بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ظلامات الشيعة.. من هنا كانت البداية !
بين الفترة والأخرى تصبّ على أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم في العراق مأساة جديدة تمضّ القلوب وتصدع النفوس، فمن قتل الأبرياء وهتك الأعراض إلى الاعتداء على حرمة المقدّسات والتجاوز على العقائد حتى صار الشيعي يقتل على الهوية والاسم.
كل ذلك يجري والعالم ينظر ويرى ولا ينبس ببنت شفة، والمؤلم حقّاً أن كثيراً من الشيعة في العالم لزموا الصمت إزاء ما يجري على إخوانهم في العراق مما يثير الدهشة والتعجّب وذلك إما جهلاً منهم أو خشية من سطوة السلطات الجائرة أو لعدم مبالاتهم بما يجري على إخوانهم الشيعة في العراق.
وحقيقة مثل هذا السكوت والوجوم عند الشيعة وعظم ما يجري عليهم من مآسٍ وويلات في مختلف أنحاء العالم وعلى مرّ العصور هو الذي دفعني إلى كتابة هذه البحوث واستعراض هذه الظلامات التي جرت على أتباع آل الرسول الأطهار صلوات الله عليهم عبر التأريخ، فأقلّ شيء يمكن أن نقوم به إزاء هذه المآسي هو التظلّم والسعي لإيصال صوت مظلوميتنا إلى العالم علنا نوفق لرفع هذه الغمة عن محبّي مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مختلف أنحاء العالم.
الجدير بالذكر أنني لم أجد من تصدّى واستقصى وجمع في بحث مستقل ظلامة الشيعة، بل كل من كتب أشار إلى بعض الظلامات المتفرقة في بعض العصور وحسب، فمن كلام للعلاّمة المحقّق السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه (صراع الحرية في عصر المفيد) حول الظلامات التي جرت في عهد الشيخ المفيد قدّس سرّه الشريف، قال:كنا نرغب لو يفسح لنا المجال لكتابة كل ما جرى على الشيعة من مصائب وبلايا، وكوارث ورزايا، طيلة القرون التي خلت، ولكن من الواضح أن ذلك بالإضافة إلى أنه يستغرق عدّة مجلّدات، فإنه يحتاج إلى توفّر تامّ، وجهد كبير، الأمر الذي يحتّم علينا الاعتذار عن التصدّي لمثل هذا الأمر فعلا (1).
وقال المحقّق المرحوم الشيخ فارس الحسون في كتابه (المجازر والتعصّبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد): ولا يشك الناظر في التاريخ أن لشيعة أهل البيت صلوات الله عليهم اليد الطولى في ارتقاء الدرجات العليا في أكثر المجالات، وبهذا بيّضوا صفحات التاريخ ونوّروها.
ولا يشك أيضا فيما جرى على هذه الفرقة على مرور الزمان من مصائب وقتل وحرق وإبعاد، وهذا ضريبة ولائهم لأهل بيت نبيّهم صلوات الله عليهم أجمعين.
والتاريخ قبال الشيعة وقف وقفة تخاذل وإجحاف، فالصفحات المشرقة بدّلها بصفحات مظلمة، ونقلها إلى المجتمع مع تزوير وبهتان!
والمنصف من المؤرخين من نقل شيئاً يسيراً من الحقائق مع الغمز والتشكيك فيها.
ومنذ مدة غير قريبة عزمنا على تأليف كتاب يجمع بين دفتيه ما جرى على الشيعة من مصائب وطرد وإباحة، من الصدر الأول إلى يومنا الحاضر، سواء في ذلك من قبل الحكام أم الناس (2).
ومن المؤسف أيضاً أنه لم يوفّق هو الآخر لكتابة هذا البحث علما أنني كنت أدعوه لتكملة بحثه حول ظلامة الشيعة في عهد الشيخ المفيد ويكتب ظلامتهم في سائر العصور، إلا أنه كان يعتذر عن ذلك بكثرة المشاغل التي منعته عن مواصلة هذا الموضوع المهم.
من هنا وجدت من الضروري والواجب عليّ أن أتصدى لكتابة هذا البحث الذي يمثل صرخة وتظلّماً لما جرى ويجري على الشيعة منذ عهد مولى الموحّدين وإمام المتقين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى العصور المتأخرة، داعياً أهل الانصاف والفكر إلى التأمّل في هذه الظلامة والسعي إلى نشرها في العالم علّنا نرفع شيئاً منها ونخفّف العبء عن كاهل الشيعة المستضعفين الذين ذاقوا الويلات على مرّ العصور.
من هم الشيعة؟
قبل أن نخوض غمار البحث ونشرع ببيان الظلامات التي جرت على الشيعة ينبغي لنا أن نبيّن عدّة مطالب منها من هم الشيعة، ثم نستعرض مآسيهم، ويكفينا في ذلك أن نرجع إلى حديث سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الذي هو أوّل من سمّى الشيعة بهذا الاسم حيث ورد في تفسير السيوطي (الدر المنثور) في تفسير قوله تعالى: «أولئك هم خير البريّة» عن جابر بن عبدالله أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل عليّ صلوات الله عليه؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريّة» (3).
وفي اللغة: شيعة الرجل أتباعه وأنصاره (4).
وقال الأزهري: معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً ... والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وآله ويوالونهم (5).
