طريق الصلاة ينتهي عند أعظم حقيقة
روى المرحوم النراقي في كتابه « طاقديس » حكاية حول الصلاة هذا ايجاز في مضمونها :
في أطراف احدى المدائن كان يعيش رجل حطاب وكان هذا الرجل في غاية البؤس والفقر فهو يعيش على جمع الأشواك من البريّة وبيعها في المدينة .
وذات يوم من الأيّام خرج الى البراري لجمع الشوك كعادته فاذا به يسمع صوتاً تنح جانباً ! أغرب عن هذا المكان ؛ فاذا بكوكبة من الفرسان تحف بفتاة رائعة الحسن هي ابنة أمير المدينة وقد جاءت الى الصيد .
1 ـ البقرة (2) : 45 .
وفتن الرجل بحسن الفتاة وقد نفذت سهام حبها كما يقال في قلبه وظل مسلوب العقل ينظر الى صفحة الحسن والجمال ولم يبال بزعقات الرجال وهم يصرخون به أغرب عن هذا المكان !
ولمّا مرّ الموكب من أمامه ظل الرجل ساهماً في قيامه ؛ قلبه يذوب حسرات وصدره ينفث آهات .
هذا الرجل المسكين البائس هو الآن عاشق ومعشوقته التي خطفت لبه أميرة وابنة أمير ! !
قصد الرجل أحد العلماء علّه يهدئ من وجيب قلبه ؛ فنصحه وأبلغ في النصيحة ووعظه وأبلغ في الموعظة ؛ ولكن دون جدوى ان ما يهدئ قلبه وصال المحبوب ونيل المعشوق .
فقال له العالم : يا هذا انك لا حسب ولا نسب ولا جاه ومال ولا شهرة ولا اعتبار ولا وسامة ولا جمال ؛ فكيف يتم الوصال ؛ ان هذا لمن المحال لقد وصلت الى طريق مسدود وليس أمامك الاّ اللجوء الى المسجد والصلاة للواحد المعبود فقد يشيع أمرك ويرتفع ذكرك وتكسب بذلك الاعتبار .
ويصبح اسمك أشهر من علم على نار ويشير اليك الناس بالبنان ؛ ان هذا الرجل من الزهاد وهو ناسك من العبّاد في نهاره صائم وفي ليله قائم !
واصغى جامع الشوك لحديث الواعظ بشوق ؛ وانطلق الى مسجد في أطراف المدينة مهجور ، ففرش سجادة العبادة وراح يركع ويسجد ويقرأ ويدعو ويصل الليل بالنهار والصباح بالمساء ؛ فشاع بين الناس ان في المسجد المهجور عابد مشهور وتناقلت .
الأفواه أخباره وأصبح حديث المجالس والمحافل .
فاذا المسجد المهجور منزلاً من المنازل يقصده أهل الحاجات لنيل الطلبات
والسؤال منه بالدعوات حتى وصل الخبر الى الأمير !
فاشتاق الأمير الى لقائه وذات يوم صادف أن عاد الأمير من رحلة الصيد فلاح له كوخ العابد الزاهد ، فبادر الأمير الى زيارته والتبرّك بمحادثته فلما رآه حسبه ولياً من الأولياء لا يعلم الحقيقة الاّ اللّه وهذا الذي يتصنع العبادة الذي لا يملك من الدنيا الاّ هذه السجادة .
والحديث ذو شجون فقال الأمير : ايها العابد والناسك والزاهد لقد أقمت سنن الدين فانت في ايمان متين ، فكيف تركت نصف الدين وهو الزواج وقد قال النبي الامي : الزواج سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني .
ايها الشاب ان مودتك دخلت في نفسي ونفذت في قلبي فهلاّ أكملت دينك فازوجك ابنتي ؛ ليس لها في الحسن نظير ولا في الأدب من يضاهيها وعليّ جهاز عرسك وتوفير ما يحتاجه بيتك .
ولما سمع الشاب كلام الأمير بهت وتحيّر واختار السكوت على الكلام ، فازداد الأمير به اعجاباً وتضاعف حبّه لهذا الشاب الذي منعه الحياء من الكلام والزهد بما يتهافت عليه الأنام .
