عندما عُرج بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم و صل إلى مقام .... يا أحمد أقبل ، أقبل ، أقبل ، ...و عندما تقدم و جد على ساق العرش الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ..
متن هذه الروايات و مفادها كاشف عن صحتها لاسيما أن هذه الرواية فيها آيات قرآنية مفاد هذه الرواية أن الحسين عليه السلام مصباح الهدى و سفينة النجاة .
لقد تحدث القرآن الكريم عن شيخ الأنبياء و سفينة نوح و قال إن سفينة نوح آية للصالحين و لكنها ليست بالنسبة لعالم واحد فقط و إنما كل من انطبق عليه عالمين فهي نجاة له و لم تكن في عالم معين .
فكل من جاء و يستحق أن يركب سفينة نوح يكون قد انطبق عليه لفظ عالم . كما جاء في القرآن إن إبراهيم من شيعة نوح و قد ركب عليه السلام سفينة نوح . وكل الصالحين يركبون هذه السفينة ،وهذه السفينة ليست سفينة مادية ! نعم ، ممكن أن تكون سفينة مادية و طوفان مادي و لكن أحياناً تكون خلافاً لذلك فهي أمور معنوية يجب أن يركبها الكل .
الرواية ﴾الحسين سفينة النجاة﴿أي الولاء للحسين عليه السلام . و نحن بحاجة لركوب سفينة الحسين عليه السلام سواء كنَّا مع الحسين عليه السلام أم لم نكن مع الحسين عليه السلام .لاحظوا.. كل إنسان يعيش ثلاثة طوفانات هم :
1 – طوفان عقائدي فكري.
2- طوفان نفسي .
3- طوفان اجتماعي حركي علمي .
و كل الطوفانات تكلم عنها القرآن . الطوفان العقائدي الفكري
قال تعالى : ﴾
بل هم في أمر مريج أي لم تستقر عقائدهم ، أي الإنسان إما عقائده منعقدة داخل نفسه و مرتبط عليها قلبه ، كما تقول الزهراء عليها السلام .>لا إله إلا الله كلمة ضمن القلوب موصولها و أنار في التفكر معقلها ....< أي واقع (لا إله إلا الله ) منطوي عليها بعض القلوب و لكن البعض الآخر لا يحافظ عليها ... لذلك القرآن يقابل بين الإنسان الراسخ العقيدة و بين الإنسان الذي يعيش أكثر عمره في شك . إن الإنسان كلما شاب شب إيمانه ، كلما كبر الإنسان كبرت عقيدته و لكن كثيراً ما يكون الإنسان صغير و لكن عقيدته كبيره . أي هم في تعلق و ثبات و عقيدة و إيمان و كل نفس يجره إلى الجنة و إلى العروج ..فهذا مفاد قرأني . الذي يريد أن ينجو من الوسواس والطوفان الفكري إمَّا بسفينة أهل البيت عليهم السلام و بسفينة الحسين عليه السلام أو لا ينجو . نحن نخاطب الحجة عج الله فرجه الشريف ﴾أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء أين الحبل المتصل بين الأرض و السماء﴿ .
أي إنه هذه النفس لها مرتبة وجودية هي حبل بيننا و بين الله و الذي لا يركب السفينة ويتعلق بالحبل فهو هالك لا محالة و سواء كان بطوفان واقعي مادي كما قوم نوح أو طوفان فكري .إن الله سبحانه و تعالى أحياناً لا يرسل العذاب مباشرة ، أي عندما يريد سبحانه أن يغلق الأبواب في وجه هذا الإنسان ويريد أن يعذبه يقول له (أعملوا ما شئتم) أي يعمل ما يشاء و عندها لا يبقى بينه و بين الله أي صلة و لا رابط و لو كان بسيط.....
في هذه المرحلة من مراحل وجود الإنسان إما أن يركب سفينة نوح و إلا يغرق في العقائد المنحرفة التي ليس لها أساس مثل المسائل العرفية التي أصبحت في مجتمعنا كالدين ، فنحن نعمل هذا لأنه عرف اجتماعي و هذا يقول ( عيب )لا تعمله لأن المجتمع لا يرضاه و ليس لأن الدين يرفض ذلك . مثل ( الإسراف في الولائم ) نحن نعلم إن المسرفين إخوان الشياطين و إن هذا عمل محرم و لا تقل حرمته عن باقي المحرمات و مع ذلك نعمله ، لماذا ؟ لأن المجتمع اعتاد على ذلك وأصبح عرفاً اجتماعياً . إذن إذا كانت عقائدنا متخلخلة ، فإن ركوبنا متخلخل .
القرآن يقول إنه بسبب عقيدة عند الإنسان و نية حسنة يرحم الله سبحانه و تعالى هذا الإنسان و يتجاوز عنه و حتى عن ذريته بحسن عقيدته لأن الركوب الواقعي في سفينة التوحيد يكون بهذه العقيدة و بها تكون الصلة بين السماء و الأرض .
