المرأة في الفضائيات العربية
ما هو نموذج المرأة المطروح في القنوات الفضائية العربية؟
وما هو مضمون الرسالة الإعلامية التي يتبناها المشروع ا العربي؟
استقراء سريع للعروض الفضائية حول المرأة وقضاياها:
مع تطور وسائل الاتصال في العالم و تعدد الفضائيات اتسعت رقعة التواصل بين الأمم والحضارات وتلاقحت الثقافات والمفاهيم والأفكار في العالم وأفرز غول العولمة تغييرات فكرية وثقافية على كل الشعوب ضمن التفافها السريع والاستحواذي على الإنسان فانسخلت المجتمعات عن خصوصيتها في الهوية والملامح بعد أن طالتها رياح التغيير وذابت الفوارق وانحلت قيود التحفظ، فما كان مستهجناً في الأمس أصبح اليوم مستساغاً كواقع، فقد تشبعت الذهنية العربية من ثقافة التسطيح وعروض الفضائيات الهزيلة التي تخلط الغث والسمين، فالعقل الباطن (اللاواعي) يستقبل كل يوم وبكثافة مضطردة برامج الفضائيات المباحة دون رقيب أو حسيب.
والمرأة العربية المسلمة في الفضائيات مستها رياح التغيير بشكل ملموس وواضح فهي ليست ذلك النموذج المتستر بورقة التوت والمنطوي في المضمون تحتاج إلى وقفه استكشافية للمشهد كي يستوعبها المشاهد، إنها الآن ترفل في فضاء مفتوح محمية بقوانين العولمة التي استثمرت أنوثتها في البرامج الفضائية.
ويمكننا حصر أو رصد البرامج التي تسوّق نماذج هزيلة للمرأة عبر الفضائيات العربية ومضامين هذه الرسائل الإعلامية:
أولاً: التسطيح الفكري للمرأة واستفراغ عقلها من أي محتوى ثقافي أو قيمي يمكن أن يبلور شخصيتها كإنسانة ذات هدف ورسالة في الحياة، فتلاحظ البرامج الأسرية هشة وهزيلة تركز على أنوثة المرأة وبشكل مكثف عبر عروض الأزياء والجمال والتجميل وتسويق السلع والخدمات التجميلية عبر المرأة (مكياج، عطور، ثياب، عمليات تجميل.. إلخ) واستخدام نساء فاتنات لهذا الغرض فهي الوسيلة والهدف تدور حول المرأة كرمز جنسي فقط.
ونعلم أن هناك تواطئ بين صناع الجمال كأصحاب دور الأزياء وملاك شركات المكياج والعطور ومشفيات التجميل بكل أصنافها وشركات النخاسة التي تبيع وتشتري الحسان اليافعات وأساليبها عبر الفضائيات من خلال (عروض الأزياء) (ملكة الجمال) (ملكة جمال البطيخ)، (ملكة المايوهات) واستقطاب الشركات العملاقة لرعاية هذه البرامج في سياق هذا المشروع المربح، ولهذا وبفضل العروض السخية تتسابق الفتيات الجميلات إلى توظيف أجسداهن في عروض الأزياء، أو الدعاية والإعلان، أو فتيات غلاف، ملكات جمال.. إلخ، وهذا بالمجمل يعني تسليع المرأة.
العقل العربي يأخذ النمط الاستهلاكي بتلقي ساذج لكل الصور الحسية المبهرة والتي فاقت في تأثيرها على الثقافة الوعظية المتحفظة التي تجلده بلاءات الحرام والممنوع، الصراع هنا قد يأخذ حالة من التمزق النفسي ما بين الجذب والرفض، القبول والاستنكار، بيد أن الدفق اليومي السيال لهذه الصور ما أبقت لعقله رؤية نقدية أمام هجمة إعلامية شرسة غيبت وعيه وسطحت تفكيره وحسرت الخطاب الأخلاقي والديني في نطاق المسجد ودور العبادة دون التمدد في قنوات الإعلام الضخمة. هذا المشروع استقطب النساء والفتيات واستحوذهن فرحن يتشبهن بالفنانات والمذيعات والعارضات ويطمحن إلى هذه المقاييس الخارقة حتى لو ا ضطررن المغامرة بأنفسهن حماقة واندفاعاً دون تفكير فانتشرت عمليات التجميل والشد والشفط والنفخ وغيرها من وسائل التجميل التجارية.
