كانت فاطمة تسير وهي في دوامة من الأفكار ، تتقاذفها ، وتتلاعب بعواطفها المرفهة ، ومشاعرها الحساسة. وكانت تحث خطاها ، وتستعجل الوقت لكي تصل الى حيث تريد. إلى مصدر النور والإشعاع في حياتها ، ومبعث الرضا والطمأنينة بالنسبة لعواطفها وأفكارها ، فهي تشعر بشعور مبهم تتمنى لو تمكنت من التغلب عليه والتخلص منه ، ولكنها لا تزال ضعيفة وفي حاجة الى ركيزة قوية تشدها وتأخذ بيدها لانتشالها مما هي فيه. وكانت تحدث نفسها قائلة : سوف احدثها عن كل شيء ، سوف اشرح لها ما الاقيه من صعوبات ، وسوف اعترف امامها بأني خائفة من ان يلحقني الجبن او ان اتراجع.
وما أن وصلت الى البيت المقصود حتى اندفعت تطرق الباب في لهفة ، وهي خائفة من الخيبة ومن عدم وجود صديقتها في البيت ، وحينما انفتحت الباب اندفعت تسأل عن عفاف ، ولما علمت بوجودها اتجهت نحو غرفتها بخطوات مضطربة فتلاقت معها وهي قادمة لاستقبالها ببشاشتها الهادئة ، فصافحتها بحرارة وسارتا حتى استقر بهما الجلوس في غرفة عفاف ، وبنغمة طيبة تصحبها رنة عتاب قالت عفاف : لقد اوحشتيني طيلة الأسبوع الماضي يا فاطمة فأهلا بك وسهلاً . ولم تكد فاطمة تستمع الى صوت عفاف ، ونغمتها الرصينة الحنون ، حتى سكنت جذوة ثورتها وكادت ان تنسى ما أتت لأجله ، ولهذا فقد اطرقت دون ان تجيب ومرت فترة ، كانت خلالها عفاف تحدق في وجه فاطمة حتى قرأت مشاعرها مرتسمة عليه ، ثم تقدمت بمجلسها نحو فاطمة ، وابتسمت ابتسامة عطف وتشجيع وهي تقول أراك لست على طبيعتك يا فاطمة فهل لي ان أعرف السبب ؟ وكأن هذا السؤال قد فتح امام فاطمة باب الحديث ، فقالت وصوتها يتهدج ما أراني الا منكرة لحالي يا اختاه ، فقد تنكرت لي عواطفي ، وخانتني الشجاعة بعد أن حسبت أني قد تدرعت من ايماني بدروع تعصمني من الشيطان ، وتصد عني كل ما من حقه ان يصل الى غايتي او هدفي من قريب او بعيد ، ولكن ... وسكتت فاطمة تحاول أن تستحضر العبارة الواضحة التي تكشف عما تعانيه ، ولكن عفاف سبقت افكارها وقد توصلت الى معرفة المحنة التي تعيشها صديقتها ، والدور الذي تمر فيه ، فقالت وكأنها تحاول ان تفتح امام فاطمة باب الحديث ، لتتعرف على جميع ما لديها وما تحسه من مشاعر قالت ولكن ماذا يا فاطمة ؟ قالت فاطمة ولكن شجاعتي بدأت تخونني يا أختاه ، فلم أعد اطيق هذه الصعوبات التي تعترض طريق الدعوة الدينية ، قالت عفاف : وأي صعوبات هذه يا فاطمة ؟ حدثيني بما لديك فلست سوى أختك في الإيمان . قالت فاطمة ، لقد آمنت بواجبنا نحن المسلمات ، ومسؤوليتنا تجاه ديننا واسلامنا الحبيب ، فاندفعت أدعو اليه ، واحاول ان استنقذ من اتمكن عليهن من بنات الإسلام من الواقع المرير الذي يضللهن ، ولكن المجتمع يا عفاف . وسكتت فاطمة فقالت عفاف وماله يا فاطمة قالت فاطمة إنه مجتمع فاسد لا يقيم للمفاهيم والمثل وزنا ولا ينظر إلا من وراء منظار المصالح والغايات ، هذا المجتمع جعلني أشعر بمرارة لم أكن أريدها أو ارغب فيها قالت عفاف او كنت تحسبين ان طريق الخدمة الدينية مفروش بالأزهار ؟ خال من المتاعب والمصاعب ؟ نحن لا ينبغي لنا ان ننكر وجود المصاعب والمتاعب ، ولكن المطلوب منا أن لا نحس بقساوتها ومرارتها ما دمنا قد سرنا في طريق الله ، وفي طريق الحق ، ألم تسمعي قسم الفتاة المؤمنة الذي ينطق عن لسان كل من مشت في طريق الله ؟
اسلامنــا انت الحبيب * وكل صعب فيك سهــل
ولأجل دعوتك العزيـزة * علقـم الأيـام يحـلــو
والآن . حدثيني بهدوء عما آثارك يا فاطمة ؟ قالت فاطمة أنه ليس بالشيء المعين يا عفاف ، قالت عفاف ، ولكنه
يتبع ان شاء الله