بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
(( الآمويون وايذائهم للرسول(صلى الله عليه وآله))
اليوم نطالع الفصل الثاني : الامويون ضروب ايذائهم للرسول من كتاب ( الصراع بين الامويين ومبادئ الاسلام لمؤلفه الدكتور نوري جعفر المطبوع بالقاهرة عام 1978 ...
عندما انبثق نور الاسلام-في مكة وبدأ يغمر سائر مدن الحجاز-سعى الامويون لاطفائه بكل ما لديهم من سطوة وحول. فبدأوايؤذون الرسول الكريم بمختلف الاساليب بشكل فردي متفرق أحيانا وجماعي منظم احيانا أخرى..
وتفنن الامويون – ومن هم على شاكلتهم من المشركين - في ابتداع الوسائل الدنيئة لايذاء رسول الله فبعثوا النظر بن الحرث وعقبة ابن ابي معيط الى احبار اليهود لتأليبهم على النبي وتسفيه رسالته...
وارسلوا عبد الله بن ابي ربيعة وعمرو بن العاص الى الحبشة لاقناع النجاشي بطرد المسلمين الذين هاجروا الى الحبشة تخلصا من ايذاء المشركين...
وعذبوا المستضعفين من المسلمين كبلال الحبشي مؤذن الرسول وعمار بن ياسر وامه وابيه وخباب بن الارت وصهيب بن سنان الرومي وعامر بن فهيروابي فكيهة ولبيبة (وقد اسرف عمر بن الخطاب-اثناء شركه- في تعذيبها وتعذيب زبيرة وتعذيب اخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن نفيل بن عبدالعزى –ابن عمه-وكان شديدا على الرسول كذلك) وزنيرة والنهدية وام عبيس وآخرين..
خرج عمر يوما متوشجا بسيفه يريد رسول الله ..فلقيه نعيم بن عبد الله فقال : اين تريد ياعمر؟ فقال : أريد محمدا الصابي الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فاقتله. فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك ياعمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت !!!....فجاء الى رسول الله...فقال حمزة : ائذن له فان جاء يريد خيرا بذلناه له وان كان يريد شرا قتلناه بسيفه..( سيرة ابن هشام ج1 ص365-368 )
ذلك ما يتصل بايذاء الامويين للرسول عن طريق ايذائهم لاتباعه...
ولما رأى الامويون ان تعذيب اولئك الاتباع لم يزدهم الا تعلقا بالاسلام ونبيه وان رسول الله سائر في نهجه على الرغم من مقاومهم له واعتدائهم على اتباعه فكر رؤساؤهم بأسلوب جديد للحد من نشاطه ,فقابل وفد منهم مكون من عتبة –أبي هند أم معاوية- وشيبة ابني ربيعة بن عبد شمس وأبي سفيان ابن حرب بن أمية أبا طالب – عم النبي- ورجوه أن يطلب الى ابن أخيه ان يكف عن عيب آلهتهم ...غير ان أبا طالب لم يصغ الى شكواهم فسند ابن اخيه وشجعه على المضي في رسالته..فلجأ الامويون الى اسلوب جديد في ايذاء الرسول فوصفوه بالسحر..والجنون عند من يقدم الى مكة لصدهم عن الايمان برسالته..فلم يجدهم ذلك نفعا..فانتدبوا جماعة منهم لمجاهرته بالعداوة والايذاء وفي مقدمتهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وعقبة بن ابي معيط وابوسفيان والحكم بن ابي العاص والعاص بن وائل السهمي ابو عمرو وابنا عمه نبيه ومنبه فاستهزأ هؤلاء بالرسول وازدروا به واسمعوه الكلام القارص وأروه المعاملة الخشنة...
وكان الحكم بن أبي العاص ابومروان من أكثرهم ايذاء للرسول واستهزاء به واعتداء عليه الامر الذي اضطر النبي-بعد ذلك-الى نفيه واولاده الى الطائف...
ولم يقتصر ايذاء الامويين للرسول على الرجال بل تعداه للنساء وفي مقدمتهن أم جميل حمالة الحطب (التي نزلت في ذمها سورة المسد آية4) غير ان ذلك كله لم يجدهم نفعا فعمدوا الى مقاطعة الهاشميين فصمد الهاشميون بوجههم ثلاث سنين عجاف ..
