بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
1- دليل الأعمال:
أ- قيمة العمل:
قال تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (الملك/ 2).
التطبيق الحياتي: ما يُحدِّد قيمة عملك ومعناه: انطلاقه من قاعدة فكريّة رصينة، وأن يكون خالصاً لله، وأن تترتّب عليه نتائج دنيويّة وأخرويّة. ولذلك كان العمل القليل الواعي أفضل عند الله من العمل الكثير والقلبُ (العقلُ) ساهٍ.
سُئل النبي (ص) عن قوله تعالى: (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (هود/ 7)، ما عنى به؟
قال: "يقول: أيّكم أحسنُ عقلاً، ثمّ قال: أتمّكم عقلاً، وأشدّكم لله خوفاً وأحسنكم في ما أمر الله به، ونهى عنه نظراً، وإن كان أقلّكم تطوّعاً". والتطوّع هو العمل الإستحبابيّ غير الفرائض.
وعن الإمام الصادق (ع) في الآية ذاتها: "ليس يعني أكثر عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنّما الإصابة خشية الله، والنيِّة الصادقة الحسنة. ثمّ قال: الإبقاء على العمل حتى يخلص أشدّ من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزّ وجلّ، والنيّة أفضل من العمل، ألا وأنّ النيّة هل العمل، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (الإسراء/ 84)، يعني على نيّته"[1].
من ذلك تخلص إلى أنّ العمل الذي تستحقّ ثواب الله عليه لا يتحدّد في حجمه كمّاً أو طبيعته نوعاً، بل على ضوء وعيك له وإخلاصك لله فيه، فإذا كان وراء العمل (غاية ذاتيّة) فإنّه يفقد قيمته عند الله.
يقول الإمام علي (ع): "مَن يعمل لغير الله يكلهُ الله لمَن عمل له"[2]، أي لابدّ من دوافع خيِّرة حتى يكون العمل خيِّراً.
ولا يعني ذلك أنّ المنافع ليست ذات قيمة في الإسلام، وإلا لَما قال جلّ جلاله: (ما ينفع الناس)، وإنّما يعني نيّة المرء خيرٌ من عمله، وأنّ المنافع وحدها مجرّدة عن دوافع العمل يمكن أن يُقال عنها أعمال نافعة لكنّها ليست صالحة بالمعنى الذي يريده الله تعالى.
ولذلك قال سبحانه: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (إبراهيم/ 18).
وقد تنبّه بعض المفسِّرين إلى أنّ العمل الذي ينطلق من الذات دون خلفيّة تجاريّة تستدعي ربحاً مادِّياً أو معنويّاً، قد يندرج في إطار العمل لله لأنّه متأتٍّ عن إيمان راسب في داخل النفس وعُمق الضمير.
إنّ النقطة المركزيّة هنا هي أنّ قيمة العمل الصالح أنّه ينطلق من قاعدة راسخة تجعل منه شيئاً ثابتاً في النفس، وليس حالة مزاجيّة ترتفع تارةً وتهبط تارةً وتنسف كلِّياً تارةً أخرى، وهذا هو معنى ربط العمل الصالح بالإيمان بالله.
فـ(مسجد ضِرار) هو مسجد كأيِّ مسجد يُصلّآ فيه، لكن الدافع إلى بنائه كان دافعاً خبيثاً شرِّيراً، ممّا أخرجه عن كونه عملاً صالحاً، لأنّه أُريد به تفريق المسلمين والإضرار بوحدتهم.
إنّ روحيّة العمل هي ما يبحث عنه الإسلام، فقد يقبل العمل القليل الخالص ويرفض العمل الرِّياء، أي لابدّ من النظر إلى قيمة العمل من الداخل لا من الخارج في هيئته وحجمه.
قال رسول الله (ص): "إنّما الأعمالُ بالنِّيات، وإنّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى"[3].
