التاريخ هو حركة الإنسان في محيطه خلال الزمان. وقد يعالج التاريخ حركة الإنسان في مجتمع معين أو في إطار ثقافة معينة. وقد يتسع ليعالج حركة الإنسان على صعيد عالمي. ويمثل التاريخ السجل الهام لكل شعب وأمة. فهو يمثل إمتدادها في عمق الزمن.. وهو تراثها وتقاليدها وشخصيتها. ولا تستطيع أمة أن تتنكر لتاريخها أو تقفز فوق إرتباطها التاريخي بالماضي. فالتأريخ يمثل التجربة والخبرة والقدوة والإعتزاز.
ويعاني التاريخ المعاصر للعراق من نقص فادح في المؤلفات والبحوث مقارنة ببقية الأمم. وخلال العقدين الماضيين أخذ العديد من الباحثين والمفكرين يولون إهتماماً بتاريخ العراق المعاصر، فدرسوا أحداثه وشخصياته ومكوناته. فظهرت عدة مؤلفات تؤرخ لأحداث معينة كالثورات والإنتفاضات، أو لشخصيات وعلماء ومفكرين ممن ساهموا في بناء العراق الحديث، فكراً، وموقفاً وعطاءً، فقهاً وسياسة.. جهاداً وتضحية.. من أجل الدفاع عن قضايا الشعب العراقي وعن الإسلام في العراق.
والشهيد الصدر، كغيره من الفقهاء والمراجع، لم يكتبوا سيرتهم بأقلامهم، رغم أن بعض أئمة أهل البيت (ع) كأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قد ترجم لحياته، وتحدث عن سيرته الشخصية في خطبه التي ضمها (نهج البلاغة). إذ يتحدث عن طفولته ومصاحبته لرسول الله (ص)، وتربيته في حضنه الشريف، وكذلك عن جهاده ومواقفه منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى تأسيس الدولة الإسلامية، ومشاركته في المعارك والحروب دفاعاً عن الإسلام، وما عاناه بعد وفاة الرسول (ص).
ومنذ إستشهاد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) عام 1980، صدرت عدة دراسات وأبحاث ومؤلفات تؤرخ لحياته وجهاده وفكره. كما نشرت بعض المجلات الفكرية ملفات خاصة بفكره وفلسفته وأهم إبداعاته في حقول المعرفة. ونحاول اليوم تقديم قراءات لأهم الكتب الصادرة خلال السنوات الماضية لتعريف القارئ بأهم النقاط الإيجابية، والسلبية إن وجدت.
محمد باقر الصدر، دراسات في حياته وفكره
مجموعة من الباحثين
صدر هذا الكتاب في لندن عام 1996 ويعد أوسع ما كتب عن فكر وحياة الشهيد الصدر، إذ بلغ775 صفحة. يتضمن الكتاب 15 دراسة رائعة عن الشهيد الصدر. كما تضمن ملحقاً لكل ما كتب عن الشهيد الصدر باللغة العربية من صحف ومجلات ودوريات وكتب. كما نشرت رسائل بخط الشهيد الصدر وصور شخصية له.
قدم محمد الحسيني دراسته بعنوان (الإمام الصدر، سيرة ذاتية) تناول فيها أهم المحطات في حياة الشهيد الصدر، إبتداءً من نشأته وتاريخه الأسري ودراسته وتقدمه على زملائه وإشادات أساتذته به، وتعجبهم من عبقريته وذهنيته حين كان فتى يافعاً.
إلتحق الشهيد الصدر ببحث الخارج لدى السيد الخوئي (قدس سره) حين كان عمره 13 عاماً، حيث درس الأصول والفقه عنده لمدة 14 عاماً. وبلغ مرحلة الإجتهاد حين كان عمره 17 عاماً. وبدأ يعطي دروساً ذات مستوى عالٍ وله من العمر 29 عاماً. ويلاحظ الحسيني أن عبقرية الصدر تبدو في ثلاثة إتجاهات:
أولها: قدرته الخلاقة على توليد الأفكار الجديدة.
وثانيها: توفره على معارف غريبة عن النجف الشرف،
وثالثها: الإنجاز الفكري المبكّر.
إذ يمكن القول أن معظم إنجازاته الفكرية كانت في مطلع شبابه، إلا أنه لم يكف عن العطاء إلى ما قبيل إستشهاده.
وكان الشهيد الصدر منهمكاً في دعم مرجعية الإمام الحكيم الراحل سياسياً واجتماعياً وفكرياً، رغم لم يكن من تلامذته أو ممن يحسب عليه، إلا أنها كانت تنسجم مع توجهاته الفكرية والعملية، واستمر ذلك حتى وفاة السيد الحكيم عام 1970.