وأخيرا دبر الامويين واتباعهم مؤامرتهم الكبرى لاغتيال النبي فاحبطها بهجرته الى المدينة و تركه عليا في فراشه ايهاما للمشركين ..
ولما انتقل النبي الى المدينة استجمع الامويون قواهم وألبوا مشركي قريش وحلفاؤهم اليهود على مقاومة الدين الجديد في شخص رسوله الكريم.. وكان قائدهم عتبة بن ربيعة ابو هند ام معاوية وصهره ابو سفيان وابن عمه الحكم بن ابي العاص فنشبت بدر وقتل من الامويين عتبة وابنه شيبة وعقبة بن ابي معيط واسر منهم ابو العاص بن الربيع وعمرو بن ابي سفيان ونجا معاوية من القتل والاسر فهرب من المعركة ...
وقد بلغ حقد ابي سفيان على النبي حدا يفوق الوصف لانكسار بعض اوتاد خيمة الشرك التي يحتمي بظلها فزرع حقده هذا في نفوس المشركين بمختلف الوسائل المتيسرة لديه ..
وقد برهن ابو سفيان على براعته في النفاذ الى مكامن نفوس المشركين فمنعهم من البكاء على قتلاهم فاستثار نوازعهم النفسية حين خاطبهم بقوله :
(فانتم اذا نحتم عليهم وبكيتموهم بالشعر اذهب ذلك غيظكم فاقعدكم عن عداوة محمد واصحابه مع انه ان بلغ محمدا واصحابه شمتوا بكم فيكون اعظم المصيبتين شماتتهم ولعلكم تدركون ثأركم فالدهن والنساء علي حرام حتى اغزوا محمدا )(الواقدي / مغازي رسول الله ص90-93 )
ومن الطريف ان نذكرهنا ان الاسود بن المطلب اصيب له ثلاثة من ولده في بدر وكان يحب ان يبكيهم ولكنه توقف عن ذلك خوفا من ابي سفيان . فبينما هو كذلك اذ سمع امرأة تجهش بالبكاء . فاراد ان يستجلي الامر ليبكي هو على قتلاه فارسل غلامه وقال له : اذهب فاستفسر هل بكت قريش على قتلاها لعلي ابكي فان جوفي قد احترق..فذهب الغلام وعلم ان الباكية امرأة ضل بعيرها فهز الاسود راسه وقال :
أتبكي ان يضل لها بعير === ويمنعها من النوم السهود
ولا نبكي على بدر ولكن == على بدر تصاغرت الخدود
فكان ابو سفيان اذن شيخ المؤلبين على حرب رسول الله بعد بدر .. وكانت هند لا تقل تحمسا عن زوجها في تأليب المشركين وهي التي اغرت وحشيا على قتل عم النبي فقالت لوحشي انك حر ان قتلت محمدا او حمزة او عليا لانها لم تر في المسلمين كفوءا لابيها غيرهم..
ومن الانصاف للتاريخ ان نشير هناك الى ان الحمزة لم يقتل نتيجة لشجاعة وحشي بل لظروف استثنائية غير متوقعة فقد كان صائما... فاقبلت هند فرحة فخلعت حليها وقدمتها لوحشي.. ثم بقرت بطن حمزة واخرجت كبده فمضغتها وقطعت مذاكيره واذنيه وجدعت انفه.. وكان الم النبي على حمزة ممضا..( الواقدي ..مغازي رسول الله ص221-222 )
غير ان اخفاق ابي سفيان في مؤامراته المسلحة لوأد الاسلام ونبيه في بدر وأحد لم يثنه عن مواصلة الكفاح المرير لاثارة وقائع اخرى ضد المسلمين..فألب الاحزاب في حرب الخندق وما بعدها ولم يعلن اسلامه في الظاهر الا حين رأى ان ذلك أجدى من السيف في تحطيم الاسلام.. ويصدق الشئ نفسه على قادة الامويين آنذاك من النساء والرجال...
ولما رأى الامويون فشلهم المتواصل في مقاومة النبي والاسلام لجأوا الى اتباع اسلوب جديد للايقاع بالاسلا م..ولقد كان هذا الاسلوب في واقعه أكثر الاساليب ايجاعا للعقيدة الاسلامية فتقمص قادتهم الاسلام والتزموا ببعض مظاهره ليتمكنوا من اعلانها حربا شعواء على الدين من داخله بعد أن اعياهم أمره في حربهم اياه من الخارج..
لنا عودة باذن الله لاكمال الموضوع....