يدلي ملايين العراقيين باصواتهم يوم السبت في انتخابات مجالس المحافظات، في ثالث انتخابات منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
وستعطي نتائج عملية التصويت مؤشرا لتوازنات القوى قبل الانتخابات العامة التي ستجري في وقت لاحق من العام الحالي، كما ستختبر هذه الانتخابات ما اذا كانت البلاد على الطريق نحو التعافي في ظل تراجع اعمال العنف خلال العام الماضي.
وتحظى عمليات الاقتراع في مدينة النجف المقدسة بمتابعة لصيقة، في وقت يرغب فيه الحزب الشيعي الرئيسي هناك في تحويل المدينة الى عاصمة لاقليم يتمتع بالحكم الذاتي في جنوب العراق.
الا ان الاحزاب الشيعية الاخرى تعارض هذا التوجه، ما قد يؤدي الى انهيار التحالف الذي يهيمن على الحياة السياسية في العراق.
عندما تصل الى النجف، تشعر بانها تختلف عن بغداد، فهي اكثر أمنا، كما تتمتع بمظهر افضل. و يستطيع الزائر للنجف ان يلحظ مظاهر اوسع لاعادة الاعمار، فالطرق تصان بشكل افضل.
كما يمكن مشاهدة عدد اكبر من اللافتات الانتخابية، في مؤشر على ضراوة الصراع هنا.
الحكم الذاتي
تتمتع النجف باهمية كبيرة-لدى كافة الشيعة حول العالم، وليس في العراق فقط.
فهي المكان الذي ووري فيه جثمان الشخصية الدينية المحورية، الامام علي في العام 661ميلادية، فالمدينة تتمتع بمكانة تماثل مكانة الفاتيكان. كما تعيش في النجف غالبية المرجعيات الدينية الشيعية بمن فيهم رجل الدين صاحب النفوذ الواسع ايه الله علي السيستاني.
ففي كل يوم، يزور حوالي 10 الاف شخص القبة المذهبة لضريح الامام علي، المحاطة بجدران مزينة بزخارف من الفسيفساء. ويمثل الزوار الشيعة الايرانيون نصف عدد الوافدين.
هناك سيل لا ينتهي من الناس يعبرون البوابة المزخرفة. كما تقوم النساء المتشحات بعباءات سوداء تغطيهن من الرأس الى القدم بتقبيل او لمس الجدران المحيطة بالضريح في طريقهم الى الداخل.
وقد بني الاقتصاد المحلي للنجف على خدمة الزوار، من الفنادق الى المطاعم، والى مئات من الاكشاك في الاسواق المجاورة.
وتعد النجف حاليا، احد اكثر المدن أمنا في العراق، كما انها كانت تدار بايدي العراقيين على مدى السنتين الماضيتين.
ومع وجود هذا الضريح الشديد الحساسية، فان الادارة المحلية لا ترغب في المخاطرة. فقد تمت الاستعانة بنقاط تفتيش متعددة في الطريق المؤدية الى المدينة، مصحوبة بانتشار لقوى الامن في كل مكان في المدينة.
ففي العام 2004، كانت المدينة ساحة صراع بين المقاتلين الموالين لعالم الدين مقتدى الصدر من جانب والقوات الاميركية من جانب اخر لبسط السيطرة على المدينة.
الا ان نوعا جديدا من الصراع اخذ في الظهور في هذه المدينة.
ويأمل الحزب الشيعي الرئيسي في هذه المدينة، وهو المجلس الاعلى الاسلامي العراقي،أن يؤدي انتصاره في هذه الانتخابات الى دفع خطط المجلس لتأسيس اقليم يتمتع بالحكم الذاتي في جنوب البلاد، على ان تكون النجف عاصمة لهذا الاقليم.
وسيضم هذا الاقليم، المحافظات التسعة الواقعة جنوب العاصمة بغداد والتي يشكل فيها الشيعة اغلبية السكان، كما يضم هذا الاقليم المقترح حقول النفط الرئيسية في جنوب العراق.
ويصف الشيخ خالد النعماني، وهو ثاني اكثر المرشحين نفوذا في النجف، هذه الخطة بالانقاذية، مشيرا الى ان الفيدرالية تعطي الناس سلطات محلية اوسع.
وقال النعماني انه "بهذه الطريقة لن يكون هناك اضهاد على يد الحكومة المركزية"
وذكر النعماني ان الاكراد العراقيين يملكون فعليا منطقة حكم ذاتي في الشمال، ويدعم الدستور العراقي اعتماد اوسع للفيدرالية.
الا ان هذه الفكرة لا تحظى بدعم من المجلس الاعلى للتحالف الشيعي
وقال لؤي نصيري، المرشح من حزب الدعوة الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء نوري المالكي إن" هذه الخطوة هي الاولى باتجاه تقسيم العراق.
كما يعارض مقتدى الصدر، وهو الحليف السابق لنوري المالكي، الخطة التي ينبناها المجلس الاعلى.
لا ثقة
وعلى الرغم من كونه اكبر حزب في النجف، فان انتصار المجلس الاعلى لن يتحقق بسهولة هذه المرة. فكما حدث لعدة احزاب رئيسية، فقد الحزب نسبة كبيرة من التأييد الشعبي على مدى السنوات القليلة الماضية.
وكحزب رئيسي في التحالف الحاكم في بغداد، ينظر الى الحزب باعتباره مسؤولا عن الاخفاق في وقف حالة الفوضى في البلاد.
وبشكل خاص، هناك مؤشرات على وجود ردود فعل سلبية تجاه الاحزاب ذات المنطلقات الاسلامية مثل المجلس الاعلى.
وفي حالة مماثلة لحزب اسلامي اخر، يقول التيار التابع لمقتدى الصدر، يقوم بشكل فاعل باعادة تقديم نفسه بثوب جديد، والتنافس عبر مرشحين مستقلين عوضا عن المنافسة تحت مضلة التيار الصدري.
واعترف صلاح العبيدي، الناطق باسم مقتدى الصدر بأن " الناس ليس لديها ثقة في الاحزاب السياسية، سواء الاسلامية او غير الاسلامية".
ويقول التيار الصدري ان مرشحين تم اختيارهم على اساس قدراتهم الذاتية وليس على اساس مكانتهم الدينية.
الا انه وبسبب ماضيه المثير للجدل، فان الكثير من العراقيين لديهم شك في مدى حقيقة هذا التغير.
الا ان المؤشرات تشير الى ان الصورة الجديدة للعراق لا تزال غير مستقرة