((مهداة الى روح الفتى عمر..الذي مات مجبولاً بقسوتنا وحديد الحاوية..مع الاعتذار، كل الاعتذار لعينيه النائمتين))..
عُمر/ابن الليل، لم يحتمله حتى الليل، فأطفأ جسده - بحاوية ترفنا- كسيجارة متّقدة .. عمر ابن الفقر، ابن القهر، ابن اليتم، وكفيف السعادة .. مشى بخطى صغيرة كأسير مكبّل يجر خلفه سلاسل الخوف والجوع.. حتى أوقفه الموت- سجّان الأحلام- فما عاد يخافُ (عُمَرْ) وما عاد يجوع..
في تلك الليلة تحديداً..تمشّى أمام واجهات المحال، الأضواء الملونة في عينيه شهية وتشبه الحلوى، والزجاج نقي جداً كقالب ثلج، وقف (عمر) أمام تلك الواجهة.. هناك سُترة ثقيلة معروضة على فتىً من جبصين ، ضحك عمر لفتى الجبصين لأنه يشبهه..وضع يديه بموازاة عينيه، أطلق زفيراً حزيناً ومُرّاً يشبه رائحة البن المحروق.. ربما حسده أو غبطه لا ندري .. المهم، رفع عمر بردَ تشرين على كتفيه وزررّ قشعريرته النافرة ثم حمل كيسه على ظهره ومضى..
جال بنظره الشقق العالية..حيث الستائر المغلقة والضوء البرتقالي المختبئ خلف زجاج الليل..ترى ما طعم الأمّ هناك؟ هل يشبه طعم الخبز؟.. كيف يضحكون؟ وما لون الدفء المغمس فوق الخدود اللامعة؟..قال عمر في نفسه..ثم مشى قليلاً..حتى وصل ملاذه الآمن من اللصوص والسكارى وقطاع الطرق..تفقد حصيلة ما جمع:علب كولا،زجاجة نبيذ فارغة، حذاء قديماً، ونصف مرآة..ضم باب الكيس بقبضته الصغيرة، ثم قفز الى بيته حاوية الصفيح ..احتضن كيسه، تغطّى بالعتمة..ثم توسّد يُتمَه ومات..
بيتك يا عمر من غير باب..وطفولتك من غير باب..وفقرك كان من غير باب ..وعذابك من غير باب..حتى يوم رحيلك كان من غير باب أيضا..ما أعظمك!! ما أبرأك!! لقد مُتَّ وأنت تعضّ على الحديد..وكأنك تقول لنا: شكراً..فهذه لقمتي الأخيرة..من عيش بلا باب ..
آه يا عمر يا قربان الفقر..آه لو تعرف كيف أوقفت حروفي في حلق قلمي..لو تعرف كم مرة أبكيتني ؟؟..وحوّلت كلامي المقصود،الى وجعِ عفويًّ...
****
أسعفني يا فتى - بالله عليك- غّيب صورتك عن عيني قليلاً..كي أكمل المقال.........