بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
جامِعُ الدين و العِلْم و العقل
روى الشيخ عبد الله المامقانى في كتاب « تنقيح المقال » عن أبيه أن المولى البهبهاني سُئِل عن الصلاة خلف الشيخ يوسف صاحب الحدائق ـ و كانا معاصرين ـ فقال : لاتصح . . و سُئِل الشيخ يوسف عن الصلاة خلف البهبهاني ؟ فقال : تصح . . فقيل له : كيف تصححها خلف من لايصحح الصلاة بصلاتك ؟ ! . . قال : و أيّ غرابة في ذلك ؟ ! انّ واجبي الشرعي يحتّم عليّ أن أقول ما اعتقد ، و واجبه الشرعي يحتّم عليه ذلك ، و قد فعل كل منا بتكليفه و واجبه . . و هل تسقط عنه العدالة لمجرد أنه لايصحح الصلاة خلفي ؟ ! . .
للشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله) تعليق على هذه الرائعة و هو يقصد الشيخ يوسف البحراني :
أرأيت هذا القلب الكبير الذي لايخفق بغير الايمان ؟ . . أرأيت هذا الصدر الرحب الذي يتسع للعدالة ، و ان تكن عليه لا له ؟ . . أرأيت هذه النفس التي لاتعرف الاّ الصدِ و الانصاف و التواضع . .
و ليس من شك أنّ هذا المنطق غريب على أكثرية شيوخ هذا العصر . . لأن كل شيخ من هذه الأكثرية أو الكثرة يرى الدين مجسَّماً في شخصه بالذات . . فعدم الثقة به معناه عدم الثقة بالدين ، و هذا عنده هو حدّ الكفر أو الفسق على الاقل . .
اما مَن جمع بين الدين و العلم و العقل ، اما من ينوب عن المعصوم حقاً و يمثله في حماية الشريعة و احيائها فلايرى في هذا المنطق أيّ غرابة ما دام الدين يحتم الصراحة و إعلان الحق ، حتى و لو كان على النفس ( يا أيّها الذين آمَنوا كونوا قوّامين بالقِسْط شهداءَ للهِ و لو على أنفسِكم أو الوالديْن و الاقربين )([1]) .
و لاأدري كيف يسمح أحدنا لنفسه أن يتكلم باسم الدين ، و يدعي النيابة عن المعصوم ، و يدعو الناس الى الاقتداء به ، مع العلم بأنه لايقتدي بمن ادّعى النيابة عنه عند ما يُمتحَن بكلمة تشبه كلمة البهبهاني بحق الشيخ يوسف . . . بل يتنكر لقائلها ، و يبخسه جميع حقوقه ، و يسلبه أظهر ما تحلى به من صفات ، و اذا نصحه ناصح بالكف أو الاعتدال قال ان واجبي الشرعي يحتمّ عليّ هذا و أكثر من هذا . .
و الآن ـ ايها القارىء ـ هل ظهر لك الفرِ بين الأنانيين و المزيّفين الذين يكيّفون الدين حسب شهواتهم و أهوائهم ، و بين صاحب الحدائق الذي اتقى الله حقاً ، و نطق بكلمة الحق و الاخلاص مؤثراً أمر الله و مرضاه على نفسه و هواه .
و نختم هذه الكلمة بالمقارنة التالية : سألت شيخاً عاد من النجف الأشرف الى بلاده عاملة : هل بنيتم ـ سيادتكم ـ على الاجتهاد ؟
فقال : ألمثلي يقال هذا ؟ !
و تعرض الشيخ يوسف صاحب الحدائق في كتاب « الدرر النجفية » ص 53 لمعنى الاجتهاد ، و للشروط المعتبرة في الفقيه ، و لأقوال العلماء ، ثم قال ما نصّه بالحرف الواحد : و « انا أقول : و ان كنت ممن يقصر عن السياِ في مضمار هؤلاء الفحول ، و يكبو جواده عن اللحاِ في ميدان تلك العقول » .
و هكذا هم علماء آل البيت (عليهم السلام) يزدادون تواضعاً كلما ازدادوا علماً ( توفي سنة 1186 هـ ) .([2])