هل يقبل احد اعضاء البرلمان والحكومة ان يرى طفلة هكذا
هل يقبل البرلمان والحكومة ان يعمل طفلة حتى لو كان غير هذا العمل
هل يرضى اعضاء البرلمان والحكومة ان يعيش طفلهم تحت سقف من الورق والخيوط البلاستيكية
ام تبريد ومكيف اخر موديل
********
دأبت شعوب العالم المتقدم ومنذ ان قدر لها ان تتخطى عتبة ما كان يسمى بالعالم الاول ، دأبت على وضع الاسس العامه والتفصيليه لمسار حياة افرادها وبشكل جعل هذه الحياة تسير وبانتظام في كل شيء حتى بالنسبة لطريقة مضغ الطعام ، وترسخت التعاليم التي وضعتها تلك الشعوب لنفسها بحيث اصبحت وعلى مر الاجيال متوارثة وبدت وكأنها نواميس ثابته لا يتعدى عليها احد رغم عدم وجود من يراقب . ومن المشاريع التي وضعتها تلك المجتمعات المتقدمة ضمن حيز الاهتمام الاستثنائي هو الطفل .. ذلك الكيان الصغير بحجمه الكبير بقيمته اللامتناهية في العظمة كونه خط الشروع لبدء حركة الحياة صوب النمو والتقدم .
الطفل في النظم الاجتماعية المتطورة لا يباح لاحد مهما كان حتى الاب والام ان يهينه ويسبب له شرخا في عقله الباطن ، ولا يمكن وباي شكل من الاشكال ان يتعرض الى عقوبة جسدية او اي شيء يدعوه للتألم والبكاء فهذا يعتبر خلل كبير خاصة لو تم في مكان عام حيث المجتمع المتحفز للثورة على فعل كهذا ان حدث ، بل ان القوانين وفي اغلب الاحيان تقضي بحبس ولي الامر ان اعتدى على طفله وباية طريقة كانت ، انه مشروع يكتسب قدسيته كونه خرسانة البناء الاجتماعي ودعامته الاساسيه وسنده القوي امام هزات القدر .
وان كنا نحن في عالمنا الثالث والذي ارغب احيانا بان اسميه بالعالم الخامس عشر لا نحلم في ان يلتحق طفلنا قريبا بالطفل الاوروبي او الامريكي ويتمتع بما يتمتع به من زهو في الحياة وضمان للمستقبل ، غير اننا – ويهمني هنا طفل بلادي العراق – لا نتستطيع الا ان نتمنى والتمني في بعض الاحيان له فائدة ما بان يجري الالتفات الى حل البعض من معوقات حياة الطفل في بلادنا ، وتبدو اهمية ذلك من كون ان تلك المعضلات هي فرع رئيسي من فروع المشكلة الاساسية الاجتماعية والاقتصادية في بلاد الرافدين .. فرع اصله هدر حوق المراة وضياع المال العام وتدني مستويات التعليم وعدم توفر سبل الضمان الاجتماعي للاسره .
ومن المحزن حقا ما يجري هذه الايام – وكواحدة من بوادر تلطيف الجو – تكرار ذكر الطفل سواء عبر وسائل الاعلام او الصحافة او من خلال ذلك الخطاب البائس لمن نصبوا انفسهم دعاة لحقوق الطفولة .
ففي الوقت الذي تهدر فيه حقوق الطفل وبضراوة متناهية ويلف قضيته النسيان وتقذف به ظروف البلد الى متاهات الضياع واللاتعلم والتشرد والمرض ، في ذات الوقت تجري محاولات المتاجرة الرخيصة بهذه القضية الحيوية كورقة من اوراق تثبيت الاقدام وترسيخ دعائم البقاء في مراكز اتخاذ القرار . وكمثال يدعو للشفقة والالم معا فقد انطلقت مؤخرا دعوات الى مراعاة شؤون ما سمي ببرلمان الطفل في العراق ، ولا اعرف ان كان هذا البرلمان شأنه شأن برلمان الكبار وكيف سيتم فض المنازعات فيه وان كنت على يقين بان ذلك سيتم بطريقة اخرى وهي طريقة الاطفال حينما يختلفون . لقد ظهرت رئيسة ( برلمان الطفل ) وهي شابة في ريعان صباها من على شاشة احدى الفضائيات العراقيه لتعبر عن حزنها البالغ لان الحكومة العراقيه لم تخصص للبرلمان هذا باص يؤمن نقل منتسبيه الى القاعة المخصصة له ، وكأن الطفل المدلل في بلادنا قد انتهى من نزع كل موبقات الاجحاف بحقه ولم يتبقى غير باص ينقل ممثليه الى البرلمان .
لقد تخطى الطفل في العراق وخاصة في المدن الصغيرة والقرى والارياف في سوء اوجه حياته حتى اطفال البلدان الافريقية المتخلفه ، انه يظهر بشعره الاشعث وقدميه الحافيتين وعيونه التي يملؤها القذى ونظراته المسكينه وكأنه اقوى سبة في وجه دعاة رعاية حقوق الانسان . وبعيدا عن دائرة اللهو في تناول ما يعتبر ترفا في الكلام اجدني امام حقيقة عظم المسؤولية التي تتحملها قوى السياسية كافة في بلادنا جراء صمتها ولا مبالاتها بشؤون الطفل والاسرة وتورطها في الدخول لحيز ما زالت تدور فيه مع اللاعبين بمقدرات الشعب واللاهين بالخوض في متاهات لا تعني في نتيجتها الا كسب الوقت ومحاولات اكتساب شرعية البقاء ، فالاحزاب المحسوبة على العراق كي تكتسب معنى يستطيع التاريخ ان يوثق له بيراع الخير ، لابد لها ان تعود للمارسة سبلها المعهودة والمتمثلة بالانتماء الى شرائح الشعب المتضررة والدفاع عن حقوقها والسير بها عبر مسارات تحقق من خلالها انتصاراتها على اعدائها من المتنفذين والمحتكرين وناهبي الاموال العامه ، بدلا من هذا التشرذم المؤسف والذي بلغ حدا جعل اللجوء الى السباب المتدني والطعن في السير الذاتيه ياخذ مكان ما تعودنا عليه وما كنا نسميه سابقا ادبيات فكريه .