بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
هذه الآيات مع آيات سابقة تتحدث عن مؤمن آل فرعون مع فرعون وآله وأصحابه ومعاونيه فتقول الآية حكاية عن مؤمن آل فرعون : أنكم ستذكرون ما قلته لكم ونصحتكم به وستعرفون أن هذا هو الذي ينفعكم في مصلحتكم . سواء ذكرتم في الدنيا حين يحل عليكم العذاب أو ذكرتم في الآخرة بعد فوات الأوان .
تسليم الأمر لله
إن كثرتكم وتهديداتكم لا تخيفني ولا ترهبني لأني سلمت أمري لله وحده ووضعت نفسي بين يدي الله القدرة المطلقة اللامتناهية وهو الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره . والله وحده الذي يعرف حقيقة عباده ومصيرهم وما يصلحهم .
وكل عبد إذا اسلم الأمر لله وحده وتوكل عليه في كل صغيرة وكبيرة وانقاد إليه انقياداً كلياً محتماً أن الله لا يخيبه وسوف يختار له ما فيه الخير والصلاح وتقر عينه به بعد ذلك . وتسليم الأمر لله سبحانه من أعلى الدرجات الإيمانية .
تكفل المولى
مؤمن آل فرعون بعد أن سلّم أمره لله بصورة مطلقة فإن الله لم يتركه بوحده وإنما تكفل أمره ?فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا? فوقاه مخططات أعدائه التي وضعوها للقضاء عليه ?إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا? وأعداء المؤمنين مهما بلغوا في المكر والخداع والخطط فإنها سوف تفشل وتنكشف بفضل الله عز وجل : ?وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ? .
ضمان المولى
ويعطي المولى سبحانه لعبده ضماناً لنصره وتأييده ونجاته من الأمور الخطيرة في الدنيا والآخرة وفي الأهم وهي الآخرة قال تعالى:
إن الأداة المنفذة للظلم والعدوان والفساد هم أعوان الظلمة وحينئذ يكون جزاؤهم من الله العذاب الأليم الشديد قال تعالى : ?وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ?.
وحاق : بمعنى أصاب ونزل . يعني أصابهم ونزل بهم سوء العذاب ?النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا? يوجد فيها احتمالان :
1- أن ذلك في دار الدنيا فإن أعوان الظلمة هم في أشد وسوء العذاب وإن كانوا يبتزون أموال الأمة ويأكلون منها فهم في عذاب دائم وحتى من الناحية المعنوية فهم في جحيم بما يقدمونه من ظلم واضطهاد للشعوب وبعبارة أخرى عندهم من الذنوب والمعاصي ما يؤهلهم لدخول النار فهم يعرضون عليها في الدنيا .
2- أن هذا العرض يكون في عالم البرزخ وهو ما بين الدنيا والآخرة فإن البرزخ هو الوسط بين الشيئين ولأن البرزخ قريب من الدنيا فحينئذ يكون فيه ليل ونهار وربما قيل أنه حتى في الآخرة يوجد صبح وليل كما في قوله تعالى : ?وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا? مريم : 62 .
أشد العذاب
إن أعوان الظلمة سوف يحصدوا ما زرعوا في دار الدنيا من دماء سفكوها وأعراض هتكوها ، وأموال سلبوها وحقوق اغتصبوها خدمة لأسيادهم الظلمة ?وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ? يذكر بعض المفسرين إذا كان هذا عذاب آل فرعون وهم أعوانه في أشد العذاب فكيف حينئذ بفرعون الذي هو سيدهم فيكون عذابه أعظم وأكبر لأنه هو الآمر لهم .
ولكن يمكن أن يلاحظ على هذا :
1- أشد العذاب هو نهاية العذاب في القوة والشدة فيكون أعوان الظلمة في أشد العذاب ولا يكون أحد أشد منهم في ذلك .
2- أن أعوان الظلمة هم المباشرون للجرائم من القتل والظلم وقد تقرر في الفقه الإسلامي أن المباشر للجريمة هو الذي يتحملها أكثر من الآمر وهو الذي يُقتص منه فيكون عذاب الأعوان أشد من الظلمة أنفسهم .
