يوحنا بن زبدي ، كان في البدء من تلاميذ يوحنا المعمدان وعندما قُتل يوحنا المعمدان أصبح من اخص تلاميذ يسوع وانتخبه ضمن الإثني عشر حواريا. كتب إنجيل يوحنا ، وكتب رسائله الثلاث ، ثم ختم حياته الأرضية بكتابة سفر الرؤيا. يُعتبر يوحنا شاهدا لكثير من الأحداث المهمة في حياة يسوع حيث كان يسوع يختصه كثيرا وله موقع بارز عند يسوع فقد عاين احداثا مهمة جدا منها إحياء يسوع للموتى . حضوره ورؤيته لموسى وإيليا على الجبل في التجلي وهو الذي ساهم بشكل اساس في الاعداد لمأدبة العشاء الأخير.
عذبه الملك (هيرودس أكريبا) ولكن الملك خاف جدا عندما رأى أن يوحنا لم يتألم ولم يصرخ ولم يمت تحت التعذيب فنفاه إلى جزيرة بطمس في آسيا الصغرى وهناك في هذه الجزيرة المنعزلة ، حيث الانقطاع إلى الرب وفي انخطافة روحية منّ بها عليه الرب رأى سبع رؤى في حال اليقضة وليس في المنام حيث انفتحت له السماء ليرى احداثا مستقبلية مهمة ستقع على الأرض، ولكن تأخر كتابة هذا السفر إلى أكثر من سبعين سنة بعد رحيل يسوع (1) أدى إلى تشتت تلك الرؤيا وتصرف الكتبة فيها ثم جاءت الترجمات لتضيف غموضا أكثر حيث ان مقارنة الرؤيا المترجمة مع الأصل تعكس لك التصرف المريع الذي حصل فيها ولكن من بين كل ذلك وردت اشارات تنبأ فيها يوحنا عن احداث مستقبلية ذكرها باوصاف دقيقة لربما تحتاج إلى جهد مميز للخروج منها بالنتيجة المُثلى .
ركّزت رؤيا يوحنا اللاهوتي في جانب كبير منها على العراق ووصف بدقة ما سيحصل هناك وأعطى اوصافا لأشخاص الحوادث حاول علماء المسيحية جرها قهرا لكي تتطابق مع يسوع المسيح . فقد كتبت في بحثي السابق في العام الماضي وهو تحت عنوان : نبوءة الكتاب المقدس من هو قتيل شاطئ الفرات. بأن القتيل هو (الحسين بن علي بن ابي طالب) وهو شخص مقدس جدا وصفته الرؤيا بانه الذبيح على ذلك الشاطئ من تلك الصحراء القاحلة وهو الذبيحة لله ،حيث يقول النص : ((فِي الشِّمَالِ بِجَانِبِ نَهْرِ الْفُرَاتِ عَثَرُوا وَسَقَطُوا. لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ.)). ولكن العاصفة التي اثارها البحث لم تهدأ إلى هذه الساعة فبعضهم قالوا أن تلك المعركة بين الوثنيين والبعض الآخر قال أن الذبيح هو (يسوع المسيح) واطلقوا عليه الخروف او الكبش او الحمل . ولكن في احد نقاشاتي مع كبير من القساوسة قلت له : كيف تزعمون أن يسوع هو الذبيحة على شاطئ الفرات ويسوع لم يصل إلى هناك ؟ فقال مزهوا : ألم تقرأي ما قاله بولص !! : ((كما احبنا المسيح أيضا وأسلم نفسه لأجلنا ، قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة)). (2).
فقلت له ولكن الإنجيل يحكي قصة طويلة عريضة لعملية صلب وليس عملية ذبح؟ ويذكر كلمة صلب ومصلوب وصليب مئآت المرات مرادفة ليسوع ، ولم يذكر مرة واحدة مسألة الذبح. فقال عليك ان تؤمني بما جاء به الرسول بولص. فقلت له : كيف اؤمن بقول بولص وهو ليس كتابا مقدسا إنما هي رسائل كتبها لزملائه ، والذي ينفي فيه في مكان آخر قوله السابق فيأتي بقول آخر كما في رسالته إلى أهل غلاطية ؟
فقال : وما في تلك الرسالة ؟ قلت بولص في هذا النص ينفي ان يكون يسوع مذبوحا بل مصلوب فيقول : ((وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ)). (3) ثم أن بولص هنا يقول أن هذا الكلام (من جهته) وليس من الرب وليس وحيا إنما هو رأيٌ يُبديه ويؤكد فيه على الصلب وليس الذبح. واما الذبيح المذكور في سفر أعمال الرسل فهو يوحنا المعمدان الذي ساقه الحراس للقيصر فذبحه وقطع رأسه واهداه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل حيث يقول : ((وهو يقرأ النبي إشعياء: مثل شاةٍ سيقَ إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجُزّهُ هكذا لم يفتح فاه)). (4) فلم يُذبح اي نبي بعد التوراة غير يوحنا وهذه النبوءة تتعلق بيوحنا وليست بيسوع.
