صورة توضيحية لمسجد الكوفة
كانت الكوفة صحراء واختار الصحابيان سلمان الفارسي وحذيفة اليماني، موقعها سنة 17 للجيش الإسلامي أيام خلافة عمر بن الخطاب لذلك سميت(كوفة الجند)، أي مجمع الجيش وبنيت سنة 22 هـ بالآجر في عهد ولاية المغيرة بن شعبة على سبعة محلات لكل قبيلة، واتخذها الإمام علي(عليه السَّلام) سنة 36 هـ بعد معركة الجمل عاصمة للخلافة الإسلامية واتجهت إليها الأنظار من العالم الإسلامي، وأصبحت مدينة علمية وتجارية في عهده(عليه السَّلام)، حتى قامت الخلافة العباسية سنة 132هـ فاتخذوا الهاشمية لهم، ثم بغداد، فذبلت نظارة الكوفة حتى سنة 580 هـ حيث استولى عليها الخراب كما يقول الرحالة ابن جبير بعد أن كانت كلمة(الكوفة) تعني مناطق شاسعة.
ومسجد الكوفة هو من أشهر المساجد(وكان أول من أسس في مدينة الكوفة مسجدها الجامع ودار الإمارة) وذلك عام 17 هـ، وهو مربع الشكل تقريباً 110متر.
ويتسع لأربعين ألف مصلٍّ من المسلمين، يتوسط صحنه بقعة منخفضة ينزل إليها بسلم وتسمى (السفينة)، والمشهور بين العامة وهي شهرة باطلة، إنها الموقع الذي صنعت فيه سفينة نوح، أو رست فيه مع أن السفينة هي أرض المسجد الأولى، وقد طم جميع مساحة المسجد ما عدا هذا الموضع لمعرفة العمق السابق.
قال الشيخ حرز الدين في(المراقد) ج2 ص 308 ما نصه:
(صارت أرض المسجد تنز ماء عند تحكم مجرى الفرات على مقربة منه، فطمّ السيد مهدي بحر العلوم، المحاريب بالتراب الجديد الطاهر وبنى على أُسسه القديمة محاريب كما هي الآن، وكما طم الغرف والأُسطوانات القديمة المزدانة بالأعمدة الرخامية التي منها شاخص الزوال المنصوب، في مقام النبي(صلّى الله عليه وآله) الأعلى في وسط المسجد وكان مدخل مقام النبي (صلّى الله عليه وآله) القديم الأسفل في محوطة بيت نوح(عليه السَّلام) المعروف اليوم بالسفينة).
فضل مسجد الكوفة:
* وعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) (لما أُسري به إلى السماء قال له جبرائيل: أتدري أين أنت يا محمد؟ أنت الساعة مقابل مسجد كوفان، قال: فاستأذن لي أُصلي فيه ركعتين، فنزل فصلّى فيه، وإن مقدمه كروضة من رياض الجنة وإن وسطه وميمنته وميسرته كروضة من رياض الجنة وإن وسطه كروضة من رياض الجنة، وإن مؤخره كروضة من رياض الجنة، والصلاة فيه فريضة تعدل بألف صلاة والنافلة فيه بخمسمائة صلاة، وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبواً ).
* وقال الإمام علي(عليه السَّلام): (النافلة في هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي(صلّى الله عليه وآله)، والفريضة تعدل حجة مع النبي(صلّى الله عليه وآله)، وقد صلّى فيه ألف نبي ووصي).
* عن الإمام الباقر(عليه السَّلام): (صلاة في مسجد الكوفة، الفريضة تعدل حجة مقبولة والتطوع فيه تعدل عمرة مقبولة).
* وعن أبي جعفر(عليه السَّلام): (مسجد كوفان روضة من رياض الجنة، صلّى فيه ألف نبي وسبعون).
ومدينة الكوفة هي إحدى المدن الأربعة التي اختارها الله تعالى، وفي الحديث إنها حرم الله وحرم رسوله(صلى الله عليه وآله) وحرم أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأما فضل جامع الكوفة فلا يفي به الذكر وحسبه شرفاً أنه أحد المساجد الأربعة الجديرة بأن تشدَّ إليها الرِّحال لدرك فضلها، وهُو أحد المواطن الأربعة التي يكون المسافر فيها بالمختار بين القصر والإتمام، والفريضة فيه تعدل حجةً مقبولة وتعدل ألف صلاة تُصلى في غيره، وفي الروايات أنه موضع قد صلَّى فيه الأنبياء وسيصلي فيه القائم المهدي(صلوات الله عليهم).