وفي الحديث أيضاً: "يُحشَر الناس على نياتهم يوم القيامة"! وكلمتا (سبيل الله) تختصران المُراد من أيِّ عمل صالح: فالسّبيل هو الحياة، أي ما يُحقِّقه العمل من إثراء لها ونفع للناس، والله هو الغاية التي تُنشد في دوافع العلم ومحرِّضاته: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) (الإنسان/ 9).
إنّ رؤية الله تعالى للأعمال وشهادته عليها تعني رقابته على صلاحها وفسادها، ممّا يعني بالتلازم أنّ عليك أن تراقب الله في كلِّ شيء.
ب- مسؤوليّة العمل:
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت/ 46).
التطبيق الحياتي: لا ينالُ اللهُ من عملنا شيئاً، فلا تنفعه طاعة مَن أطاعه ولا تضرّه معصية مَن عصاه، وإنّما (المستفيد) أو (الرّابح) في الطاعة هو العامل بها، و(المُتضرِّر) أو (الخاسر) في المعصية هو العامل بها.
إنّ كلّ عمل صالح تعمله يرتدّ عليك بمردودين إيجابيّين: تحقيق مصلحة دنيويّة، وحيازة درجة أخرويّة، فالمستفيد الأوّل والأخير أنت، والرابح الأكبر في الصّفقة هو أنت، ولذلك لن يتحمّل مسؤوليّة عملك، صالحاً أم طالحاً، إلا أنت.
قال تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء/ 123-124).
وقال عزّ وجلّ: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر/ 38).
وقال جلّ جلاله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) (النجم/ 39).
وقال سبحانه: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة/ 141).
وقال تقدّست أسماؤه: (وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) (البقرة/ 139).
وقال الإمام الصادق (ع): "أقصر نفسكَ عمّا يضرّها من قبل أن تُفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلبِ معيشتك، فإنّ نفسكَ رهينةٌ بعملك"(4)[4].
ت- أدوات العمل:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/ 35).
التطبيق الحياتي: الاستعداد للعمل وتوفير عدّته من أسباب نجاحه، فلم يبنِ (ذو القرنين) السدّ للحيلولة دون اعتداءات وإغارات (يأجوج ومأجوج) بالدّعاء، أو بالسّحر، أو بالتعاون مع الملائكة، وإنّما أعمل ذكاءه وخبرته، وطلب من المقترحين عليه بناء السدّ والمشاركة في بنائه.
قال تعالى في تهيئة لوازم العمل: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) (الكهف/ 95-96).
إنّ عالمنا عالم أسباب، وقد أبى الله أن يُجري الأشياء إلا بأسبابها، فلابدّ من الاعتناء بالسّبب، أي (المعدّات) و(اللّوازم) و(تحضير المقدّمات).
"مرّ موسى بن عمران (ع) برجلٍ رافع يده إلى السّماء يدعو، فانطلق موسى في حاجته، فغابَ عنه سبعة أيّام، ثمّ رجع وهو رافع يديه يدعو ويتضرّع، ويسأل حاجته، فأوحى الله إليه: يا موسى! لو دعاني حتى تسقط لسانه ما استجبتُ له حتّى يأتيني من الباب الذي أمرته"[5].
وفي الأثر عن الإمام الصادق (ع): "إنّ نبيّاً من الأنبياء مرض، فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني (أي الله) هو الذي يشفيني، فأوحى الله تعالى إليه: (لا أشفيكَ حتى تتداوى، فإنّ الشّفاءَ منِّي)"[6].
إنّك إذا مرضتَ فلا تسألني: كم هي نسبة شفائي، أو احتمال معافاتي من مرضي؟ لأنّني لا أستطيع أن أقدِّر ذلك، ولكنّك إذا ذهبتَ إلى عيادة الطّبيب، وفحصكَ وقدّمَ لك العلاج، وتداويتَ به، عند ذاك يمكنني أن أتفاءل بشفائك.
ث- العمل معيار التفاضل:
قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/ 132).
