بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على محمد وآل محمد
الحلقه (4)....
الاعتراضات :
أولاً : قد يعترض البعض ويقول : إن في تعدد الزوجات وجود الضرائر في البيت الواحد ، وما ينشأ عن ذلك من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم ، و هذا ضرر ، والضرر يزال ، ولا سبيل إلى منعه إلا بمنع تعدد الزوجات .
الحل لدفع الاعتراض : أن النزاع في العائلة قد يقع بوجود زوجة واحدة ، وقد لا يقع مع وجود أكثر من زوجة واحدة كما هو المشاهد ، وحتى لو سلمنا باحتمال النزاع والخصام على نحو أكثر مما قد يحصل مع الزوجة الواحدة فهذا النزاع حتى لو اعتبرناه ضرراً وشراً إلا أنه ضرر مغمور في خير كثير وليس في الحياة شر محض ولا خير محض ، والمطلوب دائماً تغليب ما كثر خيره وترجيحه على ما كثر شره ، وهذا القانون هو المأخوذ والملاحظ في إباحة تعدد الزوجات . ثم إن لكل زوجة الحق في مسكن شرعي مستقل ، ولا يجوز للزوج إجبار زوجاته على العيش في بيت واحد مشترك .*
* المفصل في أحكام المرأة ج6 ص 290 .
ثالناً : اعتراض آخر : قد يسأل البعض إذا كنتم تبيحون التعدد للرجل ، فلماذا لا تبيحون التعدد للمرأة ، بمعنى أن المرأة لها الحق في أن تتزوج أكثر من رجل ؟
الجواب على هذا الاعتراض : و في العلل ، بإسناده عن محمد بن سنان : أن الرضا (عليهالسلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله علة تزويج الرجل أربع نسوة و تحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد لأن الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه ، و المرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ؟ إذ هم مشتركون في نكاحها و في ذلك فساد الأنساب و المواريث و المعارف ، قال محمد بن سنان : و من علل النساء الحرائر و تحليل أربع نسوة لرجل واحد أنهن أكثر من الرجال فلما نظر و الله أعلم يقول الله عز و جل : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع ، فذلك تقدير قدره الله تعالى ليتسع فيه الغني و الفقير فيتزوج الرجل على قدر طاقته ، الحديث.
الخلاصة : عندما نسأل الاخرين لماذ تريد ان تتزوج باخرى يعطي مجموعه من الاسباب وبرغم له الحق بالتعداد حسب ماجاءت الآية المباركة ، وايضاً يقول الرسول وآله تزوج بااكثر من واحده ، من هذا المنطلق اذكر اسباب زواج الرسول وآله ...لكي يتضح فهم للموضوع اكثر ..
لم يكن زواجه (صلّى الله عليه وآله) وسلّم بسبب جموحه الجنسي للأمور المتقدمة النقضيّة، ولكن ثمّة أسباب ودوافع حقيقية إنسانية وسياسية وتشريعية وتأليفية أدّت الى تعدّد نلخصها بالنقاط الآتية :
(النقطة الأولى) : الزواج الإنساني .
إنّ بعض موارد ذلك الزواج كانت دوافعه إنسانية بحتة، إنطلاقاً من مصلحة الإسلام وليس من منطلقات فردية كبقيَّة الناس - وإن كانت منطلقاته روحي فداه كلّها تصبُّ في خانة الإسلام والقربة لله تعالى - فقد تزوّج من بعضهنّ الكبيرات في السنّ، فمنهنّ من أسلمت وهاجرت ثمّ توفي أو قتل عنها زوجها ولا سبيل لها إلى الرجوع إلى أهلها المشركين لأنّها لا تستطيع أن تقاوم ضغوطهم النفسيّة والمادية عليها، بالإضافة إلى إمكانيّة تعرضها للتعذيب الجسدي الوحشي فيما لو أرادت ان تحتفظ بدينها وعقيدتها ولا معيل ولا كفيل لها في المجتمع الجديد كما كان الحال بالنسبة إلى سودة بنت زمعة التي كانت مسنّة ويزيد عمرها على الخمسين عاماً، وكذا الحال بالنسبة زينب بنت خزيمة التي ماتت بعد شهور من اقترانها بالنبيّ الأكرم... بالإضافة إلى أنّ ترمّلها وتأيمها سيطلق الألسن والأهواء في حقّها وفي اتهامها، ويجعلها تتعرّض لضغوطٍ وحتّى إلى إغراءات، ربما لا تناسبها ولا تناسب موقعها ومصيرها في مجتمعٍ غريب عنها...كل هذه العناصر السلبية أدّت إلى أن تستعين بالكافل والمعين، وخير كافل وحافظ ووليٍّ لها هو النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أو من يريده النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من بعض المؤمنين الخيّرين، ومن هذا القبيل أيضاً كان زواجه بالطاهرة أم سلمة (رضي الله عنها)...
