بسم الله الرحمن الرحيم وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور:22}
لقد حرص الاسلام على جعل العلاقة بين المسلمين علاقة متماسك و قوية , وهذا الحرص يظهر جليا عندما نطلع على السنن و الأحكام الواجبة والمستحبة في نظام المعاشرة او العشرة الذي اخذ من القران الكريم والسنه الشريفة، حيث افرد الحر العاملي (قدس) في وسائل الشيعه ابوابا تحت عنوان احكام العشرة في السفر والحضر تضمنت مئة وستة وستين باباً مرويا عن اهل البيت (ع) و من تلك السنن المصافحة بين المؤمنيين كمثل بسيط وما لها من الاثر لتلك العلاقة وازالة الحقد والضغينة عن علي ( عليه السلام ) قال : إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا وأظهروا لهم البشاشة والبشر ، تتفرقوا وما عليكم من الأوزار قد ذهب ، صافح عدوك وإن كره ، فإنه مما أمر الله عز وجل به عباده يقول : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة )1 ،عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه شجرة ثم التقيا أن يتصافحا. ، عن أبي حمزة قال : زاملت أبا جعفر ( عليه السلام ) فحططنا الرحل ثم مشى قليلا ، ثم جاء فأخذ يدى فغمزها غمزة شديدة فقلت جعلت فداك : أو ما كنت معك في المحمل فقال : أو ما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه نظرالله اليهما بوجهه فلم يزل مقبلا عليهما بوجهه ويقول للذنوب : تحات عنهما ، فتتحات ـ يا أبا حمزة ـ كما يتحات الورق من الشجر فيفترقان وما عليهما من ذنب .لاحظ هذا الاهتمام يقول الامام (ع) حتى لو توارى احدهما عن الاخر بشجرة فليسلما ويتصافحا لان في المصافحة او المماسة بين المؤمنين اثر لترقيق القلب خصوصاً بين الارحام وعند الغضب عن الامام الباقر(ع)قال (وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه فان الرحم اذا مست سكنت )4.وكذلك الاجر الكبير الملاحظ في هذه الروايات ان دل فانما يدل على حث الناس على التواصل والاحترام فيما بينهم مما يؤدي الى تماماسك المجتمع وجعله بنيان مرصوص .
ومن جملة المواضيع او القوانين التي لها دور كبير في ابقاء التماسك بين الناس حسن المعاشرة هو العفو والصفح عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ثم ينادي مناد : أين أهل الفضل ؟ قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة فيقولون : وما كان فضلكم ؟ فيقولون : كنا نصل من قطعنا ، ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا ، قال : فيقال لهم : صدقتم ، ادخلوا الجنة .
عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إنا أهل بيت مروءتنا العفو عمن ظلمنا
في رسالة الحقوق للامام السجاد (ع) (وحق من أساء اليك أن تعفو عنه وان علمت أن العفو يضر انتصرت ، قال الله تعالى ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل )
وجاء في بعض الرّوايات أنّه لما نزلت الآية (خذ العفو...) سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جبرئيل عن ذلك فقال جبرئيل: لا أدري، حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال: «يا محمّد، إنّ الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك . وفي اية اخرى
(وليعفوا وليصفحوا) لتشجيع المسلمين وترغيبهم في العفو والصفح بقولها: (ألا تحبّون أن يغفر الله لكم).فإنّكم مثلما تأملون من الله العفو عنكم وأن يغفر خطاياكم، يجب عليكم العفو والصفح عن الآخرين (والله غفور رحيم).هذا أدب أهل البيت (ع) الذي أدبهم به القرءان، و هذه طريقتهم بالتعامل مع الناس، فهم لا يرجون الا ما عند الله .