وقال النوبختي في كتاب (الفرق والمقالات): جميع أصول الفرق أربع فرق: الشيعة، والمعتزلة، والمرجئة، والخوارج، فالشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمَّون بشيعة عليّ في زمان النبي صلى الله عليه وآله وما بعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمّار بن ياسر، ومن وافق مودّته مودّةَ عليّ صلوات الله عليه؛ وهم أوّل من سمّي باسم التشيع من هذه الأمة، لأن اسم التشيع قديماً لشيعة إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين (6).
وقد تظافرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم؛ باسم الشيعة وكثر مدحهم لهم ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله؛ لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: ياعلي إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحجزة الله تعالى، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدُك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يؤمر بنا (7)؟
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنا وشيعتي يوم القيامة على منابر من نور، فيمرّ علينا الملائكة ويسلّم علينا، قال: فيقولون: من هذا الرجل ومن هؤلاء؟ فيقال لهم: هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ النبي، فيقال: من هؤلاء؟ قال: فيقال لهم: هؤلاء شيعته.
قال: أين النبي العربي وابن عمه؟
فيقولون: هما عند العرش، قال: فينادي مناد من السماء عند ربّ العزّة: ياعليّ ادخل الجنة أنت وشيعتك لا حساب عليك ولا عليهم، فيدخلون الجنة ويتنعمون فيها من فواكه ويلبسون السندس والإستبرق وما لم تر عين، فيقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزَن إن ربنا لغفور شكور (8).
وقال صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين صلوات الله عليه:... وإن شيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم حولي، أشفع ويكونون غداً في الجنة جيراني (9).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في مدح الشيعة وبيان صفاتهم ومنازلهم من أهل البيت صلوات الله عليهم.
بالطبع المراد بالشيعة في بحثنا هذا أعمّ من الشيعة الوارد في بعض الأخبار التي خصّت الشيعة بالخُلّص من صحابة أهل البيت صلوات الله عليهم أمثال سلمان المحمّدي ومقداد وعمّار، بل مرادنا منهم كل من والى أهل البيت صلوات الله عليهم.
بيان لمنهجية البحث
بما أن أصل الظلامة التي صُبّت على الشيعة يعود لولائهم لأمير المؤمنين صلوات الله عليهم ـ أوّل مظلوم في العالم ـ فإننا سنشرع ببيان الظلامة بتوضيح ظلامته واستعراض بعض ما لاقاه صلوات الله عليه من ظلامات تذيب القلوب حسرة وتحرق النفوس ألماً، ثم نسترسل ببيان سائر الظلامات التي صُبّت أولاً وبالذات على ذريّة أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذين دفعوا ضريبة انتمائهم للإمام عليّ صلوات الله عليه، ثم ننتقل إلى ظلامات الشيعة الذين لاقوا أمرّ الجور جراء ولائهم ومحبّتهم ليعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين الإمام عليّ عليه آلاف الصلوات والسلام.
دفع توهّم
ربما يعترض البعض على البحث ويقول: ما الداعي إلى تحريك الأحاسيس وزرع الضغائن وبثّ الخلافات والأحقاد جرّاء قضايا أكل الدهر عليها وشرب، فنحن أبناء اليوم، والشيعة في عصرنا الحاضر يتمتعون بحقوقهم وحرياتهم كسائر أهل العقائد والملل، ولا داعي إلى مثل هذه البحوث التي تأجّج نيران الأحقاد بين المسلمين.
وفي ردّ مثل هذا التوهّم نقول:صحيح أن بعض الشيعة اليوم حالهم أفضل مما كانوا عليه في العهود السابقة، إلاّ أن شريحة كبيرة منهم مازالوا مضطهدين مشردين، ومايجري في العراق خير شاهد لذلك.
من جانب آخر عرض هكذا ظلامات إنما هو لبيان كيفية تعامل الحكّام وغيرهم مع أمة طالما مدحها رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم في أحاديثهم ونصّوا على فضائلهم ومناقبهم.
إضافة إلى ذلك نفس بيان الظلامة مطلوب في ذاته لما فيه من امتدادات تنعكس على الواقع الراهن والمستقبل وكشف الحقائق واثبات الحقّ وتقييم الآخرين وجذب أحاسيسهم، فاليهود اليوم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على مآساة مفتراة ليس لها من الواقع أية نسبة، بينما الشيعة الذين لا يسَعُ أحداً إنكار ظلامتهم لا تجد من يشير إلى ظلامتهم أصلاً.
من هنا فقد توكّلنا على الباري تعالى في بيان ظلامة الشيعة وماجرى عليهم من مآسٍ مبتدئين بحثنا ببيان أصل الظلامة وهي الظلامة التي صبّت على إمام الشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليهما، وهذا ما سنتعرّض إليه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
====
المصادر:
1) صراع الحرية في عصر المفيد ص42.
2) المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد ص21ـ22.
3) الدر المنثور ج8 ص589.
4) راجع القاموس المحيط مادة شاع ج3 ص61.
5) تهذيب اللغة مادة شيع.
6) الفرق والمقالات ص43.
7) ربيع الأبرار ج2 ص113.
8) تفسير فرات الكوفي ص349.
9) بحار الأنوار ج37 ص272.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
وقفة مع كتّاب التاريخ !
