|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 50367
|
الإنتساب : May 2010
|
المشاركات : 299
|
بمعدل : 0.06 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
موضوع للنقاش: عراق 2040م صومالي أم خليجي أم كوري جنوبي؟
بتاريخ : 27-07-2013 الساعة : 07:03 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استجابة لاقتراح من الأخ الفاضل الأستاذ الرجل الحر ودعوة كريمة من إدارة هذا المنتدى الأغر أطرح موضوعاً مقترحاً للنقاش يدور حول مستقبل العراق بعد حوالي ربع قرن من اليوم، كلنا ندعوا ونأمل أن يكون عراقاً مستقراً آمناً ومزدهراً تتحقق فيه أمنيات العراقيين ويكون مدعاة فخر واعتزاز لهم، ومن البديهي أن مستقبل العراق يبنى اليوم، وما سوف يكون عليه هو نتيجة للخطط والقرارات التي يتخذها صانعو القرارات الذين اختارهم العراقيون عبر صناديق الاقتراع وسيعيدونهم إلى مناصبهم أو يأتون بغيرهم في الانتخابات القادمة وبالتالي نتحمل جميعاً المسؤولية في صنع مستقبل العراق الذي سيعيش فيه أولادنا وأحفادنا ومن هنا تتضح أهمية هذا النقاش في تقديري الشخصي.
اقترح طرح هذا الموضوع لابداء الرأي والنقاش بين أعضاء هذا المنتدى الكريم على امتداد أربعة أيام ومن الله السداد والتوفيق.
موضوع للنقاش: عراق 2040م صومالي أم خليجي أم كوري جنوبي؟
د. حامد العطية العراقيون اليوم يطاردهم الماضي بكوابيسه، ويعذبهم الحاضر برعبه، وجل اهتمامهم منصب على تدبير احتياجاتهم الآنية، فلا يجدون الوقت للتفكير بالمستقبل، لكنهم ومثل كل شعوب العالم يتمنون مستقبلاً أفضل لأبنائهم وأحفادهم، فما هي احتمالات حدوث ذلك؟ استشراف المستقبل موضوع شائك ومعقد، واحتمالات الخطأ فيه عالية، لكنه ضروري، على الأقل للتوعية بالمخاطر التي ينبغي مواجهتها اليوم والفرص السانحة التي يمكن استثمارها.
مرت عشر سنوات على سقوط النظام البعثي، يمر الزمن سراعاً، وإن كانت أحداثة مفجعة أحياناً، والمرارة التي تخلفها تترسب في النفوس، قبل عشر سنوات دار حديث بيني وبين وكيل وزارة الحج السعودية، على هامش تكليفي باستشارة إدارية للوزارة، قال لي الوكيل الذي ترقى فيما بعد لمنصب وزير: سلموا زمام أموركم للأمريكيين لعشرة أعوام وسيحيلون بلدكم إلى جنة! من يعرف نوايا الأمريكيين لا يصدق ذلك، وها قد مضت السنوات ولم تتحقق نبوءة الوزير السعودي، بل العكس منها بالضبط، والعراق اليوم بنظامه السياسي الفاشل ووضعه الأمني الهش واقتصاده المتخلف وإدارته الفاسدة أبعد ما يكون عن الجنة الأرضية الموعودة.
ما بين اليوم و2040م سبع وعشرون سنة، وهي فترة زمنية كافية، سيتضح بنهايتها مصير العراق ومدى نجاح حكوماته وشعبه في إعادة بناءه أو تركه نهباً للاضمحلال والخراب، يمكن استشراف ثلاثة صور متباينة لمستقبل العراق في 2040م: أن يصبح العراق أشبه بالصومال في انقساماته العميقة المزمنة وضياع سيادته وتقاتل فئاته وتخلف اقتصاده ومجاعة شعبه وهجرة أبناءه، وقد يحدث الأسوء من ذلك، إذ الصومال ما زال متحداً لكن العراق مرشح للتقسيم إلى دويلات.
الاحتمال الثاني هو أن يصبح العراق مثل بعض دول الخليج، أو بالأحرى سياسياً أشبه بالنظام السياسي اللبناني الطائفي، واقتصادياً نسخة رديئة من دول الخليج، ليس صنو دبي أو الإمارات العربية في الحداثة والعمران وجودة الخدمات والرفاهية كما يتمنى بعض العراقيين، ولا السعودية في حجم اقتصادها وقوة صناعاتها النفطية وعمرانها وسوق خدماتها، بل أقرب إلى النموذج العماني أو البحريني، في اعتماده الرئيسي على عائدات النفط الخام والتوظيف الحكومي مع قطاع زراعي متقلص وصناعة محدودة.