(النقطة الثانية) : الزواج التأليفي .
لقد تزوّج النبيّ الأكرم ببعض النسوة تأليفاً وترغيباً للناس في الإسلام فقد روى المؤرّخون ان زواج النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بجويرية بنت الحارث بعد أن أعتقها، نشأ عنه ترغيب المسلمين في عتق أسراهم، فقد أعتق المسلمون يوم ذاك مئتين من أسرى قومها تكريماً لها، وأسلم بعد هذه المصاهرة خلقٌ كثيرٌ من قومها...كما انَّ رملة بنت أبي سفيان التي أسلمت هي وزوجها في مكّة بالرغم من عداوة أبيها للإسلام وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة وتوفي فيها ولم يعد لها ملجأ غير ان ترجع إلى أبيها عدو النبي الأكرم، وإذا رجعت وأصرت على الإسلام فلا بدّ وأن تتعرّض لأشدّ أنواع الأذى والتعذيب من أبيها وأتباعه... وفي بعض المرويات إن زوجها تنصر في الحبشة وتركها غريبة ليس لها معيل، فأرسل النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) إلى النّجاشي ملك الحبشة طالباً منه أن يزوجه منها لينقذها من الغربة وضياع القرين... ومن الجدير جدّاً ان يقصد النبيُّ الأطهر (صلوات الله عليه وآله) من زواجه منها التأليف لأبيها أبي سفيان كما تألف غيره بالإتصال بهم بالمصاهرة، فكان زواجه من رملة عطفاً عليها وفي الوقت نفسه تأليفاً لأبيها وقومه...
(النقطة الثالثة) : الزواج التشريعي .
لقد تزوّج النبيُّ الأطهر (صلّى الله عليه وآله) بزينب بنت جحش لضرورة إقتضتها مصلحة التشريع، حيث إنّه (صلوات الله عليه وآله) كان قد تبنى زوجها زيد بن حارثة، حيث عاش في كنفه وتحت رعايته مذ كان صغيراً، وكان العرب يحرّمون نكاح زوجة الابن بالتربية معتقدين بأنّ آثار التبنيّ هي نفس آثار البنوّة الحقيقيّة، فما يحلّ للابن بالزواج، يحرم على الأب المربّي أن ينكح زوجته من بعده،كما ان المربي يرث من المربَّى ويعامل معاملة الإبن الحقيقي... ولم يكن ثمة مجال لقلع هذا المفهوم الخاطئ إلاّ بالإقدام على عمل جبّار يمحي تلك العادة السيئة والتقنين الباطل الذي سنّته الجاهلية يوم ذاك، فكان لا بدّ من إقدامه على الزواج من زوجة ابنه بالتبني حيث أنّه الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الباطل من أذهانهم، وهكذا كانت المشيئة الإلهية أن يأمر الله تعالى بأن تتزوج زينب من زيد الكارهة له هي وأخوها عبد الله، ثم بعد الزواج المكرَه، تطلق منه ويتزوجها النبي لا لرغبةٍ جنسية بل لإزالة العادة الخبيثة التي كانت رائجة في ذاك العصر .