كنّا قد وعدنا فيما سبق أن نذكر أصل ظلامة أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم وأساسها وهي محبّتهم للإمام أمير المؤمنين وذريّته الأطهار صلوات الله عليهم، وأن نبدء ببيان الظلامة الكبيرة التي لاقاها الإمام عليّ صلوات الله عليه، ولكن وقبل الشروع في ذلك ينبغي أن نقف وقفة عابرة عند صفحات التاريخ ونشير إلى حقيقة بالغة في الأهمية ألا وهي ضياع معظم الحقائق التاريخية، ودور كثير من المؤرخين في ذلك، وكيف أن كثيراً من الظلامات ضاعت وغمرت وأكل عليها الدهر وشرب جراء تحيّز المؤرخين إلى الحكام وخوفهم من ذكر الحقائق وتدوينها.
فمن كلام للعلاّمة شرف الدين قدّس سرّه في كتابه (صلح الإمام الحسن سلام الله عليه) قال: وقد خسر تاريخ هؤلاء الشيعة إنصاف المؤرّخين بعد ذلك، ولعب التعصّب الذميم دوره المهم في طمس معالم هذا التاريخ أحفل ما يكون بالقضايا البارزة التي كان من حقّها أن تأخذ مكانها من عبرة الأجيال. وكان للسلطات الحاكمة عملها في توجيه ما يكتب للتاريخ أو يملى للحديث، حتى فيما يتناول أئمة الشيعة فضلاً عن زعمائهم أو سوادهم.
روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا، قال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرّبا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم ! (1) .
وقال المدائني عن عصر معاوية: وظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القرّاء المراؤون، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجلسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حقّ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها (2) .
وقال ابن أبي الحديد: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي. . أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ [صلوات الله عليه]، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة. ومن التابعين عروة بن الزبير (3).
وقال العلاّمة الشيخ محمد رضا المظفر قدّس سرّه في كتابه (السقيفة) حول تأثير العقيدة على المؤرخ: من أشقّ الفروض على المؤرّخ أن ينفض عن ردائه غبار التعصّب لنزعاته الشخصية من دينية أو قومية أو وطنية ونحوها. بل لعله من شبه المستحيل أن ينزع من قلمه لحاء عقائده وأهوائه. فإن النفس تلهم عقل صاحبها التصديق بميولها وعواطفها، وكثيراً ما تقف سدّاً منيعاً بين بصيص عقله والحقيقة، وإن حاول أن يخرج من نفسيته التي ورثها ونشأ عليها، ويتحلّل فكره من أسرها وسجنها ليحلق في جو الحقّ الطليق. وإذا رأيت طائراً أسعده الحظ فتحرّر من سجنه فالحقه إذا كنت حرّاً مثله، فستجد أن جناحه مثقل السجن، وأرجله لا تزال متأثّرة بالقيود، فيختلج في رفيفه ويتثاقل في طيرانه، وقد يهوي أحياناً إلى الهوة غير مختار. هذا من حاول أن يتحرّر من شخصيته الاعتقادية وتأثيرها عليه. أما من يؤرّخ لأجل غذاء عقيدته، أو يؤلّف إرضاء نفسه أو محيطه، فاقرأه ألف سلام! وأرجو من الله تعالى أن يوفّقني لئلا أكونه. وأظنني غير مبالغ إذا قلت: إنّ المؤرخين من السلف على الأكثر ـ وأقول على الأكثر إذا أردت الاحتياط في القول ـ كانوا من النوع الثاني. بل حتى المؤرّخين في عصرنا لا يخرجون عن هذه الطريقة على الغالب. وإن تظاهروا بحرية الرأي وإنصاف الواقع والحقّ، فظهر جليّاً بالرغم على المؤرّخ نزعته على قلمه ويتماشى تأريخه وتأليفه مع الروح التي يحملها، فيختار من الأحاديث ما لا يفسد عليه رأيه، ولا يصدق إلاّ بما يجري على هواه. فكم يكون الرجل عنده كذّاباً وضّاعاً، لأنه نقل ما لا يتفق ومبادءه، وكم يكون ثقة صدوقاً لأنه لم يرو إلا أحاديث تؤيّد طريقته (4).
وقال العلاّمة المحقّق السيد جعفر مرتضى العاملي في هذا المجال: ولكننا في الوقت الذي نملك فيه أغنى تاريخ عرفته أمة، لا نملك من كتب التاريخ والتراث ما نستطيع أن نعوّل عليه في إعطاء صورة كاملة وشاملة ودقيقة عن كل ما سلف من أحداث، لأن أكثر ما كتب منه تتحكم فيه النظرة الضيقة، ويهيمن عليه التعصّب والهوى المذهبي، ويسير في اتجاه التزلف للحكام.. إن ما لدينا هو في الأكثر تاريخ الحكام والسلاطين، وحتى تاريخ الحكام هذا، فإنه قد جاء مشوّهاً وممسوخاً، ولا يستطيع أن يعكس بأمانة وحيَدَة الصورة الحقيقية لحياتهم ولتصرفاتهم ومواقفهم، لأن المؤرّخ كان لا يسجّل إلاّ ما يتوافق مع هوى الحاكم، وينسجم ميوله، ويخدم مصالحه، مهما كان ذلك مخالفاً للواقع، ولما يعتقده المؤرّخ نفسه ويميل إليه.
ومن هنا فإننا لا نفاجأ إذا رأينا المؤرّخ يهتمّ بأمور تافهة وحقيرة، فيسهب القول في وصف مجلس شراب، أو منادمة لأمير أو حاكم، أو يختلق أحداثاً أو شخصيات لا وجود لها، ثم يهمل أحداثاً خطيرة، أو يتجاهل شخصيات لها مكانتها وأثرها العميق في التاريخ، وفي الأمة (5).