في الثمانينات من القرن الماضي جنت الشركات الكورية الجنوبية أرباحاً ضخمة من مشاريع البناء في السعودية والعراق وغيرهما، وكان الانطباع العام بأن البناء هو أفضل ما يتقنه الكوريون، وعندما اشترى زميل سعودي سيارة كورية رخيصة ورديئة الصنع في حينها سخرنا منه، أما اليوم وبعد مرور ربع قرن أصبحت كوريا الجنوبية قوة اقتصادية، تنافس منتجاتها الصناعات الأوروبية والأمريكية واليابانية، ولو استطاع العراق أن يصل في 2040م إلى ما يشبه مرحلة انطلاق الاقتصاد الكوري الجنوبي قبل ثلاثين سنة فسيكون ذلك إنجازاً مرموقاً، لكن ذلك يتطلب أيضاً تكرار التجربة الكورية في إصلاح النظام السياسي والإداري والقضاء على الفساد.
بناء المستقبل عملية كبرى، تواجهها قيود وتحديات وفرص سانحة، ولأننا مؤمنون فلا بد أن نضيف أيضاً عامل العناية الآلهية، ويشتمل الوضع الحالي على قيود ومحددات، لا بد من التعامل معها ومحاولة التغلب على اثارها السيئة، كما ستؤدي هذه العوامل والظروف المحددة إلى نتائج على المديين القريب والبعيد، ينبغي الالتفات لها والحد من مضارها المحتملة والاستفادة من مزاياها إن وجدت، وفيما يلي قائمة بالظروف الحالية التي تشكل قيوداً على عملية إعادة البناء والإعمار، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1. اضطراب الوضع السياسي وكثرة الانقسامات والخلافات داخل العملية السياسية.
2. ارتفاع وتيرة العنف والعمليات الإرهابية.
3. تأزم المجتمع العراقي نتيجة التوترات الطائفية والإثنية.
4. ارتفاع مستوى النمو السكاني، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان في 2040م ليصل إلى أكثر من ستين مليون نسمة.
5. تدهور البنية التحتية للاقتصاد العراقي بسبب العقود المنصرمة من الحروب والحصار والاحتلال والاهمال.
6. تدني مستوى قطاعات الكهرباء والنقل والمواصلات والمياه والخدمات الحكومية الأساسية.
7. وجود أزمات مزمنة في قطاع الزراعة مثل ارتفاع نسبة الكثافة السكانية في المناطق الزراعية وتفتت الملكية الزراعية وسوء الإدارة الزراعية.
8. اضمحلال القطاع الصناعي الحكومي وضعف نمو القطاع الخاص.
9. شح مصادر المياه بسبب تدني حصة العراق من مياه الأنهار والروافد المارة في أراضيه.
10. تنامي النزعة الاستهلاكية في المجتمع العراقي وازدياد الطلب على البضائع المستوردة.
11. مشكلة الفقر، وتقدر نسبة الفقراء بـ 18% من مجموع السكان.
12. المستويات العالية نسبياً للأمية والتسرب من المراحل التعليمية الأساسية.
13. نسبة البطالة المرتفعة التي تقدر بـ 16 %.
لا تبعث هذه القائمة على التفاؤل، فالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيء أو سيء جداً، وتطلعات وتوقعات السكان عالية كما أنهم يتكاثرون بمعدل مرتفع، وعندما يصل عدد السكان إلى ستين مليوناً ستتضاعف احتياجات السكان من الكهرباء وغيرها من الخدمات، وهي في الوقت الحاضر لا تسد نصف الاحتياجات الراهنة، كما ستظهر الحاجة لتوفير ملايين من فرص التوظيف للأعداد الإضافية من المواطنين وللقضاء على البطالة الحالية، وإذا كان عدد العمالة في الوقت الحاضر يقدر بثمانية ملايين (تقديرات البنك الدولي ووزارة التخطيط العراقية) فلا بد من ايجاد حوالي عشرة ملايين فرصة عمل إضافية بحلول 2040م، علماً بأن نسبة مشاركة المرأة العراقية في العمل حالياً منخفضة وتقدر بـ 13%، ولن يكون التوظيف الحكومي قادراً على استيعاب سوى نسبة ضئيلة من هؤلاء المنضمين الجدد إلى سوق العمل، وعلى صعيد اخر ستواجه العراق صعوبات مضاعفة في توفير المياه لسد احتياجات السكان والزراعة والنشاطات الأخرى، مما يحتم عليه البحث عن مصادر إضافية عن طريق تحلية مياه الخليج وكذلك ترشيد الاستهلاك وتغيير أنماط الزراعة، وسيبقى النفط مورداُ رئيسياً يعول عليه العراقيون بعد الله في معيشتهم وتنمية اقتصادهم، لكنه ونتيجة تسارع معدلات التصدير سيكون من الصعب استخراج المتبقي منه، لذا فإن نافذة الاستفادة من هذا المورد الناضب ستتقلص بمرور الزمن مما يفرض أقصى درجات الترشيد والكفاءة منه ومن عوائده اليوم قبل الغد.