وإليك لمحة عن المزارات:
1 ـ مقام أمير المؤمنين(عليه السَّلام):
يحيط بالمسجد عدد كبير من الغرف أوسعها ما في القبلة وفيه المحراب الذي كان يصلي فيه الإمام(عليه السَّلام) وفيها استشهد(عليه السَّلام) ومن هنا سمي بالمقام لأنه(عليه السَّلام) كان يقيم صلاته فيه، وكان بجنب المحراب باب يمر إلى قصر الإمارة التي لا تزال إطلاله ماثلة اليوم وينتهي إلى بيت الإمام(عليه السَّلام) وهو قريب من دار الإمارة على بعد 85 متراً ولا يزال البيت موجوداً وعليه قبة خضراء وهذا المحراب يتعاهد المؤمنون بالتبرك، وقد قام سلطان البهرة أخيراً 1974م بنصب شباك من الفضة والذهب عليه.
2 ـ مرقد مسلم بن عقيل:
مسلم بن عقيل أول الشهداء، أرسله الحسين(عليه السَّلام) سفيراً له إلى الكوفة، للتأكد من حقيقة الوضع الذي صورته رسائل الكوفة إليه، وأخذ البيعة له فقتل وهاني بن عروة في يوم عرفة.
يقع مرقد مسلم بن عقيل وهاني بن عروة مجاور لجدار مسجد الكوفة من جهة الشرق، وكانت تعلو الشباك الذي يحيط القبر قبّة عالية مغطاة بالكاشي من الخارج وقد جدد بناء الحرم أخيراً، حيث شرع في التجديد، والتوسع عام 1965م، إذ وسع الرواق المحيط بالضريح كما تم توسيع جوانبه الأخرى.
وقد تم زخرفة الجدران الداخلية للحرم والقبة بالمرايا ومن الخارج بالذهب.
وقد وسع الصحن الممتد بين ضريح مسلم بن عقيل وقبر هاني بن عروة، وبناء أروقة فيه، وذلك عام 1960 م فتكون للمرقدين سوراً.
3 ـ المختار الثقفي:
(إن المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص، وأن نهضته الكريمة لم تكن إلا لإقامة العدل باستئصال الملحدين واجتياح الظلم الأموي، وأنه يتهم بالمذهب الكيساني وأن كل ما نبذوه به من قذائف وطامات لا مقبل لها من مستوى الحق والصدق، ولذلك ترحم عليه الأئمة الهداة سادتنا السجاد، والباقر، والصادق(عليهم السَّلام)، وبالغ في الثناء عليه الإمام الباقر (عليه السَّلام)، ولم يزل مشكوراً عند أهل البيت الطاهر هو وأعماله...)[الاميني ج 2 ص343].
ثورة المختار:
سجن المختار في قصر الإمارة بأمر ابن زياد هو وجماعة منهم، ميثم التمار وجاء بريد الشام من يزيد بن معاوية وفيه العفو عن المختار لشفاعة هناك من بعض أصهاره، فأُفرج عنه وأمر بطلب ميثم، وكان يقول له ميثم في السجن: (إنك ستفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين(عليه السَّلام) فتقتل هذا الذي يريد أن يقتلك).
وأضاف الشيخ الأميني قائلاً:
(وقد بلغ من إكبار السلف له أن شيخنا الشهيد الأول ذكر في مزاره زيارة تخص به يزار بها، وفيها الشهادة الصريحة لصلاحه ونصحه في الولاية، وإخلاصه في طاعته إليه ومحبة الإمام زين العابدين، ورضا رسول الله وأمير المؤمنين(عليه السَّلام)، وإنه بذل نفسه في رضا الأئمة، ونصرة العترة الطاهرة، والأخذ بثأرهم والزيارة هذه توجد في كتاب(مراد المريد) وهو ترجمة مزار الشهيد للشيخ علي بن الحسين الحائري، وصححها الشيخ نظام الدين الساوجي مؤلف (نظام الأقوال)، ويظهر منها أن قبر المختار في ذلك العصر المتقدم كان من جملة المزارات المشهورة عند الشيعة، وكانت عليه قبة معروفة كما في رحلة ابن بطوطة ج 1 ص138).
وفي(المراقد) ج2 ص 7: (قبر الآخذ بالثأر المختار في الزاوية التي تشكل من قصر الإمارة ومسجد الكوفة خارجاً وكان قبره في السابق معفياً عثر عليه العالم الرباني السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي عند تتبعه عن آثار المسجد ومحاريبه.