نعم لقد كان لباعة الضمير الدور الكبير في تشويه الحقائق وتزييف التاريخ، حتى بلغ بهم الأمر أنهم للحصول على المزيد من الدراهم والدنانير أخذوا يختلقون الأحاديث وينسبونها تارة للنبي وأخرى لأحد الصحابة وثالثة لنفسه، وقد صرّح بذلك ابن تيمية على تعصّبه، فقال في منهاجه: وطائفة وضعوا لمعاوية فضائل، ورووا أحاديث عن النبي [صلى الله عليه آله] في ذلك كلها كذب (6).
وقال العيني في (عمدة القاري): فإن قلت: قد ورد في فضله يعني معاوية أحاديث كثيرة، قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث صحيح يصح من طرق الإسناد (7).
وقال حماد بن زيد: وضعت الزنادقة على رسول الله [صلى الله عليه وآله]أربعة عشر ألف حديث (8).
وذكر ابن عدي في (الكامل) عند ذكر عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي قتل في زمن المهدي العباسي، وانه أخذ لتضرب عنقه قال: وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّل فيها الحرام (9).
وقال العقيلي في (الضعفاء الكبير) بسنده عن غندر، قال: رأيت شعبة راكباً على حمار، فقيل له: أين تريد يا أبا بسطام؟ قال: أذهب أستعدي على هذا يعني جعفر بن زبير وضع على رسول الله [صلى الله عليه وآله] أربعمائة حديثاً كذباً (10).
بل وكما في التاريخ أن المهدي العباسي المغرم بلعب الحَمام دفع عشرة آلاف درهم إلى من يصحّح له لعبه بدليل من السنّة يضعه له فقيه، فزاره غياث بن إبراهيم وروى له قول النبي [صلى الله عليه وآله]: لا سبق إلاّ في خف أو حافر أو جناح، بإضافة لفظ الجناح إلى الحديث الشريف ليصحّح له لعبته ويحظى بالجائزة.
وقد أقرّ المهدي نفسه كذب هذا الوضّاع، فقال بعد رحيله: أشهد أن قفاك قفا كذّاب على رسول الله [صلى الله عليه وآله]، ما قال رسول الله [صلى الله عليه وآله] جناح، ولكنه أراد أن يتقرّب إلينا (11).
و لمن أراد الإطلاع أكثر على نماذج كهذه فليراجع كتاب (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) و (الموضوعات) لابن الجوزي والذي لخّصه السيوطي في كتابه (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة).
وقفة مع مؤرّخي الشيعة
أمّا مؤرّخي الشيعة فإن كثيراً منهم وللأسف الشديد لم يوفّقوا لكتابة تاريخهم إما تقية من جور الحكام الذين كانوا يتعقبونهم ويترصدونهم، أو أنهم كتبوا ولكن مصنفاتهم تلفت مع التراث الشيعي العظيم الذي أتلف وهو الأرجح، وكشاهد على إتلاف التراث الشيعي ننقل مانقله ابن الجوزي في المنتظم في أحداث سنى 420 قال: وحوّل السلطان محود الغزنوي من الكتب خمسين حملاً ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنها أحرقت تحت جذوع المصلوبين إذ كانت أصول البدع (12).
كما أحرقت مكتبة الصاحب بن عبّاد التي قال عنها أبو الحسن البيهقي: وجدت فهرست تلك الكتب عشر مجلّدات، فإن السلطان محمود لما ورد الري قيل له: إن هذه الكتب كتب الروافض وأهل البدع فاستخرج منها كل ما كان في علم الكلام وأمر بحرقه (13).
وقد غالى الأيوبيون في القضاء على كل أثر للشيعة، فبعد انقراض دولة الفاطميين ألقي بعضها في النار، والبعض الآخر في النيل، وترك بعضها في الصحراء فسفت عليها الرياح حتى صارت تلالاً عرفت بتلال الكتب، واتخذ العبيد من جلودها نعالاً (14).
وفي عهد طغرلبك السلجوقي أحرقت كتب الشيخ الطوسي في رحبة جامع النصر، كما أحرقت مكتبة بيت الحكمة التي أسّسها سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن بويه وكانت من أغنى دور الكتب في عاصمة العباسيين والتي قال عنها ياقوت: لم يكن في الدنيا أحسن منها وكانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة. وأصولهم المحررة (15).
وقد احترقت عند ورود طغرلبك أول ملوك السلاجقة لأنها كانت خاصة بالشيعة (16).
و قال ابن كثير في حوادث سنة 416 في ترجمة سابور بن أردشير: كان كثير الخير سليم الخاطر إذا سمع المؤذن لا يشغله شيء عن الصلاة وقد وقّف دارا للعلم في سنة 381 ه وجعل فيها كتباً كثيرة جدا ووقّف عليها غلة كبيرة فبقيت سبعين سنة ثم أحرقت عند مجيء طغرل في سنة 450 ه وكانت في محلة بين السورين (17).
وقال الحموي لدى ترجمته لمحلة ما بين السورين في كتابه معجم البلدان: بين السورين، اسم لمحلة كبيرة كانت بالكرخ وبها كانت خزانة الكتب التي وقّفها وزير بهاء الدولة ولم تكن في الدنيا أحسن كتباً منها كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحرّرة واحترقت في ما أحرق من محال الكرخ عند ورود طغرل بك أول ملوك السلجوقية لبغداد (18).
