السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك
من موقع مکتب الاستفتاءات سماحة المرجع السيد محمدصادق الروحاني حفظه الله http://www.istefta.com/
السوال: تجتاح موجة من التشكيك الأوساط المسلمة الشيعية في البلدان التي يتواجد فيها الشيعة، من قبل أعداء الإسلام، وتتركز حول مسألة عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام، بهدف إنكار فضائله وفضائل آل بيته عليهم السلام. ومنها إنكار تكلم رأس الحسين عليه السلام بحجة أن هذه معجزة والمعجزة لا تكون إلا للأنبياء. ومنها ايضاً إنكار حديث قارورة أم سلمة. ومنها إنكار مقدرة بعض الأصحاب على قتل وصرع عدد كبير من الأعداء. ومنها الانتقاص من أبي الفضل العباس سلام الله عليه لعدم شربه للماء حين وصوله إليه، بحجة أنه لو شرب الماء لكان أقدر على مواصلة المعركة!! ومنها اعتبار التطبير مسألة رجعية، والتشنيع على المطبرين، رغم أنهم يقتدون بذلك بسيدتهم زينب سلام الله عليها. ومنها اعتبار البكاء على الإمام الحسين عليه السلام أمراً غير حضاري ولا إسلامي. ومنها الانتقاص من قدر ومقام أصحاب الإمام الحسين عليه السلام حيث يتم تفضيل بعض المتأخرين عليهم، رغم قول الإمام الحسين فيهم: فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي.. حتى وصل الأمر بالتشكيك بعلم الإمام الحسين عليه السلام بمقتله في يوم عاشوراء، وإنكار علمه بكثير من الأمور والوقائع؛ ما رأي سماحتكم بهذه المقولات؟ وما الواجب تجاهها و تجاه من يروجها؟ وكيف السبيل الى بيانها للعوام؟ نرجوا بيان الحقيقة في كل واحدة منها بالتفصيل الممكن.
ج: باسمه جلت اسمائه
أما إنكار تكلم رأس الحسين عليه السلام، فإن كان من جهة أنه لا يمكن ذلك بالنسبة الى الأئمة عليهم السلام فالجواب عنه ان الولاية التكوينية -والمراد بها كون زمام أمر العالم بأيديهم ولهم السلطة التامة على جميع الأمور بالتصرف فيها كيف ما شاؤوا إعداماً أو إيجاداً فهي- ثابتة للأئمة عليهم السلام؛ بل القرآن الكريم يثبت ذلك لمن هو دونهم، قال الله تعالي: {وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} وقال عز من قائل: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاءاً حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد} وقال سبحانه: {إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} إلى غير ذلك من الآيات المتضمنة لثبوت ولاء التصرف لأشخاص. وإذا ثبت ذلك لهؤلاء فثبوته للرسول الأعظم وخليفته الذي عنده علم الكتاب بنص القرآن (الرعد43) لا يحتاج إلى بيان. فالروايات المتواترة المتضمنة للمعجزات والكرامات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام كالتصرف الولائي في صورة الاسد وصيرورته أسداً مفترساً وما شاكل، إنما نلتزم بها ونعتقد من غير التزام بالتأويل، كيف ونرى أنهم عليهم السلام بعد موتهم تصدر عنهم كرامات من إبراء المريض الذي عجز الأطباء عن إبرائه، وحل معضلات الأمور وما شاكل؟ ألم ترجع روح الصديقة الكبرى سلام الله عليها إلى بدنها بعد التغسيل و التكفين؟ وضمت الحسنين عليها السلام إلى صدرها؛ وإن كان الإنكار من جهة عدم الدليل في مقام الإثبات، فلا بد من الرجوع إلى التواريخ، فقد استفاض النقل بذلک.
و بذلك يظهر أنه لا مورد لإنكار حديث قارورة أم سلمة، فإنه حديث يدل على تصرف النبة صلى الله عليه وآله في الطبيعة. فالكلام فيه هو الكلام في إنكار تكلم رأس الحسين عليه السلام.
وأما الإنتقاص من العباس عليه السلام لعدم شربه للماء حين وصوله، فملاحظة كيفية شهادته تكون جواباً عن الإيراد القائل بأنه لو شرب الماء لكان أقدر على مواصلة المعركة. وأما التطبير فقد أشبعت الكلام فيه في الأسئلة السابقة وبيّنت انه من افضل القربات، وأنه يوجب تقوية المذهب لا تضعيفه. والأغرب من الجميع إعتبار البكاء على الإمام الحسين عليه السلام أمراً غير حضاري ولا إسلامي، مع ما ورد في الحث عليه في الروايات المتواترة.
وأما إنكار علم الإمام عليه السلام بمقتله و بكثير من الأمور و الوقائع، فقد أجبت عنه مفصلاً وأشير هنا إلى بعض تلكم الوجوه منها: أن علمهم عليهم السلام لشدة اتصالهم بالمبدأ. وعلمهم بعلم الله وإرادته، فإنهم عليهم السلام أوعية علم الله، وعلمهم من علمه تحت إرادة الله تعالى، وما يشاؤون إلا أن يشاء الله، ليس منهم مع علمهم إرادة غير إرادة الله تعالى، وإرداة الله فوق إرادتهم. وإلى ذلك أشار عليه السلام في خطبته بقوله : {رضى الله رضانا أهل البيت} يعني أني مع العلم بأني مقتول ومتقطع الأوصال، أقدم على هذا لأن فيه رضى الله تعالى، و رضى الله رضانا، ويشير إلى ذلك جوابه على من اعترض عليه ومنعه من المسير، حيث قال: {شاء الله أن يراني قتيلاً} يعني أنه مع علمه بما يجري عليه أقدم، لأن فيه مشيئة الله، ومشيئة الله فوق مشيئتهم، وهم مظهر مشيئته و وعاء علمه، بل لا مشيئة لهم غير مشيئة الله تعالى. و منها أن علمهم عليهم السلام لما كان أشعة من علم الله تعالى، فكما أن الله تعالى لا يعمل بعلمه، إذ لو عمل بعلمه لبطل إرسال الرسل وإنزال الكتب، ولما احتج على العباد(كما في صريح الرواية)، فكذلك هم عليهم السلام لا يعملون بعلمهم. http://www.istefta.com/ans.php?stfid=2874&subid=18