|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 78917
|
الإنتساب : Jul 2013
|
المشاركات : 3
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
في بيان ولادة الإمام الحجة عليه السلام
بتاريخ : 24-07-2013 الساعة : 02:09 PM
قال العلامة المجلسي في جلاء العيون: الأشهر في تاريخ ولادته عليه السلام انّها كانت في سنة (255 ه) وقيل (256 ه) وأيضاً (258 ه)، والمشهور انّها كانت في ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان، وقيل في الثامن منه.
وكانت ولادته في سامراء بالاتفاق، واسمه وكنيته عليه السلام يوافقان اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيته، ولا يجوز ذكر اسمه في زمن الغيبة، والحكمة في هذا التحريم خافية، وألقابه عليه السلام: المهدي، والخاتم، والمنتظر، والحجة، والصاحب.(1)
(السيدة نرجس):
روى ابن بابويه والشيخ الطوسي بأسانيد معتبرة عن محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، انّه قال: قال بشر بن سليمان النخّاس، وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد، وجارهما بسرّ من رأى:
أتاني كافور الخادم فقال: مولانا أبو الحسن عليّ بن محمد العسكري يدعوك إليه، فأتيته فلمّا جلست بين يديه قال لي: يا بشر انّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وانّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ اُطلعك عليه، واُنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتاباً لطيفاً بخطّ رومي ولغة رومية، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة(2) صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً.
فقال: خذها وتوجّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فاذا وصلت إلى جانبك زواريق السّبايا، وترى الجواري فيها ستجد طوايف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس، وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا لابسة حريرين صفيقين(3) تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق، فاعلم انّها تقول: واهتك ستراه.
فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داوُد وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك، فيقول النّخاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته.
فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: انّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخطّ روميّ، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فان مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان:فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً، وقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرّجة والمغلّظة(4) انّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت اُشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدّنانير، فاستوفاه وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليه السلام من جيبها، وهي تلثمه وتطبّقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها.
فقلت تعجّباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟ فقالت: أيها العاجز الضّعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الرّوم، وامّي من ولد الحواريّين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون اُنبّئك بالعجب.
انّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشاير أربعة آلاف، وأبرز من بهيّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصّلب وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصّلب من الأعلى فلصقت بالأرض، وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.
فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال دولة هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصّلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر(5) المنكوس جدّه لأزوّجه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
ولمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النساء واُرخيت السّتور، واُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السّماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم صلى الله عليه وآله وختنه ووصيّه عليه السلام وعدّة من أبنائه عليهم السلام.
فتقدم المسيح إليه فاعتنقه، فيقول له صلى الله عليه وآله: يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد عليه السلام ابن صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك رحم آل صلى الله عليه وآله قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر فخطب صلى الله عليه وآله وزوجني من ابنه، وشهد المسيح عليه السلام وشهد أبناء محمّد عليهم السلام والحواريون.
فلمّا استيقظت أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرّها ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبة أبي محمّد عليه السلام حتى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي ودق شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب الاّ أحضره جدي وسأله عن دوائي، فلمّا برح به اليأس (قال): يا قرة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم ومنّيتهم الخلاص، رجوت أن يهب لي المسيح وأمه عافية.
فلمّا فعل ذلك تجلّدت في اظهار الصحة من بدني قليلاً، وتناولت يسيراً من الطعام، فسر بذلك وأقبل على اكرام الأسارى واعزازهم، فاُريت بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام قد زارتني، ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمّد عليه السلام، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السلام من زيارتي.
فقالت سيدة النساء عليها السلام: إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه اختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فان ملت إلى رضى الله ورضى المسيح ومريم عليهما السلام وزيارة أبي محمّد ايّاك، فقولي: أشهد أن لا اله إلاّ الله، وأنّ أبي محمّد رسول الله.
فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين عليها السلام، وطيّبت نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد فانّي منفذته اليك، فانتبهت وأنا أنول وأتوقع لقاء أبي محمّد عليه السلام.
فلمّا كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمّد عليه السلام وكأنّي أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن اتلفت نفسي معالجة حبك، فقال: ما كان تأخّري عنك الاّ لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
(قال بشر) فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟ فقالت: أخبرني أبو محمّد عليه السلام ليلة من الليالي انّ جدك سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زيّ الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت ذلك فوقعت علينا طلايع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي ايّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت نرجس، فقال: اسم الجواري.