بعد كل هذا الوصف المائل إلى التشاؤم هل هنالك ما يمكن أن يتفاؤل العراقيون به؟ فيما يلي قائمة ببعض المزايا والفرص وغيرها من العوامل الإيجابية التي ستخدم التنمية والإعمار لو أحسنا اسثمارها:
1. تطلعات العراقيين لاستعادة دورهم الريادي والمتميز بين شعوب المنطقة وهو دافع معنوي ونفسي فعال بشرط استقرار الوضع السياسي وانخفاض حدة الانقسامات الطائفية والإثنية.
2. النمو السكاني الذي يعني اكتفاءاً في العمالة، كما سيوفر أحد الشروط الضرورية لنمو الاستثمارات ونشوء سوق محلية واسعة نسبياً للخدمات والمنتجات الوطنية.
3. وفرة الموارد الطبيعية ومن أهمها النفط بشرط ترشيد وتقنين الاستفادة منها والتوجه نحو استغلالها محلياً وتحويلها إلى منتجات صناعية بدلاً من تصديرها كمواد خام مما سيساعد في ايجاد قطاع صناعي نامي.
4. الأراضي المتاحة للزراعة والتي ينبغي تطوير وترشيد الزراعة فيها واعتماد المحاصيل وطرق الزراعة المناسبة في ضوء شح المياه واحتياجات السكان والأسعار العالمية.
5. تحلية مياه الخليج لاستعمالها في سد الاحتياجات المنزلية والصناعية.
6. وجود المراقد الدينية التي يقصدها الزوار وضرورة تنمية ما يسمى بالسياحة الدينية لتكون أحد مصادر الدخل والاستثمار والتوظيف كما هو حال الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية.
7. الاستفادة من موقع العراق الجغرافي وانشاء الطرق ووسائط النقل لتسهيل انتقال البضائع والافراد عبر الأراضي العراقية.
لو استمر العراق على ما هو عليه الآن من اضطراب وعنف وانقسام فمن المحتمل أن يتدهور الوضع حتى يصبح مثل الصومال حالياً، أو أسوأ من ذلك فيما لو انقسم العراق وتصارعت الدويلات الناتجة عن ذلك حول الأرض والموارد، ومع الاستقرار النسبي وبقاء النظام السياسي العقيم والفساد فلن يكون وضعه في 2040م أفضل من أقل الدول الخليجية ثراءاً، أي عمان، وسيكون مستقبله بعد ذلك غامضاً ومحفوفاً بالمخاطر خاصة بعد نضوب النفط سهل الاستخراج وشح المياه، لذا فإن البديلين الصومالي والعماني سلبيان ومرفوضان تماماً، ويجب أن يكون نصب أعين المخططين العراقيين النموذج الكوري الجنوبي، أو أي نموذج ناجح آخر، قادر على استدامة التنمية، حتى بعد استنفاذ مورد النفط.
الفترة الزمنية من الآن حتى 2040م مصيرية، بكل المعاني ومن دون مبالغة، ويتحمل العراقيون المعاصرون مسؤولية تاريخية ووطنية ودينية كبرى، ليس تجاه أنفسهم فقط وإنما تجاه الأجيال العراقية القادمة، ولو أرادوا أن يترحم عليهم أبناؤهم وأحفادهم ويرحمهم الله فعليهم من اليوم تحمل هذه المسؤولية والبدأ بعملية التنمية والإعمار وتوفير الظروف المناسبة لذلك، وإلا فإن مصيراً حالك السواد ينتظر العراقيين.
26 تموز 2013م
|
|
|
|
|