|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 68721
|
الإنتساب : Oct 2011
|
المشاركات : 97
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
القضاء و القدر .. بقلم الاستاذ العلامة فاضل البديري
بتاريخ : 19-11-2011 الساعة : 08:41 PM
مسألة كلامية في القضاء والقدر:
وجه الينا بعض اعزائنا من فضلاء الحوزة العليمة التماساً بشرح واضح وعميق لمسالة القضاء والقدر حيث ذكروا ان الأفهام قد اختلطت عليهم، وتكالبت الألسنة والصياغات، فأجبتهم الى ذلك صاغراً والى رحمة ربي راجيا وبزكاة العلم منفقاً، وعلى الله متوكلاً، وقلت ما مختصره وعميقه:
ان مسألة القضاء والقدر من أمهات مسائل علم الكلام وهي من صغريات مسألة الجبر والاختيار، كما عن بعض المحققين، لأن القضاء والقدر أوسع دائرة من الجبر والإختيار، فالقضاء والقدر جاريان في كل موجود ممكن قاطبة انساناً كان أم غير انسان، بينما مسألة الجبر والاختيار دائرتها مختصة بالافعال الصادرة من الانسان فقط، نعم : هناك ارتباط وثيق وشديد بين المسألتين.
ففي مسألة القضاء والقدر يكون الكلام فيها من حيث ان كل موجودات عالم الامكان من جهتها الامكانية الافتقارية تستمد كل شيء من هبة الله القيوم، ومن تلك الافاضة الإلهية الواجبية للواجب الحق سبحانه وتعالى على مخلوقاته، ومن هنا فما من شيء من موجودات عالم الامكان الاّ وهو حاصل بتقدير وقضاء الملك الديان، فهذه هي قضية الافتقارية للموجود الممكن التي هي عين الامكان.
ومسألة الجبر والاختيار في الحقيقة هي مسألة متفرعة على مسألة القضاء والقدر وليست هي هي ولا من صغرياتها وهذا التفريع والإرتباط بينهما جاء مما يلي:حيث نقول: ان الانسان بما هو موجود ممكن لا يمكن ان يستقل بفعل كل شيء لوحده ومن ذاته، لأنه مفتقر دائما الى فيض واجب الوجود عليه، فكل ما فيه مستمد من هبة المولى القيوم، فيأتي الكلام في انه اذا تعلقت ارادة الله بالفعل الانساني هل تعني صدور ذلك الفعل من الإنسان بالاجبار والالجاء ام لا؟
فنقول: ان الحق الحقيق بالتصديق وقضية النظر الدقيق ان الإرادة الالهية الواجبية بالفعل الانساني لم تتعلق به كيفما كان، بل تعلقت به بشرط الاختيار وبشرط لا عن حيث الاجبار والاضطرار، أي تعلقت به من بشرط ان يأتي الانسان بالفعل باختياره وليس باجبار من الله، ومن هنا تعرف السر في مختارنا من شدة الترابط والتداخل بين من مسألتي القضاء والقدر والجبر والاختيار.
واما بالنسبة الى المعنى الفلسفي للقضاء والقدر: فلا ريب ان محققي الفلاسفة يقصدون بالقضاء هو العلم الاجمالي للواجب تعالى بجملة الموجودات وهو علم فاعلي عنائي وهو عين ذاته تعالى، واما القدر فهو العلم التفصيلي بتلك الموجودات وهو عين الوجود العيني للموجودات نفسها، واما ما زعم الكثير من الفلاسفة من ان القضاء هو خلق الصادر الاول وأن القدر هو خلق بقية العقول على ما تمثله نظرية الفيض العقلي، فهو مسلك باطل جداً لأنه يتنافى مع فاعليته تعالى على الإطلاق، وهو الفاعل بالذات كما هو بين بادنى التفات، فذلك الادعاء هو عين التعطيل لفاعليته المطلقة.
واما بالنسبة الى معنى القضاء والقدر في القرآن الكريم : فلا ريب ان القضاء في القرآن الكريم بمعنى الحكم اللازم الجازم سواء كان تكوينياً او تشريعياً، اما التكويني فيمثله قوله تعالى (اذا قضى الله أمراً فإنّما يقول له كن فيكون) واما التشريعي فما جاء في قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فهوحكم تشريعي بلا ريب وليس بتكويني لوضوح كثرة المتخلفين عن عبادة الله سبحانه وتعالى وعن معاملة الوالدين بالاحسان.