ووجدوا على دكة قبره صخرة منوهة باسمه ولقبه، فأُنشأ له حرماً واسعاً وألحقه برواق وحرم مسلم بن عقيل(عليه السَّلام) جنوباً وجعل لقبره شباكاً جديداً).
4 ـ هاني بن عروة:
كان هاني شيخ مراد وزعيمها، تركب معه أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل، فإذا تلاها أحلافها من كندة وغيرها، ركب في ثلاثين ألف دارع(مروج الذهب ج 3 ص 69).
وفي الطبري: أن هانياً قال: إن مسلماً نزل عليّ، وأنا لا أخرجه من داري، قال ابن زياد - ألم يكن عندك لي يد في فعل أبي زياد بأبيك وحفظه من معاوية، قال هاني: ولتكن عندي يد أخرى بأن تحفظ من نزل بي وأنا زعيم لك أن أخرجه من المصر فضربه ابن زياد بسوطه وهشم أنفه، وأمر به إلى السجن، قال له ابن زياد: إنما تعلم أن أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك وأحسن صحبتك وكتب إلى أمير الكوفة يوصيه بك أفكان جزائي أن خبأت في بيتك رجلاً ليقتلني (يعني بذلك مسلم).
قال هاني: ما فعلت فأخرج ابن زياد عبده معقل، فبهت هاني وقال لابن زياد إليك عندي بلاء حسناً، وأنا أحب مكافأته به، قال ابن زياد: وما هو؟
قال هاني: تشخص إلى أهل الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالهم، فإنه قد جاء من هو أحق منك، ومن صاحبك.
قال ابن زياد: أدنوه مني فأدنوه فضرب بيده بقضيب على وجهه ورأسه، وضرب هاني بيده على قائم سيف شرطي من تلك الشرطة فجاذبه الرجل ومنعه السيف، وقيل إن هانياً حمل عليه بالسيف وجرحه جرحاً منكراً فتكاثر عليه الرجال وأوثقوه كتافاً(مروج الذهب ج 3 ص 67).
وبلغ الخبر آل مذحج، وهجموا على ابن مرجانة وصاحوا: قتل صاحبنا (يعني هانياً) فخافهم ابن زياد وأمر بحبسه في بيت إلى جانب مجلسه وأخرج إليه شريح بن الحارث القاضي، فصعد سطح القصر ونادى: (يا أيها الناس انصرفوا فما بلغكم من قتل صاحبكم باطل وهو حي وأنا أشهد أنه مكرم عند الأمير لا يريد به سوءاً وسيلحق بكم في غاية العز والاحترام ومشمولاً بالإحسان والإكرام) فتفرق الناس.
وفي تاريخ 9/ذي الحجة/60هـ وفي نفس اليوم الذي قتل مسلم أخرج هاني بن عروة المرادي من السجن وضربت عنقه في سوق الغنم، وأمر ابن زياد أن يجر جسده مع جسد مسلم بن عقيل في أسواق الكوفة.
وقد بعث ابن زياد برأسي مسلم وهاني إلى يزيد بن معاوية في الشام ثم أن مذحجاً استوهبوا الجثة ودفنوهما عند قصر الإمارة عند حريم المسجد.
وفي(المراقد) ج 2 ص 359: (مرقد خلف مسجد الكوفة الأعظم محاذياً لزاوية المسجد الشرقية الشمالية عامر مشيد له حرم وأروقة يزوره كل من يزور مرقد أول الشهداء مسلم بن عقيل فوق حرمه قبة شاهقة البناء مزينة بالقاشي الأزرق).
من أعمال المسجد:
صلاة ركعتين في وسط المسجد المعروف بمقام الرسول(صلّى الله عليه وآله) لقضاء الحاجة تقرأ في الركعة الأولى: (قل هو الله) وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) وبعد الصَّلاة: (تسبيحة الزهراء(عليها السَّلام))، وتقول:
(اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ وَإِليْكَ يَعُودُ السَّلامُ وَدارُكَ دَارُ السَّلامِ حَيّنا رَبَّنا مِنْكَ بالسَّلام، اللَّهُمَّ إِني صَلّيْتُ هَذِهِ الصَّلاةُ اِبْتِغَاءَ رَحْمَتِكَ وَرضْوَانِكَ وَمَغْفِرَتِكَ وَتَعْظيْماً لِمَسْجِدِكَ، اللَّهُمْ فَصَلِّ عَلى مُحَمْدٍ وَآلِ مُحَمّد، وَارْفَعْها فِي عِليّين وَتَقَبّلها مِنّي يا أَرْحَمَ الرّاحِمِيْنَ).