و لكن الذي يعيش الطوفان الفكري لأنه يعمل بلا برهان و لا نية و هذه الحياة تكون مليئة بالأمواج و كل موجة تحمل طوفان فهو إما عقائد قوية و إما عدم الركوب في سفينة التوحيد . الطوفان النفسي
وهو أكبر من الطوفان العقائدي لأنه يوجد فرق و فاصل بين الطوفان النفسي والعقائدي . مثلاً نحن نؤمن بالعقائد نؤمن بالله و بالآخرة و العقائد الأخرى ولكن ما مدى ارتباطنا بهذه العقائد ؟! ما مدى انطباع أنفسنا بها ؟! نحن نعلم أخلاق أهل البيت عليهم السلام و لكن الذي لا يعمل بأخلاقهم يكون نفسياً لا يتقبل ذلك ولا يعيش حياتهم إنه حتى إذا حلت المسائل العقائدية و لكن مسائلنا النفسية لم تحل . عندما نتعرض لموقف معين مع الآخرين تنفعل نفسيتنا فنحلل الحرام ونغتاب ونرتكب المحرمات وهذا طوفان نفسي . و لو كانت نفس الإنسان ممتزجة بالإيمان لكان كل بلاء يقرب هذا الإنسان من الله سبحانه وتعالى .
يقول الإمام الحسين عليه السلام ﴾الحمد لله الذي جعل الدنيا متغيرة﴿ لأن الإنسان المستقر الساكن و الذي كل أموره مهيئة له سوف يتعلق بالدنيا و لكن من رحمة الله أن هذه الدار متغيرة و هي دار ابتلاء و امتحان وكلما كان الإنسان ممتحن أكثر كلما كانت أسباب تقربه من الله أكثر .
إذا الإنسان كبر و لم يفقد صديق و حبيب و لا ولد ولا عزيز يكون هذا الإنسان محتاج إلي هزة تقربه من الله سبحانه و تعالى .
وكثيرا ما يكون الطوفان النفسي يزيد بعد الإنسان عن الله سبحانه وتعالى ، الإنسان عندما يسير على نسق واحد يكون ضعيف أمام أي مشكلة اجتماعية ، أما إذا كان الإنسان في معرض الامتحان فيكون أقوى و أصلب يقول الإمام علي عليه السلام ﴾
الشجرة البرية أقوى و أصلب عوداً ﴿الشجرة البرية أقوى و لا تحترق بسرعة و أما الشجرة الخضراء فهي لينة تحترق بسهولة و سرعة . كذلك الإنسان المتخم نفسياً لا يستطيع أن يواجه شيء في الدنيا ، فكيف به في سكرات الموت و على الصراط . . .
و لو قرأنا لوجدنا أن الكثير من الناس ينحرف و تزول عقيدته عند موته و هذا لأنه ضعيف و معرفته بسيطة .
الإنسان الضعيف في عقائده و نفسه و بدنه ...هو يستطيع الآن أن يتصرف في وقته و في نفسه و عقائده كيف يشاء ، ولكن بعد ذلك سوف يسلب منه ذلك و تشهد عليه هذه الأمور و تشهد عليه جوارحه . .
إذن الإنسان إذا لم يحل مشكلته مع أهل البيت عليهم السلام فهم الذين جعلونا عندما نحب نهذب هذه العاطفة ...فإذا كنت تريد البكاء فأبكي على الحسين عليه السلام ، أي ربي عواطفك بحيث لا تبكي إلا على الحسين عليه السلام ، البكاء التوحيدي العقائدي الديني فهو أحق بالبكاء .... أجعل عواطفك تتعلق بأسمى شيء و أعلى شيء وهو الحسين عليه السلام ، ربي عواطفك بحيث تبكي بلا إرادة على الحسين عليه السلام كثير من الناس يموت و له تعلقات تافهة في هذه الدنيا مثل تعلقه بصورة ... كتاب ... أثاث ...الأئمة عليهم السلام أكثر حباً لنا و هم الذين ينقذونا من الهلاك في الدنيا وفي الآخرة .. الطوفان الاجتماعي الحركي
كثير من الأخبار القرآنية تقول أن هناك جيل مقصر يقع تقصيره على الجيل الذي بعده .
أكثر الناس إيماناً و فكراً و أوسعهم قلباً يقع عليه تقصير الجيل... لقد تساهلوا في التعامل مع الزهراء عليها السلام و مع الأئمة الأطهار عليهم السلام على الرغم من أن بعضهم كان يعرف مكانتهم ... ونتيجة تقصير الأجيال في هذا الجانب ،أصبحت مكانت الحسين عليه السلام مثل باقي الناس حتى أن أمثال أبن عباس كان لا يخالف مواجهة الحسين عله السلام ويشير عليه بعدم الخروج .
الحسين عليه السلام الذي كان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كثيراً ما يقبله و يظهر اهتمامه به . ولكن بسبب تقصير الأجيال أصبح قتلهم مثل أي فرد عادي ... إذن نتيجة هذه الأمواج من التقصيرات و ليس فقط جيل الحسين عليه السلام .
الآن مثلاً الروح الإسلامية العقائدية المنطفئة حتى إنه كل هذه الحروب والمجاعات وإسرائيل تحتل و تقصف و غيرها و لا أحد يتكلم ....
الحج الذي أصبح رمي جمرات فقط ليس ذلك الحج الإبراهيمي . .
إذن أعقل الناس وأكثرهم إيماناً هم الذين يتحملون هذا الابتلاء و التقصير ....كل الأئمة عليهم السلام سفن نجاة و لكن سفينة الحسين عليه السلام أوسع فقد حوت معركة الطف المرأة و الرجل و الطفل و الصبي و الفتاة و الكهل . .
لا حظوا كيف تحمل الحسين عليه السلام هذا التقصير ..نحن عندنا في الفقه يجب وجوبا كفائيا دفن الميت المسلم ولو كان سقطا ذو أربعة أشهر . . .لكن كيف كان حال الإمام الحسين عليه السلام ؟!
إنا لله وإنا له راجعون . . . .
بقلم الاستاذة العالمة الفاضلة أم عباس
تصميم
ابوحسن علي