بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
رسول الله (ص) لا يخاف على أمته الشرك
وهي نكتة أخرى تنطلق من الأحاديث ويجب أن تلاحظ أيضا عند أصحاب هذه الرؤية التي تدور كثير من كلماتهم حول دعوى أن المجتمع الإسلامي تحول إلى مجتمع مشرك ، فكيف يمكن أن تكون دعوى معقولة مع ما روي في الصحيحين عن عقبة بن عامر : " أن النبي (ص) خرج يوما صلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " (1) .
وهو خبر صريح في أن النبي (ص) لا يخاف أن ترجع أمته إلى الشرك بأي أنواعه ، ولكن الذي تدعيه الوهابية أن الشرك ظاهرة عامة في أمة خاتم الرسل (ص) .
وكذلك روى الحاكم عن ابن مسعود أن رسول الله (ص) قال : " إن إبليس يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب ، ولكنه سيرضى بدون ذلك منكم ، بالمحقرات من أعمالكم وهي الموبقات " .
قال الحاكم : "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح ، سمعه خالد بن عبدالله منه ( يعني من إبراهيم الهجري ) (2) .
نعم وردت بعض الأحاديث التي دلت على وقوع الشرك ، ولكنها كلها تتحدث عن أشراط الساعة ، كما هو صريح خبر أبي هريرة المروي في صحيح البخاري ، كتاب الفتن ، باب ( تغير الزمان حتى تعبد الأوثان ) أن رسول الله (ص) قال : " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة ، وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية " (3) .
-------------
(1) صحيح البخاري ج2 ص 114 - 115 ، صحيح مسلم ج4 ص 1795 .
(2) المستدرك على الصحيحين ج2 ص 32 .
(3) صحيح البخاري ج9 ص73 ، ورواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة .
فهي تدل على أن عود الشرك ببعض مسمياته الأولى من علامات الساعة ، والرجوع إلى بعض الأصنام السابقة التي كانت تعبد ، ويدل على ذلك أن مسلما بعد الرواية السابقة عن نساء دوس روى عن عائشة قولها : سمعت رسول الله (ص) يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ، فقلت : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) أن ذلك تاما ، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم " (1) .
والرواية الأخيرة واضحة في أن وقوع ذلك قبيل قيام الساعة ، إذ تصرح بأنه لا يحدث ذلك إلا عندما لا يبقى من في قلبه مثال حبة خردل من إيمان وليس في الزمن الذي قال عنه (ص) كما في رواية مسلم عن ثوبان قال : قال رسول الله (ص) : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله " (2) ، وهو يوافق ما رواه مسلم عنه (ص) : " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " (3) .
وعلى ذلك ينبغي حمل ما روي في المستدرك على الصحيحين - واستدل به ابن عبدالوهاب في كتاب التوحيد – عن ثوبان من قوله (ص) : " وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين ، ولن تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان " (4) .
وأما ماعدا رجوع شرار الأمة إلى الأوثان قبيل قيام الساعة فالأخبار التي تصرح بأن رسول الله (ص) لا يخاف الشرك على أمته هي الواضحة والحاكمة .
-----------
(1) صحيح مسلم ج4 ص 2230 .
(2) صحيح مسلم ج3 ص1523 .
(3) المصدر السابق ج4 ص2268 .
(4) المستدرك على الصحيحين ج4 ص496 - 497 .
وأما ما روي من ارتداد بعض العرب زمن أبي بكر فواقعه أنه كشف عن نفاقهم وعدم إيمانهم القلبي لا بالتوحيد ولا بنبوة خاتم الرسل (ص) ولذا لم يدخلوا في أمته حتى يقال إن بعض أمته ارتدت إلى الشرك بمعنى عبادة الأوثان ، فقد تبين بالارتداد أنهم ممن قال فيهم عز وجل ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) الحجرات / 14 ، فالآية تصرح بأن الإيمان لم يدخل قلوبهم ، ولوضوح الآية في ذلك وضع البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه بابا بعنوان [ إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ) ، فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) ] (1) .
ونهاية الأولوية كل الأولوية لقراءة خللهم الكبير في فهم التوحيد والشرك .
--------------
(1) صحيح البخاري ج1 ص 13 .