علماء السنة لا تصح الإمامة إلا لواحد في جميع أرض الإسلام فما حكم الحكام الباقين ؟؟؟؟
بتاريخ : 21-07-2012 الساعة : 10:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل ِعلى محمد وال محمد
علماء السنة لا تصح الإمامة إلا لواحد في جميع أرض الإسلام فما حكم الحكام الباقين ؟؟؟؟
علماء أهل السنة قد أكَّدوا في مصنفاتهم على أن نصب الإمام في كل عصر واجب على المسلمين كافة ، بل جعلوه من أعظم الواجبات الدينية التي لا يسع المسلمين تركها أو التهاون في المبادرة إليها.
قال الإيجي في المواقف : نصب الإمام عندنا واجب علينا سمعاً...
وقال : انه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على امتناع خلو الوقت عن إمام ، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته : « ألا إن محمداً قد مات ، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به » ، فبادر الكل إلى قبوله ، وتركوا له أهم الأشياء ، وهو دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متَّبع في كل عصر... (المواقف ، ص395. والإيجي عاش بين سنة 700هـ وسنة 756هـ. ).
---------------------------------------------
وقال الماوردي : وعقدها ـ أي الإمامة ـ لمن يقوم بها في الأمَّة واجب بالإجماع (الأحكام السلطانية ، ص29.).
---------------------------------------
وقال ابن حجر : قال النووي : أجمعوا على أنه يجب نصب خليفة ، وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل (فتح الباري 13|176.).
--------------------------------------------------------------
وقال التفتازاني : نصب الإمام واجب على الخلق سمعاً عندنا وعند عامة المعتزلة (شرح المقاصد 5|235).
----------------------------------------------------------------------
وقال ابن حزم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على وجوب الإمامة ، وأنه لا يحل بقاء ليلة دون بيعة ( الفصل في الملل والأهواء والنحل 4|169.).
وقال : لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لإمام بيعة (المحلى 8|420.).
إلى غير ذلك مما يطول ذكره (راجع إن شئت كلام ابن حزم في الفصل في الملل 4|149 ، والبغدادي في الفرق بين الفرق ، ص349.).
------------------------------------------------------------------
ومع كل ذلك فإن أهل السنة بعد عصر الخلافة عندهم أطبقوا على ترك هذا الواجب ، بل تركوا الخوض في هذه المسألة وتجنبوا البحث فيها من قريب أو بعيد ، فلا نرى منهم اهتماماً بالبحث في هذا الأمر مع عظم أهميته ، حتى تركه من تعرض لشرح تلك الأحاديث وقابله بالإعراض والإهمال الشديدين (خذ مثالاً على ذلك الإمام النووي الذي شرح صحيح مسلم ، فإنه لم يعلق بحرف واحد على حديث ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) ، راجع صحيح مسلم بشرح النووي 12|240 ، مع أن النووي توفي سنة 676هـ بعد سقوط الخلافة ).
ولعل السبب في ذلك خشية علماء أهل السنة من سخط حكّام عصرهم إذا نفوا عنهم أهليتهم لإمامة المسلمين ، وخوفهم من العامة ،وحذرهم من تخطئة كل أهل السنة في ترك أمر مهم واجب لا ينبغي تركه.
والأحاديث المروية في هذه المسألة كثيرة ، وإليك بعضاً منها :
حديث من مات وليس في عنقه بيعة :
أخرج مسلم في صحيحه ، والبيهقي في السنن ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ، والألباني في السلسلة الصحيحة وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية (صحيح مسلم 3|1478 كتاب الإمارة ، باب 13 ، ح58 ، السنن الكبرى 8|156 ، مجمع الزوائد 5|218 ، مشكاة المصابيح 2|1088 ح3674 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة 2|715 ح984.).
