|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:20 AM
ولننقل ما جاء في كتاب محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 363
السيّد الصدر (رحمه الله) يقنع السيّد الخوئي (رحمه الله) بضرورة تقوية المرجعيّة
إنّ دعوة السيّد الصدر (رحمه الله) إلى مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) كانت مبنيّةً على لزوم الارتفاع بجهازها إلى مستوى تصبح فيه قادرة على تحمّل مسؤوليّاتها الحقيقيّة.
ومن هذا المنطلق فاتح السيّد الصدر (رحمه الله) السيّد الخوئي (رحمه الله) حول موضوع ضرورة احتفاظ المرجعيّة بقوّتها في مقابل النظام كما كان الوضع أيّام السيّد محسن الحكيم (رحمه الله)، وعرض عليه مشروع المرجعيّة الرشيدة وعرض عليه إمكانيّاته والتزم بدعمه. وقد شاركه في هذا اللقاء وفي هذه الأفكار خاله الشيخ مرتضى آل ياسين والسيّد محمّد باقر الحكيم (ره) «1».
وقد تحدّث السيّد الصدر (رحمه الله) عن ضرورة الاستمرار من النقطة التي وصل إليها السيّد الحكيم (رحمه الله) في مشروعه الاجتماعي ووكلاء المناطق، وعرض إمكانيّاته واستعداداته ليكون بنفسه ضمن جهازه المرجعي لكن بهذا الشرط. وفي الوقت نفسه تحدّث آخرون مع السيّد الخوئي (رحمه الله) في الاتّجاه المعاكس، وأنّ على مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) أن تنتهج منهجاً آخر مختلفاً عن منهج مرجعيّة السيّد الحكيم (رحمه الله) «2».
__________________________________________________
(1) صحيفة (لواء الصدر)، 13/ صفر/ 1405 هـ؛ وانظر: صحيفة (المبلّغ الرسالي)، العدد (27)، (108)، في حديثٍ مع السيّد صدر الدين القبانجي
(2) حدّثني بذلك الشيخ عبد الحليم الزهيري بتاريخ 14/ 2/ 2005 م، نقلًا عن الشهيد الشيخ عبد الزهراء الطائي (رحمه الله) نقلًا عن السيّد الصدر (رحمه الله)؛ وقد ذكر ذلك في الجملة الشيخ محمّد رضا النعماني بتاريخ 21/ 3/ 2005 م.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 364
ومن جملة ما اقترحه السيّد الصدر (رحمه الله) على السيّد الخوئي (رحمه الله) أن يشكّل جهازاً للتبليغ يضمُّ الباقرين (الصدر والحكيم) وجهازاً لشؤون الحوزة تحت إشراف الشيخ آل ياسين (رحمه الله). وقد وافق السيّد الخوئي (رحمه الله) على ذلك واهتم السيّد الصدر (رحمه الله) بتطبيقه. ولكن بعد فترة تحرّك بعد الأشخاص ليغيّروا سياسة المرجعيّة «1»، وقيل: إنّ الذي ترأّس هذه اللجنة هو السيّد عبد الكريم القزويني «2».
وروي أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) عندما سعى إلى الاتّصال المباشر بالسيّد الخوئي (رحمه الله)، قصده في بيته واقترح عليه تشكيل مجلس للإرشاد والتبليغ، وقد اقترح السيّد الخوئي (رحمه الله) مشروعاً يقضي انعقاد مجلس من العلماء الأفاضل بإشراف السيّد الصدر (رحمه الله)، ويتحمّل هذا المجلس مسؤوليّة التبليغ والإرشاد في الأمّة، ويتكفّل اختيار الوكلاء والمبلّغين الأكفّاء وتلبية نداءات جماهير الشعب المسلم في مختلف مناطق العراق، على أن تناط المسؤوليّة الحقيقيّة بالسيّد الصدر (رحمه الله)، بينما يلتزم السيّد الخوئي (رحمه الله) برعاية هذا المجلس ويتبنّاه «3»، فصار ترشيح الوكيل يتمّ عبر السيّد الصدر (رحمه الله) أو أهل المنطقة وأحياناً من قبل شخصيّات حزب الدعوة الإسلاميّة- من قبيل الشيخ مهدي العطّار (رحمه الله) مثلًا- ثمّ طرحه على السيّد الخوئي (رحمه الله) الذي كان غالباً ما يمضي هذا الترشيح ويوافق عليه «4». إلّا أنّ أموراً مريرة حالت دون المضيّ في هذا المشروع «5».
