السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتقدم باخلص ايات العزاء لمقام مولاي رسول الله صل الله عليه وآله ومولاي امير المؤمنين عليه السلام ومولاتي فاطمة الزهراء سلام الله عليها وربيبها الحسن والحسين عليهم السلام والصفوة
المنتخبة من بيت الرسالة لاسيما ولي العصر والزمان الحجة بن الحسن عليه السلام والى ابنائها
الشهداء الابرار في ذكرى وفاة أم اليتامى أم البنين الاربعة السيدة الجليلة الصالحة المؤمنة سلام
الله عليها فلنقلب معا بعض من صفحات حياتها سائلين الله ان يوفقنا في الدنيا لزيارتها وفي الاخرة
لشفاعتها ويحشرنا معها
إخلاص أم البنين
أم البنين هذه الشخصية التاريخية الباهرة الفذة التي أفنت حياتها كلها في تربية الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة؛ يقول الشيخ المهاجر: فأم البنين استضاءت بنور علم الإمام علي، وأخذت منه الأدب والأريحية والوفاء، هذا بالإضافة إلى أصالتها وعمق إيمانها وأخلاقها، وناهيك بمن تكون زوجة لبطل الإسلام الخالد كيف لا تتأثر به، وتلتصق بروحه وأخلاقه ومبادئه. ولذلك يوم رجع الناعي ينعى الحسين إلى المدينة كانت تحمل على كتفها طفلاً صغيراً لولدها أبي الفضل العباس كان قد تركه عندها لأسباب وظروف اقتضت ذلك.
أقول: كانت أم البنين في أول الناس الذين خرجوا لاستقبال بشر بن حذلم، وهو ينادي برفيع صوته:
يـــــا أهـــــل يــــثرب لا مــقام لكم بها***قـــــــتل الحســــــين فـــــأدمعي مـدرار
الجـــــسم مـــــنه بــــكربلاء مضــــرج***والـــــرأس منـــــه عـــــلى القناة يدار
ولما وقع بصرها على الناعي لم تسأله عن العباس، ولا عن أي واحد من أبنائها الذين قتلوا مع أخيهم الحسين، وإنما سألته عن الحسين؛ هل هو حي أم لا؟ وعلت الدهشة وجه بشر بن حذلم عندما عرف أن هذه المرأة هي فاطمة بنت حزام العامرية، وهي أم البنين بالذات كيف لا تسأله عن أولادها؟ وظنها لوقع الصدمة ذهلت عن أبنائها، فراح يعددهم واحداً بعد الآخر، وفي كل واحد منهم كان يعزيها ويقول لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر.
فتقول: وهل سمعتني أسألك عن جعفر؟ أخبرني عن ولدي الحسين، إني أسألك عن الحسين.
ولم يلتفت بشر إلى هذا الموقف وراح يخبرها ببقية أولادها، إلى أن وصل إلى العباس، فما كاد يخبرها بقوله: يا أم البنين عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس، حتى نظر إليها وقد اعتراها اضطراب شديد في تلك اللحظة التي سمعت فيها نبأ مصرع أبي الفضل العباس، بحيث اهتز بدنها حتى سقط الطفل الصغير الذي كانت تحمله على كتفها. سقط إلى الأرض ولم تقوَ على حمله، ولكنها جالدت نفسها، تحاملت واستمرت في الحاحها على بشر؛ أخبرني عن ولدي الحسين هل هو حي أم لا؟
يقول بشر: وحينما أخبرتها بمقتل الحسين ومصرعه صرخت ونادت: واحسيناه، واحبيب قلباه... يا ولدي يا حسين.. نور عيني يا حسين.. وقد شاركها الجميع بالبكاء والنحيب والعويل على الحسين، ولم تذكر أبناءها إلا بعد أن ذكرت الحسين وبكت عليه.
ثم بعد ذلك كانت تخرج إلى البقيع وتخط قبوراً أربعة لأولادها وتجلس في الشمس تندبهم، وهي إنما تقوم بذلك لتشعل ناراً ضد بني أمية، وضد الظالمين الطغاة في كل زمان ومكان.
وإخلاص أم البنين لا يضاهيه أي إخلاص، لعلي وذريته، وان القلم ليعجز عن إدراك هذه الشخصية المحبوبة.
قيل إن أم البنين أتت ذات يوم إلى أمير المؤمنين وقالت له: لي إليك حاجة.
قال لها: قولي ما عندك.
قالت: أنا أطلب منك ان تغير اسمي، قالت عندما تناديني فاطمة، أرى الانكسار بادياً على وجوه الحسن والحسين وزينب، فإنهم يذكرون أمهم فاطمة الزهراء ويتألمون. فما كان من الإمام إلا أن غير اسمها وسماها أم البنين.