وأخرج أحمد في المسند ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، وأبو داود الطيالسي في مسنده ، وابن حبان في صحيحه ، وأبو نعيم في حليته ، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم ، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : مَن مات بغير إمام مات ميتة جاهلية (مسند أحمد 4|96 ، مجمع الزوائد 5|218 ، مسند الطيالسي ، ص259 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7|49 ، حلية الأولياء 3|224 ، كنز العمال 1|103 ح464 ، 6|65 ح14863).
وفي رواية أخرجها الهيثمي وابن أبي عاصم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية (مجمع الزوائد 5|224 ، 225 ، كتاب السنة ، ص489 ح1057 ، قال الألباني : إسناده حسن ورجاله ثقات ... ).
وفي رواية أخرى : من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية (مسند أحمد 3|446 ، كنز العمال 6|65 ح14861 ، كتاب السنة ، ص490 ح1058 ، المطالب العالية 2|228.).
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم : من مات : فيه إشعار إلى أن بيعة إمام المسلمين الحق ينبغي المبادرة إليها وعدم إهمالها أو التهاون فيها خشية مباغتة الموت والوقوع في الهلاك.
قوله صلى الله : عليه وآله وسلم وليس في عنقه بيعة : أي ولم تكن بيعة ملازمة له لا تنفك عنه ، كما في قوله تعالى ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ). فلا يجوز نقض بيعة إمام الحق ولا النكث عنها. ولأجل الدلالة على اللزوم لم يعبِّر بـ ( من مات ولم يبايع إماماً... ).
والبيعة : هي المعاقدة والمعاهدة على السمع والطاعة ، ولعلها مأخوذة من البيع ، فكأن من بايع الإمام قد باع نفسه للإمام ، وأعطاه طاعته وسمعه ونصرته.
وعليه فلا تقع البيعة إلا مع الإمام الحاضر الحي ، دون الإمام الغابر الميت ، لأن الميت لا تتحقق معه المعاهدة ، واعتقاد إمامة الأئمة الماضين لا يستلزم تحقق البيعة لهم.
وقوله : لإمام : يدل على أنه لا يجوز مبايعة أكثر من إمام واحد في عصر واحد ، وهذا مما اتفقت عليه كلمة المسلمين ودلَّت عليه الأحاديث الصحيحة عند الفريقين.
فمما ورد من طرق أهل السنة ما أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (صحيح مسلم 3|1480 كتاب الإمارة ، باب 15 ح61 ، السنن الكبرى 8|144).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : … وستكون خلفاء فتكثر. قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول (صحيح مسلم 3|1471 كتاب الإمارة ، باب 10 ح44.).
قال النووي : في هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى هذا الحديث : إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها ، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول [ أم ] جاهلين ، وسواء كانا في بلدين أو بلد ، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره ، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء... واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد ، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا () صحيح مسلم بشرح النووي 12|231.).
وقال البغدادي : وقالوا ـ أي أهل السنة ـ : لا تصح الإمامة إلا لواحد في جميع أرض الإسلام (الفرق بين الفرق ، ص350.).
ونصَّ على ذلك أيضاً ابن حزم (الفصل في الملل والأهواء والنحل 4|150. المحلى 8|422.)
والماوردي (الأحكام السلطانية ، ص37)
والتفتازاني (شرح المقاصد 5|233.) وغيرهم.
وقوله : مات ميتة جاهلية : ميتة على وزن فِعْلة ، وهو اسم هيئة ، والمعنى : مات كميتة أهل الجاهلية.
قال النووي : أي على صفة موتهم من حيث هي فوضى لا إمام لهم (المصدر السابق 12|238. ).
أقول : لعل تشبيه موت من ترك بيعة إمام الزمان بميتة أهل الجاهلية من حيث أن ترك تلك البيعة يستلزم ترك متابعة إمام الحق ، ويؤدي إلى متابعة أئمة الجور ، وهذا مسبِّب للوقوع في الضلال ، فتكون حاله حال أهل الجاهلية الذين يموتون على ضلال.