بسم الله الرحمن الرحيم في ليالي الجمعة وبعد أن يؤدي المؤمنون صلاة العشاء في اغلب البلدان الاسلامية الموالية ، يجلسون صفوفاً ويتضرعون إلى الله الخالق الرحيم أن يغفر لهم خطاياهم ويهبهم رضاه .
تنساب من منابر المساجد كلمات عذبة تحلق في السماء الصافية الزاخرة بالنجوم :
اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء .وبقوتك التي قهرت بها كل شي .وذل لها كل شيء .وبعزتك التي لا يقوم لها شيء .وبعظمتك التي ملأت كل شيء .وبسلطانك الذي علا كل شيء .وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء .......
وبهذه اللغة الرقيقة المؤثرة ينساب الدعاء يعلم الإنسان كيف يخاطب خالقه العظيم ، الذي وهبه نعمة الحياة والعقل ورزقه من الطيبات . حتى ينتهي بهذه الدعوات الخاشعة :
يا سريع الرضا . اغفر لمن لا يملك إلا الدعاء . فإنك فعال لما تشاء . يا من اسمه دواء. وذكره شفاء . وطاعته غنى. ارحم من رأس ماله الرجاء ...... وعندما يتساءل عن هذا الدعاء لمن هو ؟ فإنه سيحصل على الجواب :
إنه دعاء كميل ..
هو كميل بن زياد النخعي من ثقاة التابعين . وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . وكان شريفاً مطاعاً في قومه .ويعود أصله إلى اليمن . سكنت أسرته الكوفة في عهد أمير المؤمنين عليه السلام .
كان أمير المؤمنين عليه السلام جالساً في مسجد البصرة ومعه جمع من أصحابه ، فسأله أحدهم عن تفسير الآية الكريمة " فيها يفرق كل أمر حكيم " . فقال الإمام عليه السلام : هي ليلة النصف من شعبان ( أي ليلة 15 شعبان ) ثم أقسم الإمام قائلاً :
والذي نفس علي بيده ، ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه من خير أو شر مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة ، وما من عبد يحييها ، ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلا أستجيب له . وانفض المجلس وانصرف الإمام
حل المساء وانتشر الظلام وأوى الناس إلى النوم ، وفي تلك الساعة نهض كميل بن زياد إلى أمير المؤمنين وفي قلبه سؤال ....
طرق الباب .. قال الإمام عليه السلام : ما جاء بك يا كميل ؟
فقال كميل بأدب : يا أمير المؤمنين دعاء الخضر .
فقال له الإمام بحب : اجلس يا كميل .
ثم قال : إذا حفظت هذا الدعاء ، فادع به كل ليلة جمعة .... اكتب
تهيأ كميل للكتابة ... وراح الإمام يتلو عليه الدعاء الذي يردده اليوم الملايين المسلمين حيث اشتهر بـ " دعاء كميل " .
وبعد استشهاد أمير المؤمنين وانتقال الخلافة لمعاوية ، ومنها حكم الحجاج بن يوسف الثقفي الكوفة وبعهده عم الظلم وسيطر الرعب على مدينة الكوفة والبصرة وغيرها من المدن فقد ملأ السجون بالرجال والنساء والأطفال خصوصاً من الموالين لأهل البيت عليهم السلام .
وبعد عدة أحداث قامت الثورة على الحجاج بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث وانضم إليهم كميل وتولى قيادة كتيبة القراء ( أي قراء القرآن ) . إلى أن قامت الثورة ، وتحررت الكثير من المناطق من الذل إلى الحرية والانتصار حتى أرسل عبد الملك بن مروان جيش مساند للحجاج وقامت المعركة بمنطقة دير الجماجم وانتصر الحجاج وتشتت جيش عبد الرحمن، وأعدم من أعدم وهرب من هرب ، إلى أن قام الحجاج بممارسة الضغوط على عشيرة كميل ومقاطعتهم مما أدى إلى تدهور الأوضاع وأدى ذلك إلى استسلام هذا الرجل العظيم كميل إلى شرطة الحجاج وهو شيخ بالتسعين .
وبعد محاولة الحجاج من ردع كميل عن الموالاة لأمير المؤمنين علي عليه السلام وفشله قام وأعدم كميل . وهو مدفون الآن بوادي السلام في النجف الأشرف ، وبقى صيت الشهيد كميل بن زياد رضي الله عنه خالدا طوال الأيام واللعنة قائمة على قاتليه ليوم الفصل