دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة (عليها السلام) في صبيحة عرسها بقدح فيه لبن فقال: « اشربي فداكِ أبوك »، ثم قال لعلي (عليه السلام): « اشرب فداك ابن عمّك »[1]. ثم سأل عليّاً: « كيف وجدت أهلك ؟ قال (عليه السلام): نِعم العون على طاعة الله ». وسأل فاطمة فقالت: « خير بعل »[2]. قال عليّ (عليه السلام): «ومكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك ثلاثاً
لا يدخل علينا، فلمّا كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا (صلى الله عليه وآله) ليدخل علينا . . . » فلمّا دخل عليهما أمر عليّاً بالخروج ، وخلا بابنته فاطمة (عليها السلام) وقال : « كيف أنت يا بُنيّة ؟ وكيف رأيت زوجكِ ؟ » .
قالت : « يا أبه خير زوج ، إلاّ أنّه دخل عليَّ نساء من قريش وقلن لي زوّجكِ رسول الله من فقير لا مال له »، فقال (صلى الله عليه وآله) لها : « يا بنية ما أبوك ولا بعلُك بفقير، ولقد عرضت عليَّ خزائن الأرض ، فاخترت ما عند ربّي ، والله يا بنية ما ألوتك نصحاً أنّ زوّجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً » .
« يا بُنية إنّ الله ـ عزوجل ـ اطلع إلى الأرض فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك ، يا بنية نِعم الزوج زوجكِ ، لا تعصي له أمراً » .
ثم صاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعليّ : « يا عليّ »، فقال : « لبيك يا رسول الله » ، قال : اُدخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها ، فإنّ فاطمة بضعة منّي، يؤلمني ما يؤلمها ويسرّني ما يسرّها ، أستودعكما الله وأستخلفه عليكم »[3] .
وفي رواية : لمّا زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إبنته فاطمة (عليها السلام) قال لها : « زوّجتك سيّداً في الدنيا والآخرة ، وإنّه أول أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً »[4] .
تأريخ الزواج :
الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) تنصّ كلّها على وقوع الزواج بعد عودة المسلمين من معركة بدر منتصرين .
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : « تزوّج علي فاطمة (عليهما السلام) في شهر رمضان وبنى بها في ذي الحجة من العام نفسه بعد معركة بدر »[5] .
وروي أيضاً أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل بفاطمة (عليها السلام) بعد رجوعه من معركة بدر لأيام خلت من شوال السنة الثانية من الهجرة النبويّة المباركة[6] .
وروي في أوّل يوم من ذي الحجة ( السنة الثانية من الهجرة ) زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة عليّاً (عليه السلام)[7] .
مميّزات زواج الزهراء (عليها السلام) بعليّ (عليه السلام)
لقد امتاز زواج السيّدة فاطمة سلام الله عليها بما يلي :
1 ـ إنّه زواج من السماء وبأمر من الله تعالى قبل أن يكون نسباً أرضياً ، ومجرد ارتباط عاطفي ، ويكفينا في ذلك ما رويَ عن عمر بن الخطاب إذ قال : نزل جبرئيل فقال : «يا محمّد إنّ الله يأمرك أن تزوّج فاطمة ابنتك من علىّ »[8] .
2 ـ إنّ الله تعالى قد جعل الذرّيّة النبويّة الطاهرة محصورة بهذا الزواج المبارك ، ومن طريق هذين الزوجين ، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : «كلّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، وكلّ بني اُنثى فعصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فإنّي أبوهم وأنا عصبتهم »[9] .
3 ـ إنّ الزهراء (عليها السلام) وحيدة محمّد (صلى الله عليه وآله) التي لم يكن لها اُخت في النسب الأبوي ، أمّا زينب ورقية واُمّ كلثوم ـ وإن اشتهرن بكونهنّ بنات محمّد (صلى الله عليه وآله) ـ فهنّ بنات هالة اُخت خديجة، وقد كنّ في بيت خديجة حينما اقترنت بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولم يؤيّد التحقيق التأريخي بنوّتهنّ لمحمّد (صلى الله عليه وآله)[10].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كشف الغمة : 1 / 368 .
[2] بحار الأنوار : 43 / 117 .
[3] بحار الأنوار : 43 / 132 .
[4] بحار الأنوار : 43 / 133 ، وكنز العمال : 11 / ح32926 مثله ، ومسند الإمام أحمد : 5 / 26 مثله، مختصر تاريخ دمشق : 17 / 337 .
[5] كشف الغمة : 1 / 364 ، بحار الأنوار : 43 / 134.
[6] أمالي الطوسي : 43 مجلس2 حديث 47.
[7] مصباح المتهجد للطوسي : 613 (ط. حجرية).
[8] ذخائر العقبى : 41 ، وراجع شرح نهج البلاغة : 9 / 193 .
[9] كنز العمال : ج13 / 37586 ، وقريب منه ما في شرح نهج البلاغة : 12 / 106 .
[10] الإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ : ص27 ، الشيخ محمد حسن آل ياسين، وراجع الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي المتوفى 352 : الصفحة 80 ـ 82 طبعة دار الكتب العلمية ـ قـم .