ما هو المقصود بالملكوت في اليهودية والمسيحية والإسلام / متى يأتي ملكوت المهدي عج ؟
بتاريخ : 26-02-2014 الساعة : 02:17 AM
ماهو المقصود بالملكوت في اليهودية والمسيحية والاسلام .
متى يأتي ملكوت المهدي (عج) ؟(1)
مصطفى الهادي
جنبا إلى جنب سارت بعض البشارات والتحذيرات ولم تنفصل عن بعضها على طول مسيرة الرسالات السماوية وقد جاءت بعض هذه النبوءات على شكل بشارات او تحذيرات.
أولا : التحذيرات من فتنة عمياء طخياء سوف تسبق البشارة وهي الفتنة التي حذر جميع الانبياء اممهم منها كما ورد في الحديث : ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، وأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : إني لأنذركموه وما من نبي إلا قد أنذر قومه ، لقد أنذر نوح قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور ، وأن الله ليس بأعور)). (2)
ومن بين التحذيرات اليوم الذي يهرب فيه كل الناس إلى الجبال والمرتفعات وايضا الانبياء اخبروا عن هذا اليوم الذي امر فيه المسيح أيضا كل اتباعه ان يهربوا إلى الجبال كما ورد في إنجيل مرقس 13: 14 (( فمتى نظرتم رجسة الخراب قائمة فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال)). وهو اليوم نفسه ايضا حذر منه النبي محمد (ص) (( ليفرن الناس من الدجال في الجبال)) . (3)
وقد ذكر في العهد القديم أن الله اطال عمر اربعة مخلوقات ـــ رمز لها بالحيوانات ــ لانها لا تزال حية في معادلة الخير والشر ليقف كل طرف بوجه من يُقابله، وهناك من اطال الله في اعمارهم مثل الخضر ، ولكن المقصود بالاربعة هم ذوي الادوار الرئيسية المهمة فقال في سفر دانيال: ((باقي الحيوانات فنزع عنهم سلطانهم، ولكن اعطوا طول حياة إلى زمان ووقت)).(4) وهي لغة رمزية تُشير إلى هذه القيادات الاربعة والدليل ان النص يستمر فيوضح غموض هذه العبارة فيقول في نفس الاصحاح : (( وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الايام ، فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والامم والألسنة. سُلطانه سلطان ابدي لن يزول ، وملكوته ما لا ينقرض)).(5)
وهذه المخلوقات الأربعة لربما هي رمز للأحياء الأربعة ( إبليس ، الدجال ، عيسى ، المهدي) ومن هنا قال الله بانه سوف يعطي لأحدهم (سلطانا وملكوت ومجدا لأجل ان يُقيم حكومة الله). وهذا مما لا يتوفر في الحيوانات بل في الانسان وحده ولو فرزنا من بينهم ابليس والدجال ، لبقي منهم عيسى والمهدي وهنا بيت القصيد.
ثانيا : واما البشارات فهي تعيين يوم عينه الله مسبقا يُقيم فيه العدل في المسكونة برجل قد عينه مسبقا (6) ستكون على يديه حكومة الملكوت العادلة الشاملة التي يتحقق فيها مفهوم الحاكمية على الأرض. وهذه الحكومة وهذا الشخص هو الذي سيقف بوجه اطماع الدجال وعدوانه والقضاء عليه.
وقد عبّرت الروايات عن هذه الحكومة بانها حكومة الملكوت او حكومة العدل العالمي أو اليوم الموعود والتسميات كثيرة.
فما هو الملكوت؟
الملكوت هو العز والسلطان والعظمة، وهو مُلك الله خاصة: (( سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء)). (7) ويشمل سلطان الله تعالى على خلقه وينتهي بسلطان الاب على اسرته، لا بل سلطان الانسان على نفسه ضمن حدود. ومن هنا استمد الملوك بعض القابهم فقيل لهم (السلطان وسلاطين) وكذلك من كلمة ملكوت استمدوا (ملك وملوك).
في التوراة (الملكوت) هو وعدٌ قطعه الله تعالى لنبي الله دواد (ع) بان يعطي لنسله الملك الأبدي فقال تعالى : (( ويكون متى كملت أيامك لتذهب مع آبائك، اني أقيم بعدك نسلك واثبت مملكته. هو يبني لي بيتا وأنا أثبت كرسيه إلى الأبد وأقيمه في بيتي وملكوتي إلى الأبد. يا لله فتكلمت عن بيت عبدك إلى زمان طويل)). (8)
ولكي يقطع الله الطريق على اليهود لكي لا يزعموا انهم المعنيون بهذا الامر وان الله قطع عهدا مع داود ان يقيم له مملكة ، جعل الرؤية مستقبلة وانها سوف تحدث بعد موت داود ، ومن هنا قال لدواد متى كملت أيامك لتذهب مع آبائك اي بعد موتك ، اضافة إلى ذلك فقد فهم نبي الله داود ذلك وقال موضحا (فتكلمت عن بيت عبدك إلى زمان طويل).
