|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
حوار مع مؤلف كتاب محمد باقر الصدر..السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق
بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد باقر الصدر
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق
تأليف
احمد عبدالله ابو زيد العاملي
نص الحوار الذي أجرته شبكة والفجر الثقافية مع المؤلف ( هنا ) :
كتاب (محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة) الذي صدر في عام 2007م بقلم الباحث الشيخ أحمد أبوزيد العاملي؛ أوسع كتاب تناول حياة السيد الشهيد الصدر والحركة الإسلامية في العراق آنذاك، المطالع للكتاب سيقدّر الجهد الذي بذله الباحث في إعداد الكتاب، خمس سنوات من العمل المتواصل مدّة جمع مادته...
في هذا الحوار مع سماحة الشيخ أحمد أبو زيد نحاول أن نستكشف ما خلف هذا الكتاب من جهد وجهاد، وعتب وعقبات واجهها...
1. ارتباط مجموعة من علماء جبل عامل بالشهيد الصدر تلمّذاً وتنظيماً.. عقد مراسيم زواجه من السيدة الفاضلة أم جعفر الصدر في جبل عامل.. وبعد وفاته يتلقاه عامليّ آخر ليؤرّخ لسيرته.. ما سر ارتباط العامليين بالشهيد الصدر؟
بدايةً أشكر لموقع (والفجر) استضافتي في هذا الحوار، عسى أن يكون فيه توضيحٌ لبعض الأمور.
إنّ الملاحظة التي أبديتموها في محلّها تماماً؛ فقد كان للعامليّين ـ ودعونا نقول: اللبنانيّين ـ علاقة خاصّة بالإمام الشهيد الصدر، وذلك كما قلتم تنظيماً وتلمّذاً، حتّى شكّل اللبنانيّون النسبة الأكبر من طلاّبه، تلاهم بعد ذلك الإيرانيّون. وقد يربط شخصٌ بين هذه الظاهرة وبين نَسَب الشهيد الصدر، الذي يرجع ـ كما تعلمون ـ إلى آل شرف الدين في لبنان، ولدينا وثائق لجدّه المباشر السيّد إسماعيل الصدر موقّعة باسم إسماعيل الصدر العاملي. طبعاً لا نتحدّث عن نِسبة الآخرين له؛ إذ قد يحلو للبعض أن يعبّر عنه بالإصفهاني باعتبار أنّه سكن لفترة ما في إصفهان، ولكنّنا نتحدّث عمّا كان ينسب به نفسَه؛ فهو كان يوقّع بالعاملي. وقد عثرت في قريتنا منذ سنتين على رسالة عمليّة للسيّد إسماعيل الصدر خطّها أحد نسّاخ قريتنا سنة 1333هـ، وهذا قد يعبّر عن تفاعل أهل تلك المناطق مع مرجعيّته. ثمّ بعده جاء ولده السيّد حيدر الذي عرف بالكاظمي، ثمّ جاء دور الشهيد الصدر الذي تمحّض بالنجفي. وقد يحلو للبعض اعتبار الشهيد الصدر لبنانيّاً؛ باعتبار أنّ جدّه المباشر كان لا يزال لبنانيّاً، وهذا مبرّر إذا قسناه إلى أشخاص آخرين، فهناك إلى اليوم إيرانيّون في النجف الأشرف مولّدون من أجداد إيرانيّين ولا زالوا يعتبرون أنفسهم إيرانيّين.
ولكنّني شخصيّاً لا أحبّ هذا التعاطي مع الأمور؛ لأنّ هذه الأسرة العلميّة دمجت نفسها في المجتمع العراقي واعتبرت نفسها جزءاً من نسيجه، وتخلّت ـ بمعنى من المعاني ـ عن أصلها اللبناني، على نحو (الإعراض عن الوطن) المطروح في بحث المسافر، بخلاف وضعنا نحن الطلبة في حوزة قم المشرّفة مثلاً، فنحن لا ندمج أنفسنا في المجتمع الإيراني متبنّين عاداته وثقافته ومتخلّين عن عاداتنا وثقافتنا.
طبعاً قد يكون لعامل النَسَب دورٌ (لا وعيي) في اقتراب اللبنانيّين من الشهيد الصدر، وهو طبيعي إلى حدٍّ ما، وأضرب لكم مثالاً حدث معنا منذ فترة قريبة، حيث قمت مع مجموعة من الطلبة اللبنانيّين بزيارة السيّد محمود الهاشمي حفظه الله، وقد استرجع في حديثه ذكرياته اللبنانيّة التي تفاجأ بها الإخوان، الذين خرجوا من الجلسة وهم فرحون بحديث السيّد، وقد لمستُ بشكل واضح شعورهم بالقرب منه خطوة، هذا طبيعي، فما بالك لو كان أصله لبنانيّاً؟!