فسكت الأب مجمجما ، وذهب مهمهما.
اضافة إلى ذلك فإن النص العبري يقول : ((كي أتّا نشحطتا في بدمخا قانيتا لإيلوهيم من كل مشبحا ولا شون وعم وكوي في إيريه في إشمع كول ملا خيم ربيم كورئيم عوشر في حاخما في كبورها في هدار كافود في براخا)). وهو يُشير إلى الذبح وليس إلى الصلب. سيأتي بيانه في محله من البحث.
ثم قلت له : لماذا تعلقون صليبا في رقبتكم ؟ فلو كان يسوع مذبوحا لكان الأحرى بكم ان تُعلقوا سكينا فهذا افضل لانها اداة الذبح.
ما ذكرته أعلاه جزء يسير من عملية الطمس والاخفاء للكثير من الحقائق التي لا تزال جارية إلى هذا اليوم فلا نُغالي إذا قلنا أن هناك تلاعبا بالنصوص اخفوا على ضوئه الكثير من هذه النبوءات المتعلقة بالنبي وآل بيته وبعض ما دار من أحداث جسام بين الصحابة وما حصل فيهما من تعمية الحقيقة، وتضليل القارئ لهما على مدى الأجيال، وقد تم ملاحقة هذه النبوءات والنصوص حتى في زمن الإسلام وقد جرت محاولات لحرف الحقائق على عهد محمد وفي زمنه (5) ولكنها كلها كانت تصطدم بصلابة محمد ورفضه لذلك .
ولكن عملية الطمس للحقائق حصلت بعد رحيل النبي محمد عن طريق تآمر بعض خلفاء المسلمين مع اليهود والنصارى من اجل اخفاء وطمس الكثير من نبوءات الكتب المقدسة. واول باب فُتح في ذلك هو دخول الحبر اليهودي (كعب الأحبار بن ماتح) للاسلام في عهد عمر بن الخطاب الذي اجاز له الجلوس في مسجد الرسول والتحدث بما عنده من خرافات اليهود. فقد كان كعب يراقب النصوص الإسلامية بصرامة بالغة ويُدقق بكل ما جاء به نبي الاسلام وقرآنه المقدس. لكي لا تفلت تلك النبوءات من الكتمان فتظهر امام الناس فتنسف بذلك اليهودية والنصرانية. فلم تمض فترة قليلة على رحيل نبي الاسلام حتى عجت قصور الخلفاء باعداد كبيرة من اليهود والنصارى. فماذا يعمل هؤلاء في قصور خلفاء المسلمين وهم لم يغيروا عقيدتهم؟
من الناحية الواقعية تطالعنا نصوص في التوراة والإنجيل تتحدث عن بقعة في العراق لها مواصفات لا تتوفر في أي مكان من العالم. تتحدث هذه النصوص عن ذبيحة إلهية، وفداء وتضحية في سبيل الحق، وهذه الذبيحة تُحقّق غايات الأنبياء عبر التاريخ من بعثهم لا تنطبق إلا على (الحسين بن علي) وحركته ، ذلك أنه على الرغم من محاولات علماء المسيحية صرفها عن دلالتها الظاهرة، وتأويلها بما ينطبق على يسوع المسيح ، تارة بتحريف العبارات الواردة والتصرّف في مداليلها، وأخرى بحملها على الرمزية البعيدة، من دون دعمها بأيّ شاهد لا بل عمدوا إلى تغيير اماكن بعض الكلمات لكي يضيع معناها الذي نزلت من اجله ، ولكنها ظلّت عصيّة على مثل هذه التأويلات.وفلت منها ما يفي بالغرض ويسلط الضوء على الحقيقة.