انعكاس الموقف الجديد على العلاقة مع بعض أصحاب السيّد الخميني (رحمه الله)
إثر إعلان السيّد الصدر (رحمه الله) عن أعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله)، اتّخذ بعض عناصر جهاز السيّد الخميني (رحمه الله) موقفاً سلبيّاً منه، بينما بقي آخرون على وضعهم، خاصّةً السيّد أحمد الخميني (رحمه الله) الذي كان يوافق السيّد الصدر (رحمه الله) على موقفه نظراً إلى الظروف «6»، بينما يبدو الانطباع سلبيّاً عند السيّد علي أكبر محتشمي حين تناول موضوع دعم علماء النجف مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) وتعرّض إلى موقف السيّد الصدر (رحمه الله) «7»، والسيّد عبّاس خاتم يزدي (رحمه الله) الذي اعتبر السيّد الصدر (رحمه الله) (استبصر) في الفترة الأخيرة «8»، والسيّد حميد روحاني «9». وكذلك اتّسمت العلاقة تجاه السيّد موسى الصدر:
فبعد أن كانت العلاقة بين السيّدين مصطفى الخميني وموسى الصدر علاقة طيّبة وحسنة، مالت
__________________________________________________
(1) صحيفة (لواء الصدر)، 13/ صفر/ 1405 هـ؛ وانظر: صحيفة (المبلّغ الرسالي)، العدد (27)، (108)، في حديثٍ مع السيّد صدر الدين القبانجي؛ وانظر عموماً: مقابلة مع الشيخ محمّد باقر الناصري (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(2) مقابلة مع السيّد عبد الكريم القزويني (قناة المنار)
(3) الإمام الصدر في أعماله السياسيّة [حركة المجاهدين العراقيين - المكتب الاعلامي] : 8- 9
(4) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق [محمد طاهرالحسيني] : 177، نقلًا عن الشيخ مهدي العطّار (رحمه الله)
(5) الإمام الصدر في أعماله السياسيّة: 9
(6) مستفادٌ ممّا ذكره لي الشيخ محمّد رضا النعماني بتاريخ 21/ 3/ 2005 م؛ وانظر أوّله في: مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (قناة المنار)
(7) ياد .. فصلنامه بنياد تاريخ انقلاب اسلامى ايران، شماره هاى 35، 36، سال نهم: 38- 44
(8) خاطرات آيت الله خاتم يزدى (فارسي): 188- 189
(9) يأتيك موقفه بإذن الله تعالى، فانتظر. وانظر بعض ما يعكس موقفه في: نهضت امام خمينى (فارسي) 2: 810.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 365
نحو الفتور إثر إعلان السيّد موسى الصدر عن أعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله) «1». وقد كلّف السيّد موسى الصدر في إحدى المرّات الدكتور إبراهيم اليزدي بالسفر إلى النجف من أجل محاولة التقريب بين طرفي السيّد الصدر (رحمه الله) والسيّد الخميني (رحمه الله) «2»، وكان السيّد الصدر (رحمه الله) قد شدّد على طلّابه بعدم الردّ بالمثل «3»، كما أنّ السيّد الخميني (رحمه الله) كان كثير التشدّد إزاء الموضوع كما سيأتي.
ومن أمثلة هذا الانعكاس على العلاقة مع السيّد الصدر (رحمه الله) أنّ الدكتور صادق طباطبائي- ابن أخت السيّد موسى الصدر- كان في زيارةٍ إلى النجف الأشرف قادماً من أوروبا، وقد جمعه بالسيّد حميد زيارتي (روحاني) مجلسٌ في منزل الشيخ الكرّوبي- أخي رئيس البرلمان السابق- ضمّ السيّد علي أكبر محتشمي وآخرين، وقد جرى في المجلس حديثٌ عن السيّد الصدر (رحمه الله)، فحمل عليه السيّد حميد روحاني وعلى ابن عمّه السيّد موسى الصدر، واتّهمهما بالعمالة للإمبرياليّة والصهيونيّة، وقد استدلّ على ذلك بأمور:
1- أنّهما لم يطرحا مرجعيّة السيّد الخميني ولم يدعموها، والسيّد الصدر يريد طرح مرجعيّته.