على كلّ حال لا أعتقد أنّ هذا العامل كان العامل الرئيس في التفاف اللبنانيّين حول الشهيد الصدر، وإن أمكن أن يكون أحد المحرّكات في اللاوعي، وأسباب التفافهم حوله ـ على ما أعتقد ـ عديدة:
1 ـ بدايةً من الواضح أنّ مقولة (مغنيّة الحي لا تطرب) تصدق بشدّة في الجاليات العربيّة أكثر من صدقها في الجالية الإيرانيّة، وربّما كان ذلك ما دعا اللبنانيّين إلى إنشاد ضالّتهم عند الجاليات الأخرى، ولهذا نجد أنّ أوّل من اكتشف الشهيد الصدر كان السيّد فخر الدين أبو الحسن اللبناني، ثمّ قام هو بإرشاد أصدقائه إليه (طبعاً لستُ أتحدّث عن أوّل من تتلمذ عند الشهيد الصدر؛ إذ يقال إنّ الشيخ الفضلي حفظه الله تعالى وشفاه كان أوّلهم، ولكنّني أقصد درسه العام)، تماماً كما هو الوضع في أيّامنا هذه، فأنتم تعيشون في قم المشرّفة وتعلمون أنّ أكثر طلاّب فلان اللبناني من الجالية السعوديّة والعراقيّة، وفي الوقت نفسه نجد أنّ أكثر طلاّب فلان السعودي من الجالية العراقيّة واللبنانيّة.
2 ـ ثمّ بعد أن اكتشف السيّد أبو الحسن نبوغ الشهيد الصدر وتميّزه وبدأ الطلاّب يتداولون ذلك، التفّ حوله مجموعة من الإيرانيّين والعراقيّين، وكان العراقيّون قلّة لأنّ نسبة الطلبة العراقيّين في حوزة النجف كانت قليلة جداً كما تعلمون؛ فقد كان في حوزة النجف سنة 1957م 896 طالباً إيرانيّاً، في مقابل 47 طالباً من سوريا ولبنان، و20 طالباً من الأحساء والقطيف والبحرين، بينما كان عدد الطلاّب العراقيّين لا يتجاوز الثلاثين، وكانت الجالية الإيرانيّة ـ التي تشكّل العمود الفقري لحوزة النجف ـ منغلقة على نفسها ولم تكن تندمج في المجتمع العراقي (وهذا طبيعي، تماماً كعدم اندماج الجالية العربيّة في المجتمع الإيراني في هذه الأيّام)، الأمر الذي انعكس فقراً في المبلّغين، الأمر الذي دعا السيّد محسن الحكيم إلى تعزيز الوضع العراقي في الحوزة، لينعكس بالتالي على المناطق العراقيّة من حيث المبلّغين القادرين على ممارسة عمليّة التبليغ. أمّا الطلاّب الآخرون ـ اللبنانيّون والحجازيّون مثلاً ـ فعلى الرغم من اندماجهم في المجتمع العراقي، إلاّ أنّ نسبتهم الضئيلة لم تكن من ناحية لتحلّ المشكلة، ومن ناحية أخرى لم تكن حلاًّ على المدى الطويل؛ لأنّ من الضروري وجود شريحة ثابتة من نسيج المجتمع العراقي، لا جالية قد تختفي بين لحظة وأخرى نتيجة الرجوع إلى الوطن.
إذن من عوامل الاعتقاد بالتفاف اللبنانيّين حول الشهيد الصدر هو أنّ الحوزة العراقيّة في تلك المرحلة كانت ضعيفة، فكان طبيعيّاً أن يطفو اللبنانيّون، فضلاً عن أنّ الشهيد الصدر كان بالنسبة إلى من وُجد من العراقيّين من أبناء الحيّ، فكان طبيعيّاً أن لا يُطربهم.
لكن لماذا طفا اللبنانيّون ـ وهم قلّة ـ على حساب الإيرانيّين الذين يفوقونهم بأكثر من 20 ضعفاً؟! من الطبيعي أن يُعرف شخصٌ عند أهل لغته أكثر من معروفيّته عن أهل اللغات الأخرى، ولهذا تجد أنّ أكثر الإيرانيّين الذين اندمجوا في دائرة الشهيد الصدر هم في الحقيقة من الإيرانيّين الذين لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من الحوزة الإيرانيّة، بل اندمجوا في المجتمع النجفي، السيّد نور الدين الإشكوري نموذجاً.
