فاطمة (عليها السلام) واحدة من الاربعة عشر معصوماً الذين يتميزون جميعاً بالقدرات الفنية.
بالرغم من أن فاطمة (عليها السلام) توفيت ولها ثماني عشرة سنة، فان النصوص المؤرخة تشير الى انها - مثل سائر المعصومين (عليهم السلام)- توفرت على القاء وتدوين ما يرتبط بمبادىء الشريعة الاسلامية، وأنها (عليها السلام) في لقاءاتها مع العنصر النسوي كانت تتكفل بالاجابة على أسئلتهن وانها بعامة، اثر عنها من النصوص ما يفصح عن شخصيتها العلمية والادبية... ولعل النماذج التي نقلها المؤرخون بالنسبة الى النصوص الخطابية التي ارتجلتها، تفصح بوضوح عن الطابع الادبي المحكم في خطاباتها... فهناك خطبتان مأثورتان عن فاطمة (عليها السلام) فيما ارتجلت اولاهما بمحضر من النساء بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، والأخرى ارتجلتها بمحضر من شخصيات المهاجرين والانصار... ويحسن بنا أن نعرض لفقرات من ذلك، لنتبين السمات الفنية لهذه الخطب ... تقول (عليها السلام) في الخطبة الاولى:
«اصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لأفون الرأي، وخطل القول، واللعب بعد الجد، وقرع الصفاة وصدع القناة، وخطل الآراء، وزلل الأهواء... وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة: لردهم (أي: الامام علي (عليه السلام) ) اليها وحملهم عليها، وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه اليه رسول الله لاعتقله، ولسار بهم سيراً سجحاً.. ولأوردهم منهلاً نميراً، صافياً روياً، فضفاضاً: تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً واعلاناً، ولم يكن يتحلى من الغني بطائل... غير ري الناهل وشبعة الكافل ... الخ».(1)
وتقول (عليها السلام) في الخطبة الاخرى، حيث استهلتها:
«الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام نعم أولاها، جل عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد الى الخلائق بأجزالها، وثنى بالندب الى أمثالها، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له: كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وانار في التفكر معقولها، الممتنع من الابصار رؤيته، ومن الالسن صفته، ومن الاوهام كيفيته، ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها.. كونها بقدرته، وذرأها بمشيته من غير حاجة منه الى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها الا تثبيتاً لحكمته وتنبيهاً على طاعته... واشهد أن ابي محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، .. ابتعثه الله تعالى اتماماً لأمره، وعزيمة على امضاء حكمه، وانفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الامم فرقاً في اديانها عكفاً على نيرانها عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله تعالى بأبي محمد (صلى الله عليه وآله) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الابصار غممها...
انتم عباد الله نصب امره ونهيه، وحماة دينه ووحيه، وامناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه الى الامم... فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتاً للاخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة، وامامتنا اماناً من الفرقة، والجهاد عزاً للاسلام وذلاً لأهل الكفر والنفاق، والصبر معونة على استيجاب الاجر، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الارحام منسأة في العمر، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس...
ايها الناس: اعلموا اني فاطمة وابي محمد (صلى الله عليه وآله) اقول عوداً وبدءاً، ولا اقول ما اقول غلطاً، ولا افعل شططاً (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)...» (2).
*******