وبعد تسلم السيد الخوئي المرجعية، سعى السيد الصدر للإتصال به واتفق معه على تنظيم العمل التبليغي وتوزيع وكلاء المرجعية بعيداً عن العشوائية والفردية. واجتمع السيد الصدر والسيد الخوئي في دار الأخير في الكوفة، بعد أحداث إنتفاضة صفر 1977، حيث اتفقا على إرسال وفد إلى السلطة يحمل رسالة السيد الخوئي لإطلاق سراح المعتقلين وتسوية الأمور للحيلولة دون إقدام النظام على تصفية العشرات من المشاركين في الإنتفاضة.
لقد أحيا الشهيد الصدر أول تنسيق بين مرجعيات النجف بغية تحقيق الأهداف المشتركة، إلا أن محاولات الشهيد الصدر أقبرت دونما شعور بالمسؤولية.
ثم تحدث محمد الحسيني عن تجربة الشهيد الصدر الحركية فيذكر (سجل كبار العلماء حضوراً بارزاً في حزب الدعوة الإسلامية، في مقدمتهم الشهيد الصدر والسيد مرتضى العسكري والشهيد السيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والشيخ علي الكوراني والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ مهدي السماوي والشيخ محمد مهدي الآصفي… وهو ما حقق للحزب فرصة كبيرة للصمود والإرتقاء التدريجي.
وعلى الرغم من غياب الدور الحقيقي للمراجع في ميلاده عام 1957، غير أن دعم المرجع السيد محسن الحكيم في ذلك الوقت كان واضحاً وحقيقياً، وتجلى في انتماء اثنين من أنجاله، فضلاً عن انخراط عدد كبير من وكلائه وفي مقدمتهم السيد العسكري. هذا علاوة على أن تحرك الحزب كان - في الغالب - يتم من خلال مؤسسات كانت تحمل إسم السيد الحكيم كما في مكتبات السيد الحكيم المنتشرة في معظم المناطق العراقية، والتي يديرها ويحضرها عشرات الدعاة، والإحتفالات والمهرجانات التي يحييها الدعاة تحت ظل السيد الحكيم وبرعايته.
وتحدث الحسيني بعد ذلك عن ظروف الإعتقالات الثلاث التي تعرض لها السيد الصدر في العوام 1972 و 1977 و عام 1979 بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فجاءت إنتفاضة رجب، فتم إطلاق سراحه.
ثم الإعتقال الأخير الذي أستشهد فيه حين تم نقله إلى بغداد، إذ حاول النظام فرض شروطه عليه والذي تمثل بأن يتراجع السيد الصدر عن:
1- دعمه للإمام الخميني.
2- فتواه بتحريم الإنتماء لحزب البعث.
3- دعمه لحزب الدعوة والإفتاء بحرمة الإنتماء إليه.
رفض الشهيد الصدر هذه الشروط ولم يقبل حتى واحداً منها. فعرض عليه إجراء مقابلة تلفزيونية يتحدث فيها عن العراق دون الإشارة إلى الأوضاع السياسية، لكنه رفض فأعدم بعد تعرضه لصنوف التعذيب الشديد.
الشهيد الصدر، سنوات المحنة وأيام الحصار
عرض لسيرته الذاتية ومسيرته السياسية والجهادية
الشيخ محمد رضا النعماني
يعد الشيخ النعماني من أقرب طلاب الشهيد الصدر إليه، وممن رافقه حتى لحظة إعتقاله واستشهاده. وكان شاهداً للكثير من الأحداث والأمور. وقد نقل تفاصيل دقيقة عن الشهيد الصدر. وكشف العديد من الأمور التي كانت خافية على الكثيرين. ويذكر الشيخ النعماني أن الشهيد الصدر قد كلفه بكتابة سيرته، إذ يقول أنه طرح الفكرة عليه، لكن الشهيد الصدر قال له (إن دمي هو الذي سيترجمني، فأنا لا أريد إلا خدمة الإسلام. وهو اليوم بحاجة إلى دمي أكثر من حاجته إلى ترجمتي. أما أنت فقد عشت معي طويلاً، وشاركتني محنتي، وعشت مراحل صراعي مع الظالمين، فعرفت الكثير من تلك الجوانب. فإن كتب الله لك السلامة، فاكتب ما قد رأيته أو سمعته) / ص16
ويعتبر الكتاب إضافة كبيرة للأدبيات الإسلامية، ومساهمة رائدة فيما كتب عن الشهيد الصدر، سواء على مستوى أقلام الإسلاميين أو الساحة الفكرية العراقية في المهجر. إذ لم تكتب سيرة ذاتية للشهيد الصدر بهذه الدقة والتفاصيل.