أضيفوا إلى ذلك الشعور الذي لا زلنا نلمس بعض تجلّياته إلى يومنا هذا حول عدم اعتراف الحوزة الإيرانيّة بوجود نبوغ وتميّز عند العرب، طبعاً هذا الشعور تبدّد بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ولكنّنا نتحدّث عن الخمسينات الميلاديّة، ولهذا نجد أنّ بعض طلاب السيّد الخوئي رحمه الله عندما يتفاجأ بأجوبة الشهيد الصدر العلميّة المتينة بعد أن أحاله السيّد الخوئي إلى الشهيد الصدر يستغرب من صدور هذه الأجوبة من شخص عربي، وبعد أن يعرف أنّ السيّد الشهيد حفيد السيّد إسماعيل (الإصفهاني) يرتفع استغرابه.
طبعاً لستُ أصدر أحكاماً تعميميّة، وإنّما أتحدّث عن الطابع العام، وأكرّر بأنّني لا أحب توجيه البحث باتّجاه العنصر القومي، ولكن هذا ما نلمسه بشكل واضح، ولستُ أتحدّث عن النوايا والدوافع وأنّها قوميّة.
3 ـ العامل الآخر هو طبيعة اللبناني التي تسهّل عليه الاندماج في الآخرين، وأنتم تعلمون إلى أي حدّ كان سهلاً على اللبنانيّين التفاعل مع الشهيد مطهّري والترويج لفكره، ومختلف الشخصيّات الإيرانيّة، دون الشعور بحاجز القوميّة، ولم أستشهد بالإمام الخميني الذي شكّل مفردة تفاعلت معها مختلف الشعوب والقوميّات، بينما لم يتفاعل الإيرانيّون مع فكر الشهيد الصدر بشكل يتّجه نحو المناسب سوى في الآونة الأخيرة.
عموماً، من السهل على اللبناني ـ بحسب طبيعته ـ الاندماج في الغير، وأنتم تعلمون ماذا أقصد، ولهذا تجدون أنّني عندما أتحدّث معكم فأنا تلقائيّاً أحاول التحدّث بلهجتكم، ومع العراقي بلهجته، حتى حسبني الكثيرون عراقيّاً، بينما لم أجد عراقيّاً تحدّث معي يوماً باللهجة اللبنانيّة! ليس لأنّه لا يتقنها، بل لأنّه لا يجد داعياً إلى ذلك.
أرجو أن لا تفهموا كلامي على أنّه تمجيد بالطابع اللبناني؛ لأنّني أعتبر أنّني أتحدّث عن طبيعة واضحة لمختلف الجاليات، وهي جزء من تركيبتنا التي جعلتنا بلداً سياحيّاً خدماتيّاً، وهي طبيعة لا يُمكن اعتبارها أمراً جيّداً في كلّ المواطن والمواقف.
4 ـ العامل الأخير ـ وهو المهم والرئيس ـ هو اقتراب الشهيد الصدر من أفق الثقافة اللبنانيّة؛ فأنتم تعلمون أنّ الشهيد الصدر لم يكن ذلك الشخص المتقوقع المنعزل عن ثقافات الغير، بل كان مثقّفاً منفتحاً، يقرأ المجلات والصحف ويعيش في أفق أكثر رحابةً من أفق حوزة النجف، وهو بذلك يلامس الأفق المنفتح الذي وفد منه عدد كبير من الطلاب اللبنانيّين، وكان هذا عامل جذب بالنسبة إلى اللبناني الذي يتفاعل مع هذه الأجواء، فهو عالم نجفي يقرأ قصص (أرسين لوبين) مثلاً، ومن الطبيعي أنّه عندما يلتقي مع أفق اللبنانيّين فسينجذبون إليه.
وأكرّر بأنّني لا أصدر أحكاماً تعميميّة؛ فإنّك تجد في اللبنانيّين عقليّات أكثر انغلاقاً من العقليّات النجفيّة نفسها، ولكنّ الجو العام للّبنانيّين هو الانفتاح؛ باعتبار أنّه يفد إلى حوزة النجف من نسيجٍ متنوّع. طبعاً، هذا هو حاله عند وروده إلى الحوزة على أقلّ تقدير، بعيداً عمّا تصنع منه الحوزة لاحقاً.