فنهض وودع الشاب وعاد الى قصره وفي الليل كان يفكر كيف يتأتى له اقناع ذلك الشاب بمصاهرته .
فلما أصبح الصباح دعا الى قصره أحد العلماء الفطنين وحدّثه عمّا يجول في خاطره ثمّ طلب منه أن يتوجه الى الشاب ويحدّثه ويقنعه بهذا الزواج .
وجاء العالم الى الشاب فحدّثه ونصحه واقنعه بالدليل والبرهان فلم يخرج منه حتى وافق الشاب على الزواج من بنت أمير المدينة .
ثمّ انطلق العالم الى قصر الأمير وبشّره بما فعل فسرّ الأمير غاية السرور .
وما هي الاّ ساعة حتّى جاء من قبل الأمير وزيره ومعه رجال من البلاط وألبسوه
خلعة الأمير واركبوه فرساً من جياد الخيل وجاءوا به يحفه الحراس والجنود فوجد القصر قد زيّن بالاعلام والخدم والحشم قد اصطفوا في حالة قيام .
فلمّا وضع قدمه داخل البلاط ورأى من الجلال والسلطان ما رأى غرق في الفكر وغاص في النظر وقال في نفسه لقد كنت بالأمس أجمع الأشواك في الفلاة وعلى رغيف خبز يابس اقتات ، لا ينظر اليّ الناس من الفقر ويأبه لي أحد من البدو أو الحضر ، فانظر ما فعلت بي الصلاة جاءت بي من الفلاة وسوف يزفون لي أجمل الأميرات .
فاذا أنا بالأمس بائس شقي واليوم عزيز وغني .
فانظر ما الذي فعله ظاهر العبادة نقلتني من الحضيض الى السيادة ، فكيف بي لو عبدت اللّه حقّاً وسجدت له ايماناً وصدقاً ؟
فسطع في قلبه نور الحقيقة فانسلّ من بين الجموع قد عرف طريقه معرضاً عن بهارج الدنيا الى جمال الاخرى ومن العشق المجازي الى العشق الحقيقي وراح يعبد اللّه في نية خالصة نقية
روى المرحوم النراقي في كتابه « طاقديس » حكاية حول الصلاة هذا ايجاز في مضمونها :
في أطراف احدى المدائن كان يعيش رجل حطاب وكان هذا الرجل في غاية البؤس والفقر فهو يعيش على جمع الأشواك من البريّة وبيعها في المدينة .
وذات يوم من الأيّام خرج الى البراري لجمع الشوك كعادته فاذا به يسمع صوتاً تنح جانباً ! أغرب عن هذا المكان ؛ فاذا بكوكبة من الفرسان تحف بفتاة رائعة الحسن هي ابنة أمير المدينة وقد جاءت الى الصيد .
1 ـ البقرة (2) : 45 .
وفتن الرجل بحسن الفتاة وقد نفذت سهام حبها كما يقال في قلبه وظل مسلوب العقل ينظر الى صفحة الحسن والجمال ولم يبال بزعقات الرجال وهم يصرخون به أغرب عن هذا المكان !
ولمّا مرّ الموكب من أمامه ظل الرجل ساهماً في قيامه ؛ قلبه يذوب حسرات وصدره ينفث آهات .
هذا الرجل المسكين البائس هو الآن عاشق ومعشوقته التي خطفت لبه أميرة وابنة أمير ! !
قصد الرجل أحد العلماء علّه يهدئ من وجيب قلبه ؛ فنصحه وأبلغ في النصيحة ووعظه وأبلغ في الموعظة ؛ ولكن دون جدوى ان ما يهدئ قلبه وصال المحبوب ونيل المعشوق .
فقال له العالم : يا هذا انك لا حسب ولا نسب ولا جاه ومال ولا شهرة ولا اعتبار ولا وسامة ولا جمال ؛ فكيف يتم الوصال ؛ ان هذا لمن المحال لقد وصلت الى طريق مسدود وليس أمامك الاّ اللجوء الى المسجد والصلاة للواحد المعبود فقد يشيع أمرك ويرتفع ذكرك وتكسب بذلك الاعتبار .