وقال ابن كثير أيضاً في ترجمة الشيخ أبي جعفر الطوسي من حوادث سنة 460 ه: أحرقت داره بالكرخ وكتبه سنة 448 ه.
وفعل أكثر من ذلك مع مخازن كتب الخلفاء الفاطميين بمصر كما ذكره المقريزي لدى ذكره للخزانات التي كانت في قصر الفاطميين، فقال عن خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا: ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر ويقال: إنها كانت تشمل ألف وستمائة ألف كتاب، وقال قبلها؛ أخذ جلودها عبيدهم وإماؤهم برسم عمل ما يلبسونه في أرجلها وأحرق ورقها تأولاً منهم أنها خرجت من قصر السلطان وأن فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم سوى ما غرق وتلف وحمل إلى سائر الأقطار وبقي منها ما لم يحرق وسفت عليه الرياح التراب فصارت تلالاً باقية إلى اليوم في نواحي آثار تعرف بتلال الكتب (19).
وقد فعل أكثر من ذلك مع خزائن كتب الخلفاء الفاطميين بمصر عند استيلاء صلاح الدين على الحكم.
وعلى كل فإننا سنفرد لظلامة إتلاف التراث الشيعي بحثاً مستقلاً بحول الله في المستقبل، ولكننا نقول: إن هذا ليس غريب على الشيعة الذين ألفوا ظلامات كهذه، منذ ضاع الحق وزوي عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم حيث أحرقت دار العلم وتركوا باب مدينة العلم جليس الدار حتى أنهم استغنوا عن قرآنه الذي خطه بيده المباركة.
وقد تعلّم الأمويون والعباسيون ممن سبقوهم وصاروا يؤكّدون على سياسة إحراق التراث بشدة، وكشاهد على ذلك لا بأس أن ننقل ما ذكره ابن سعد في طبقاته، قال: وروى الزبير بن بكار أن سليمان بن عبد الملك في زمان ولايته للعهد مر بالمدينة حاجّاً، وأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سير النبي [صلى الله عليه وآله] ومغازيه فقال أبان: هي عندي أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر عشرة من الكتاب بنسخها فكتبوها في رق، فلما صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين يقصد بيعة الأنصار في العقبتين الأولى والثانية وذكر الأنصار في بدر، فقال سليمان: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل فأما أن يكون أهل بيتي أي الخلفاء الأمويين غمصوا عليهم، وأما أن يكونوا ليس هكذا، فقال أبان بن عثمان: أيها الأمير! لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم يقصد الخليفة عثمان من خذلانه، أن نقول الحق. هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا. قال سليمان: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين يقصد والده عبد الملك لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فحرق، ولما رجع أخبر أباه بما كان فقال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل تعرف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها، قال سليمان: فلذلك أمرت بتحريق ما نسخته حتى أستطلع رأي أمير المؤمنين فصوب رأي (20).
خلاصة القول إن مؤرّخي الشيعة رغم ظروفهم الحالكة لم يقصروا عن حفظ التراث وتدوينه، ولكن محاربة الحكومات الجائرة عبر التاريخ لهذا التراث وتحريضهم للمتزلفين كي يكتبوا المزيفات ويدونوها كتاريخ يتناقل للأجيال عبر العصور ضيّقا علينا خناق العثور على الحقائق المهمة، ولو أردنا ذكر الشواهد على حرص الشيعة في حفظ التراث لطال المقام بنا، ولكن يكفي في ذلك مراجعة كتب التراجم وكتابي (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) للطهراني و (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام) للسيد حسن الصدر.
وبالرغم من ذلك كله ولكي نوصل الظلامة للعالم الأكبر فإننا سنتصيد ما بين السطور ونجمع الفلتتات والشقشقات التي بدرت من المؤرخين لنعكس صور المظلومية التي صبّت على الشيعة على مرّ التاريخ.
====
المصادر:
1) شرح نهج البلاعة ج3 ص15.
2) المصدر نفسه.
3) شرح نهج البلاغة ج4 ص63/ وصلح الإمام الحسن/ص325.
4) السقيفة ص16-17.
5) الصحيح من سيرة النبي الأعظم’ج1ص10-11.
6) منهاج السنة ج2 ص207.
7) عمدة القاري ج16 ص248.
8) الموضوعات لابن الجوزي ج1 ص38.
9) ميزان الاعتدال ج2 ص644.
10) ضعفاء العقيلي ج1 ص118.
11) تاريخ بغداد ج12 ص220.
12) المنتظم ج4 ص349.
13) معجم الأدباء ج6 ص259.
14) تاريخ التمدن الإسلامي ج3 ص410.
15) معجم البلدان ج1 ص534 مادة بين السورين.
16) راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج7 ص193.
17) البداية والنهاية ج12 ص24.
18) معجم البلدان ج1 ص534.
19) خطط المقريزي ج2ص255.
20) أخبار الموفقيات ص332-334.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أصل الظلامة !
لا يخفى أنّ أصل ظلامة الشيعة هو لولائهم للإمام عليّ وأبنائه الأطهار سلام الله عليهم، لذا حريّ بنا قبل أن نستعرض ظلامات الشيعة ومآسيهم أن نسلّط الأضواء على أساس الظلامة وعمدتها وهي ظلامة يعسوب الدين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليهما.
