هذا السيستاني يعود إلى مدرسه تقليديه ابتعدت عن الممارسه اليوميه للسياسه ، وظلت تراقب الوضع عن بعد ولا تتدخل . لكنها عندما ترفع يدها ، معترضه على سلوك الحاكم، فمعنى ذلك ان الأمر قد تجاوز حدا لايمكن السكوت معه ، واذا وجد ان الامر لاجدي معه رفع الصوت ، او ان صوته احيانا يكون غير مسموع ، فيحني رأسه للعاصفه وينكفئ ليحافظ على ماتبقى له من قوة ، لذلك فهو يمارس اقسى درجات الضبط في حديثه وفي رأيه ،لئلا يفسر كلامه على نحو لايريده.
ولكنه عندما يتكلم في الشأن العام فإنه يتكلم احيانا في عموميات تستطيع ان تجد لها تفاسير مختلفه ليبقي لنفسه منفذا يخرج منه . وهذه الرماديه في القول انقذت هذه المدرسه من بطش الحكام وتربصهم لأن ينزلوا ضربه قاضيه بهم .
هذا السيستاني الذي لا يقبل ان يتم تصويره، ولا يخرج على الملأ ليخاطب العموم او كما يسمونهم العوام ، يبقي هذا الغموض صنو حركته ، وسكوته صنو حديثه ، اعطاه قوه إضافيه لم تمنح لأولئك الذي يظهرون ويتحدثون عبر الشاشات الصغيره
هذا السيستاني امتنع عن الخروج لعتبة بيته احتجاجا على المحتل الذي قدم العراق. ورفض ان يلتقي ممثل المحتل حتى دقائق معدوده عاده ما يلتقي بها زواره ،فأشاع نمطا جديدا في مفهوم المقاومه وهي المقاومه المدنيه التي استعار فيها من ( المهاتما غاندي ) الذي يعجبه نموذج مقاومته للأنكليز في توجيه الشيعه في العراق لمقاومة محتل لم يفهم ثقافة شعب عريق ، اجتمعت فيه كثير من مقومات الحضاره.
وقد ظل يكرر على زائريه : اسألوا جنود هذا المحتل متى تغادرون ارضنا ؟ في موازنه متعقله وحكيمه وواعيه، توازن متطلبات مقاومه الأحتلال او الأنزلاق لفوضى اقتتال لا تعرف نهاياته وسط عدم تكافئ في القوه .
هذا الذي يبدو صامتا ، تفاجأ ان تم نقل القتال اليه والى مدينته التي يعتبرها الشيعه عاصمتهم الروحيه ، لوجود زوج فاطمه ع وابن عم الرسول ص في جنباتها ، ووجود انبياء الله ادم ونوح وهود وصالح ع وفيها اكبر مقبره في العالم يحرص الشيعه على ان يناموا نومتهم الابديه تحت ترانها لينجوا من حساب القبر.
ودارت رحى قتال لا يبقى ولايذر ، بين الشيعه من المواطنين وحكومتهم التي عرضت عضلاتها ، والسيستاني يحزم حقائبه ليصلح شريانا انغلق في قلبه ، وليس له إلا لندن لتفتح له هذا الشريان ، وعين امتلأت بماء ابيض لم يعد يرى بها واضطر ان يغادر النجف التي بدأ بها الحريق ، مما فتح شهية تأويلات خصبه عن سبب هذا السفر ، لم يرق اي منها الى كبد الحقيقه التي آلمه ان يسمعها وهو يدخل لغرفة العمليات.
وفتح عينيه بعدها يسأل من حوله عن النجف وعن العراق ومتى يستطيع العوده اليها ما دام خرج من تلك الغرفه ، وجلس في داره متواضعه بعيده عن الانظار والعيون ، يرى عبر شاشه صغيره لهيب نار تقترب من ذلك الحرم العلوي الذي كان سبب قدومه للعراق ، ويطلب من بغداد ان تحترمه ولا تجتاحه ، وان تصبغ ارضه بالدم .
وانتظر اياما وليالي يبدوا من خارج ذلك البيت وكأنه ساكت لا يكترث .
وعندما فحصه الطبيب اخر مره سأله : هل سأعود اليك ثانيه ؟
فقال له كلا ، بل ترتاح في بيتك
وعندها قال اريد الرجوع
وفورا وبدون تردد وبقرار كان قلبه في ليل لا ينام منه إلا سويعات قليله ، ويحسب فيه كيف ينقذ ما يمكن انقاذه .
واراد ان يكون رجوعه صرخه مدويه ، وصوتا يجمع فيه الفقرآء الذين طحنهم الموت اليومي ، ويقف زحف الدبابه التي تزأر في شوارع النجف،
ولكن يبقى جرح العراق النازف في انحاء جسده المتعب ، لأن العلاج هو حبوب مهدئه فقط لاتبرئ ولا تشفي ..