فقد صور الشيخ النعماني أدق مشاعر وإحساسات الشهيد الصدر تجاه الأحداث والأشخاص الذين عاصرهم. ونقل لنا تفاصيل ما يجري داخل منزل الشهيد الصدر من أحاديث ونقاشات ومواقف، لم نكن لنطلع عليها لولا الشيخ النعماني. لذلك يتوقع أن يكون الكتاب مرجعاً هاماً لمن يكتب أو يبحث في شخصية أو فكر الشهيد الصدر أو الحركة الإسلامية في العراق أو تاريخ العراق السياسي المعاصر.
سيرته وعلمه
يبدأ الشيخ النعماني كتابه بتقليد درج عليه المؤرخون في تناول السيرة، أي الحديث عن الأسرة والنسب. فيتحدث عن مناقب آباءه وأجداده ومؤلفاتهم وكتبهم. ثم يتناول مسيرة الشهيد الصدر وانتقاله من الكاظمة إلى النجف بصحبة أخيه السيد إسماعيل الصدر وشقيقته العلوية آمنة الصدر (بنت الهدى) ووالدته.
وبدأ الشهيد الصدر دراسته الحوزوية وعمره 11 عاماً. وأبدى ذكاءً متوقداً وعبقرية فذة. ففي ذلك السن درس علم المنطق وكتب بحثاً أورد فيه إعتراضات على بعض الكتب المنطقية.
وبدأ دراسة كتاب (معالم الأصول) وهو في سن 12 عاماً. وقد أثار ذلك إعجاب أساتذته ولما لم يبلغ سوى 17 عاماً خاطبه آية الله الشيخ عباس الرميثي: أن التقليد عليك حرام.
وينقل النعماني أنه سمع الشهيد الصدر يقول: إني لم أقلد أحداً منذ بلوغي سن الرشد. أي أنه أصبح مجتهداً وهو في هذا السن المبكر. وهذه حالة نادرة في تاريخ الإجتهاد.
وبعد صدور كتابيه (إقتصادنا وفلسفتنا) اللذين ذاع صيتهما في العالم، دخل عليه في منزله المتواضع في النجف، الدكتور محمد شوقي الفنجري، حامل شهادة الدكتوراه في الإقتصاد، وكان معجباً بكتب الشهيد.
(فلما دخل عليه غرفته خاطبه قبل السلام: بالله عليك أنت الشيخ محمد باقر الصدر؟ فأجابه السيد الشهيد والإبتسامة تعلو وجهه: نعم، تفضّل، أهلا وسهل.
فرد الفنجري: مش معقول. ثم تحدثا معاً فسأله الفنجري عن الجامعة التي تخرج منها .
فقال الشهيد الصدر درست في المساجد. فأصيب الفنجري بذهول وقال: والله، إن مساجد النجف أفضل من جامعات أوربا كلها. لقد نالت أفكاركم إعجاب المفكر الفرنسي روجيه غارودي) ص 67
شخصيته ومواقفه
ينقل الشيخ النعماني صوراً رائعة عن عواطف الشهيد الصدر تجاه الآخرين، وحلمه وعفوه، حتى تجاه منتقديه، وعن زهده وتواضعه مع الناس جميعاً.
وبعد صدور حكم الإعدام بالشهداء الخمسة من كوادر حزب الدعوة عام 1974 قال الشهيد الصدر للشيخ النعماني: (والله لو أن البعثيين خيّروني بين إعدام أولادي الخمسة، وبين إعدام هؤلاء، لأخترت إعدام أولادي وضحيت بهم. إن الإسلام بحاجة إلى هؤلاء، لا إلى أولادي) ص 102
وكان الشهيد الصدر آنذاك يتعرض للحجز حيث منع من مغادرة منزله. وفي تلك الفترة العصيبة بعث (أحدهم) إليه برسالة مضمونها: إننا نعلم أن الحجز مسرحية دبّرها لك البعثيون. وأنت تمثل دور البطل فيها. والغرض منها إعطاؤك حجماً كبيراً في أوساط الأمة. إننا نعلم إنك عميل لأمريكا، ولن تنفعك هذه المسرحية. فبكى الشهيد الصدر، وقال وهو يقبض على لحيته: لقد شابت هذه من أجل الإسلام. أفؤتهم بالعمالة لأمريكا وأنا في هذا الموقع؟)
وحول دعمه لمرجعية السيد محسن الحكيم (طاب ثراه) يقول النعماني: لقد كان للسيد الشهيد مواقف مشرفة. ففي فترة توتر الأوضاع بين السلطة ومرجعية السيد الحكيم، دعا الشهيد الصدر إلى إجتماع جماهيري حاشد في الصحن الشريف لمرقد الإمام علي (ع)، وبتنسيق مع مرجعية السيد الحكيم، حيث ألقى السيد الشهيد مهدي الحكيم (رحمه الله) كلمة المرجعية.