قلت: العجب انّك رومية ولسانك عربي، قالت: نعم من ولوع جدي وحمله ايّاي على تعلّم الآداب، أن أوعز إليّ امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساء وتفيدني العربية حتى استمر لساني عليها واستقام، (قال بشر): فلمّا انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن عليه السلام، فقال: كيف أراكِ الله عزّ الإسلام وذل النصرانية، وشرف محمّد وأهل بيته عليهم السلام؟
قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي، قال: فانّي أحببت أن أكرمك فما أحب اليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟ قالت: بشرى بولد لي، قال لها: أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
قالت: ممن؟ قال: ممن خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قالت: من المسيح ووصيّه؟ قال لها: ممّن زوجك المسيح عليه السلام ووصيه؟ قالت: من ابنك أبي محمّد عليه السلام؟ فقال: هل تعرفينه؟ قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء صلوات الله عليها.
قال: فقال مولانا: يا كافور أدع اختي حكيمة، فلمّا دخلت قال لها: هاهي، فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها أبو الحسن عليه السلام: يا بنت رسول الله خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن، فانّها زوجة أبي محمّد وأم القائم عليه السلام.(6)
وروى الكليني، وابن بابويه، والشيخ الطوسي، والسيد المرتضى وغيرهم من المحدّثين، بأسانيد معتبرة عن حكيمة انّها قالت: كانت لي جارية يقال لها نرجس، فزارني ابن أخي (الإمام العسكري) عليه السلام وأقبل يحدّ النظر إليها، فقلت له: يا سيدي لعلّك هويتها فأرسلها اليك؟ فقال: لا يا عمّة لكنّي أتعجّب منها.
فقلت: وما أعجبك؟ فقال عليه السلام: سيخرج منها ولد كريم على الله جل حلاله، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟ فقال: استأذني في ذلك أبي.
قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (الهادي عليه السلام) فسلّمت وجلست، فبدأني عليه السلام وقال: يا حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمّد، قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك أن أستأذنك في ذلك، فقال: يا مباركة انّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك في الأجر، ويجعل لك في الخير نصيباً.
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي، وزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد عليه السلام وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً ثم مضى إلى والده، ووجّهت بها معه.
قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن عليه السلام وجلس أبو محمّد عليه السلام مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفّي، فقالت: يا مولاتي ناوليني خفّك، فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي، والله لا أدفع اليك خفّي لتخلعيه ولا لتخدميني، بل أنا أخدمك على بصري.
فسمع أبو محمّد عليه السلام ذلك فقال: جزاك الله يا عمة خيراً، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس، فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال عليه السلام: يا عمّتها بيّتي الليلة عندنا، فانّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله جل حلاله، الذي يحيى الله جل حلاله به الأرض بعد موتها.
فقلت: ممّن يا سيدي، ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل، فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلّبتها ظهراً لبطن، فلم أر بها أثراً من حبل، فعدت إليه عليه السلام فأخبرته بما فعلت، فتبسّم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لانّ مثلها مثل أمّ موسى لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها؛ لانّ فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظير موسى عليه السلام.(7)
وفي رواية أخرى انّه قال: انّا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون وانّما نحمل في الجنوب، ولا نخرج من الأرحام وانّما نخرج من الفخذ الأيمن من امّهاتنا، لأنّنا نور الله الذي لا تناله الدانسات.(8)
قالت حكيمة: فذهبت إلى نرجس وأخبرتها، فقالت: لم أر شيئاً ولا أثراً، فبقيت الليل هناك، وأفطرت عندهم ونمت قرب نرجس، وكنت أفحصها كلّ ساعة وهي نائمة فازدادت حيرتي، وأكثرت في هذه الليلة من القيام والصلاة، فلمّا كنت في الوتر من صلاة الليل قامت نرجس فتوضّأت وصلّت صلاة الليل.
ونظرت فإذا الفجر الأوّل قد طلع فتداخل قلبي الشك، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام فقال: لا تعجلي يا عمّة فانّ الأمر قد قرب، فرأيت اضطراباً في نرجس، فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها، فصاح أبو محمّد عليه السلام وقال: اقرئي عليها: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي.
فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ وسلّم عليّ، قالت حكيمة: ففزعت لمّا سمعت، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: لا تعجبي من أمر الله جل حلاله، انّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتمّ الكلام حتى غيّبت عنّي نرجس، فلم أرها كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب.
فعدوت نحو أبي محمّد عليه السلام وأنا صارخة فقال لي: ارجعي يا عمة فانّك ستجديها في مكانها، قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً على وجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه (نحو السماء) وهو يقول:
«أشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، وانّ جدّي رسول الله، وانّ أبي أمير المؤمنين» ثمّ عدّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه، فقال: «اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً».(9)
وفي رواية عن أبي علي الخيزراني، عن جارية له عند الإمام الحسن عليه السلام انّها قالت: لمّا ولد (السيد) رأيت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ افق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير...(10)
فناداني أبو محمّد عليه السلام وقال: يا عمة هاتي ابني إليّ، فكشفت عن سيدي عليه السلام، فإذا به مختوناً مسروراً طهراً طاهراً، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: (... جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوق). (11)
فأتيت به نحوه، فلمّا مثلت بين يدي أبيه سلّم على أبيه، فتناوله الحسن، وأدخل لسانه في فمه ومسح بيده على ظهره وسمعه ومفاصله، ثم قال له: يا بني انطق بقدرة الله، فاستعاذ وليّ الله عليه السلام من الشيطان الرجيم واستفتح:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ). (12)
وصلّى على رسول الله وعلى أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبيه، وكانت هناك طيور ترفرف على رأسه، فصاح بطير منها فقال له: احمله واحفظه وردّه إلينا في كلّ أربعين يوماً.
فتناوله الطائر وطار به في جوّ السماء وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمّد يقول: أستودعك الذي استودعته امّ موسى، فبكت نرجس، فقال لها: اسكتي فانّ الرضاع محرّم عليه الاّ من ثديك، وسيعاد اليك كما ردّ موسى إلى امّه، وذلك قوله جل حلاله:
(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ...). (13)
قالت حكيمة: فقلت: ما هذا الطائر؟ قال: هذا روح القدس الموكل بالأئمّة عليهم السلام، يوفقهم ويسدّدهم ويربيهم بالعلم.
قالت حكيمة: فلمّا أن كان بعد أربعين يوماً ردّ الغلام، ووجّه اليّ ابن أخي عليه السلام فدعاني، فدخلت عليه فإذا أنا بصبيّ متحرك يمشي بين يديه، فقلت: سيدي هذا ابن سنتين! فتبسّم عليه السلام ثم قال: انّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وانّ الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وانّ الصبي منّا ليتكلّم في بطن امّه، ويقرأ القرآن، ويعبد ربّه جل حلاله، وعند الرضاع تطيعه الملائكة، وتنزل عليه كلّ صباح ومساء.
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي كلّ أربعين يوماً، إلى أن رأيته رجلاً قبل مضيّ أبي محمّد عليه السلام بأيّام قلائل فلم أعرفه، فقلت لأبي محمّد عليه السلام: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال: ابن نرجس وهو خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني، فاسمعي له وأطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد عليه السلام بأيّام قلائل وافترق الناس، وانّي والله لأراه صباحاً ومساءاً، انّه لينبئني عمّا أسأله، ووالله انّي لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدؤني به.(14)
وفي رواية انّ حكيمة قالت: فلمّا كان بعد ثلاث اشتقت إلى وليّ الله عليه السلام فصرت إليهم، فسألت عنه فأجابني عليه السلام انّه أخذه من هو أحق به منك، فاذا كان اليوم السابع فأتينا، فذهبت في اليوم السابع إليهم، فرأيت مولاي في المهد يزهر منه النور كالقمر ليلة أربعة عشرة.
فقال أبو محمّد عليه السلام: هلمّي ابني، فجئت بسيدي، فجعل لسانه في فمه ثم قال له: تكلّم يا بني، فقال عليه السلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وثنّى بالصلاة على محمّد وأمير المؤمنين والأئمّة حتى وقف على أبيه، ثم قرأ:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ...) ثم قال له: اقرأ يا بني ممّا أنزل الله على أنبيائه ورسله، فابتدأ بصحف آدم فقرأها بالسريانيّة، وكتاب إدريس، وكتاب نوح، وكتاب هود، وكتاب صالح، وصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داوُد، وانجيل عيسى، وفرقان جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قصّ قصص الأنبياء والمرسلين إلى عهده.