التطبيق الحياتي: معايير التفاضل الأساسيّة في القرآن هي: التّقوى، العلم، العمل. وإنّما تفاضل الناس بالأعمال.
يقول الإمام علي (ع): "المرءُ يُوزَنُ بقوله، ويُقوّمُ بفعلِه، فقُل ما تترجّحُ زنته، وافعل ما تجلّ قيمته"[7].
ولذلك قال جلّ وعلا: (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (هود/ 7)، لا (أكثر عملاً).
ولذلك فإنّ ميزان التفاضل المادِّي أو الدنيوي بالتكاثر بالأموال والأولاد أو حيازة السلطة والقوّة، أو الجاه والسمعة، لا يشكِّل أي اعتبار في ميزان التفاضل الرباني الذي ليس فيه أيّة قيمة ماديّة يرجح بها ميزان إنسان على آخر.
2- دليل الأقوال:
أ- العدل في القول:
قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام/ 152).
التطبيق الحياتي: القول – شهادةً كان، أو حكماً، أو تقويماً، أو تأييداً، أو رفضاً – إذا ابتعد عن الانفعال العاطفي فهو مظهر العدل، فإن تشهد على أقرب الناس عليك بالحقِّ، فأنتَ عادل، والعدالة القوليّة هي الصِّدق مهما ترتّبت عليه من نتائج، ولذلك عُدِّلَتْ (سُوِّيَتْ) شهادةُ الزّور بالشِّرك بالله الذي هو ظلمٌ عظيم، لأنّها خروج على العدل في القول.
قال تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج/ 30)؛ لأنّ قول الزّور هو الباطل في الفكر والعاطفة والحياة، ذلك أنّ كلمتك هي موقفك، فإذا زوّرتها أو زيّفتها أو شوّهتها، شوّهتَ صورة الواقع وبدّلتَ حقيقته بالكذب والإفتراء، الأمر الذي يُشوِّش ويُربك ويُشنِّج علاقات الناس بسبب كلمة تُقال بلا ورع، وشهادة تُطلق لقاء شيء من الحطام.
ب- الرقابة على العقول:
قال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 17-18).
التطبيق الحياتي: مخطئ مَن يتصوّر أنّ الكلمة بلا ضريبة، وأنّ قول الإنسان ليس من عمله، فالملكان الحافظان لأعمال الإنسان يعنيان أنّ هناك رقابة ملائكيّة من قِبَل الله بالإضافة إلى الرقابة الإلهية المباشرة.
إنّهما يحصيان عليكَ أقوالكَ كما يُسجِّلان أعمالك، ممّا يعني ضرورة التحفّظ في القول وعدم إطلاق الكلام على عواهنه، فرُبّ كلمةٍ أشعلت حرباً وقرّبت آجلاً.
ت- ضرورة اقتران القول بالفعل:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3).
التطبيق الحياتي: الإسلام مدرسة القول الصادق والعمل المخلص، والإيمان الحقيقي هو الذي تتطابق فيه الأقوال مع الأفعال، وكما قيل في الأمثال، فإنّ الأعمال تتحدّث بلغة أو بلهجة أعلى من الأقوال، فالفعل الموافق للقول – كما مرّ في مفهوم التعليم – هو الأبلغ تأثيراً في شخصيّة المتلقِّي، وقد قيل إنّ القول يحتمل (التأويل)، أمّا العمل فـ(حدِّي)، وذلك كان فعلُ النبي (ص) أبلَغ في التعبير عن فهمه للقرآن من أقواله، ولذلك أيضاً كانت (الدّعوة الصامتة) أنجَح وأصلح في إيصال رسالة الدعوة الإسلامية.
إنّ مواظبتك على أداء صلاتك كفيلة بأن تُشعِر أبناءك بقيمة الصلاة، ولكن الأبلَغ من ذلك أن يلمسوا تأثيرات صلاتك في حياتك، فلا يرونكَ ترتكبُ منكراً، لأنّ أيّة فاصلة أو مسافة بين القول والفعل يمكن أن تسقط الصورة الإيجابية المرسومة عنك.