2- أنّهما ضغطا سابقاً على السيّد محسن الحكيم (رحمه الله) للإفتاء بطهارة أهل الكتاب، وهذا ما يفعلانه حاليّاً مع السيّد الخوئي، وهذه الفتوى عبارة عن مطلب إمبريالي.
3- أنّ السيّد الخميني عندما شرع في بحث الحكومة الإسلاميّة لم يبادر السيّد الصدر إلى بحث الموضوع، وإنّما استمرّ في درسه الاعتيادي.
وبعد أن انفضّ المجلس، ذهب الدكتور الطباطبائي إلى منزل السيّد الصدر (رحمه الله)، ولمّا اجتمع به قال له: «لقد علمتُ للتوّ أنّك إمبريالي»، فقال (رحمه الله): «وماذا هناك؟!»، فسرد له ماذا جرى معه، فتبسّم السيّد الصدر (رحمه الله) وقال له: «أمّا أنّنا ضغطنا على السيّد الحكيم والسيّد الخوئي ليفتيا بطهارة أهل الكتاب، فلا أدري هل هذا ذمٌّ لنا أم للمراجع الذين يُمكن أن يفتوا تحت ضغوطات تمارس عليهم؟! وأمّا درس الحكومة الإسلاميّة فإنّهم عندما طبعوا الكرّاسات ووزّعوها على الدروس التي تقام في النجف الأشرف كلّ الدروس رفضتها وطردتهم إلّا درسي، فقد استقبلتهم وشجّعتهم ووزّعتُ الكرّاسات، وقلتُ لطلّابي إنّه عندما ينتهي بحثنا فإنّنا سنبحث الحكومة الإسلاميّة. وأمّا أنّني لم أطرح مرجعيّة السيّد الخميني، فذلك لا يعني أنّني لا أؤيّد مرجعيّته، بل لأنّ السيّد الخوئي أكثر شهرة في العالم الإسلامي والعربي، وأنا أرى الآن أنّ من واجبي الدعوة إلى مرجعيّته، وإلّا فلا شكّ بأنّ السيّد الخميني مرجع». وبعد أن خرج الدكتور الطباطبائي من منزل السيّد الصدر (رحمه الله) ذهب إلى منزل السيّد الخميني (رحمه الله)- حيث كان مقرّراً أن يسجّل له السيّد الخميني (رحمه الله) بياناً أو شيئاً مشابهاً- والتقى به ثمّ قال له: «إذا كنتَ لا تسمح بأن يتحدّث أحدٌ في مجلسك عن العلماء، فكيف تسمح للمحسوبين عليك بالنيل من العلماء
__________________________________________________
(1) حدّثني بذلك السيّد محمّد الغروي بتاريخ 24/ 7/ 2004 م
(2) حدّثني بذلك الأخ أيمن زغيب بتاريخ 6/ 10/ 2004 م نقلًا عن الدكتور إبراهيم يزدي؛ ثمّ أكّده لي الدكتور يزدي نفسه بتاريخ 5/ 7/ 2005 م. وقد صرّح لي أحد المقرّبين من السيّد الصدر (رحمه الله) بأنّ قول السيّد الصدر (رحمه الله) بأعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله) أزعج جهاز السيّد الخميني (رحمه الله) (لم نذكر اسمه لعدم رضاه) (انظر حول العلاقة بينهما أحداث سنة 1385 هـ)
(3) حدّثني بذلك السيّد علي أكبر الحائري بتاريخ 17/ 2/ 2005 م.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 366
واتّهامهم بالعمالة للإمبرياليّة والصهيونيّة؟»، فسأله السيّد الخميني (رحمه الله) عمّا حدث، فقصّ عليه ما كان من أمر السيّد حميد روحاني وموقفه من السيّدين محمّد باقر وموسى الصدر، فظهرت علامات الغضب الشديد على وجه السيّد الخميني (رحمه الله) واعتذر عمّا كان مقرّراً بينهما لأنّ مزاجه لم يعد يسمح له، فخرج الدكتور.