ثم قال عليه السلام: لما وهب لي ربيّ مهديّ هذه الأمة أرسل ملكين، فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقفا به بين يدي الله جل حلاله، فقال له: مرحباً بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري ومهديّ عبادي، آليت انّي بك آخذ وبك أعطي، وبك أغفر وبك اعذّب، اُردداه أيّها الملكان رداه ردّاه على أبيه ردّاً رفيقاً، وأبلغاه فانّه في ضماني وكنفي وبعيني إلى أن اُحقّ به الحق، وأزهق به الباطل، ويكون الدين لي واصباً.(15)
وذكر في حق اليقين كيفية ولادته عليه السلام بهذا النحو أيضاً، وزاد عليه بعض الروايات، منها رواية محمّد بن عثمان العمري انّه قال: لما ولد السيد عليه السلام قال أبو محمّد عليه السلام: ابعثوا إلى أبي عمرو، فبعث إليه، فصار إليه فقال: اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً، وعشرة آلاف رطل لحماً وفرّقه، أحسبه قال: على بني هاشم، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة.(16)
وروت نسيم ومارية أمتا الحسن بن عليّ عليه السلام قالتا: لمّا سقط صاحب الزمان من بطن أمّه، سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً سبّابته إلى السماء، ثم عطس فقال: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة انّ حجة الله داحضة، ولو اُذن لنا في الكلام لزال الشك.
وروي عن نسيم انّها أيضاً قالت: قال لي صاحب الزمان _ وقد دخلت عليه بعد ميلاده بليلة فعطست _ فقال: يرحمك الله، قالت نسيم: ففرحت بذلك، فقال: ألا ابشّرك بالعطاس؟ فقلت: بلى، فقال: هو أمان من الموت إلى ثلاثة أيّام.(17)
في أسمائه وألقابه عليه السلام :
وأمّا اسماؤه وألقابه الشريفة؛ فاعلم انّ شيخنا المرحوم ثقة الإسلام النوري ; ذكر في كتابه (النجم الثاقب)(18) اثنين وثمانين ومائة اسم له عليه السلام، ونكتفي هنا بذكر بعضها:
الأوّل: بقية الله؛ فقد روي انّه عليه السلام إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأوّل ما ينطق به هذه الآية:
(بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ...). (19)
ثم يقول: أنا بقية الله في أرضه، وخليفته وحجته عليكم، فلا يسلّم عليه مسلّم الاّ قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه.(20)
الثاني: الحجة؛ وهذا اللقب من ألقابه الشائعة، الوارد كثيراً في الأدعية والأخبار، وذكره أكثر المحدثين، وهذا اللقب مع انّه مشترك بين سائر الأئمّة عليهم السلام _ فانّهم حجج الله على خلقه _ لكنّه اختص به عليه السلام بحيث لو ذكر بدون قرينة لكان المقصود هو لا غيره، وقيل: انّ لقبه عليه السلام (حجة الله) بمعنى غلبة الله أو سلطته على خلقه؛ لانّ كليهما يتحققان عند ظهوره عليه السلام.
ونقش خاتمه عليه السلام: (أنا حجة الله).
الثالث: الخلف والخلف الصالح؛ ذُكر هذا اللقب على ألسنتهم عليهم السلام كثيراً، والمراد من الخلف الذي يقوم مقام غيره، فهو عليه السلام خلف جميع الأنبياء والأوصياء، ووارث جميع صفاتهم وعلومهم وخصائصهم، وسائر مواريث الله التي كانت لديهم.
وذُكر في حديث اللوح المعروف الذي رآه جابر عند فاطمة الزهراء عليها السلام بعد ذكر الإمام الحسن العسكري عليه السلام انّه: «... ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب،...».(21)
وجاء في رواية المفضّل المشهورة انّ الإمام عليه السلام حينما يظهر يدخل الكعبة، ثم يسند ظهره إليها ويقول: «يا معشر الخلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا ذا آدم وشيث...».(22)
ثم يذكر عليه السلام على هذا النسق سائر الأنبياء من نوح وسام وإبراهيم وإسماعيل وموسى ويوشع وشمعون ورسول الله صلى الله عليه وآله وسائر الأئمة عليهم السلام.
