رفسة الزرافة والتمديد للإحتلال الأمريكي للعراق
سواءً أسأنا الظن بأمريكا أم لا فالنتيجة واحدة، ولنبدأ بافتراض سوء الظن.
عندما كتبت معارضاً الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية سميتها اتفاقية ودع البزون شحمه، والعراق بلد كثير الشحم، والشحم فيه أنواع، نباتي ومعدني، صلب وسائل، بل كل العراق شحم، تتلمظ لمرآه كل القطط، ولو كان القط الذي أودع العراق شحمه لديه من النوع الذي يخطف وذرة لسد رمقه لهان الأمر، ولكن هذا القط شره، يريد الاستئثار بكل الشحم واللحم أيضاً، فالمطلوب ليس الشحم الأسود أو النفط فقط بل الأرض الخصبة والموقع الاستراتيجي والماء وحتى البشر لضرب أعداء القط وحماية عملاءه في المنطقة.
قال أوباما في خطابه الآخير بأن أمريكا تقدم أحياناً مصالحها للمدى القصير على قيمها ومبادءها، ولو قال مصالحها الاسترتيجية لكان عذره بقبح ذنبها، ولكن عندما تكون مصالح المدى القصير أهم فلا أهمية البتة للمباديء، إذن هي المصالح لا غيرها تعلوا ولا يعلى عليها في حسابات أمريكا، وهي نفسها التي ساقتها إلى العراق.
لم يأت الإحتلال الأمريكي للعراق لتخليص شعبه من عبودية النظام البعثي الطاغوتي فأمريكا ليست مؤسسة للإحسان، وفي برلمانها حراس للميزانية غلاظ شداد، لا يقرون بنداً للصرف إن لم يقتنعوا بأنه في صالح أمريكا، وأعني بذلك مصلحة حقيقية من النوع التي تجعل أمريكا تقف بكل قوتها مع نظم التخلف في السعودية ودول الخليج ولتذهب الحريات والديمقراطية إلى الجحيم.
قال لي وكيل وزارة سعودي في الأيام الأولى للإحتلال، امنحوا أمريكا فرصة عشر سنوات وستجعل العراق جنة، اصبح هذا الوكيل وزيراً، لا لحدة بصيرته بالتأكيد، ولو تقصى معالي الوزير حال العراق بعد ثمان سنوات من الاحتلال لوجده أبعد ما يكون عن الجنة، فبدلاً من ديمقراطية حقيقية وفعالة فرض المحتلون نظاماً سياسياً طائفياً تحاصصياً توافقياً كسيحاً، منتجاً للأزمات مثيراً للتوترات ومحفزاً للإنقسامات، وكل الفضل للإمريكيين وحلفائهم السعوديين في توطن الإرهاب السلفي في العراق، الذي حصد وما زال أرواح مئات الآلاف من العراقيين، وهل سمعت يا معالي الوزير بجنة لا أمن فيها؟ وكان الوعد بالتنمية والرخاء في مقدمة وعود أمريكا ومسانديها في العراق، ولم يشعر بهذا الرخاء سوى الساسة من قابضي الرواتب الضخمة والمنح السخية، وكذلك المرتشون والفاسدون والمنتفعون من النظام.
أفضل حجج المتحمسين لربط العراق بالمعسكر الأمريكي حاجة العراق للسلاح الأمريكي والتدريب العسكري، والرد على ذلك هين: إن لم تكن ثمان سنوات كافية لبناء جيش متكامل قادر على الدفاع عن حدود العراق فالعلة ليست في الجيش وإنما في القائم على تسليحه وتدريبه، وكانت ثمان سنوات مدة زمنية كافية للصهاينة لبناء جيش قوي والتسلح بأسلحة ذرية، بفضل التقنية النووية الفرنسية التي زودهم بها الأمريكيون خلسة، لينقلوها بدورهم للصهاينة، لذا لو باعت أمريكا أسلحتها المتطورة للعراق سنتأكد بأن حكومته عميلة لأمريكا، والمطلوب هو خروج الاحتلال الأمريكي والبحث عن مصادر أخرى للسلاح من دون املاءات سياسية.
الخلاصة هي أن سوء الظن بنوايا أمريكا في العراق يفرض على العراقيين التمسك بقرار خروج الاحتلال بنهاية 2011م خروجاً كاملاً يشمل تقليص عديد دبلوماسييه وحماياتها إلى الحد الأدنى.
ماذا لو وضعنا سوء الظن بأمريكا جانباً؟ آنذاك تخرج علينا الزرافة، لا لتخطف شحمنا كما يريد القط، ولكن لتلقي علينا عظة، وللموضوع قصة.
في حفل تخرج ابني من مدرسته الابتدائية في كندا ألقى محاضر كلمة مقتضبة في كيفية التعامل مع الأبناء، وقد أطرى عريف الحفل هذا المحاضر ونجاحه الباهر في القارة الأمريكية الشمالية، وبدوره عرفنا المحاضر بالزرافة، وبين لنا ما خفي علينا من حنكتها الفطرية البالغة وأسلوبها الناجح في تربية ابناءها، ودعانا نحن أباء وأمهات الطلاب للإقتداء بها، ولا بأس من التعلم من زرافة أو أي حيوان آخر، وقابيل تعلم من الغراب كيف يواري سوءة أخيه، وكثيراً ما يردد العراقيون الحكمة الشعبية: خذ الشور ولو من رأس الثور، من المعروف بأن الحيوان الوليد يكون عرضة للأخطار – وخاصة من القطط الشرهة المفترسة – أول ساعات بل دقائق حياته، لذا من المهم أن يقف على قوائمه بسرعة بعد الولادة، وهنا يأتي دور الزرافة الأم التي إن لاحظت تلكؤ وليدها في الوقوف دفعته برأسها مراراً وتكراراً حتى يقف، وهو ما أسماه المحاضر المفوه بـ"رفسة الزرافة المحبة".
ونقول لأنصار أمريكا في العراق: أليس العراق بحاجة اليوم إلى "رفسة" من أمهم الحنون أمريكا لكي يستطيع الوقوف على قدميه وحماية نفسه، خاصة وقد مرت ثمان سنوات لا ثمان دقائق أو ساعات على الإحتلال؟
إن الاحتلال الأمريكي تسويف لحل المشاكل والخلافات، وذريعة للإرهابيين، وحماية للإنفصاليين، وجسر لعودة البعثيين، وسبب لتأليب دول الجوار، لذا فالتمديد له تصويت على استمرار الانقسام السياسي والتفرقة الطائفية والإرهاب والفساد، ودعم لمشاريع تقسيم العراق، وتفريط بموارده، وتأزيم لعلاقاته بجيرانه، والأفضل أن نتجنب شراهة القط المفترس ونتعلم من غريزة الزرافة ونطرد الاحتلال، وإلا فليحذر أنصار أمريكا فالعراقيون الحريصون على استقلال بلدهم وكرامة شعبهم قادرون على الافتراس أيضاً.
1 حزيران 2011م