وبعد صلاة المغرب والعشاء كان الدكتور في منزل أحد أصدقائه، ولمّا دخل الشيخ كرّوبي ورآه قال له: «هل حدّثت الإمام بشيء؟»، فقال له: «ولماذا تسأل؟!»، فأجابه: «لقد كان مضطرباً إلى درجة أنّه ولأوّل مرّة صلّى صلاة المغرب أربع ركعات»، فقال له: «لقد ذكرتُ له ما كان من أمر السيّد حميد روحاني». وبعد أيّام قليلة تعرّض السيّد الخميني (رحمه الله) إلى هذه الحادثة في درسه «1»، وممّا جاء في كلامه ما ترجم إلى ما يلي:
«أحد الشبّان الذي كان قد قدم من أوروبا «2» جاء وبقي هنا حوالي الأسبوع، بقي هنا مدّة قصيرة جدّاً، جاء للقائي مرّة أو مرّتين، قال لأحدهم- لم يقل لي أنا، بل قال لأحد الروحانيّين-: حسناً كان أنّ الذي جاء للنجف هو أنا، فأنا ابن أحد العلماء وأستطيع أن أقدّر الموقف، ولو أنّ شخصاً غيري جاء وأبصر هذا الوضع فماذا سيكون ردّ فعله؟
يا للأسف؟! إنّي لا أعلم ما الذي عاينه هذا الطالب الجامعي- الدارس في الخارج- في هذه الحوزة المباركة، وهو ليس روحانيّاً مثلنا، وإن كان أبوه عالماً .. ما الذي رآه خلال هذه الأيّام القلائل؟ وبأي أشخاص اتّصل؟ وما الذي نقله إليه هؤلاء، حتّى جعله- وهو الطالب الغريب عن أجوائنا- أن يبدي أسفه على وضع النجف، ويتساءل عن علّة هذا الوضع؟
... إذا قمتم بتسقيط بعضكم البعض هكذا، وإذا اشتبكت الجامعات العلميّة فيما بينها، وحاولت إحداها تسقيط الأخرى، وقام البعض بقذف البعض الآخر بشائن الألفاظ وفسّقه وكفّره، وثار الهرج، وعمّت الفوضى، إذا حطّمنا أنفسنا بأنفسنا، وقضينا على أنفسنا، فلا يبقى لكلامنا الفاعليّة في ترسيخ الإسلام في المجتمع، ولن نتمكّن من نشر الإسلام.
... أنتم أهل دين ولله الحمد، غير أنّ الدين لا نزاع فيه. إنّ السبب الأساس في كلّ هذا النزاع يعود إلى الدنيا، ويخدع نفسه من يقول: (إنّي صرت في الجبهة الفلانيّة لما اقتضاه منّي التكليف الشرعي)، وإلّا كيف يقتضي التكليف الشرعي من الإنسان أن يوجّه الإهانة للمسلمين؟! أن يوجّه الإهانة للعلماء ولزملائه؟ أهذا تكليف شرعي؟ إنّها الدنيا يا إخوة، وأهواء النفس. لو أنّ الطالب المشغول بتحصيل العلم تقدّم خطوة باتّجاه تهذيب النفس تقارناً مع العلم، لبقيت الحوزات في منأى عن أمثال هذه الأحداث.
... إنّ هذه التحزّبات خطأ وفسق، هذه الممارسات تدمّر الحوزات، كفّوا عن أمثال هذه الأمور الشائنة ...
... كان تكليفي اليوم أن أستعرض هذه الأمور أمامكم، وأن أقوم بإبلاغ السادة المحترمين بما عندي لكي ينتبه الإخوة إلى أنّ تلك الممارسات التي وقعت، أو التي ستقع، لينتبهوا أنّها ستؤدّي إلى ضياع حيثيّة
__________________________________________________
(1) حدّثني بذلك الدكتور صادق طباطبائي بتاريخ 8/ 7/ 2005 م.
(2) يقصد الدكتور صادق الطباطبائي الذي كان يدرس حينها في ألمانيا كما جاء في: [كوثر (فارسي) 204: 1؛ الكوثر 304: 1]، وهو ما أكّده لي الدكتور الطباطبائي.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 367
واعتبار مجتمع بأسره، وشعب بأسره، بل إنّها ستؤدّي إلى ضياع حيثيّة
وهيبة الإسلام كلّه، وسوف تتعرّضون إلى مسألة شديدة إذا لم تهبّوا لمنع وقوع هذه المفاسد .. كفّوا عن هذه الاختلافات الجانبيّة والجزئيّة وأمثالها ممّا هو تافه جدّاً، تافه إلى أقصى حدّ، نحن لا ندرك كم نحن تافهون، نحن تافهون ..» «1».