أرأيت إلى هذه المواقف المثيرة من أم البنين، وقد ملئ قلبها بالإيمان والمحبة والإخلاص؟
منزلة أم البنين
هذه السيدة الجليلة حباها الله وخصها بعناية تامة، إذ استطاعت ان تصمد بكل اقتدار وحزم واقدام وثبات أمام تحديات الزمن. وظلت محتفظة بشخصيتها القوية وسماتها الأصيلة، رغم ظروف الدهر القاهرة، وعاديات الزمان الجائرة.
ومن يطّلع على تاريخ حياتها عبر الحقب التاريخية، يكتشف بوضوح القيم النبيلة التي سمت بأبنائها وارتفعت بإنسانيتهم، فجعلتهم أعلاماً بارزة شامخة في مدارج العز ومراتب الكرامة، وحققت بذلك نجاحاً منقطع النظير. أولئك هم رسل المحبة والخير يجسدون العدل والمساواة، ويدعون إلى نشر العقيدة الإسلامية وترسيخ الإيمان الصادق.. فكانوا جذوة مشتعلة، بل ورسالة كريمة لانتصار الحق على الباطل في زمن شاع فيه الشر وفشت الرذيلة وساد الطغيان والفساد.
فكانت هذه المرأة المبجلة قد أضاءت طريق الصلاح والإصلاح لما لها من دور مهم في أحداث التاريخ العربي والإسلامي المشرق. وتبرز أهمية دورها في الحياة اليومية للأمة كونها تتسابق للوصول لاقتطاف المنزلة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى، فقدمت أولادها الأربعة شهداء في سبيل الحق والدين.
هل يحق لنا ان نتخطى أثر أم البنين في نفوسنا، دون ان نذكر ما تحملته من حب ممزوج بالألم واللوعة والصبر على المكاره، والتضحية الجسيمة في سبيل الحق؟
أي قلب فولاذي ذلك القلب حينما نعى إليها الناعي أولادها الأربعة؟
قالت: قَطَعت نياط قلبي أولادي الأربعة، ومن تحت الخضراء فداء لسيدي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)!!
أي نداء كان هذا الذي يلين له قلب الحجر، وقد وقع وقوع الصاعقة؟
النفس الملتاعة هذه هالها ان ترى منفذاً للوصال، لقد كانت الأيام ماثلة في مخيلتها، تتقاذفها الأنواء حينما تتصور أولادها وهي نائية عنهم، راحت تعاني صراعاً مريراً مجبولاً بالألم واللوعة، ولكنها في الوقت نفسه تثير فيه الذكرى.
كان لسعة اطلاعها في الأمور، وإخلاصها الكريم، وماضيها المجيد أثر حاسم في تعلق الناس بها، وثقتهم وحبهم الذي لا حدود له بشخصها.. فاستطاعت بحكمتها وصبرها وبعد نظرها التغلب على كل تلك الصعاب. وهذا ان دل على شيء، فإنما يدل على حنكتها وجلدها ومعدنها الأصيل، ضمن إطار الأخلاق العربية والتربية الإسلامية الأصيلة وتقاليدها في التعامل مع الجمهور واحترامها لهم. لأن المرأة عظيمة المنزلة عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعند أهل البيت كافة، عظيمة المنزلة في العلم والحلم والمعارف والصلاح، عظيمة المنزلة عند الناس. ويظهر للمتتبع لأخبار أم البنين أنها كانت مخلصة لأهل البيت، متمسكة بولايتهم، عارفة بشأنهم، مستبصرة بأمرهم.
إن في حياة هذه السيدة الجليلة أخباراً طريفة وآثاراً ممتعة جعلتها مثالاً صالحاً وقدوة حسنة في المعارف والصلاح، وإجابة لله وللرسول الكريم حين أمر محمداً (صلى الله عليه وآله) بود أهل البيت وحبهم وولاءهم والاتباع لهم والتمسك بعروتهم. جدير بكل فرد مسلم ان يتبع ويمتثل أمر ربه وأمر رسوله الناصح الأمين، وان لا يعدل عن هذا الأمر قيد أنملة.
إن أعظم ما كانت تتحلى به أم البنين علماً وعملاً صالحاً وأخلاقاً وجهاداً متواصلاً في نصرة الحق والهدى، حتى بلغت المراتب السامية والأجلال العظيم، بمفاخرها التي لا تغيب عن بال كل إنسان.