ث- تصنيف القول:
صنّف القرآن الكريم الأقوال عدّة تصنيفات، في إشارة إلى أنّ لكلِّ قول (وقع) ولكلِّ قول درجة تأثير، وإنّ من الكلام (محنَنٍ) و(مجنِّنٌ)، فلنتأمّل في مجالات إطلاق القول حتى يكون لكلِّ مقامٍ مقال:
1- القول الأحسن:
قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء/ 53).
التطبيق الحياتي: مجال القول الأحسن عامٌّ مطلقٌ لتوطيد العلاقات الاجتماعية على أساس الألفة والمحبّة والخير والرحمة، وإبعاد المجتمع عن التناحر والاختلاف والتباغض والتحاقد.
2- قول المعروف:
قال تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) (البقرة/ 263).
التطبيق الحياتي: مجاله – كمجال القول الأحسن – الساحة الاجتماعية كلّها، فالمعروف ما تعارف العقلاء على حُسنه وتأثيره، أي هو كلّ كلمة فيها احترام لكرامات الناس.
3- قول الطيِّب:
قال تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج/ 24).
التطبيق الحياتي: الطيِّب من القول الذي يحتوي على المعاني الطيِّبة المعبِّرة عن الرّوح الطيِّبة، والأخلاق الطيِّبة، والبعيد عن كلِّ شكلٍ من أشكال الخبث. إنّه كسابقيه مجاله الحيوي الناس كلّهم.
قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة/ 83).
4- القول الكريم:
قال تعالى: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا) الإسراء/ 23).
التطبيق الحياتي: مجال القول الكريم هو الوالدان اللّذان يأنسان بالكلمة الحلوة اللّطيفة التي تحمل الحبّ والعطف والحنان والاحترام والاعتزاز، والتي تكون مشفوعة بالإبتسامة المشرقة والنّظرة الحنون.
5- القول الميسور:
قال تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا) (الإسراء/ 28).
التطبيق الحياتي: إذا ضاقت يدُك بالإنفاق على والديكَ، فليحسن القول لهما، لتكن رفيقاً بهما لطيفاً في التعبير عمّا يعوِّضها عن حالة العُسر المادي الذي تعيشه، فالمعسور المالي يُقابل بالميسور القولي، يقول الشاعر:
لا خيلَ عندكَ تهديها ولا مالُ **** فليُسْعِد النّطق إن لم يُسعد المالُ
6- القول اللّلِّين:
قال تعالى في أسلوب مخاطبة فرعون (وفرعونُ هنا رمز لكلّ متعنِّت متغطرس): (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه/ 43-44).
التطبيق الحياتي: في الدراسات النفسيّة والاجتماعيّة، أنّ مخاطبة أصعب الناس لا تكون بالخشونة والعُنف والإستفزاز؛ لأنّها تزيدهم عناداً فالقول اللّيِّن مع الشخص الصعب قد يجعله يلين، ولكن ذلك لا يعني أن تتنازل عن فكرك، وإنّما تطرحهُ بطريقة (اللّمحة) و(اللّفتة) لا بطريقة المواجهة المباشرة.
7- القول السديد:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) (الأحزاب/ 70).
التطبيق الحياتي: القول السديد هو الذي يحمل في مضمونه الصدق والحق والعدل، وهو مأخوذ من سدّد الرمية أي أصاب بها الهدف، فكلّ كلمة تختارها للوصول إلى قلب الآخر وعقله فهي كلمة سديدة، ولذلك فمجال هذه الكلمة هي الدعوة إلى الله تعالى.
8- القول البليغ:
قال تعالى في أسلوب مخاطبة المنافقين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا) (النساء/ 63).