وأخيراً، طالما أنّنا نتحدّث عن هذا العامل، فأنا لا أخفيكم بأنّني تعرّضت لبعض الانتقادات هنا وهناك حول هذه المسألة، حيث اتّهمني بعض إخواننا العراقيّين بأنّني حاولت لبننة الشهيد الصدر من خلال وثيقة جواز المرور اللبناني الذي نشرته في الكتاب. طبعاً هذا لا يعني أنّ إخواننا العراقيّين كانوا متحسّسين من كوني لبنانيّاً، بل على العكس من ذلك؛ فقد فتحوا لي أبوابهم على مصراعيها وكانوا فرحين جدّاً بعملي، والحمد لله تعالى.
2. من الوثائق التي أثارت عجب قرّاء الكتاب صورة جواز لبناني باسم الشهيد الصدر ما هي حكايته؟
حكايته أنّ أحد عشّاق الإمام موسى الصدر ـ وبالتالي الشهيد الصدر؛ باعتبار أنّ السيّد موسى الصدر كان يروّج لمرجعيّة الشهيد الصدر، فمن عشق الأوّل عشق الثاني عموماً ـ وهو اللواء مصطفى الحاج الذي كان يعمل في مطار بيروت، استطاع استصدار جاوز مرور لبناني للشهيد الصدر يسمح له بالخروج من النجف، وسافر بنفسه إلى العراق لإيصاله إليه رغبةً منه في تخليص الشهيد الصدر من الحصار، ولكنّ أحداً لم يدلّه إلى منزل الشهيد الصدر، وبعد أن وصلت رغبته إلى الشهيد الصدر رفض الأخير ترك الشعب العراقي لوحده في ذلك الوضع، ولهذا لا زال اللواء الحاج يحتفظ بجواز المرور هذا.
3. خمس سنوات من الجهد المضني حصيلة جمع المادّة التاريخية لكتاب(محمد باقر الصدر...السيرة والمسيرة) من المؤكد أن (الشيخ أحمد أبو زيد ) اطّلع على ما هو مستور من مؤلفات الشهيد الصدر، ليطلعنا عمّا أطلع عليه؟ وهل نترقب شيء منها؟
دعوني أذكر لكم أصل القصّة، فبعد أن بدأت بجمع ما يتعلّق بالشهيد الصدر وقبل أن أبدأ بتدوين الكتاب في صيف 2003م كنت أتردّد على السيّد حامد الحسيني الذي كان قد جمع أرشيف الشهيد الصدر طيلة عشرين عاماً، وهو أرشيف مهمّ جدّاً، وكان ذلك بعد عقد مؤتمر الشهيد الصدر في طهران عام 2001م، حيث كان السيّد حامد في ذلك الوقت قد قدّم الأرشيف لأمانة مؤتمر الشهيد الصدر والتي تحوّلت بعد انعقاد المؤتمر إلى مؤسّسة (مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر) التي تعني بنشر بقيّة التراث، حيث كانت قد أعدّت إلى حين انعقاد المؤتمر خمسة مجلّدات من أصل عشرين مجلّداً.
فتح لي السيّد حامد الحسيني قلبه، وكان يجيبني عن كلّ سؤال ويرشدني إلى ضالّتي، وكان في ذلك الوقت في مرحلة تسليم الأرشيف، أي إنّه كان بصدد ترتيب الأرشيف وتقديمه إلى المؤسّسة؛ باعتبار أنّه ترك العمل على الأرشيف ولم يعد له علاقة به.
في تلك المرحلة لم يكن قد بقي في المؤسّسة سوى السيّد علي أكبر الحائري والشيخ مجتبى المحمودي بوصفهم محقّقين، ولم يكونوا طبعاً موظّفين بدوام، وإنّما يقدّمون الخدمة العلميّة للمؤسّسة، وكان هناك السيّد نور الدين الإشكوري مديراً.
السيّد الحائري أيضاً فتح لي قلبه، ولكنّ السيّد الإشكوري كان يتوجّس منّي خوفاً، وكلّما يتذكّر السيّد الإشكوري تلك الأيّام الآن يتبسّم، ويقول بأنّ العلاقة الممتازة بدأت بعلاقة سيّئة، فكنتُ إذا طلبتُ تصوير وثيقة معيّنة أو حتّى الاطّلاع عليها، أو أحياناً مجرّد تصوير كرّاس بسيط لا قيمة انحصاريّة له، كان السيّد الإشكوري يمانع، ولم أكن حينها أعلم السبب، ولكنّني كنت أرجع وأطلب مجدّداً، وكان يقابلني بالرفض، فأرجع، فتزيد مخاوفه، فيرفض، وكان السيّد الحائري يحاول إقناعه بأنّه لا مدعاة للخوف والحذر، ولكنّه لم يقتنع إلاّ لاحقاً، فبدأ يتنازل شيئاً فشيئاً، إلى أن فتح لي قلبه وأعطاني مفتاح المؤسّسة وخوّلني الوصول إلى كلّ ما أريد، حتّى دفاتره الشخصيّة.