اضافة إلى ذلك فإن هذه النبوءة متعلقة بشخص يُقيم بيت الله (هو يبني لي بيتا) ومن هنا فإن بعض اليهود يستميتون من اجل اقامة (الهيكل) لكي يشملهم هذا النص وهم يعيشيون احلام الملك الأبدية.بينما حدد الله بأن هذا الملك سوف يكون في (نسل داود) وليس في شعبه او امته.
وقد أعطى الله بعض الملوك (ملكوتا) كما جاء في التوراة في دانيال حيث يقول : ((أنت أيها الملك، فالله العلي أعطى أباك نبوخذنصر ملكوتا وعظمة وجلال وبهاء)). (9)
وأما في المسيحية فقد كانت البشارة اوضح منها في اليهودية ، فلا لغة رمزية ولا تشبيهات، بل دخلت في صلب الموضوع وبكل وضوح فقالت بأن (ملكوت الله حقيقة مستقبلية فبعض تعاليم السيد المسيح تتكلم عن قدوم الملكوت في الزمن المستقبلي. وهذا البعد المستقبلي خاص بزماننا ثم يأتي المنتهى، ولذلك يجب علينا ان نقول في كل صلاة : ليأت ملكوتك).(10)
وهذا نفسه نقوله نحن المسلمون في الكثير من الأدعية عقيب الصلاة او فيها فنطلب التعجيل بظهوره ونُردد كلمات العجل العجل مرات ومرات.بينما المسيحييون يقولون : فليأت ملكوتك.
ولربما نشم من بعض عبارات الانجيل ان هناك رجعة اكيدة لحواريين السيد المسيح الإثنا عشر في آخر الزمان، وكذلك اسباط موسى الإثنا عشر ، والنصوص تأكد على ذلك ففي النص الأول يؤكد المسيح بأن من الحضور الذين رأوا ارتفاعه للسماء سوف يشهدون قدومه. وانهم لا يموتون بل يبقون في حالة ينهضون فيها حال سماعهم للنداء فيقول في متى : (( الحق أقول لكم : إن من القيامِ ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته)). (11)
ولذلك بشرهم عيسى بأنهم سوف يكونوا معه وأن معهم اسباط موسى الإثنا عشر فقال لهم في آخر ليلة عندما انزل الله عليهم المائدة من السماء فقال في : (( أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي وانا لكم كما جعل لي أبي ملكوتا، وتجلسوا على كرسي تُدينون أسباط إسرائيل الإثني عشر)).
ففي نص واضح قال المسيح : ((تأتي ساعة فيها يسمعُ جميعُ الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة)).
ولا ادري هل هذا يقودنا إلى القول بأن الائمة الاثنا عشر الذي بشر بهم النبي محمد (ص) أيضا سيكونوا حاضرين في ذلك اليوم . خصوصا واننا نشم رائحة الرجعة وبقوة في مصادر الحديث والتاريخ الاسلامي.
المسيحية أكدت وبقوة بأن ملكوت الله تعالى على الأبواب وانه آت لا محال وانه قريب جدا لا بل اقترب كما يذكر متى بأن يوحنا كان يُبشر بذلك فيقول : (( توبوا لانه اقترب ملكوت السماوات)). (12)
وقد باشر السيد المسيح بالتبشير بهذا اليوم بعد رحيل يوحنا حيث ذكر في كل المجامع : (( من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول : توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات)). (13)
ثم أمر السيد المسيح تلاميذه الحواريون ان يذهبوا في الأرض ويُبلغوا الناس باقتراب هذا اليوم فقال : (( وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين : إنه قد اقترب ملكوت السماوات)). (14)
ثم حذّر السيد المسيح اتباعه بأن كل من لم يهتم بهذا اليوم ويستعد له فيُنكره او لم يفهمه فإن الشيطان له بالمرصاد كما قال في متى : (( كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه)). (15) ولربما تكون هنا الاشارة إلى الدجال فيصفه المسيح هنا بانه الشرير.