وعندما فرض الحصار على السيد الحكيم، كان السيد الصدر أول داخل عليه. ولم يكتف بذلك بل سافر إلى لبنان ليقود حملة إعلامية مكثفة دفاعاً عن المرجعية.
الشهيد الصدر والثورة الإسلامية
لقد كان الشهيد الصدر يكن إحتراماً ومحبة خاصة للإمام الخميني الراحل. وكان يحث طلابه على حضور أبحاث الإمام الأصولية والفقهية رغم أن بعضهم لا يفهم الفارسية. هذا في الوقت الذي (كان الإمام الراحل يعاني من جفاء بعض المرجعيات وأطراف كثيرة من الحوزة، فقد كان البعض يوجه إليه ألواناً من التهم والإفتراءات الباطلة. فكانت تبدو مرجعية السيد الإمام - وهي في النجف - غريبة ومعزولة عن الأمة. ويروي النعماني أن (أحدهم) قال له لا يجوز لك أن تستلم راتباً من الإمام لأنه شيوعي) ص 255
وعندما علم الشهيد الصدر بنبأ عزم الإمام على مغادرة العراق إلى الكويت ذهب إلى منزله لوداعه رغم الرقابة الشديدة، لكنه لم يستطع اللحاق به، ومع ذلك بقي جالساً في منزل الإمام تعبيراً عن تأييده وتعاطفه.
وقبيل انتصار الثورة الإسلامية بعث الشهيد الصدر برسالة طويلة إلى الإمام الخميني، يبدي فيها تأييده لقيادته. وبعد إنتصار الثورة بادر الشهيد الصدر إلى دعمها ورفدها بالمؤلفات الفقهية الهامة. فوضع مسودة الدستور الإسلامي ضمن كتابه (الإسلام يقود الحياة)، حيث تم تقديم نسخ منه إلى مكتب الإمام الراحل وإلى السيد بهشتي وعدد من المسؤولين الإيرانيين.
وكان للبرقية التي بعثها الإمام الخميني إلى الشهيد الصدر التأثير الفعال في تصاعد حقد السلطة في بغداد على الشهيد الصدر.
وقد عطل الشهيد الصدر أبحاثه عدة مرات، منها يوم مغادرة الإمام الخميني النجف، ومنها يوم بلغه خبر إنتصار الثورة الإسلامية. كما أنه أقام مجلس الفاتحة على روح الشهيد مرتضى مطهري (رحمه الله) فيما امتنع كل المراجع عن ذلك.
الصدر ومواجهة السلطة
قاد الشهيد الصدر مواجهة السلطة الحاكمة، وتعرض للاعتقالات عدة مرات. وكان لانتفاضة رجب 1399 هج ووفود البيعة التي تقاطرت على منزله تعلن دعمها وتأييدها لقيادته.
ويكشف النعماني عن خطط فكر بها الشهيد الصدر للتخلص من سلطة حزب البعث الحاكم:
فقد وضع خطة تقضي بأن يقوم هو وثلة من أصحابه المستعدين للشهادة بالذهاب إلى الصحن الشريف لإعلان الثورة بوجه الطغيان ولا يستسلمون بل يقاومون بالسلاح حتى الشهادة. وقد وضع شرطين هما: أن يوجد في الحوزة العلمية مستوى من التقبل لهذه الخطة. والثاني: أن يوافق أحد المراجع الكبار على العمل كي يكتسب العمل في ذهن الأمة الشرعية الكاملة. وقد فشلت الخطة لرفض المراجع لها.
والخطة الثانية : أبدى الشهيد الصدر إستعداده للتعاون مع عدنان الحمداني وزير التخطيط السابق، بشروط يضعها الشهيد الصدر. وكان الحمداني قد أرسل إليه يخبره بنيته الإطاحة بصدام. (ص 198)
وينقل الشيخ النعماني تفاصيل دقيقة عن فترة الإحتجاز الأخيرة، وكيف كان يكتب ما يريده الشهيد الصدر على صينية وبخط كبير ليقرأها جاره السيد عبد العزيز الحكيم ويوصل مضمونها، ويقوم هو بدوره بالإجابة على قطعة كرتون.