ولمّا سألته لاحقاً عن سبب تخوّفه، قال لي بأنّ مجيئي إليه كان قد اقترن بالموجة التي أثارها الشيخ علي كوراني عام 2003م حول الشهيد الصدر، وهي الموجة التي تعرفونها ولا داعي للدخول فيها الآن، ولمّا كنت لبنانيّاً ـ كالشيخ كوراني ـ فقد كان يحتمل أنّني أريد الوصول إلى الأرشيف وجمع المعلومات خدمةً لحملة الشيخ كوراني، ولكنّه تأكّد بعد ذلك بأنّ المسألة لم تكن كذلك.
وفي تلك المرحلة كانت المؤسّسة تعاني من ضعف الإمكانات، ولم يكن فيها أحد في الحقيقة؛ فهناك السيّد الإشكوري مديراً والسيّد الحائري بقي لإكمال تحقيق كتاب (الأسس المنطقيّة للاستقراء)، والشيخ المحمودي له انشغالاته العلميّة الخاصّة واقترصت مشاركته على مراجعة الكتاب قبل ذهابه إلى الطبع بعد أن كان قد أكمل تحقيق الكتب التي كانت على عاتقه.
عندها لم يكن قد بقي ضمن موسوعة العشرين مجلّداً سوى كتاب واحد، وهو الكتاب المعروف الآن بكتاب (ومضات)، وهو أشبه ما يكون بكشكول جمعت فيه متفرّقات مقالات ومحاضرات الشهيد الصدر، فأناط السيّد الإشكوري مهمّة إعداده بي؛ لأنّه كتابٌ بطبيعته يعتمد على التسلّط على الأرشيف بعد أن وجد أنّ لديّ إلماماً إلى حدٍّ ما بخبايا الأرشيف هنا وهناك، وكان ذلك، فرحت أستخرج له بعض المواد التي لم يكونوا قد أضافوها إلى الكتاب؛ لكونها مخبيّة، فتضاعف حجم الكتاب، وقمت بتخريج مصادره وتوثيقه وطبع بعنوان (ومضات)، وفيه العديد من المحاضرات التي تنشر للمرّة الأولى.
وبعد أن كان مقرّراً أن يكون كتاب (ومضات) آخر أجزاء الموسوعة (وهو رقم 17 من أصل 20)، عثرت في الأرشيف على مجموعة من التقريرات التي كتبها طلاّب الشهيد الصدر لأبحاثه التي كان يلقيها في شهر رمضان المبارك، واقترحت على اللجنة أن نقوم بنشرها، ولكنّها رفضت في البداية، باعتبار أنّها أبحاث متفرقة من ناحية، وباعتبار أنّها تقريرات من ناحية أخرى، ولكن بعد عدّة محاولات وافق السيد الإشكوري بعد أن أصبح عملياً المولج الوحيد باتخاذ القرار، فقمنا أوّلاً بتقديمها إلى مجلّة (الاجتهاد والتجديد) برئاسة تحرير الأخ والأستاذ الشيخ حيدر حب الله، الذي قام بترتيبها ونشرها، ثمّ قمنا باختيار أفضل هذه التقريرات ووزّعناها على أبواب ستّة: المنطق الذاتي، شبكة الملكيّات، المعاملات البنكيّة، الحوالة، إحيات الموات (1) وإحياء الموات (2)، وقمت بإعادة ترتيبها ومقابلتها وتحقيقها، وهي الآن ماثلة إلى الطبع تحت عنوان (محاضرات تأسيسيّة)، ويشكّل هذا المجلّد الجزء الحادي والعشرين من الموسوعة.