إن سير العظماء في تاريخ الإسلام أعلام إنسانية باذخة، يكبرها المسلم وغير المسلم. وان أم البنين كانت أقوى جرأة وشجاعة، واصلب المؤمنات على تحمل الصعاب.. تطلب المجد والكرامة، والمجد لا ينال إلا بالمصاعب، وركوب المخاطر، والتضحية والاستبسال.
لقد كانت أُم البنين القدوة الحسنة والمثل الأعلى الذي يحتذى به، وكانت عنواناً للثبات والخلاص والبسالة والتضحية والفداء والشرف والعزة والكرامة في سبيل الحق والعدالة.
هذه السيدة المصون ما ان بلغها مقتل الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء إلا وخنقتها العبرة، فكانت تبكي بكاء الثكالى صباح مساء تعبيراً عن مشاعرها وأحزانها. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون وليضج الضاجون.
مكانتها عند أهل البيت
ولهذه السيدة الزكية مكانة متميّزة عند أهل البيت (عليهم السلام)، فقد أكبروا إخلاصها وولاءها للإمام الحسين (عليه السلام)، وأكبروا تضحيات أبنائها المكرمين في سبيل سيد الشهداء (عليه السلام)، يقول الشهيد الأول وهو من كبار فقهاء الإمامية:
كانت أم البنين من النساء الفاضلات، العارفات بحقّ أهل البيت (عليهم السلام)، مخلصة في ولائهم، ممحضة في مودّتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحلّ الرفيع، وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة، كما كانت تعزّيها أيام العيد..)(1).
إن زيارة حفيدة الرسول (صلى الله عليه وآله) وشريكة الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته زينب الكبرى (عليها السلام) لأم البنين، ومواساتها لها بمصابها الأليم بفقد السادة الطيبين من أبنائها، مما يدل على أهميّة أم البنين وسموّ مكانتها عند أهل البيت (عليهم السلام).
وبلغ من عظمها ومعرفتها وتبصرها بمقام أهل البيت أنها لما دخلت على أمير المؤمنين وكان الحسنان مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما وتخضع لهما كالأم الحنون.
ولا بدع في ذلك فإنها ضجيعة شخص الإيمان قد استضاءت بأنواره وربت في روضة أزهاره واستفادت من معارفه وتأدبت بآدابه وتخلقت بأخلاقه.
وما لاشك فيه أن أم البنين إذا كانت تحسن السيرة مع الحسنين (عليهما السلام) وتحنو عليهما، فهذا العمل كذلك تفعله مع زينب وأختها أم كلثوم، وهذا أمر لا ريب فيه أنها (رضوان الله عليها) تنظر إلى أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) بعين الكرامة والمحبة لهم ولأبيهم (عليهم السلام)، ومن كانت هذه سيرته يكون بطبيعة الحال محبوباً معظماً، وإذا كانت أم البنين عند أهل البيت (عليهم السلام) بهذه المنزلة السامية والمرتبة العالية، إذاً فلا غرابة إذا عظمها محبو أهل البيت، فإن لها عندهم المنزلة العظيمة في نفوسهم والمحبة الشديدة في قلوبهم من الرجال والنساء ويذكرونها بالإكبار والتبجيل، وبلغ من تعظيمهم لها أنهم ينذرون لها بثواب الصوم والصلاة وتلاوة القرآن، كما كانوا يفعلون ذلك في تعظيم المعصومين (عليهم السلام) وتكون نية الصوم والصلاة وتلاوة القرآن تقرباً إلى الله (تعالى) ويهبون ثواب ذلك كله للمنذور له
كراماتها
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يكرم عبده الصالح بما يظهره على يده أو عند قبره بما يخرق به العادة، يكرم بها الأولياء والبررة الأتقياء. ولعل أهم هذه الكرامات شفاء المرضى وتعجيل البرء وتحقيق الاماني، وغير ذلك من الأمور التي يصعب تحقيقها على الإنسان. وأم البنين نالت هذه القدسية، وذلك لمنزلتها الرفيعة، لأنها أم الشهداء الأبرار الذين واكبوا ركب أبي الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) وضمخوا تراب كربلاء بدمائهم الطاهرة. فهي محط أنظار العالم الإسلامي كافة، وتروى لها في هذا الجانب كرامات عديدة، مما جعل الاعتقاد السائد أنها بغية كل طالب حاجة، فترى الناس ينذرون لها النذور على اختلاف أنواعها، ويطلبون من الله عز وجل بجاهها ان يلبي حاجاتهم.
إن كل من يقع في شدة أو يصيبهُ خطب فادح فينخى أم البنين. لاشك أنها تحقق له أمنياته، وتمنحه مراده.
ماجورین
نسالکم الدعاء..