السيّد الصدر (رحمه الله) يرفض التصدّي للمرجعيّة في هذه المرحلة
بعيد وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله) كان الشيخ علي أصغر المسلمي راجعاً من الكاظميّة، وقد اجتمع في السيّارة بموظّف في الدولة سأله عن إمكانيّة الرجوع في فتوى طهارة أهل الكتاب إلى السيّد الصدر لأنّه مبتلى في عمله بالتعامل معهم والاحتكاك بهم، وسأله: «هل السيّد الصدر مجتهد مطلق؟!»، فأكّد له الشيخ المسلمي على براعته في الفقه والأصول وأضاف: «أمّا بالنسبة إلى استنباطه الفعلي في جميع أبواب الفقه، فهذا ما عليّ سؤال السيّد الصدر عنه».
وفي مجلس السيّد الصدر (رحمه الله) ليالي الخميس قصّ الشيخ المسلمي على السيّد الصدر (رحمه الله) ما جرى وسأله عن كونه مجتهداً مطلقاً، فأجابه السيّد الصدر (رحمه الله): «لقد مارست الاستنباط الفعلي في كافّة أبواب الفقه من الطهارة إلى الديّات»، فقال الشيخ المسلمي: «إنّ هذا الأمر يستغرق نحواً من عشرين عاماً»، فقال السيّد الصدر (رحمه الله): «لقد كتبتُ حاشيتي على بلغة الراغبين قبل ما يقرب من عشرين عاماً»، فقال الشيخ: «ولكنّك في ذلك الوقت كنت تحضر درس السيّد الخوئي»، فأجابه: «عندما حضرت بحث السيّد الخوئي حضرت حضور استشكال لا حضور تفهّم» «2».
وبعد وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله) بدأ الرجوع بالتقليد إلى السيّد الصدر (رحمه الله)، وكان قسمٌ من المثقّفين قد رجع إليه في حياة السيّد الحكيم (رحمه الله) «3»، وكان الشيخ علي كوراني أحد المتحمّسين لمرجعيّة السيّد الصدر (رحمه الله) الذي خشي أن يطرح الشيخ كوراني اسمه في منطقة عمله [وكان يومها في الكويت]،
__________________________________________________
(1) انظر: كوثر (فارسي) 1: 203 - 216؛ الكوثر1 : 303 - 316؛ مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني1 : 31 - 35 (بترجمة أخرى).
أقول: هنا أمران:
الأوّل: جاء في (الكوثر) التي ضمّت مجموعة من خطابات السيّد الخميني (رحمه الله) أنّ الداعي إلى خطبة السيّد الخميني (رحمه الله) هذه هو أنّ أحدهم استنكر «بحدّة سكوت اثنين من المراجع المقيمين في النجف وعدم تقديم العون للجهد الثوري»، ولمّا علم السيّد الخميني (رحمه الله) بذلك حذّر طلّابه وأنصاره [كوثر (فارسي) 1: 201 ؛ الكوثر 1: 301 ]، وفي الوقت نفسه أوردت الكوثر في هامش الخطاب أنّ المقصود من «أحد الشبّان الذي كان قد قدم من أوروبا» هو السيّد صادق الطباطبائي [كوثر (فارسي) 1: 204 ؛ الكوثر 1: 304 ]. إلّا أنّ الدكتور الطباطبائي أكّد لي أنّ ما ذكرته (الكوثر) حول مناسبة الخطاب ليس صحيحاً، وأنّ المنتَقَدين هما السيّد محمّد باقر والسيّد موسى الصدر وليس اثنين من مراجع النجف.