التطبيق الحياتي: البليغ: المؤثِّر الذي يبلغ مراده ويصل إلى مرماه، وقيل: يدخل إلى سويداء القلب، فاختيار الكلمات التي تدفع المنافق أو المنحرف إلى التراجع والإقبال على حقيقة الإيمان فنّ، أي لابدّ من استثمار الجانب الطيِّب في الإنسان، فلعلّ كلمة بليغة توقظه من غفوته، وترفع الحجاب عن رؤيته، وتزيد بصيص النور في عقله وقلبه، وتزيح الغشاوة عن فطرته.
9- القول الفَصل:
قال تعالى في لغة القرآن: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) (الطارق/ 13-14).
التطبيق الحياتي: القول الفَصْل: الحاسم في المجادلات والحوارات والنقاشات، فليس فوق كلام الله كلام، فإذا استشهدت بقوله تعالى في المورد الدقيق، فقد أفحمتَ خصمك وبلغتَ حجّتك، فالجدّ كلّ الجدّ في قوله تعالى: ومَن أحسن من الله قيلاً؟!
وإذا كان خصمك ممّن يؤوِّل القرآن فخاصمه بالسنّة، كما نصحَ بذلك الإمام علي بن أبي طالب (ع) ابن عبّاس في مُحاججة أهل الشام.
10- القول الثّقيل:
قال تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) (المزمل/ 5).
التطبيق الحياتي: القول الثقيل: أي من العيار الثقيل، فهو أنفَس القول وأبلَغه وأغناه؛ لأنّه قوله عزّ وجلّ، وهو ثقيل على السمع لأنّ فيه التكليف والمسؤوليّة، لكنّه ثقيل في الميزان العملي بما يُصحِّح من الفكر، ويوضِّح من الأهداف، ويُطهِّر من الوسائل ويُنظِّم من الحياة.
11- القول الزُّور:
قال تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج/ 30).
التطبيق الحياتي: مجال قول الزّور هو في الشهادات، سواء في المحاكم القضائيّة، أو في أيّ موقف يتطلّب الابتعاد عن الكَذِب والباطل وتشويه الحقائق والإعتراف بحقيقة وأحقِّيّة الحقّ، ذلك أنّ تزوير الحقيقة هو انتهاك للحقِّ وترويج للباطل.
12- زُخرُف القول:
قال تعالى: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) (الأنعام/ 112).
التطبيق الحياتي: زُخرُف القول: القول المموّه أو المُزيّن الذي يُستحسن ظاهره ولا حقيقة له ولا أصل، كالكثير من الكلمات والشعارات المعسولة التي تُخاطب العواطف الهابطة ونزعات الشر في الإنسان، وهذا ما تعمله بعض وسائل الإعلام اليوم.
13- لحن القول:
قال تعالى في صفة المنافقين: (وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَتَعرَِفْنَّهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمّد/ 30).
التطبيق الحياتي: لكلِّ جماعة أسلوب خاص في الكلام يُعبِّر عن طريقتها في التفكير، فكما أنّ طريقة المؤمنين في التعبير عن اعتقادهم بالتوحيد ينطلق من ثقة عالية بما يعتقدون، فإنّ تلجلج المنافق – لأنّه يُبطن شيئاً ويُظهره ضدّه – يظهر في فلتات لسانه وملامح سحنته، خاصّة وأنّه متلوِّن لا يثبت على حال، فيفضح نفسه من خلال قسماته وكلماته.
14- الخضوع بالقول:
(قال تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) (الأحزاب/ 32).
التطبيق الحياتي: ترقيق الكلام بطريقة تُثير الغريزة، أي بالإيماء والإغراء فاتحة لارتكاب الفحشاء والمنكر، فالغنج ونعومة الحديث ممّا يثير المشاعر ويوحي بنغمة الصوت ورقّته أن ثمّة إيماء غير أخلاقي، وأمّا القول المعروف في نهاية الآية، فهو المتوازنة كلماته مضموناً وصوتاً، ممّا لا ينصرف الخيال معه إلى غير الكلام العادي.