لماذا ظلموا أميرالمؤمنين سلام الله عليه؟
يبقى مثل هذا السؤال كحجر عثرة يعرقل كل من يريد معرفة الحقائق في التاريخ، فلا يدعه يميّز بين الحقّ والباطل إلا بعد أن يطلّع على الأسباب الحقيقية التي دعت القوم إلى ظلم الإمام علي سلام الله عليه.
وكل باحث ما لم يجب على هذا السؤال فإنه يبقى يتخبط تخبط العميان من غير أن يصل إلى ساحل الأمان، ولذا فإننا سنتعرض إلى بعض الدواعي التي قادت القوم إلى ظلم أمير المؤمنين سلام الله عليه، ومنها:
1. أحقاد دفينة: لا يشك أحد أن الذين ظلموا الإمام أمير المؤمنين أو ساهموا في ظلامته دفعتهم الأحقاد الدفينة التي خلّفها الإمام سلام الله عليه في قلوبهم أيام الحروب الإسلامية، ولذا قال النبي لأمير المؤمنين سلام الله عليه: إذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم يتمالئون عليك ويمنعونك حقك. عيون أخبار الرضا سلام الله عليه ج1 ص72.
ونحن نقرأ في دعاء الندبة: فاودع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن. بحار الأنوار ج99 ص106.
بل إن الأحقاد الدفينة التي كانت في قلوب القوم ضد رسول الله صلى الله عليه وآله أفروغها على أمير المؤمنين سلام الله عليه حتى قال: كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله أظهرته فيّ وستظهره في ولدي من بعدي. شرح النهج للمعتزلي ج20 ص328 الحكم المنسوبة لأمير المؤمنين سلام الله عليه.
بالطبع لم يستطع القوم إبان حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أن يكشفوا حقيقتهم وواقعهم بل انتظروا حتى استشهد صلى الله عليه وآله، فكشفوا عن واقعهم واستضعفوه حتى بلغ الأمر به أنه كان يقصد قبر النبي صلى الله عليه وآله ويقول: يابن أمّ إن القوم اسضعفوني وكادوا أن يقتلوني.كتاب الأربعين للقمي الشيرازي ص160.
ولو أردنا استعراض الشواهد الدالة على حقد القوم لطال بنا المقام، ولكننا نذكر بعضها باختصار، ومنها:
أن ابن عمر قال لأمير المؤمنين سلام الله عليه: كيف تحبّك قريش وقد قتلت في يوم بدر وأُحد من ساداتهم سبعين سيداً تشرب أنوفهم الماء قبل شفاهم. مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص21.
ونُسب إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه أنه قال:
ما تركت بدر لنا مذيقاً ولا لنا من خلقنا طريقاً
وسئل الإمام زين العابدين سلام الله عليه وابن عباس أيضاً: لم أبغضت قريش عليّاً؟
قال: لأنه أورد أوّلهم النار، وقلّد آخرهم العار. المناقب ج3 ص21.
علي بن الحسن بن علي بن النفال عن أبيه عن أبي الحسن سلام الله عليه قال: سألته عن أمير المؤمنين سلام الله عليه كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال : إنما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله؛ لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم؛ المحادين لله ولرسوله عدداً كثيراً، فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم؛ فلم يحبوا أن يتولى عليهم، ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك؛ لأنه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما كان له، فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه. علل الشرائع ج1 ص146.
وعن محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر النيسابوري بنيسابور قال: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن محمود يقول: سمعت إبراهيم بن محمد ابن سفيان يقول: إنما كانت عداوة أحمد بن حنبل مع علي بن أبي طالب سلام الله عليهما أن جدّه ذا الثدية الذي قتله علي بن أبي طالب سلام الله عليهما يوم النهروان وإن كان رئيس الخوارج. علل الشرائع ج2ص467.
وقال ابن أبي الحديد في أوضاع الشيعة: وولّى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض عليّ وموالاة أعدائه وموالاة من يدّعي من الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من الغض من عليّ سلام الله عليه وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى إن انساناً وقف للحجّاج ويقال انه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب - فصاح به: أيها الأمير إن أهلي عقّوني فسمّوني عليّاً وإني فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجّاج وقال للطف: ما توسّلت به قد وليّتك موضع كذا. شرح النهج ج11 ص46. وروى أبو عثمان: أن قوماً من بنى أمية قالوا لمعاوية: إنك قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل- أي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه-، فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلاً. شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص57.
وعن ابن أبي الحديد قال: فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس وعشرين سنة، وفي دون هذه المدة تنسى الأحقاد وتموت التراث وتبرد الأكباد الحامية وتسلو القلوب الواجدة ويعدم قرن من الناس، ويوجد قرن، ولا يبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلا الأقل. فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمّه صلى الله عليه وآله من إظهار ما في النفوس وهيجان ما في القلوب حتى أن الأخلاف من قريش والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله، وتقاعست عن بلوغ شأنه. شرح النهج ج11 ص114.
وقال أيضاً: إن قريشاً كلها كانت تبغضه أشدّ البغض إلى أن قال: ولست ألوم العرب، ولا سيما قريشاً في بغضها له، وانحرافها عنه، فإنه وترها وسفك دماءها. وكشف القناع في منابذتها ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم. شرح النهج ج13 ص299.