الثاني: أمّا حول تاريخ هذا الخطاب: فقد جاء في (الكوثر) دون تاريخ، إلّا أنّه وضع بين ت 2/ 1965 م وبين أيلول/ 1967 م، بينما وضع من قبل المؤسّسة نفسها بين 1966 م و 1971 م (مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني1 : 31). وقد استقرب الدكتور الطباطبائي أوّل الأمر كونه في أيلول/ 1967 م، ولكن بعد أن ذكرت له أنّ درس السيّد الخميني (رحمه الله) حول ولاية الفقيه- الوارد في كلام السيّد حميد روحاني وفي كلام السيّد الصدر (رحمه الله)- كان سنة 1389 هـ، إضافةً إلى أنّ المفهوم كونه بعد رحيل السيّد الحكيم (رحمه الله)، توقّف في التاريخ، ولكنّه أكّد صحّة المضمون على أيّة حال
(2) مقابلة مع الشيخ علي أصغر المسلمي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(3) مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار).
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 368
فأرسل إليه رسالة يشدّد فيها على أنّ الظروف الموضوعيّة لا تسمح بذلك، وأنّه لا مصلحة فيه، فاقتصر الشيخ كوراني على طرحها ضمن قيادة التنظيم في المنطقة وبعض الناس «1».
كما أنّ قيادة حزب الدعوة ارتأت ترشيحه للمرجعيّة لما يملك من شخصيّة قياديّة، وكان هناك اعتراضٌ من قبل البعض خوفاً من حاشية السيّد الخوئي (رحمه الله) التي كانت علاقتها- وفق المصدر- وثيقةً بالسلطة، ولكنّه أصبح مرجعاً بتصويت الأكثريّة «2».
كما وفد الكثير من الناس من المناطق يطالبونه بالمرجعيّة، فكان يرفض ويقول: «إنّ المرجعيّة هي للسيّد الخوئي». ودار حديثٌ بينه وبين الشيخ سلمان السوداني حول المرجعيّة وطرحها على الناس، وقد تحدّث الشيخ السوداني معه طويلًا. وذات مرّة جاءه السيّد كاظم الحائري وقال: «إنّ السيّد .. يريد أن يأتيك إلى المنزل»، فدار الحديث في بيته مجدّداً حول المرجعيّة وكان يرفض. ففاجأه الشيخ بسؤال: «هل يجوز تقليد غير الأعلم؟»، فقال: «لا»، فقال الشيخ: «إذن هذا الأمر لنا» «3».
وكان بعض العلماء قد طلب من السيّد الصدر (رحمه الله) أن يتصدّى للمرجعيّة، ومنهم السيّد مير محمّد القزويني (رحمه الله) عالم البصرة [الذي كان يرجع إلى السيّد الصدر (رحمه الله) حتّى في أيّام السيّد محسن الحكيم (رحمه الله)] «4»، إلّا أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) رفض ذلك، وأجابه بالرسالة التالية:
_________________________________________________
(1) طريقة حزب الله في العمل الإسلامي [الشيخ علي الكوراني] : 90؛ وهذا النصّ من الشيخ علي كوراني يرجع إلى سنة 1406 هـ. والغريب أنّه ذكر مؤخّراً أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) كان قد طلب- بعد أشهر من وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله)- من قيادة حزب الدعوة تبنّي مرجعيّته ولكنّهم لم يفعلوا، وأصدروا بياناً فصلوا فيه بين منصب الإفتاء وبين منصب القيادة، فاستاء السيّد الصدر (رحمه الله) من ذلك وكتب رسالةً إلى الشيخ كوراني بخط السيّد كاظم الحائري يقول له فيها: إنّه ليس من المصلحة الإعلام عن مرجعيّته (مسائل في البناء الفكري: 9- 11؛ مقابلة مع الشيخ علي كوراني، (قناة المنار)، وهذا لا يكاد ينسجم مع ما ذكره في (طريقة حزب الله) ومع رسالته إلى السيّد مير القزويني، وما اعتمدنا عليه في المتن هو الأكثر وثوقاً لتقدّمه الزمني على القضايا التي تزامنت مع صدور (مسائل في البناء الفكري) ثمّ (مقدّمة الحقّ المبين)
(2) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق: 112، نقلًا عن الشيخ عبد الهادي الفضلي
(3) الشيح سلمان السوداني، ندوة مؤسّسة الأبرار في الذكرى الخامسة والعشرين على استشهاد الشهيد الصدر (على شبكة الإنترنت)
(4) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق: 175، نقلًا عن الشيخ عبد الحليم الزهيري، نقلًا عن السيّد محمود الهاشمي.
|
|
|
|
|