ... ستتحمل وزر ضعفك وحدك ، و سيتركونك ضعيفا ً ويرحلون ... إذا رفض أحدهم أن يتصرف كعضوٍ في حكومة ترأسها انت ، وإذا تمرد عليك ، فإخلعها فهي مثقوبة ، وتذكر قول علي بن أبي طالب لابن عباس ، حاملا ً نعله المخصوف بيده : (( والله : إن هذا أحب إليَّ من إمرتكم ، إلا أن أقيم حقا ً ، أو أدفع بها باطلا ً )) .
5. تسلح بالنزاهة ، فالحاكم الفاسد لصٌ وتاجرٌ أحمق ، وهو كالعاهرة التي تقايض سمعتها بالمال تماماً !!! ... بل العاهرة أشرف منه ألف مرة ، فلربما دفعتها ظروف قاهرة لهذه التجارة !!! .
6. تسلح بالعدل ... فالظالم مدعو ٌ عليه !!! .
7. رضا الناس غاية ٌ لا تدرك ... لكن رضا العقلاء الشرفاء غاية ٌ تدرك ، فأحرص عليها بجميل عملك ... و إياك والشعور بالعجز ، فحيثما تكون هناك رغبة حقيقية ، وإرادة صادقة فليس هناك من مستحيل ، على الأقل في التوجه لا في الإنجاز .
8. أحسن إختيار مستشاريك ، و إياك والإنفراد برأيك .
9. لإسمك ثمنٌ وعليك أن تدفعه !!! ... ففي بعض البلدان العربية حين يختار الأب إسما ً لولده ، يطالبه حامل الإسم من جيرانه أو اقربائه ، أو ولي أمره ، إذا كان طفلا ً ، بدفع ثمنه ... وعليه أن يدفع خروفا ً ، أو ديكا ً ، أو علبة ً من الحلوى لأهل الجار الذي يحمل نفس الإسم ... وأنت تحمل إسم حيدر يا حيدر ، وهذا إسم لا يقدر بثمن ... فإحرص على دفعه كاملا ً لأيتام عليٍ (صاحب الإسم الأول ) من فقراء العراق !!! .
10. إشتهر في بغداد ، في القرن العشرين ، طبيبان يساعدان الفقراء ويقومان بفحصهم مجانا ً ... أحدهما سني وهو المرحوم إسماعيل ناجي ، شقيق الدكتور النابغة ، وأستاذنا الأكبر ابراهيم ناجي ، والآخر شيعي وهو والدك المرحوم الدكتور جواد العبادي ... والوفاء لهذا الإسم يقتضي منك الكثير فكن أهلا ً لهذه المسؤولية ، وسأذكرك بقصة هند زوجة الحجاج بن يوسف الثقفي ، المرأة الشريفة الأصيلة وسليلة النسب ... مرَّ الحجاج بغرفتها يوماً فسمعها تخاطب جنينها في بطنها ، وكانت حاملاً من الحجاج ، وتقول :
وما هند إلا مهرة ٌ عربيةٌ .... سليلة ُ أفراسٍ تحلَّلها بغلُ
فإن أنجبت مهراً فلله درها ... وأن أنجبت بغلا ً فما أنجب البغلُ
وعليك ان تفهمني !!!! .
11. الشرفاء والمنصفون سينتظرون عملك ليحكموا عليك ، أما التافهون فشتائمهم جاهزة ... ولقد قاموا يتعريتك في المطارات سابقا ً ، و فتحوا لك دكانا ً لبيع الكبة ، وأنت ابن جواد العبادي !!! ... وهؤلاء التافهون لا قيمة لهم ، ولن يلجمهم إلا عملك ، ونزاهتك ، و رضا الشرفاء عنك ... أما من يريد شتمك بعدها فإنما يشتم نفسه ، وستقف كل الناس ضده !!! .
12. تنتظرك المهمة الأولى ... المسيحيون ، والأيزيديون ، والشبك ... ثقتي بك مرهونةً بما ستفعل لهؤلاء ... الشتاء قادم ، و معاناتهم كبيرة ، وأحزانهم أكبر ، والمهمة ليست سهلة ، لكنها ليست مستحيلة ... قل للعراقيين أنا مختلف ... ودع العراقيين كلهم يصبحون عشيرتك .
ختاما :
ــــــــــــــــــ
أحكي لك هذه الطرفة لأخفف عنك هذه البلوى :
مرّ أحد الشحاذين بباب دار لقومٍ فقراء ، فطرقها قائلاً : حسنة لله ... فطلب صاحب الدار من زوجته أن تعطيه درهما ً ، فإعتذرت بعدم وجود الدرهم ... فقال لها أعطيه رغيفا ً ... قالت له : لا نمتلك خبزا ً ... قال لها أعطيه أي شيءٍ .. قالت لا شيء عندنا !!! ... فصرخ على السائل قائلا ً : إذهب أيها الفاجر الحقير !!! .
إستغرب السائلُ الفقير ، وسأله : أنت لم تعطني شيئاً يا سيدي ، فعلام تشتمني ؟؟؟؟ .
قال له : لم أرغب أن تنصرف من أمام بيتي بلا شيء ... فإذهب بأجر الشتيمة على الأقل !!!! .
يا حيدر انا أحبك فقد أحببت والدك .... لكنني لا أرجو أن تنصرف من العراقيين بأجر الشتيمة !!!!!!!!!!!!!!!! .
إفعل شيئاً فكل الشرفاء معك .
ملاحظة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أريد لأحد أن يكون ملكياً أكثر من الملك فيدافع عن حيدرالعبادي .