ثانياً: رموز الجمال المثيرة التي لعب الإعلام المسيس دوراً في ضخها عبر ماكنته العملاقة وآلياته االذكية ليتشبع ذهن المشاهد بهذه النماذج وبشكل راسخ وبمقتضى التعود التراكمي. اللون الصاخب من الجمال وفي القالب الشهواني وعبر الطلة المغرية والإيماءات الموحية بالغواية والصوت الممغنط بمواء قطة مغناج وبرمجة الذوق العام على هذا النمط وبمقاييس تعجيزية تضع المرأة في فخ القلق والمستحيل وتترك الرجل في حالة من الابتزاز الغرائزي، ونلاحظ استفراغ جيوب النساء وسعارهن اللاهث خلف سراب جمال استنزف وعيهن وسلبهن السلام الداخلي وأشعل في بيوتهن توتراً واضطراباً وخلق حالة من الشك في أزواجهن، الأمان المفقود في العلاقة الزوجية والخوف من خيانة الرجل الحقيقية أو الوهمية في الخيال، فصور الجمال تتجدد وبشكل سريع تجعل من الصعب التحكم بالمزاج والذوق.
ثالثاً: المسلسلات العربية والخليجية على وجه الخصوص قدمت نماذج سلبية من النساء تمثلت بالآتِ:
1- امرأة متسلطة، مسيطرة على الزوج ومتحكمة في الأسرة (اختلال الأدوار).
2- عاشقة لعوب تقفز على قلوب عشاقها بعبث واستهتار، فتكريسها كنموذج جميل وجذاب للعب دور البطولة والمؤثر على قيم الشابات المراهقات.
3- امرأة مادية ذات أطماع ومطامع تؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة.
4- إبراز صورة مغلوطة عن المرأة المثقفة فتظهر في المسلسلات قبيحة، مسترجلة، ينفر منها الرجال، وهي في الغالب إما عانس أو مطلقة قد تركت فيها العقد النفسية ميلاً إلى الجدية الثقيلة الخالية من الأنوثة والدلال.
5- الدعايات والإعلانات لنموذج فنانات ذات طلة مبتذلة وتغذية عقل المتلقي اللاواعي في اتجاه هذا الذوق تحت عناوين الجمال المثير والجاذبية والفتنة.
فانفتاحنا على العالم وتلاقح الأفكار والثقافات قلب المعادلات والموازين فتغيرت الذائقة ومعايير الجمال فأصبحت ذات نمط حسي بحت، إذ ألغيت قيم الروح والعفّة والأخلاق تماما وأثر ذلك على الشباب في اختيارهم لشريكة حياتهم المقبلة والقائم على مقاييس مادية سطحية تنتهي في الغالب بالطلاقً.
إذن المرأة في الفضائيات أشبه بالسلعة الجذابة تم توظيفها لأغراض مادية نفعيّة، فالإعلام جنّد آلياته لتمييعها وسلب هويتها باستلاب تدريجي، وفي سياق دراسات علمية دقيقة قام بها خبراء في علم الاجتماع والنفس وهي تدخل في نطاق التسويق والاستثمار والربح.
ولست من أنصار نظرية المؤامرة لكن أعتقد أننا حينما نفتقد الحصانة العقائدية والفكرية سيفتك بنا أي ميكروب ينخر في هويتنا ويدمر منظومتنا الاجتماعية.
ولهذا تبقى المرأة الحلقة الأضعف ضمن هذا المشروع التدميري الذي أدركنا تداعياته السلبية على مختلف الأصعدة، فهي الوسيلة والهدف في آنٍ واحد.
مقال للأديبة بجريدة (الراي الكويتية)
خولة القزويني