(النقطة الرابعة) : الزواج السياسي .
لقد تزوّج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعض النسوة لأجل التأليف السياسي بين القبائل وإستمالتهم إلى جانبه ليقوى على نشر الإسلام وهؤلاء بمثابة المؤلفة قلوبهم يستعين بهم المسلم لدفع الضيم والأذى من الأعداء عن نفسه... فلقد تزوّج (صلّى الله عليه وآله) عائشة وحفصة لأجل ذلك، والشواهد عليه كثيرة في مصادر القوم، فقد روى المؤرخون ان هاتين المرأتين كثيراً ما آذتا النبيّ حتّى ضرب الله تعالى بهما المثل في سورة التحريم، وشاهد آخر على ما ندّعي (من ان زواج حفصة كان زواجاً سياسياً) هو ما يمكن ان نستكشفه من كلام عمر بن الخطاب لإبنته حفصة حينما أراد طلاقها النبي في المرّة الثانية حينما تظاهرت هي وعائشة عليه واعتزلهما النبي، قال لها عمر (والله لقد علمتُ: ان رسول الله لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله) راجع صحيح مسلم ج4 ص165.
ويروي البعض بأن زواجه من حفصة إنما كان لأجل أن يساوي النبي بين أبي بكر وعمر من جهة المصاهرة لكلّ منهما، ومعنى ذلك _ مع ما تقدّم _ نعرف ان الدافع للزواج منهما إنما كان سياسياً وليس لرغبةٍ جنسية جامحة كما يدّعون، وايّ رغبةٍ هذه في زوجتين ليس فيهما شيءٌ من أوصاف الجمال ولا الكمال، بل نشئتا على الإضرار بالآخرين سيما النبي وأهل بيته (عليهم السلام)، ومع أنه (صلوات الله عليه وآله) كان يعاني صعوبات جمّة منهما وبالخصوص عائشة ولكنه لم يبادر إلى قطع العلاقة معهما نهائياً باعتباره يتعامل معها ومع حفصة من موقفه السياسي الحرج وليس من موقع المحبة والجو البيتي المفعم بالحبّ والحنان والعاطفة...!
_ ولو فرضنا _ وفرض المحال ليس مستحيلاً _ ان زواج النبي كان بدافع الرغبة الطبيعية الموجودة في جميع الناس باعتباره إنساناً لم يفقد غريزة الجنس _ كما يفتقدها المجبوبون ومتعاطو الكافور _ وكان يحب النساء ليلبّي رغباته الطبيعية، فأي ضيرٍّ في ذلك ما دامت المرأة وغيرها لم تشغله عن أيّ عملٍ من أعماله صغيراً كان ام كبيراً وعن المضيّ في توطيد دعائم الدين ونشر تعاليمه وأحكامه ومكافحة أعدائه الذين تألبوا عليه من كل حدبٍ وصوب، وأن في تاريخه المشرق النوراني لعشرات الشواهد والأدلّة على انه لم يستسلم في يومٍ من الأيام للملذّات والرغبات الجنسية، فكان لا يأكل غير خبز الشعير، وأحياناً لم يكن يملك رمقه الشريف وانه خيّرَ بعضَ نسائه لمّا طلبن منه المزيد من الرغبات المادية بين الطلاق الرضا بحياة الزهد والتقشّف كما يشير اليه
قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا( 28)وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا/ الأحزاب/ 28-29 .
ومما يتقدّم : يتّضح أنّه لا صحّة لما أُثير حول قضية زواجه المتعدّد بل كان من أجل دوافع سامية ونبيلة تنمّ عن خُلُقٍ عظيم يعكس عن رفيع ذاته المقدّسة والسامية إلى أوج العظمة والنبل والرحمة * وايضاً هذا القول ينطبق على آل الرسول(صلى الله عليه وآله)*.
*عبده محمد جميل حمود العاملي/ بيروت يوم الأربعاء الموافق 26 ربيع الأول 1432.
التكمله ان شاء الله بالحلقه القادمه