لكن الزهراء (ع) لم تتعامل بهذه الطريقة مع ابي بكر وعمر بن الخطاب ؟ عندما طلبوا العفو والصفح منها وفي رواية للبيهقي باسناد صحيح رواية ان عمر قال الابي بكر، رضي الله عنهما انطلق بنا الى فاطمة فانا قد اغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستاذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فاتيا عليها فكلماه فادخلهما عليها، فلما قابلاها حولت وجهها الى الحائط، فسلما عليها، فردت عليها السلام بصوت خافت فقال أبو بكر: يا حبيبة رسول الله، والله ان قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم احب الى من قرابتي، وانك لاحب الي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات ابوك اني مت، ولا ابقى بعده، فتراني اعرفك واعرف فضلك وشرفك، وامنعك حقك وميراثك من رسول الله، الا اني سمعت اباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الانبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا، وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما تركناه فهو صدقة) فقالت فاطمة لابي بكر وعمر: ارايتكما ان حدثتكما خديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه وتعلمان به، قالا نعم، فقالت نشدتكما الله الم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن احب فاطمة ابنتي فقد احبني، ومن ارضى فاطمة ابنتي فقد ارضاني، ومن اسخط فاطمة فقد اسخطني)، قالا نعم سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت (فاني اشهد الله وملائكة انكما اسخطتماني وما ارضيتماني، ولئن لقيت النبي لا شكونكما إليه)، فقال أبو بكر: انا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، فقالت لابي بكر: والله لا اكلمك ابدا، قال: والله لا اهجرك ابدا، والله ما اجد اعز علي منك فقرا، ولا احب الي منك غنى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يقول: انا معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة). وهناك في صحيح البخاري ما يشير الى ان الزهراء، عليه السلام، قد ظلت على هجرها للصديق، رضي الله عنه، ولم تكلمه حتى انتقلت الى الرفيق الاعلى راضية مرضيا عنها، فلقد روى البخاري في (باب غزوة خيبر) بسنده عن ابن شهاب عن عروة عائشة، ان فاطمة عليه السلام، بنت النبي صلى الله عليه وسلام ارسلت الى ابي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما افاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقى من خمس خيبر، فقال أبو بكر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة انما ياكل آل محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المال، واني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر ان يدفع الى فاطمة، فوجدت فاطمة على ابى بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة اشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها ابا بكر، وصلى عليها)، وروى البخاري في صحيحه (في باب الفرائض) بسنده عن الزهري عن عروة عن عائشة، ان فاطمة والعباس، عليها السلام اتيا ابا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان ارضهما من فدك، وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة انما ياكل آل محمد من هذا المال، قال أبو بكر والله لا ادع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه الا صنعته، قال: فهجرته فاطمة، فلم تكمله حتى ماتت)، وروى البخاري أيضا في صحيحه (في الخمس) ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبت على ابي بكر، فهجرته قال فلم تزل مهاجرته حتى توفيت). ثم خرج أبو بكر باكيا ومعه عمر مطرقا فذهبا الى المسجد فاجتمعا بالناس فقال أبو بكر (أيها الناس أقيلوني، يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله وتركتموني وما انا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم)؟
************************************************** *************
لماذا هذا الإصرار على استرضاء سيدة النساء (ع) حتى تقول بعض الروايات ،قالوا لأمير المؤمنين (ع) جئنا لبنت رسول الله مرارا لتأذن لنا فما أذنت ؟ ولماذا الزهراء (ع) لم تتعامل معهما بقانون أهل البيت (العفو) . الاصرار على استرضاء الزهراء (ع) للاسباب .
1- لاصرار على استرضاء الزهراء (ع) لم يكن حبا بها او شعورهم بالندم ، وإنما أرادوا بذالك إسكات الزهراء وإخماد الثورة التي إقامتها ضدهم بخطبتها في المسجد وبكثرة بكائها،وعند ذالك كثر ألوم عليهم .