وإلى جانب هذه التقريرات وجدت في الأرشيف ما يقرب من ألف صفحة بقلم المرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي، هذا السيّد الوفي الذي نذر حياته لخدمة الإسلام من خلال أستاذه، وهي عبارة عن تدوين لمحاضرات الشهيد الصدر في بحث الخمس، وهو البحث الذي ألقاه على مدى سنتين ابتداءً من سنة 1383هـ عندما كان في الثلاثين من عمره، وقد أقنعت المؤسسة بنشرها، وقد بدأت العمل عليها لتشكّل المجلّدين 22 و23 من الموسوعة، ولكنّه توقّف مؤقّتاً لما سأذكره الآن.
بعدما انتهيت كليّاً من العمل على كتاب (تأسيسيّة) ورجعت إلى العمل على كتاب(الخمس) الذي كنت قد بدأت به قبل (محاضرات تأسيسية)، في هذه الفترة كانت المؤسسة بصدد طباعة الدورة بأجزائها الـ21، حيث تقرّر أن يُلحق بها كتاب الخمس إلحاقاً بعد الفراغ منه، ولكي لا يعيق تأخّره طباعة الموسوعة، ولكنّها هنا رغبت في الأخذ بملاحظة كنتُ قد سجّلتها لهم منذ سنتين تقريباً حول كتاب (أئمة أهل البيت) الذي يشكّل الجزء العشرين، والذي كان قد طبع منذ مدّة بعد أن اشتمل على ضعف المحاضرات التي اشتمل عليها كتاب (تنوع أدوار ووحدة هدف) في بيروت منذ سنوات طوال؛ حيث كنتُ قد أكّدت للجنة العلميّة أنّ كتاب (أهل البيت) فيه الكثير من الأخطاء التي ترجع إلى عدم ضبط مخارج حروف الشهيد الصدر حين التنزيل من الكاسيت، وأنّ طبعة (تنوّع أدوار) أدقّ منها وإن كانت طبعة المؤسسة أكبر وتشتمل على محاضرات أكثر.
وبعد أن كادت الموسوعة تذهب إلى الطبع رغب السيد الإشكوري في أن أعيد تحقيق كتاب (أهل البيت) لتكون النسخة التي ستُدرج ضمن الموسوعة الكاملة نسخة صحيحة، فجمّدت العمل مؤقّتاً على كتاب الخمس وعدت إلى كتاب (أهل البيت) الذي أعمل عليه حالياً.
لا أخفيكم أنّني أتأخّر عادةً في إنجاز الأعمال، ومنها مقابلتكم هذه التي كان مقرّراً أن أقدّمها لكم منذ أشهر، ولكنّ الحقيقة هي أنّ الانشغالات العلميّة في الدرس والكتابة تحدّ من إمكانيّة التفرّغ لعمل التحقيق، خاصّةً أنّني انشغلت مؤخّراً في تحقيق كتاب (بحوث في علم الأصول) برغبةٍ من سيّدنا الأستاذ السيّد محمود الهاشمي حفظه الله، بعد أن تبيّن أنّ في الطبعة القديمة والمتداولة الكثير من الأخطاء.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا أحبّ أن أقوم بعمل دون أن أحاول إتقانه، ولهذا عندما رجعت إلى كتاب (أهل البيت)، بدت لي المهمّة صعبة جداً؛ وذلك:
أوّلاً: كان عليّ الاستماع إلى محاضرات الشهيد الصدر حول أئمة أهل البيت(ع) بصوته، وهي محاضرات وصلتنا من أشرطة التسجيل القديمة للمرحوم السيّد عبد الغني الأردبيلي، وكانت المؤسسة قد طلبت من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلاميّة نقلها من الأشرطة القديمة (الدائريّة الكبيرة) إلى أشرطة كاسيت عاديّة، ثمّ طلبنا من إحدى المؤسسات تحويلها إلى ملفات رقميّة (Wav)، وهنا برزت المشكلة؛ إذ لدينا على العموم (616) ملفاً رقمياً، فيها الغثّ والسمين، أصوات متداخلة ومحاضرات مبتورة، فقه وأصول وسيرة ومجالس تعزية وتلاوة قرآن.. كلّها أصوات متمازجة على هذه الأشرطة، فقامت (إذاعة النور) في لبنان بإيكال هذه المهمّة إلى أحد الإخوان ـ ولستُ أعرف اسمه أو من هو، وإلاّ لشكرته ـ فقام مشكوراً بالاستماع إلى هذه المحاضرات وتقديم تقرير مفصّل حول محتويات الأشرطة دون أن يكون معنيّاً بأمر ترتيبها.