الرابع: الشريد؛ ذكر الأئمة عليهم السلام هذا اللقب كثيراً لاسيما أمير المؤمنين والإمام الباقر عليهما السلام، والشريد بمعنى الطريد من قبل هؤلاء الناس الذين ما رعوه حقّ رعايته، وما عرفوا قدره وحقّه عليه السلام، ولم يشكروا هذه النعمة بل سعى الأوائل بعد اليأس من الظفر به والقضاء عليه إلى قتل وقمع الذريّة الطاهرة لآل الرسول صلى الله عليه وآله، وسعى أخلافهم إلى إنكاره ونفي وجوده باللسان والقلم، وأقاموا الأدلّة والبراهين على نفي ولادته ومحو ذكره.
وقد قال هو عليه السلام لإبراهيم بن عليّ بن مهزيار: «انّ أبي صلوات الله عليه عهد إليّ أن لا أوطّن من الأرض الاّ أخفاها وأقصاها، إسراراً لأمري وتحصيناً لمحلّي من مكائد أهل الضلال والمردة _ إلى أن قال: _ فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض وتتبعّ أقاصيها، فانّ لكلّ وليّ من أولياء الله جل حلاله عدوّاً مقارناً وضدّاً منازعاً...».(23)
الخامس: الغريم؛ وهو من ألقابه الخاصة، ويُطلق عليه عليه السلام في الأخبار كثيراً، والغريم بمعنى الدائن والمقرض، ويستعمل بمعنى المدين والمقروض أيضاً، والمراد هنا المعنى الأوّل على الأظهر، ويستعمل هذا اللقب تقيّة كما يستعمل لقب الغلام له عليه السلام، فكان الشيعة يطلقون هذا اللقب عليه إذا أرادوا ارسال الأموال إليه أو إلى أحد وكلائه، وكذا حينما يوصون بشيء له أو يريدون أخذ المال له من الغير، لأنّه عليه السلام كان له أموال في ذمّة الزرّاع والتجّار وأرباب الحرف والصناعات.
وقال العلامة المجلس ;: يحتمل أن يكون المراد من الغريم هو المعنى الثاني أي المدين، وذلك لتشابه حاله عليه السلام مع حال المديون الذي يفرّ من الناس مخافة أن يطالبوه، أو بمعنى انّ الناس يطلبونه عليه السلام لأجل أخذ الشرايع والأحكام وهو يفرّ عنهم تقيّة، فهو الغريم المستتر صلوات الله عليه.
السادس: القائم؛ أي القائم في أمر الله؛ لأنّه ينتظر أمره تعالى ويرتقب الظهور ليلاً ونهاراً.
وقد روي انّه عليه السلام سمّي بالقائم لقيامه بالحق،(24) وفي رواية الصقر بن دلف انّه قال لأبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام: ... يا ابن رسول الله ولِمَ سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.(25)
وروي عن أبي حمزة الثمالي انّه قال: سألت الباقر صلوات الله عليه: يا ابن رسول الله ألستم كلّكم قائمين بالحق؟ قال: بلى، قلت: فَلِمَ سمّي القائم قائماً؟
قال: لما قتل جدي الحسين صلوات الله عليه ضجّت الملائكة إلى الله جل حلاله بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك وابن خيرتك من خلقك، فأوحى الله جل حلاله إليهم: قرّوا ملائكتي فوعزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثم كشف الله جل حلاله عن الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام للملائكة، فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال الله جل حلاله: بذلك القائم أنتقم منهم.(26)
يقول المؤلف: سيأتي في الفصل السادس كلام حول استحباب القيام عند ذكر هذا الاسم المبارك تعظيماً له.
السابع: مُ حَ مَّ دْ؛ صلى الله عليه وعلى آبائه وأهل بيته، وهو اسمه الذي سمّي به، كما ورد في الأخبار الكثيرة المتواترة من طرق الخاصة والعامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال: «المهدي من ولدي اسمه اسمي».(27)
وجاء اسمه عليه السلام في حديث اللوح المستفيض بهذا الشكل: «أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجة الله القائم».