3- نعم ممكن أن يكون الظالم أكثر عذاباً من كل فرد فرد ؛ باعتباره عنوان الظلم والفساد وتعدد أعوانه فهو يشارك كل فرد من أعوانه في الإثم والعدوان فيصبح مجمع الرذائل والعذاب وإن كل فرد في الجريمة التي يباشرها يكون المباشر أشد عذاباً منه .
وقد دلت روايات عديدة أن أعوان الظلمة أشد عذاباً من الظلمة ولولا الأعوان لما تمكن الظالم أن يظلم ، منها ما جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال :
( لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلا ما وقع في أيديهم ) [1].
فهذه الرواية واضحة أن الدور الأساسي للظلم والعدوان وان من يسلب الحقوق هم الأعوان الذين يباشرون الظلم ، ولولاهم لما حصل ذلك فعليهم يكون القسط الأوفر من العذاب .
أعوان الظلمة
الإسلام قد شدد النكير على أعوان الظلمة وجعلهم هم المسئولين عن كل جرائم أسيادهم لذلك قد حذر الأمة جمعاً من التعاون مع الظلمة والدخول في ظلمها قال تعالى : ?وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ? هود : 113 .
أي لا تعتمدوا عليهم ولا تستندوا إليهم فيكون سبباً لدخولكم النار .
وجاء في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام : ( ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء ، وإن لي ما بين لابتيها ، لا ولا مدة بقلم ، إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد ) [2] .
أي ما أحب أن أعقد لهم عقدة حبل ، والوكاء هي القربة أي ولا أحب أن أربط لهم قربة يشرب منها الماء حتى لو أعطيت ما بين لابتيها أي طرفي المدينة . فالمدينة المنورة يوجد فيها الحرة الشرقية والحرة الغربية يقول لو حتى أعطيت ما بين الحرتين من المدينة فلن أقدم على ربط قربة أو أخط لهم بقلم أو غير ذلك .
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام ) [3] .
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام : ( من علق سوطاً بين سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع فيسلطها الله عليه في نار جهنم خالداً مخلداً ) [4] .
فالمشي إليهم لإعانتهم وتعليق السياط أو آلة القتل كالسيف والبندقية وغيرها كل ذلك مشاركة معهم في ظلمهم وعدوانهم فيكون مصيره مصيرهم .
وقد شددت بعض الروايات بعدم مشاركتهم حتى في الأمور القليلة كبري القلم كما عن الإمام الصادق عليه السلام :
( إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : أين الظلمة أين أعوان الظلمة أين أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلماً ، أو لاق لهم دواة ، فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في جهنم ) [5] .
فحرمة معاونة الظالمين في ظلمهم من الأمور المحرمة التي دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والعقل ، وهي من الكبائر التي توعد المولى سبحانه فاعلها بالنار .
الاهتمام بأمور المسلمين
قد دلت الأحاديث الكثيرة على أن الاهتمام بأمور المسلمين من أعلى الصفات الإيمانية بل من الأمور الواجبة وقد عقد العلماء في كتبهم الفقهية والحديثية باباً بعنوان – وجوب الاهتمام بأمور المسلمين – فمن الأحاديث التي أشارت إلى ذلك ، الحديث المتواتر عن الرسول صلى الله عليه وآله : ( من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام : ( من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ) [6] .
الإغاثة
إن الله سبحانه هو غياث المستغيثين ، والمنكوبين وجعل إغاثة المسلمين بعضهم من البعض الآخر من الأمور اللازمة التي لا يعذر فيها ..
فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم ) [7] .
وعلق على ذلك بعض شراح الحديث بقوله :
أي لا يعزم على القيام بها ولا يقوم بها مع القدرة ( فليس بمسلم ) أي ليس بكامل الإسلام ولا يعبأ بإسلامه ، والمراد بأمورهم أعم من الأمور الدنيوية والأخروية.
فلا عذر للمسلم عندما يسمع أخاه المسلم أو أخته المسلمة ينادون يا للمسلمين ويستصرخونهم فلا يجيبوهم
-------------------------------
1] وسائل الشيعة ج17 ص199 .