هنا قمت باستخراج كلّ ما يرتبط بأئمّة أهل البيت(ع) ووضعها في ملفات رقميّة مستقلة، ولكنّ المشكلة هي أنّها كانت على شكل مقاطع مبعثرة، فرحت أستمع إلى المحاضرة وأحدد متنها وموضعها من خلال ما كان قد كتبه المرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي في دفاتره قديماً عندما كان الشهيد الصدر يلقيها، فتسنّى لي بعد جهد جهيد إعادة تكوين 11 محاضرة بصوت الشهيد الصدر، فيها (6) محاضرات كاملة كليّاً، و(5) فيها بعض المقاطع الناقصة المبتورة، ثمّ عمدت إلى الاستماع إليها وتنزيل كلمات الشهيد الصدر وتطبيقها على طبعة المؤسسة الأولى، وكانت مهمّة صعبة، فجودة المحاضرات سيئّة، وتلفّظ الشهيد الصدر ليس واضحاً، فكان عليّ اللجوء إلى برامج متخصّصة في الصوتيّات لاستيضاح الصوت، ولكن دون جدوى أحياناً.
وهنا تحدّدت لي المشكلة التي كانت موجودة في الطبعات السابقة، وطبعة المؤسسة بالتحديد، حيث تبيّن وجود الكثير من الأخطاء، وبعضها يغيّر في المعنى جذريّاً. وأمثّل لكم بثلاثة أمثلة تحضرني الآن:
1 ـ (وهنا نجد تصوّراً شائعاً لدى كثير من الناس الذين اعتادوا أن يعبّروا عن الأئمة بوصفهم اُناساً مظلومين فقط قد اُقصوا عن مركز القيادة ، وأقرّت الأئمة هذا الإقصاء)، بينما قال الشهيد الصدر: (وأقرّت الأُمّة) لا (الأئمّة).
2 ـ ومن قبيل: (وأصبحت تعيش علي بن أبي طالب ، ثبت من أعلى كأمل ، كحكم)، بينما قال الشهيد الصدر: (كمثلٍ أعلى، كأمل، كحلم)
3 ـ ومن قبيل: (هؤلاء البقية الباقية من المهاجرين والأنصار الذين استجابوا لدعوة الإمام الحسين (عليه السلام) هدّدهم الإمام الحسين (عليه السلام))، بينما قال الشهيد الصدر: (هزّهم) بدل (هدّدهم).
إلى غير ذلك الكثير الكثير من الأخطاء، بحيث قال لي السيّد الإشكوري: هل لديك أقلام حبر أحمر زائدة فلوّنت بها الكتاب؟!
وحيث إنّ العمل أصبح جذريّاً، فقد ألحقت بالكتاب ستّة ملحقات، من مقالات وكلمات مختلفة ترتبط بأئمّة أهل البيت(ع) والمبعثرة في الصحف وغيرها، مثل مقال كان قد نشره الشهيد الصدر في صحيفة النشاط الثقافي سنة 1958م، بحيث أصبح الكتاب مكوّناً في النتيجة من 26 فصلاً، أي 26 محاضرة وكلمة ومقالة.
وقد نشرنا مؤخّراً محاضرة من هذه المحاضرات على موقعنا (www.mbsadr.com) وهي حول النبوّة الخاتمة، على أن نكمل نشر البقيّة في أقرب فرصة إن شاء الله تعالى.
ولكنّ المسألة لم تنتهِ هنا، فأرشيف المؤسّسة يعاني من التكديس وعدم الفهرسة، فهناك دائماً احتمال العثور على شيء جديد، وهذا ما حصل فعلاً، فقد عثرنا مثلاً على أوراق هي تدوين لأحاديث كانت تجري بين الشهيد الصدر وطلابه في منزل السيد الإشكوري عندما كان في النجف، وهي كلمات قصيرة وليست محاضرات، أي دردشة، ولكنّ فيها سقطاً كثيراً، وقد استطعت لحدّ الآن ترتيب كلمة واحدة من أصل عدّة كلمات، وهي تتناول خصائص الفكر الإسلامي، وقد نشرناها في مجلّة (المنهاج)، العدد 54 على ما في بالي.
وبالمناسبة، فقد عثرت مؤخّراً وبالاتفاق على نسخة كتاب (المعالم الجديدة للأصول) بخطّ الشهيد الصدر، ولكنّها غير كاملة، عثرت عليها وأنا أقلّب في دفاتر أحد طلاّبه، ولم يكن هو على علمٍ بوجودها لديه، وقد تفاجأ كثيراً عندما علم بالموضوع، وربّما نقوم قريباً برفعها على الموقع إن شاء الله تعالى.