ولكن لا يخفى انّ مقتضى الأخبار الكثيرة المعتبرة حرمة ذكر هذا الاسم الشريف في المحافل والمجالس إلى أن يظهر عليه السلام، وهذا الحكم من خصائصه عليه السلام ومن المسلّمات عند الإمامية والفقهاء والمتكلّمين والمحدّثين، بل يظهر من كلام الشيخ الأقدم الحسن بن موسى النوبختي انّ هذا الحكم من خصائص مذهب الإماميّة، ولم ينقل عنهم خلاف ذلك إلى زمن الخواجة نصير الدين الطوسي الذي قال بالجواز، ثم لم ينقل خلافه بعد ذلك الاّ من صاحب كشف الغمّة.
وصارت هذه المسألة في زمن الشيخ البهائي مطرحاً للبحث والنقاش بين الفضلاء والعلماء، فكتبوا كتباً ورسائل حولها، منها (شرعة التسمية) للمحقق الداماد ورسالة (تحريم التسمية) للشيخ سليمان الماحوزي و(كشف التعمية) لشيخنا الحر العاملي رضوان الله عليهم وغير ذلك، وتفصيل الكلام مذكور في كتاب (النجم الثاقب).
الثامن: المهدي صلوات الله عليه؛ من أشهر أسمائه وألقابه عند جميع الفرق الإسلامية.
التاسع: المنتظَر؛ أي الذي يُنتظر، حيث انّ جميع الخلائق تنتظر قدوم طلعته البهيّة.
العاشر: المآء المعين؛ روي في كمال الدين وغيبة الشيخ عن الإمام الباقر عليه السلام انّه قال في قول الله جل حلاله:
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ). (28)
فقال: هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لا تدرون أين هو، فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض، وحلال الله جلّ وعزّ وحرامه، ثم قال: والله ما جاء تأويل الآية ولا بدّ أن يجيء تأويلها.(29)
وهناك عدة أخبار بهذا المضمون فيها، وكذا في الغيبة للنعماني وتأويل الآيات، ووجه تشبيهه عليه السلام بالماء باعتباره سبباً لحياة كل ظاهر، بل انّ تلك الحياة قد وجدت وتوجد بسبب وجوده المعظم بمراتب أعلى وأتم وأدوم من الحياة التي يوجدها الماء، بل انّ حياة نفس الماء من وجوده عليه السلام.
وقد روي في كمال الدين عن الإمام الباقر عليه السلام انّه قال في قول الله جل حلاله: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِه)، (30) قال: يحييها الله جل حلاله بالقائم بعد موتها، يعني بموتها كفر أهلها والكافر ميّت.(31)
وعلى رواية الشيخ الطوسي انّه يصلح الأرض بقائم آل محمّد من بعد موتها، يعني من بعد جور أهل مملكتها.(32)
ولا يخفى أنّ الناس ينتفعون من هذه العين الربانيّة الفيّاضة في أيام ظهوره؛ كالعطشان الذي يرى نهراً عذباً فلا همّ له سوى الاغتراف منه، فلذا سمّي عليه السلام بالماء المعين، واما في الغيبة حيث انقطع عن الناس اللطف الإلهي الخاص لسوء أفعالهم وأعمالهم، فلا بدّ من التعب والمشقة والدعاء والتضرّع لتحصيل الفيض منه عليه السلام؛ كالعطشان الذي يريد إخراج الماء من بئر عميق بواسطة الوسائل القديمة والمتعبة، فلذا قيل له عليه السلام البئر المعطّلة، ولا يسع المقام أكثر من هذا الشرح.
شمائله عليه السلام المباركة:
روي انّه عليه السلام كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خَلقاً وخُلقاً،(33) وكانت شمائله شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله،(34) وملخص الروايات التي تبيّن شمائله عليه السلام هي ما يلي:
كان عليه السلام أبيضاً، مشرباً حمرة، أجلى الجبين، أقنى الأنف، غائر العينين، مشرف الحاجبين، له نور ساطع يغلب سواد لحيته ورأسه، بخدّه الأيمن خال، وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنّ ألفٌ بين واوين، أفلج الثنايا، برأسه حزاز،(35) عريض ما بين المنكبين، أسود العينين، ساقه كساق جدّه أمير المؤمنين عليه السلام وبطنه كبطنه.
وورد أنّ المهدي طاووس أهل الجنة، وجهه كالقمر الدرّي، عليه جلابيب النور، عليه جيوب النور تتوقّد بشعاع ضياء القدس، ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللاّزق بل مربوع القامة، مدوّر الهامة، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتاة مسك على رضراضة عنبر، له سمت ما رأت العيون أقصد منه، صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.
|
|
|
|
|