فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2.12 - للإمامِ المناوي
964 - (أسامة) بالضم: ابن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه (أحب الناس) من الموالي.أو المراد من أحب الناس (إلي) ولا يعارضه أن غيره أفضل منه كما مر وسيجيء، وكان اسامة يدعى الحب بن الحب وقد عرف ذلك له عمر وقام بالحق لأهله، وذلك أنه فرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين، فقال له لم فضلت علي أسامة وقد شهدت مالم يشهد؟ فقال إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أبيك، ففضل محبوب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على محبوبه، وهكذا يجب أن يحب ما أحب ويبغض ما يبغض. قال القرطبي: وقد قابل مروان هذا الواجب بنقيضه، وذلك أنه مر بأسامة وهو يصلي بباب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروان إنما أردت أن ترى الناس مكانك؟ فقد رأينا مكانك، فعل الله بك وفعل، وقال قولاً قبيحاً فقال له أسامة: آذيتني وإنك فاحش متفحش، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. فانظر ما بين الفعلين وقس ما بين الرجلين، فلقد آذى بنو أمية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أحبابه وناقضوه في محابه.(حم طب) وكذا الطيالسي (عن ابن عمر) بن الخطاب، رواه عنه أيضاً الحاكم وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي، ومن ثم رمز المصنف لصحته.
2631 - (إني تارك فيكم) بعد وفاتي (خليفتين) زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين ثقلين سماهما به لعظم شأنهما (كتاب اللّه) القرآن (حبل) أي هو حبل (ممدود ما بين السماء والأرض) قيل أراد به عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه (وعترتي) بمثناة فوقية (أهل بيتي) تفصيل بعد إجمال بدلاً أو بياناً وهم أصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وقيل من حرمت عليه الزكاة ورجحه القرطبي يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا قال القرطبي: وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التي نشأ عنها [ص 15] وفروعه التي نشأوا عنه كما قال: "فاطمة بضعة مني" ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق فسفكوا من أهل البيت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا سبهم ولعنهم فخالفوا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه (وإنهما) أي والحال أنهما وفي رواية أن اللطيف أخبرني أنهما (لن يفترقا) أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين (حتى يردا على الحوض) أي الكوثر يوم القيامة زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه وفي هذا مع قوله أولاً إني تارك فيكم تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهما واستمساك بهما في الدين أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائناً ما كان ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد والتنويه برفعة قدره.
<تنبيه> قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به كما أن الكتاب كذلك فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.
(حم طب عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: رجاله موثقون ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لا بأس به والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة.
867 - (إذا مشت أمتي المطيطا) أي تبختروا في مشيتهم عجباً واستكباراً، والمطيطا بضم الميم وفتح الطاء، قال الزمخشري: ممدودة ومقصورة بمعنى التمطي وهو التبختر ومد اليدين. وأصل التمطي من نمطط بوزان تفعل وهو المد وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر، وفي الإحياء عن ابن الأعرابي: المطيطا مشية فيها اختيال وقال القاضي: المطيطا بضم الميم وفتح الطاء مقصورة وممدودة مشية فيها تبختر ومد اليدين من مطه أي مده، وكذا التمطي (وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم) بدل مما قبله (سلط) بالبناء للمفعول (شرارها) أي الأمة (على خيارها) أي مكنهم الله منهم وأغراهم بهم، ونكتة حذف الفاعل لاتخفى، وإنما كان ذلك سبباً للتسلط المذكور لما فيه من التكبر والعجب وما يترتب على استخدام أبنائهم من إتيانهم في أدبارهم قالوا وذا من دلائل نبوته فإنه إخبار عن غيب وقع فإنهم لما فتحوا بلاد فارس والروم وأخذوا مالهم واستخدموا أولادهم سلط عليهم قتلة عثمان فقتلوه ثم سلط بني أمية على بني هاشم ففعلوا ما فعلوا.
(ت) في الفتن (عن ابن عمر) وقال غريب وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف قد وهم وموسى بن عبيد ضعفوه وعبد الله بن دينار غير قوي رواه الطبراني عن أبي هريرة لكنه قال سلط بعضهم على بعض. قال الهيتمي وإسناده حسن.
9593 - (هلاك أمتي) الموجودين إذ ذاك أو من قاربهم لا كل الأمة إلى يوم القيامة (على يدي) بالتثنية وروي بلفظ الجمع (غلمة) كفتية جمع غلام وهو الطار الشارب أي صبيان وفي رواية أغيلمة تصغير أغلمة قياساً ولم يجز ولم يستعمل كذا ذكره الزمخشري قال: والغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز اهـ. وهذا محتمل لتحقير شأن الحاصل منه هذا الهلاك من حيث إنه حدث ناقص العقل ويحتمل التعظيم باعتبار الحاصل منهم [ص 355] من الهلاك وكيفما كان ليس المراد هنا الحقيقة اللغوية فإن الغلام فيها ذكر غير بالغ ووردوه للبالغ على لسان الشارع غير عزيز كما في خبر الإسراء وغيره (من قريش) قال جمع منهم القرطبي منهم يزيد بن معاوية وأضرابه من أحداث ملوك بني أمية فقد كان منهم ما كان من قتل أهل البيت وخيار المهاجرين والأنصار بمكة والمدينة وسبي أهل البيت قال القرطبي: وغير خاف ما صدر عن بني أمية وحجاجهم من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغيرهما قال: وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا نسلهم وسبيهم وسبهم فخالفوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض قصده وأمنيته. فيا خجلهم إذا التقوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه وهذا الخبر من المعجزات، وقال ابن حجر وتبعه القسطلاني: وفي كلام ابن بطال إشارة إلى أن أول الأغيلمة يزيد كان في سنة ستين قال: وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات، ثم ولى ولده معاوية ومات بعد أشهر قال الطيبي: رآهم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في منامه يلعبون على منبره والمراد بالأمة هنا من كان في زمن ولايتهم. (تتمة) من أمثالهم الباروخ على اليافوخ أهون من ولاية بعض الفروخ.
(حم خ) في الفتن وغيرها (عن أبي هريرة) قال: سمعت الصادق المصدوق يقول فذكره كان ذلك بحضرة مروان بن الحكم فقال: لعنة اللّه عليهم غلمة فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وفلان لفعلت وقد ورد في عدة أخبار لعن الحكم والد مروان وما ولد.