2. الحسد: فقد حسد القوم أمير المؤمنين سلام الله عليه على ما أولاه الله عزّ وجلّ من الفضل والكرامة، ولذا أخذوا ينتقمون منه ومن ذرّيته ومواليه عبر العصور المختلفة، فذات يوم خطب أبو الهيثم بن التيهان بين يدي أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: " إن حسد قريش إياك على وجهين، أما خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ، وارتفاع الدرجة: وأما شرارهم فحسدوك حسداً انغل القلوب، وأحبط الأعمال، وذلك أنهم رأوا عليك نعمة قدمك إليها الحظ، وأخّرهم عنها الحرمان؟ فلم يرضوا أن يلحقوك حتى طلبوا يسبقوك، فبعدت والله عليهم الغاية، وأسقط المضمار: فلما تقدمتهم بالسبق، وعجزوا عن اللحاق بك بلغوا منك ما رأيت، وكنت والله أحق قريش بشكر قريش. الأوائل ص150.
وفي شرح نهج البلاغة للمعتزلي في تفسير قوله تعالى: «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» أنها أنزلت في عليّ سلام الله عليه وما خصّ به من العلم. شرح النهج ج7 ص220.
وقال المعتزلي الحنفي: إن قريشاً اجتمعت على حربه منذ بويع، بغضاً له وحسداً، وحقداً عليه: فأصفقوا كلهم يداً واحدة على شقاقه وحربه، كما كانت في ابتداء الإسلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله لم تخرم حاله من حاله أبداً. شرح النهج ج16 ص151.
وقال أيضاً: وانحراف قوم آخرين عنه- أي أمير المؤمنين سلام الله عليه- للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله لشدة اختصاصه له وتعظيمه إياه، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالة على رفعة شأنه وعلو مكانه، وما اختص به من مصاهرته وأخوته، ونحو ذلك من أحواله. وتنكّر قوم آخرين له: لنسبتهم إليه العجب والتيه - كما زعموا - واحتقاره العرب، واستصغاره الناس كما عددوه عليه، وإن كانوا عندنا كاذبين ولكنه قول قيل، وأمر ذكر. شرح النهج ج11 ص113.
3. عليّ صاحب الحقّ: كان القوم يعلمون جيداً أنّ الإمام عليَّ بن أبي طالب سلام الله عليه أولى منهم برسول الله صلى الله عليه وآله، وهو الخليفة من بعده، وقد صرّح بذلك كثير منهم، ولكن مع ذلك فقد أصرّوا على تنحيته وإقصائه عن منصبه الإلهي، وحرصوا على ظلمه كي لا يطالب بحقّه.
فمن كلام لعثمان بن عفان لابن عباس: لقد علمت أن الأمر لكم، ولكن قومكم دفعوكم عنه. شرح النهج ج9 ص9.
وقال عمر لابن عباس: إن عليّاً لأحق الناس بها، ولكن قريشاً لا تحتمله. تاريخ اليعقوبي ج2 ص159.
وعن ابن عباس: قال لي عمر: من أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد. قال: كيف خلّفت ابنَ عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر. قلت: خلفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعنِ ذلك، إنما عنيتُ عظيمكم أهلَ البيت، قلت: خلّفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان، وهو يقرأ القرآن. قال: يا عبد الله، عليك دماء البُدن إن كتمتنيها! هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة. قلت: نعم، قال: أيزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله نصّ عليه؟ قلت: نعم وأزيدك. سألت أبي عما يدعيه فقال: صدق. فقال عمر: لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمره ذرو من قول لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً. ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما. ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، لا وربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبداً. ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها. فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه. فأمسك وأبى الله إلا إمضاء ما حتم. شرح النهج للمعتزلي ج12 ص20.
4. الجهل المطبق: طائفة كبيرة من الناس ساهموا في ظلم أمير المؤمنين سلام الله عليه لجهلهم المطبق به وبمقامه حيث لم يعرفوا عن علي بن أبي طالب سلام الله عليهما إلا ما أملاه عليهم أعداؤه ومناوئوه ممّن استغلّوا جهلهم وحركوه ضدّه.
فكثير من أهل الشام حرّضهم معاوية ضدّ أمير المؤمنين سلام الله عليه مستغلّاً جهلهم المفرط وتعصّبهم الشديد، ويشهد لذلك أنّ رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن صفّين، فتعلّق به رجل من دمشق، فقال: هذه ناقتي أخذت منّي بصفين. فارتفع أمرهما إلى معاوية وأقام الدمشقي خمسين رجلاً بينة يشهدون أنها ناقته فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إليه، فقال الكوفي: أصلحك الله إنه جمل وليس بناقة. فقال معاوية: هذا حكم قد مضى، ودسّ إلى الكوفي بعد تفرّقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره فدفع إليه ضعفه وبرَّه وأحسن إليه وقال له: أبلغ عليّاً أني أقابله بمائة ألف ما فيهم من يفرّق بين الناقة والجمل. مروج الذهب ج2 ص72.
وعن شدّاد بن عمار، قال: دخلتُ على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا علياً فشتموه، فشتمته، فلما قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرجل؟ قلت: رأيت القوم شتموه فشتمته معهم. فقال: الا أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: بلى. قال: أتيت فاطمة سلام الله عليها، أسألها عن عليّ فقالت: توجّه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فجلست، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه علي وحسن وحسين، كل واحد منهما آخذ بيده، حتى دخل فأدنى عليّاً، وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ منهما على فخذه، ثم لفَّ عليهم ثوبه أو كساءً، ثم تلا هذه الآية: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحقّ. تفسير الثعلبي ج8 ص43.