ويصبح اسمك أشهر من علم على نار ويشير اليك الناس بالبنان ؛ ان هذا الرجل من الزهاد وهو ناسك من العبّاد في نهاره صائم وفي ليله قائم !
واصغى جامع الشوك لحديث الواعظ بشوق ؛ وانطلق الى مسجد في أطراف المدينة مهجور ، ففرش سجادة العبادة وراح يركع ويسجد ويقرأ ويدعو ويصل الليل بالنهار والصباح بالمساء ؛ فشاع بين الناس ان في المسجد المهجور عابد مشهور وتناقلت .
الأفواه أخباره وأصبح حديث المجالس والمحافل .
فاذا المسجد المهجور منزلاً من المنازل يقصده أهل الحاجات لنيل الطلبات
والسؤال منه بالدعوات حتى وصل الخبر الى الأمير !
فاشتاق الأمير الى لقائه وذات يوم صادف أن عاد الأمير من رحلة الصيد فلاح له كوخ العابد الزاهد ، فبادر الأمير الى زيارته والتبرّك بمحادثته فلما رآه حسبه ولياً من الأولياء لا يعلم الحقيقة الاّ اللّه وهذا الذي يتصنع العبادة الذي لا يملك من الدنيا الاّ هذه السجادة .
والحديث ذو شجون فقال الأمير : ايها العابد والناسك والزاهد لقد أقمت سنن الدين فانت في ايمان متين ، فكيف تركت نصف الدين وهو الزواج وقد قال النبي الامي : الزواج سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني .
ايها الشاب ان مودتك دخلت في نفسي ونفذت في قلبي فهلاّ أكملت دينك فازوجك ابنتي ؛ ليس لها في الحسن نظير ولا في الأدب من يضاهيها وعليّ جهاز عرسك وتوفير ما يحتاجه بيتك .
ولما سمع الشاب كلام الأمير بهت وتحيّر واختار السكوت على الكلام ، فازداد الأمير به اعجاباً وتضاعف حبّه لهذا الشاب الذي منعه الحياء من الكلام والزهد بما يتهافت عليه الأنام .
فنهض وودع الشاب وعاد الى قصره وفي الليل كان يفكر كيف يتأتى له اقناع ذلك الشاب بمصاهرته .
فلما أصبح الصباح دعا الى قصره أحد العلماء الفطنين وحدّثه عمّا يجول في خاطره ثمّ طلب منه أن يتوجه الى الشاب ويحدّثه ويقنعه بهذا الزواج .
وجاء العالم الى الشاب فحدّثه ونصحه واقنعه بالدليل والبرهان فلم يخرج منه حتى وافق الشاب على الزواج من بنت أمير المدينة .
ثمّ انطلق العالم الى قصر الأمير وبشّره بما فعل فسرّ الأمير غاية السرور .
وما هي الاّ ساعة حتّى جاء من قبل الأمير وزيره ومعه رجال من البلاط وألبسوه
خلعة الأمير واركبوه فرساً من جياد الخيل وجاءوا به يحفه الحراس والجنود فوجد القصر قد زيّن بالاعلام والخدم والحشم قد اصطفوا في حالة قيام .
فلمّا وضع قدمه داخل البلاط ورأى من الجلال والسلطان ما رأى غرق في الفكر وغاص في النظر وقال في نفسه لقد كنت بالأمس أجمع الأشواك في الفلاة وعلى رغيف خبز يابس اقتات ، لا ينظر اليّ الناس من الفقر ويأبه لي أحد من البدو أو الحضر ، فانظر ما فعلت بي الصلاة جاءت بي من الفلاة وسوف يزفون لي أجمل الأميرات .
فاذا أنا بالأمس بائس شقي واليوم عزيز وغني .
فانظر ما الذي فعله ظاهر العبادة نقلتني من الحضيض الى السيادة ، فكيف بي لو عبدت اللّه حقّاً وسجدت له ايماناً وصدقاً ؟
فسطع في قلبه نور الحقيقة فانسلّ من بين الجموع قد عرف طريقه معرضاً عن بهارج الدنيا الى جمال الاخرى ومن العشق المجازي الى العشق الحقيقي وراح يعبد اللّه في نية خالصة نقية