الطفل مبدع بطبعه ونحن من يقتل موهبته ويعيده الى ما هو مفترض ومعتاد وهناك دراسة روسية تشير الى ان نسبة المبدعين بين الاطفال تصل الى 90 بالمائة حتى سن الخامسة ثم تنخفض بسرعة الى 10 بالمائة في سن السابعة وما ان يصل الطفل الى سن الثامنة حتى تنحدر موهبة الابداع لديه الى 2 بالمائة فقط. وما يحدث هنا ان 8 سنوات من الارشاد والتوجيه واتباع الاعراف تؤدي الى طمس موهبة التمرد والتساؤل والاستغراب لدى الطفل (وهي اهم العناصر الواجب توافرها في كل عبقري ومبدع) وبعد ان كان يواجه في كل موقف تحديا جديدا وموقفا مختلفا يشحذ الذهن اصبح يدخل ضمن عقلية جماعية تقدم تفسير جاهزا ومفترضا لكل ما حولها. وفي الحقيقة ان كل من درس دوافع الابداع عند العباقرة يكتشف ان معظمهم احتفظ بطريقة ما وبدهشة الطفولة حتى سن متقدمة من العمر فالاسئلة الطفولية الساذجة (متى أين كيف لماذا) والتي نسمعها من الاطفال هي المحرض الاول للابداع والاكتشاف اما حين نكبر وتصاب ادمغتهم بالصدأ فتتحول ظواهر كثيرة حولنا الى مسلمات وما هي بمسلمات.
كما تفيد الدراسة ان العباقرة من الفئة النادرة التي لا تزال تطرح اسئلة طفولية ساذجة تمكن من اختراق حجب الغفلة والمعتاد واكتشفوا جوانب جديدة لمظاهر قديمة تحدث حولنا باستمرار فنيوتن مثلا اكتشف سر الجاذبية بعد تساؤل طفولي (لماذا سقطت التفاحة من الشجرة؟) واخترع مونغوليفيه المنطاد بعد سؤال طفولي ساذج (لماذا يصعد الدهان إلى الأعلى؟) كما اكتشف فارادي المحرك الكهربائي بعد سؤال (لماذا يجذب المغناطيس الحديد؟) ولو كان لاي واحد منا الاهتمام الطفولي الكافي لاكتشف ما اكتشف هؤلاء.
مشكلة الكبار تكمن في تخيلهم امتلاك قدر كبير من الخبرة والتجارب السابقة وينسون ان الابداع يعني الظهور بشيء جديد وبالتالي التمرد على المعتاد والمألوف واعتماد اسلوب لم يستطرق من قبل اما حين نبدأ حل المشكلة بناء على خبراتنا السابقة فسنعمل من خلال معايير مسبقة ونماذج جاهزة وتجارب قديمة مماثلة صحيح ان الخبرة تضمن الاتقان والنجاح السريع ولكنها تنتهي الى فشل ذريع حين تطبق في بيئة مختلفة اما البدء على صفحة بيضاء فيعني المرونة في مواجهة المشاكل الطارئة والقدرة على التأقلم مع الاوضاع الجديدة والمختلفة وهو ما يجعل الاطفال مبدعين بطبعهم ويتساءلون بشغف قبل ان تتحول حياتهم بمرور العمر الى سلسلة من المسلمات والبديهيات والتصورات الجاهزة.