واما القدر فهو بمعنى تعيين المقدار وتحديده ، وهو اما تكويناً نحو قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) أي ان العطاء التكويني منه تعالى يكون بمقادير محدودة مضبوطة بضابطة المصلحة التي يلحظها المولى بنظره اللطفي الاحاطي العنائي بمخلوقاته، والقدر التشريعي هو تقدير وتحديد لمصب الحكم التشريعي كقوله تعالى (وعلى الموسع قدره وعلى المعسر قدره) فهو تقدير تكليف المعسر بما يناسبه والموسر بما يناسبه كما في مثل في متعة النساء المطلقات اللاتي لم يفرض لهن مهر معين كما في الآية الشريفة، فاذن اتضح معنى القضاء التشريعي والقدر التشريعي.
واما القضاء والقدر بالمعنى التكويني فان الالزام التكويني والتقدير التكويني يأتيان مما تفرضه الحقائق الكونية من افتقار كل معلول الى علته التامة وان الممكن مالم يجب لم يوجد، وان العلة الموجدة للمعلول كما تؤثر في أصل وجوده فانها تؤثر في حدود وجوده وتقديره، واعتبر في المثال : فيما لو ضربت الزجاج بالحجر ، فانكسر الزجاج بالحجر، فنقول: اصل حدوث الانكسار بتأثير الحجر هو القضاء، واما مقدار الانكسار ودرجته وحدوده الآتي من حجم الحجر وشدة الاصابة فهو القدر.
فاذن الموجودات الكونية كلها خاضعة لقوانين العلية فاذن هي مشمولة بالقضاء والقدر، وما توهمه بعض محققي الأشاعرة من ان ذلك لازمه الجبر هو توهم مردود ، لان الايجاب الغيري الآتي من ناحية الإرادة الإلهية الواجبية على الفعل الانساني قد انصب على الفعل بما هو اختياري صارد من الإنسان ومن هذا الحيث فقط لا غير، وبشرط لا عن حيث الإلجاء والاجبار.
ومن جميل الكلام في هذا المقام ما قاله الفخر الرازي وجملة من المحققين السنة والشيعة بما رواه الاصبغ بن نباتة (ان امير المؤمنين (عليه السلام) عدل من حائط مائل الى حائط آخر، فقيل له يا امير المؤمنين تفر من قضاء الله؟ قال (عليه السلام) افر من قضاء الله الى قدر الله عز وجل) فان امير المؤمنين (عليه السلام) اراد ان يوضح لهذا السائل، ان القضاء هو ان سقوط هذا الحائط على أي رجل يوجب قتله او جرحه، وان القدر هو ان ذلك مشروط بعدم إعمال الانسان وتفعيله لاختياره وفراره من ذلك الحائط الى حائط آخر، او افهامه بأن القضاء التكويني بموجبية سقوط الحائط للقتل او الجرح، لا يعني جواز البقاء تحت ذلك الجدار المائل شرعاً، فالقدر التشريعي هو ان تبتعد عما فيه مظنة الهلكة ما امكنك ذلك، والسائل لم يفهم هذا كله فأراد الامام (عليه السلام) افهامه وافهامنا، ولولا علي لهلكت جميع الامة، ومن دفع الشبهات غير علي (عليه كل السلام)؟؟ وكما قال ابن ابي الحديد المعتزلي:
بل أنت في يوم القيامة حاكم في العالمين وشافع ومشفع
وكما ذكره العلامة التفتازاني نقلا عن الشيخ الذي أجابه الامام عن ما سأله من مسائل:
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من أمرنا ما كان ملتبساً جزاك ربّك بالاحسان احسانا
فاذا كنت قد فهمت قولي الدقيق العميق فالحمد لله رب العالمين، وان لم تفهمه فذره في سنبله، وما كان هذا ليكون الا بفضله تعالى ومنته علي أنه كان بي رحيماً،
(فاضل البديري 22ذي الحجة 1432هـ).
|
|
|
|
|