ويتطرق الشيخ النعماني إلى خيبة الأمل من موقف المرجعية العامة حيث أحجمت من الإستجابة لطلب عدد كبير من العلماء وأبناء الأمة لزيارة السيد الشهيد. ولم يزره سوى المرجع الديني السيد عبد الأعلى السبزواري الذي تحدى السلطة، وألقت القبض عليه بعد خروجه.
معاناة من الداخل
وعن معاناة الشهيد الصدر من داخل الحوزة يورد الشيخ النعماني حوادث كثيرة منها أن أحد المؤمنين سأل أحد المراجع الكبار عن جواز أو حرمة الإنتماء إلى حزب البعث الحاكم في العراق، فأفتاه بالجواز (ص 162). وكان الشهيد الصدر قد أصدر فتوى بحرمة الإنتماء لحزب البعث. وكان بعضهم ( يشكلون جبهة متراصة لحرب السيد الشهيد والقضاء عليه، والذين يعتبرون أنفسهم في طليعة المؤمنين الموالين لأهل البيت) (ص 176). وكان بعضهم (يلوحون بمديريات الأمن لمن يحاول الإقتراب من السيد الشهيد) (ص 178 ).
وينقل النعماني قول فاضل البراك مدير الأمن العام للشهيد الصدر (لا أستطيع أن أفعل شيئاً للتقارير التي ترفع للقيادة مباشرة من قبل أشخاص في الحوزة نفسها) (ص 181).
وينقل الشيخ مواقف عديدة النعماني لبعضهم ممن سار مضياً في عدائه للشهيد الصدر وينقل (أن أحد أبناء المراجع قال لمدير أمن النجف: ماذا تنتظرون بالصدر؟ هل تريدون خمينياً ثانياً في العراق؟ لماذا لا تعدمونه؟ فلما بلغ الخبر الشهيد الصدر قال: غفر الله لك يا فلان، إن قتلوني اليوم، قتلوكم غداً) ص 127
الشهيد الصدر بين أزمة التاريخ وذمة المؤرخين
مختار الأسدي
يتضمن الكتاب مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. يتطرق في المقدمة بنقد لما كتب عن الشهيد الصدر، وأنها (لم تكن أكثر من ديباجات أدبية جميلة مشحونة بأجواء العواطف النبيلة التي فجرتها ذكريات استشهاده، وبتلك الطريقة المفجعة الظالمة)
ويمضي قدماً في نقد الطريقة التي يجري بها تناول هذه الشخصية العظيمة فيقول: (وإذا ما التمسنا العذر لـ (شعارية) تلك الكتابات ومشاعريتها أيام المد التعبوي الذي يحاول فيه المخلصون عدم نكء الجرح وعدم الإثارة وعدم الإقتراب من النقاط الحساسة، حفاظاً على وحدة الكلمة وتوحيد الصف لتحشيد الجموع ومواجهة التحدي الكبير، فإنه من غير الإنصاف أن تبقى هذه الشخصية رهينة (الشعارات التعبوية) وأسيرة (الأولويات الجاهزة) وخاصة بعد أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه بحيث يكاد الموت حتف الأنف يقترب من العديد من أقرب المقربين إليه، وهم ما زالوا يتحفظون عن الإدلاء بما يعرفونه عن شخصية هذا الرجل، مداراة للواقع الحساس وللراف العصيب تارة، ولتحاشي الإثارة، ووأد الفتنة تارة أخرى، والحرص على الوحدة والمصلحة العامة بإدعاء ثالث).
ويعرض الأسدي في الفصل الثالث صوراً رائعة من أخلاق الشهيد الصدر، وإتصافه بالأبوة في تعامله مع كافة العاملين الإسلاميين… وعن زهده وإيثاره، وأنه رفض إستعمال سيارة أوصى بها له أحد التجار بعد وفاته، فباعها وصرف ثمنها على طلابه. وكان يتنقل بسيارات الأجرة العامة. وكان يرفض شراء بيت كما يرفض إهداءه منزلاً. ولم تكن لديه مبردة رغم حرارة الصيف في النجف. كما أنه لم يشتر ثلاجة ويستخدم الأواني الفخارية، فإشترى له أحد محبيه ثلاجة عام 1974. ولم يمتلك في حياته غسالة. ولم يكن يمتلك سوى عباءة صيفية خفيفة يقضي بها الشتاء البارد.