للأسف الشديد، فقد أوعزت إلى أحد المبرمجين بإنشاء برنامج كمبيوتري خاص بالأرشفة ونفّذ لنا المهمّة، ولكنّ السيّد الإشكوري اعتذر عن تأمين موظّف لإدخال المعلومات الكاملة وفهرسة أرشيف المؤسّسة؛ باعتبار أنّ ميزانيّة المؤسّسة لا تتحمّل توظيف موظّف واحد، وهو محقٌّ طبعاً في ذلك؛ لأنّه كثيراً ما تقصر مبيعات الكتب عن تأمين مصاريف المؤسّسة فيقوم هو بتغطية النفقات من ماله الخاص، مع أنّه لا يوجد في المؤسّسة سوى موظّف واحد، وهو مسؤول عن متابعات الأمور الإداريّة.
وقد انسحب هذا العجز المالي على موقع الإنترنت (www.mbsadr.com)، لأنّ لدينا مئات ـ بل آلاف المواد ـ ولا نتمكّن من رفعها على الموقع نتيجة العجز المالي عن تأمين موظّفين لهذه المهمّة، ولهذا فنحن نعتمد في تغطية نفقات الموقع على تبرّعات متفرّقة بعضها من العراق وبعضها من السعوديّة، ولسنا نعرف في الواقع هؤلاء المتبرّعين.
أعتقد أنّ هذه المسألة جزءٌ من المظلوميّة التي كتب أن يعيش فيها الشهيد الصدر.
4. تابعنا في الجزء الخامس من الكتاب أكثر من 500 وثيقة ترتبط بالإمام الشهيد الصدر، هل من وثائق آخرى أثرتم التّحفظ عليها؟ وإن وجدت فما هي أبرزها؟
في الواقع إلى حين صدور الكتاب كان بين يديّ عدد قليل جدّاً من الوثائق التي لم أنشرها في الكتاب، وربّما تكون خمس رسائل، ولكنّ المشكلة ليست أنّني تحفّظت على نشرها بقدر ما هي تحفّظ من الشخص الذي قدّمها لي، فهي رسائل وجّهها الشهيد الصدر إلى هذا الشخص وفيها حديثٌ من الشهيد الصدر عن عدم صلاحيّة أحد طلاّبه الآخرين لتولّي فلان قضيّة، ولم يرغب هذا الشخص في نشرها، واحترمنا له رغبته.
نعم، منذ مدّة أرسل لي السيّد محمّد باقر المهري من الكويت رسالة استفتاء كان قد بعث بها أحد الكويتيّين إلى الشهيد الصدر، إضافة إلى رسالة أخرى عثر عليها صديقنا الشيخ محمّد تقي الفقيه في تراث جدّه المرحوم الشيخ محمّد تقي الفقيه العاملي، المجتهد المعروف، هذا إلى جانب بعض الصور الجديدة، من قبيل صورته مع المرجع المعاصر السيّد السيستاني التي تفضّلتم بها أنتم، وبعض الصور الأخرى التي خرجت من أرشيف السيّد حسين إسماعيل الصدر ابن أخي الشهيد الصدر.
5. هل من تراث مسموع للشهيد الصدر غير ما هو منتشر من محاضرات في (التفسير الموضوعي)و (المحنة)؟ وماذا عن التراث المرئي؟
سبق أن تحدّثنا بما يكفي عن التراث المسموع ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى أنّه يوجد ضمن المحاضرات الصوتيّة التي استخرجناها بعض الدروس في علم الأصول، وربّما في الفقه، والذي يسمعها يقول: سبحان الواهب الرازق، من فمه إلى المطبعة، وعندما تسمعها تدرك جيّداً أن الإغلاق الموجود في تقريرات درس الشهيد الصدر الأصولي هو من المقرّر وليس من بيان الشهيد الصدر، وسنقوم قريباً برفعها على موقعنا الإلكتروني إذا تمكّنا من ذلك.
أمّا التراث المرئي، فهناك شخص في الكاظميّة لديه شريط فيديو مصوّر يظهر فيها الشهيد الصدر والسيّد موسى الصدر، حيث كان الأخير في زيارة إلى العراق، وقد دعيا إلى حفل عقد قران، وكان صاحب المنزل يملك كاميرا فقام بالتصوير، ولكنّه يقول بأنّه لن يسلّمه إلاّ إلى السيّد جعفر الصدر ـ نجل الشهيد الصدر ـ يداً بيد، وقد تابعنا المسألة مؤخّراً، ووعدنا خيراً.
|
|
|
|
|