2-مكانت الزهراء (ع) واحترام المسلمين لها وشعورهم بالتقصير ، تأمل بما جاء في التاريخ ان الزهراء (ع) بعد ان ضرب لها ستار وقبل ان تبدا بخطبتها انت انه ضج الناس بالبكاء وكذالك عندما امر عمر بإحراق الباب قالوا مهلا ان فاطمة خلف الباب قال وان . فهذا ان دل انما يدل على شعور المسلمين بالتقصير. مما اضطرهم ان يطلبوا استرضائها والعفو منها .
3- انهم أرادوا من محاولة استرضاء الزهراء عليها السلام هو إظهار الأمر على أنه مجرد مشكلة شخصية ، وقد انتهت كما بدأت ، فهي الآن قد رضيت ، ولم يعد هناك أية مشكلة معها ، كما قد يوحي به كلام هذا البعض .لقد كانت هناك إساءة لفاطمة عليها السلام ، وكان هناك اعتداء على شخصها الكريم ، بالضرب أو بغيره ، وقد تبذل محاولة تفسير لذلك على أنه مجرد تسرع ، أو ثورة غضب عارمة أخرجت الفاعلين عن حد الاعتدال .
************************************************** ***************
واما انها لم تعفو عنهم وماتت وهي واجد عليهم فلك السباب .
1- القضية لم تكن خاصة بالزهراء (ع) وان هذا الظلم الذي تعرضت له لم يكن الا بداية الظلم والجور على الأمة ، فالقضية كانت عامة قال امير المؤمنين(ع) لمّا عزموا على بيعة عثمان : لقد علمتم أني أحقّ الناس بها من غيري ، و والله لاُسْلِمَنَّ ما سلمت أَمُور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ إلاّ عليَّ خاصَّة ، التماساً لاجرِ ذلك و فضله ، و َزُهْداً فيمَا تنافسْتُمُوهُ مِنْ زُخرُفِهِ و َزبرجه .فهذا كان الشعار السلم لو كان الظلم والجور يقع خاصة عليهم . ومن الجدير بالذكر ان عمر بن الخطاب عندما اوشك ان يموت طلب من علي (ع) ان يحلله عنه وعن فاطمة (ع) لكن امير المؤمنين(ع) فرض شروطا عامة لم يوافق عليها عمر .(ساوافيكم ببحث خاص عن هذا الحديث انشاء الله)
2- كي لا تبقي لهم ولا لاعوانهم مدا التاريخ من حجة .وهذا الحديث متواتر وموثوق اقر به الشيخين ومن تبعهم و نصِّت الكتب المعروفة لأهل السنة على الكثير من الروايات التي تشير الى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لا بنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) «ان الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك». فلو كانت (ع) قد رضت عنهم فعند ذالك يرضى الله عنهم . فتكون الزهراء (ع) قد اعطتم الضوء الاخضر لقمع واسكات أي شخص ينادي بظلامة الزهراء (ع) ،و لكتبه عرعور ومن معه بحروف من ذهب .وبذلك تكون عليها السلام قد أعطت صك الشرعية للعدوان، ولاغتصاب الحق، والاستئثار بإرث الرسول ، وتكون هي وعلي (عليهما السلام) مصدر الخطأ، والتقصير، والعدوان .ولهذا السبب امير المؤمنين(ع) لم يضع يده ويبايع .
3- العفو إنما يكون عن الشخص الذي يتوب، والتوبة تعني إرجاع الحق إلى أهله ، وتصحيح الخطأ الذي تسبب به والندم على ما بدر منه . وإلا فهل تقبل توبة غاصب يمسك بكل شئ ، ويطلب العفو والمغفرة ، ولن يعيد أي شيء إلى أي كان منكم .
فاي عفو وهما لم يتراجعا قيد أنملة عما اقترفاه في حقها فهما لم يرجعا لها فدكا ، ولا غيرها مما اغتصباه من إرث رسول الله ( ص ) وغيره بل لا زال ابو بكر يصر على انه سمع النبي (ص) قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، فان عفت الزهراء (ع) فمعنا هذا انها ادعت شيء باطل او حق ليس لها.
واسأل الله عز وجل ان يحشرني بشفاعة الزهراء(ع)