: القسم الثالث:
=========
المُناقشةُ الدلالية
============
إنَّ دلالة الرواية (رواية الوصية)
إنما تكون مُعتبرة ولها قيمة عقدية فيما لو كانتْ صحيحة السند وقطعية الصدور
كيف ؟
وقد تم بيان بطلان إعتبارها السندي
ولم تسلم من جرح رواتها وتضعيفهم من قِبَلِ علماء الرجال القدماء ومنهم الشيخ الطوسي
:رحمه الله: رواي الرواية
وفي نفس كتابه الغيبة فقد طعن براوي الرواية الأول وهو البطائني
وقال عنه أنه واقفي
(فاسد العقيدة) لا إعتبار بروايته
وتوثيقات علماء الرجال من المتقدمين
هي توثيقات حسية ومشمولة بحجية خبر الثقة المُعتبر عقلا وشرعا وعقلائيا .
ورواية الوصية وإن تحدّثت عن مقولة عقدية حقة ثبتت بالدليل العقلي والنقلي القطعي الصدور
وهي إمامة الأئمة الأثني عشر
إلاَّ أنها ذيّلتْ متنها بحديثٍ عن فترة الرجعة والتي لم يقع وقتها ألان
و جعلتها في التحقق بعد وفاة الإمام المهدي
:عليه السلام: مباشرة
وبعد إنتهاء حكمه الشريف وختم سلسلة الأئمة الأثني عشر المعصومين المنصوص عليهم إلهيا ونبويا.
وهذا بحد نفسه دليلٌ كافٍ على بطلان زعم المدعي الدجال .
وبحسب الإستظهار البدوي ومحاولة كشف
المراد الجدي
في متن الرواية يظهر أنها تقصد مرادات لم تتحقق بعد
وأنها في طريق التحقق مستقبلا خاصة مفهوم الرجعة على التسليم بدينيته قطعيا ويقينيا
كونه محل خلافٍ عقدي من أول الأمر.
وتفيد الرواية أيضاً أنَّ إنفاذ الوصية
إنما يتحقق بعد أن يوصي الإمام المهدي
:عليه السلام:
وفي حال إحتضاره ويُقيم الشهود على ذلك
أو يكتبُ الوصيةَ كتابةً
ولازم ذلك على المدعي الدجال المُعاصر
أنَّ الإمام المهدي:عليه السلام: قد ظهر وقام بأمره ثم مات وأوصى
إلى ابنه أول المُقربين بزعم رواية الوصية
: فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين
له ثلاثة أسامي : اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد ، والاسم الثالث : المهدي ، هو أول المؤمنين :
وهنا يقع الإشكال المُستحكَم
وهو أنَّ ذيل الرواية هذا قد سمّى الأبن المٌقرّب الأول بثلاثة أسامي
(عبد الله وأحمد والمهدي)
مما يعني ذلك أنَّ هذا الأبن الأول قد بلغ من المعروفية في وقته بدرجة يصدق معها إنحفاظ المُسميات الثلاثة له معاً بين الناس
وإلاَّ مامعنى تعدد الأسماء لمسمى واحد دون أن يُدعى بها أو يكون لها أثرا وفائدةً
وهذا ما لايمكن إنطباقه على الدعي الدجال المعاصر
والذي تخبّط في دعواته كرارا
فتارة يُسمي نفسه أحمد الحسن
وأخرى اليماني وتارة رسول المهدي
وهلمّ كذبا .
فإما أن يقيم دجّال العصر الشهود والدليل
على أنَّ الإمام المهدي :عليه السلام:
قد ظهر وقام بأمره وماتَ
و قد أوصى إليه أو يظهر كتاب الوصية نصاً
وهذا ما يعجز عنه ذلك الدعي الدجال والجاهل
إذ أنَّ الإمام المهدي:عليه السلام:
على فرض صحة الرواية صدورا لم يظهر
ولم يقم بعد
وهو :عليه السلام:لوحضرته الوفاة
فلا يشذ عن منهج الأنبياء والأئمة المعصومين في صورة كتابة و توثيق الوصية أو الإشهاد عليها
خاصة والقرآن الكريم قد قننَ لهذه الظاهرة
ظاهرة تدوين وتوثيق الوصية
ضوابط محددة في كتابه الشريف والعزيز
قال تعالى
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ }البقرة180
{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ }المائدة106
بمعنى
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا قرُبَ الموتُ من أحدكم
فلْيُشْهِد على وصيته اثنين أمينين من المسلمين أو آخرين من غير المسلمين عند الحاجة
في حال عدم وجود غيرهما من المسلمين
تُشهدونهما إن أنتم سافرتم في الأرض فحلَّ بكم الموت .
وفي النتيج الدلالي للرواية تكون
هذه الرواية (رواية الوصية)
هي خبر واحد إن لم تكن خبراً شاذاً ونادرا
ولاتفيد إلاّ الظن بالصدور
وهو غير معتبر هنا شرعا
إذ لم تبلغ حد التواتر ولم تقترن بقرائن توجب القطع بصدورها من أصل .
وبذلك تكون ساقطة عن الإعتبار العلمي والدلالي
لضعف رواتها ومجهولية بعضهم ولفساد راويها الأصلي (البطائني) فساد عقيدة ومذهب.
هذا وقد أثبتَ علمائنا القدماء كالشيخ المفيد
:رحمه الله تعالى:
عدم حجيَّة خبر الواحد في الدين خاصة العقيدة
وقال مانصه
(لايجب العلم ولا العمل في شيء من أخبار الآحاد ولايجوز لأحدٍ أن يقطع بخبر الواحد في الدين
إلاَّ أن يقترن به ما يدل على صدق راويه على البيان
وهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمُحكمة وطائفة من المرجئة
وهو خلاف لما عليه متفقهة العامة وأصحاب الرأي )
:أوائل المقالات في المذاهب والمختارات:المفيد:ص142:
إذاً ينتج من ذلك هو عدم حجية الأخذ بخبر الواحد والذي لايفيد إلاّ الظن في أصول العقيدة ومثله هذه رواية الوصيّة
في وقتٍ يتطلب الإعتقاد بأصول الدين ومسائله العقدية إذعاناً وتصديقاً قلبياً يورث اليقين عند صاحبه
والظن الحاصل من خبر الواحد هنا لا يورث إذعاناً عند العقل أبدا
فضلاً عن أنَّ الايات القرآنية الشريفة قد نهت عن اتباع الظن في البعد العقدي
كقوله تعالى:
(إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون)(الأنعام:116)
أو قوله سبحانه:
(وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً)(يونس:36)
وإنَّ عدم حجية الظن في القضايا العقدية لا يفرق فيها
بين الأصول العقدية التي يجب فيها تحصيل اليقين كالأصول الخمسة المشهورة
(التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد)
أوفروع العقيدة كشاهد الرواية محل البحث
فالأصول والفروع كلاهما يحتاجان إلى اليقين بهما
ومن طريق قطعي لاظني غير معتبر شرعا وعقلائيا .
تم الفراغ من كتابة هذا البحث المتواضع
وببركة الإعتقاد اليقيني بوجود
الإمام المهدي:عليه السلام:
في ليلة 15/شعبان المبارك/1434/للهجرة النبوية الشريفة
ليلة ولادة منقذ البشرية ومُخلّصَها الرباني روحي له الفدا .
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :