القطار السعودي والخاطف المأزوم
إذا أراد الشعب السعودي أن يقفز إلى الأمام فعليه هو أن يقود العصرنة والتحضر ويدفع بمساحات الحرية للمرأة في كافة المجالات لا أن ينتظر من الملك أو الحكومة أن تكون أكثر منه حداثة.
خارج أسوار القصر الملكي السعودي وقفت ثلة من رجال الدين الملتحفين بعباءاتهم بوجوه عابسة يبدو عليها الضيق، بينما تجولت عدسة هاتف نقال بينهم فسارع بعضهم إلى تغطية ملامحه. قد لا يكون ذلك بسبب الخوف من معرفة هويته كما يفعل بعض الثوار في أماكن أخرى، لكن لإيمانهم بحرمة التصوير وأن الصور قد تتحول إلى أشباح تسومهم العذاب في الآخرة. وقف هؤلاء في صبر طويل يتنسمون صبا نجد وليقولوا لا لدخول المرأة السعودية لمجلس الشورى. خرجوا من حياتهم اليومية المعتادة ليذهبوا إلى قصر الملك عبدالله ويقولون له إننا ضد أن تستشير نساء الوطن في الشأن العام.
لا نستطيع أن نتصور كيف يفكرون ولكن لنا أن نخمن: كانت الحضارة اليونانية الدارسة تؤمن أن مآل الدنيا هو الماضي بل أن المستقبل نفسه هو الماضي وعليك أن تسعى لأن يكون غدك هو الأمس وبعد غدك هو الأول من أمس. هؤلاء أقرب فكريا، وبكثير، إلى حضارة الإغريق الوثنية من الحضارة الإسلامية.
وقفة هؤلاء هي نفسها التي حدثت قبل عقود حين احتجوا على تعليم المرأة وعلى التلغراف والسيارات وتقاطروا على قصر الملك فيصل بنفس الوجوه العابسة والأنفس المأزومة. إن ذكرت لهم عدم جدوى ما يفعلون وأن قطار الحياة محكوم بالحركة إلى الأمام، فرحوا وابتهجوا بأنهم يمثلون الغد ما داموا يقترفون فعل الأمس، كما كان الإغريق.
هؤلاء العابرون خارج الزمن ليست مهمتهم فقط الوقوف ضد التقدم بل يوقنون داخل أنفسهم المنهكة أن الماضي يجب أن يعود بما يعتقدون نقاءه وطهره وبراءته. وهم أشبه بنصارى حركة الآمش الغريبة الأطوار. بل وهم قريبون أيضا من أولئك اليهود الأرثوذكس الذين يلاحقون السيارات المارة بالحجارة أيام السبت المحرم فيه استعمال رجس الكهرباء ووسائط النقل. يشبهون بعضهم البعض لا علاقة لنوع الدين ولا لاسمه ولا لأنبيائه بل العلاقة المهمة هي لفطرة التعصب وكره النساء وازدرائهن والنظر إليهن كما قال أحدهم يوما:
ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة...
هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة.
نظرة المتعصب للمرأة هي نظرة فوقية يعتقد أنه المنتصر والفارض لقوته عليها داخل مجتمع يكافح طرف منه للحصول على حقوقه فيواجه من لا يريد أن يقوى هذا المجتمع بالتكافؤ والمساواة في الحقوق بين جميع مكوناته. يعتمل الخوف من المرأة داخل صدور البعض، وهو مستمد من توزع القوة داخل المجتمع وكما يقول المثل الانجليزي "القوة لمن يحضر الخبز للمنزل".
يستمد الرجل الذي يقف الآن أمام القصر الملكي غاضبا من مشاركة المرأة السعودية في الشأن العام، مرجعية موقفه من نظرته الدونية لها وبأنها لا تقوم بفعل يستحق أن تشارك أو أن تدير شأنا عاما. وينسى هذا أن وجوده في هذا الكون كان عبر إرادة إمرأة وعشقها وعطفها ورعايتها فهي قامت بما هو أكثر أهمية مما يفعله هو طيلة حياته من لغو وجدل وتعصب وتعنت. من حق تلك المرأة التي لم تكتف فقط بإحضار هؤلاء المتعصبين إلى الدنيا بل تعلمت وأصبحت تطببهم وتعلمهم وتثقفهم وتشارك في كل أنحاء العالم في نهضة علمية غير مسبوقة لهذا الوطن.
من المحزن أن نعمل في هذا العصر الذي تسارعت فيه التقنية وأساليب الحياة وتدافعت ليس إلى ما بعد الحداثة بل إلى ما يفوق ذلك من حقوق بشرية وتطور عصري على تدارس حق المرأة في العمل أو المشاركة السياسية لكن ثلة مأزومة من بيننا يعتقدون أنهم يملكون الحقيقة وأن الفضيلة تفصل في معاملهم المتخلفة.
إذا أراد الشعب السعودي أن يقفز إلى الأمام فعليه هو أن يقود العصرنة والتحضر ويدفع بمساحات الحرية للمرأة في كافة المجالات لا أن ينتظر من الملك أو الحكومة أن تكون أكثر منه حداثة.
إن وقوف هؤلاء المتعصبين المرددين:كتب القتل والقتال علينا، وعلى الغانيات جر الذيول، هو وقوف ضد المسلمات الحضارية ومنها دور المرأة في المجتمع.
توقف القطار السعودي في عدة محطات بسبب المتزمتين فلا نتمنى أن يتوقف هذه المرة عند محطة أخرى ليعود أدراجه إلى المحطة الأولى. نريده أن يستمر في طريق التطور دون تأزيم أو دعوات للنكوص الحضاري بل وللارتفاع والسمو ولاحترام حقوق الإنسان وأهمها حقوق المرأة.
وهذا يقودنا أيضا للتمني على الأجنحة السياسية في السعودية أن تكف عن استعمال المرأة كإحدى أوراق اللعب على طاولة تجاذبات السلطة، وللضغط على آل سعود لإبقاء حصة الجناح الإسلاموي من الكعكة الوطنية كبيرة فقد امتلأ المشهد السعودي بعديد من الأجنحة بل حتى أن الإسلاميين أنفسهم تفرقوا شيعا وأحزابا وخلايا نائمة ومستيقظة وملونة بكافة الألوان.
يجب أن تكون البوصلة وطنية وأن يكون للمرأة دور مهم في البحث عن مصالحها وحقوقها فكم من إمرأة بألف رجل وخاصة إذا كان مأزوما ملوثا بثقافة الأسيد والتفكيك الواهن.
بقلم: عبد العزيز الخميس