وقد حذر المسيح امته أيضا من اقتراب الزمان ونهايته ، وان يوم حكم الأرض من قبل الله قد أتى فيقول في مرقس : (( قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله)). (16)
ثم يُبين السيد المسيح أهداف رسالته والاسباب التي بعثه الله من اجلها فيقول في لوقا : (( فقال لهم : إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله، لأني لهذا قد أرسلت)). (17)
ثم جاء الإسلام وعمّق من مفاهيم (يوم حكم الملكوت) واعطاها بعدها الذي تستحقه وبين رجالاتها وعلاماتها وشخوصها وأعداء هذا اليوم وهو ما نعرفه في كتب الملاحم والفتن او ما حفلت به كتب السير والاخبار لدى كل المسلمين.
وعلى ارض الواقع نشهد اليوم تحقق الكثير من هذه العلامات والمقدمات التي ذكرها الانبياء وهي مما لاحصر لها وكل هذه العلامات تندرج تحت موضوع (نبوءة الفرسان الأربعة). والتي سوف اكتبها بعد هذا البحث إنشاء الله .
لقد وضع الله مقدمات ملكوته بيد المهدي منذ الأزل وفي بدايات المخطط الكوني لبدء الخلق وهو محمي بارادة الله تعالى وقد ذكرت الكتب القديمة ذلك وذكرت طرفا من اخباره وغيبته وهروبه من اخوانه خشية الغدر وانجاه الله من شرور كثيرة كما يقول في سفر الحكمة منذ اكثر من ثلاث آلاف سنة حيث يتكلم هذا النص عن حكمة الله في انقاذه من المهالك : (( وهي التي قادت الصدّيق الهارب من غضب أخيه في سبُل مستقيمة، وأرته ملكوت الله ، واتته علم القديسين، وانتجحته في أتعابه، وأكثرت ثمرات أعماله. وعند طماعة المستطيلين عليه انتصبت لمعونته وأعنتهُ، ووقتهُ من أعدائه، وحمته من الكامنين له ووقته من اعدائه، وحمته من الكامنين له)).(18)
إذن وفق هذه الرؤية فنحن على اعتاب زمن الظهور. فعتال معي لنعالج ذلك في بحث : ((نبوءة الفرسان الأربعة)).
المصادر .
1- إن المعنى اللغوي- في اللغة العبرية (مالكوت) أو الآرامية (مالكوتا) - هو سلطان الله وحكمه.
في العهد القديم : التوراة : كلمة ملكوت في العبرية هي (مالكوت) وفى الآرامية التي كتبت بها بعض أجزاء العهد القديم والتي كان يتحدث به اليهود في زمن السيد المسيح (مالكوتا) وتعنيان في العهد القديم والكتاب المقدس كله : (حكم الله وسلطانه الشامل وسيادته على الناس والأمم والزمن في الماضي والحاضر والمستقبل، أي التاريخ الذي يحدد مساره ويحقق فيه إرادته، والطبيعة والكون كله، في السماء وعلى الأرض، فهو خالق الكون ومدبره والمهيمن عليه) وإذا اعطى الله تعالى الملك لأحد يختاره فهو يعطيه كل هذه الامور فيكون له سلطة كونية ما دون الله تعالى وبإذنه. حيث يتصرف في كل ذرات الكون بإذن الله كما فعل موسى وعيسى من معاجز، لأن الحاكمية المطلقة على الأرض وما ورائها من عالم الغيب تحتاج إلى كل هذه الصلاحيات للوقوف بوجه الابالسة المتمردين واشياعهم واتباعهم ومن يسيرون في ركابهم.
2- صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير رقم الحديث : 2842
3- انظر صحيح مسلم رقم الحديث 2945 .
4- سفر دانيال 7: 12
5- نفس المصدر السابق.
6- بشارات وراثة الأرض والحكم فيها بالعدل وردت في جميع الكتب السماوية ففي سفر مزامير داود 37: 29 يقول : (( الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد )). وفي سفر أعمال الرسل 17: 31 (( أنه اقام يوما هو فيه مزمعٌ أن يَدين المسكونة بالعدل، برجلٍ قد عينهُ، مسبقا للجميع)) وفي القرآن في سورة القصص آية 5 ذكر هذا الوعد فقال : (( ونُريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، ونُمكن لهم في الأرض)).فالبشارة لكل الأمم كما يقول في سفر دانيال 7: 14( لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة)). ولربما هو تحقيق لقول الله في سورة الذاريات : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
7- سورة ياسين آية 83
8- سفر أخبار الأيام الأول 17: 11.
9- سفر دانيال 5: 18
10- وهي المعروفة بصلاة الابانا في متى إنجيل متى 6: 10 : (فصلوا انتم هكذا: أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك).
11- إنجيل متى 16: 28
12- متى 3 : 2.
13- إنجيل متى 4: 17
14- إنجيل متى 10: 7
15- إنجيل متى 21: 43
16- إنجيل مرقس 1: 15