قالت فاطمة الزهراء عليها السلام : يا أبة ، أيّ شيء تقول ؟
قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الاذى والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة ، كأنهم نجوم السماء يتهاوون إلى القتل ، وكأني أنظر بالى معسكرهم وإلى موضع رحالهم ، وتربتهم ، قالت يا أبة ، وأبة ، واين الوضع الذي تصف ؟
قال الموضع يقال له : « كربلاء » وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة .
يخرج عليهم شرار امتي ، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار .
قال يا أبة ، فيقتل ؟ قال : نعم يا بنتاه ، وما قتل قتلته أحد كان قبله ، وتبكيه السماوات والأرضين والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض منقذ ، ويأتيه من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، اولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء وهم واردون حوضي غداً ، أعرفهم ـ إذا وردوا علي ـ بسيماهم . وكل أهل دين يطلبون ائمتهم وهم يطلبوننا ولا يطلبون غيرنا ، وهم قوّام الأرض وبهم ينزل الغيث .
فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام : يا أبة إنا لله ، وبكت .
فقال لها : يا بنتاه ، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً ، فما عندالله خير من الدنيا وما فيها ، قتلة أهون من ميتة ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل سوف يموت .
يا فاطمة محمد ، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر ، فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض ، فيسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه ؟ ..
أما ترضين أن يكون بعلك مشيم النار بأمر النار ، فتطيعه يخرج منها من يشاء ، ويترك من يشاء . أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وما تأمرين به وينظرون إلى بعلك ، قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتلك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق وامرت النار أن تطيعه ؟
اما ترضين ان تكون الملائكة تبكي لأبنك ويأسف عليه كل شيء ؟
اما ترضين ان يكون من أتاه زائراً في ضمان الله ، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وأن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ولم يزل في حفظ الله وأمنه ، حتى يفارق الدنيا .
قال يا أبة ، سلمت ورضيت وتوكلت على الله فمسح على قلبها ومسح على عينيها وقال : إنّي وبعلك وانت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك (1) .
(1) تفسير فرات الكوفي : 171 ، عنه البحار : 44 | 264 ح 22 .