فعلى الرغم من كل ما حصل من طمس للنبوءة فقد تجلت ثورة (الحسين) بشكل بارز في سفري : رؤيا يوحنا اللاهوتي في الانجيل و في سفر أرميا النبي في التوراة.
أما ما جاء في التوراة في سفر أرميا.
يقول أرميا : ((الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا، من هذا الصاعد كالنيل كأنهار تتلاطم أمواجها،...، فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم. لأن للسيد ربّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات)).(6)
وهذا النص نفسه بتغيير طفيف موجود في النص الأصلي الذي يقول : ((في هيّوم ههو كاشلوا في نافلوا تسافونا عل يد نهر فرات في آكلا حيرب في سابعا في راوتا من دمام كي زيبح لأدوناي يهفا تسفاؤوت با إيرتس تسافون إل نهر فرات)). (7)
أي : ((أنك الذي ذبحت وقدمت دمك الطاهر قرباناً للرب ومن أجل إنقاذ الشعوب والأمم ، وسينال هذا الذبيح المجد والعزة والكرامة والى الأبد)). هنا يشير النص العبري إلى ذبيحة الفرات المقدسة من خلال ما جاء على لسان النبي يوحنا بأنه المذبوح الذي ضحى بنفسه من أجل الرب ، وأنه سينال المجد والعزة على مر العصور والأجيال ، وهذا ما يتضح من خلال التحليل اللغوي للنص العبري حيث نجد الإشارة إلى أنه ذبح وقتل ، من خلال صيغة اسم الفاعل (نشحطتا) وهي مشتقة من الفعل (شاحط) أي ذبح أو قتل. فلم يقل النص : صُلب وعلّق . (8)
ثم نجد في النص العبري تأكيداً آخر على أن المذبوح يشري دمه الطاهر قربة إلى الرب وابتغاء مرضاته من خلال عبارة (بدمخا قانيتا) فالفعل: قانيتا. هو بالأصل: قانا: أي اشترى وباع وهذا ما ردده الحسين في كربلاء حيث قال: ((ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم .... )) .
اجليت غبار التشويه عن هذا النص في بحث : ( نبوءة كتاب الرب المقدس : من هو ذبيح شاطئ الفرات) الجزء الأول والثاني وما تبعه من ملاحق تسائلت فيه وبكل وضوح : من هذه الذبيحة الإلهية ، التي توجب غضب الرب؟ وقلت أيضا : لم يتحدث التاريخ اطلاقا عن ذبيحة عند نهر الفرات، أريد بها وجه الرب الله إلا الإمام الحسين بن علي ، الذي أراد إعادة الحق وإعلاء كلمة الرب والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من أمور موجودة في خطب هذا الامام المقدس.
أنتهى الجزء الأول . ويليه الجزء الثاني.
المصادر والتوضيحات ـــــــــــــــــ
1- يقول اكثر العلماء أن هذا السفر دوِّن على الأغلب بعد دمار مدينة القدس (أورشليم) بيد الرومان قرابة العام 70 م. زعم فريق آخر ان هذه الرؤيا دوّنت في مدينة أفسس في اليونان وليس في بطمس ، ولربما حصل الخلط نتيجة تقارب الاسمين.
2- رسالة بولس إلى أهل أفسس 5 : 2 .
3- رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 6: 14.
4- سفر أعمال الرسل 8: 32.
5- وهذا ما ذكرته بالتفصيل في بحث : عمر واليهود دراسة في خلفيات عمر الدينية الجزء الأول والثاني .
6- سفر إرميا 46: 6.
7- العهد القديم، الطبعة العبرية من سفر ارميا: 10، 6: 46 ص 782 .وممن اعتمد على النص العبري ايضا العاملي في موسوعة الانتصار المجلد التاسع وهو مناظرات الشيعة في شبكات الانترنت بعنوان دفاعا عن مراسم عاشوراء مطبوع في دار السيرة بيروت 1422 . وكذلك الشيخ الكوراني في بحثه : الامام الحسين في الكتاب المقدس.
8- المعجم الحديث عبري عربي الكتور ربحي كمال. 104 و 425. ثورة (الحسين) بشكل بارز في سفري : رؤيا يوحنا اللاهوتي في الانجيل و في