5. التضليل الإعلامي: فقد ركزّ أعداء أمير المؤمنين سلام الله عليه على هذا الجانب بشدة، حتى خدعوا الناس وشوّهوا صورة الإمام علي سلام الله عليه عندهم، ونسبوا إليه أموراً هو منها بريء. قال أبو جعفر الإسكافي: وقد رُوي أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ـ وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد»، وأنّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله»، فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل، وروى ذلك. شرح النهج ج4 ص73.
وقال أبو جعفر أيضاً: إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين، على رواية أخبار قبيحة في عليّ سلام الله عليه تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يُرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعروة بن الزبير. شرح النهج ج4 ص63.
وروي أن شاباً من معسكر معاوية أنشد :
أنا ابن أرباب الملوك غسان والدائن اليوم بدين عثمان
نبأنا قراؤنا بما كان أن عليّاً قتل ابن عفان
وظل الشاب يشتم ويلعن، فلقيه هاشم بن عتبة وكان من أصحاب علي فقال له: يا هذا إن الموقف وما أردت به. قال: فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي، وأنتم لا تصلون أيضاً. وأقاتلكم لأن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم ساعدتموه على قتله، فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان، إنما قتله أصحاب محمد وأبناء الصحابة وقراء الناس، حين أحدث الأحداث وخالف حكم الكتاب!! وهم أهل الدين وأولى بالنظر في أمور الناس منك ومن أصحابك... وأما قولك إن صاحبنا لا يصلّي، فهو أول من صلّى، وأفقه خلق الله في دين الله، وأولى بالرسول، وأما كل من ترى معي فكلهم قارئ لكتاب الله، لا ينام الليل تهجّداً، فلا يغوينك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون.
فقال له الفتى: يا عبد الله إني أظنك امرءاً صالحاً فتخبرني، هل تجد لي من توبة؟ قال هاشم: نعم يا عبد الله تب إلى الله يتب عليك فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويحب المتطهرين. فرجع الفتى. فقال له أهل الشام: خدعك العراقي، خدعك العراقي. قال: لا ولكن نصح لي. تاريخ الطبري ج4 ص30.
6. الصرامة في الحقّ: كان أمير المؤمنين سلام الله عليه شديداً في الحقّ لا تأخذه في الله لومة لائم؛ مما خلق الكثير من المناوئيين والمبغضين، يقول ابن أبي الحديد عن ابن عباس: أنّ عليّاً سلام الله عليه خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوّج به النساء، وفرّق في البلدان لرددته إلى حاله، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحقّ فالجور عليه أضيق.
قال الكلبي: ثم أمر سلام الله عليه بكلّ سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوّى به على المسلمين فقبض..، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، وبالكفّ عن جميع أمواله التي وجدت في داره وغير داره، وأمر أن ترجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيب أو أصيب أصحابها، فبلغ ذلك عمرو بن العاص وكان بأيلة من أرض الشام أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها فكتب إلى معاوية: ما كنت صانعاً فاصنع إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها. شرح النهج للمعتزلي ج8 ص269.
وقال صالح الكشفي الحنفي: كان أمير المؤمنين علي سلام الله عليه دخل ليلة في بيت المال يكتب قسمة الأموال، فورد عليه طلحة والزبير، فأطفأ سلام الله عليه السراج الذي بين يديه، وأمر بإحضار سراج آخر من بيته، فسألاه عن ذلك فقال سلام الله عليه: كان زيته من بيت المال، لا ينبغي أن نصاحبكم في ضوئه. شرح احقاق الحق ج8 ص539.
مجمل هذه الأمور جعلت الناس يتآزرون على ظلم أمير المؤمنين سلام الله عليه والنيل منه بشتى الطرق، لكن وبالرغم من عظم كيدهم إلا أن نجم الإمام عليّ سلام الله عليه بقي متألّقاً سامياً يسطع لعشّاقه على مرّ الزمان.
والله سبحانه وتعالى وعد المظلومين ان يورثهم الارض
لا اتذكر الاية القرانية جيدا لكن لو كان للسنة عقل لتفكروا في الاية الكريمة التي ذكرت ايراث الارض للمؤمنين الذين استُظلموا
لوجدوا ان الشيعة مظلومين من أي ناحية تنظر اليها وهم مظلومون من قبل السنة
القتل على الهوية والسب والشتم في جميع انواحي العالم والانترنت و القتل الذي حدث في البحرين التي ساهمت فيه السعودية
حيث قتلوا المتظاهرين الشيعة!
لماذا لا احد ذكر مذبحة البحرين؟ لماذا لا يوجد عقوبات للذين قتلوهم؟؟
ولماذا لم يفعلوا شيءً لمتظاهرين سوريا؟؟ حيث ان الحكومة السوريه فعلت مثل البحرين وقتلت المتظاهرين لكن العالم كله وقف ضد الحكومة بسبب ذلك ولا احد ذكر شيعة البحرين؟
لكن لا حياء لمن تنادي
يا رب عجل فرج الامام الحجة بن الحسن
ان الارض قد مُلئت ظلم و جورا
دولة الاسلام انشاء الله قريبة