الحديث مصدر مهم من مصادر التشريع الاسلامي لدى مختلف الفرق الاسلامية ولا اكاد اعلم فرقة اسلامية معتبرة تلغي دور الحديث الشريف في التشريع , والفرق الواضح للجميع بين الشيعة والسنة في التعامل مع الحديث بالرغم من اتفاقهم على انه مصدر من مصادر التشريع و في انكاره ضرر بالغ على جميع مفاصل الدين العقدية والتشريعية والاخلاقية وغيرها .
هو ان الشيعة يعتبرون الحديث المروي عن الائمة (ع ) مثله كمثل الحديث المروي عن النبي ( ص ) وهي امتداد له فتخضع لنفس المعايير التي يتعاملون بها مع الحديث النبوي .
والحديث هو عبارة عن كلام يحكي قول للمعصوم او فعل للمعصوم او تقريره .
لاشك اننا نعيش زمنا بعيد نسبيا عن الرسول ( ص ) وسائر المعصومين ( ع ) بحيث لا يوجد بيننا من سمع حديث عن معصوم او شاهد فعله .
ولذا جميع ما لدينا هو مروي ومنقول لنا عبر الاجيال .
موضوعي هو هل يحق لنا الحكم بقطعية صدور تلك الاخبار التي وصلت الينا عن المعصومين ( ع ) عن طريق النقل عبر الاجيال لفترة طويلة نسبيا تقارب 1400 عام ؟!
وكيف يتم اعتمادها كمصدر رئيسي لجميع معارف المنظومة الدينية سواء العقدية او التشريعية او غيرها اذا لم نعتقد بقطعيتها ؟!
الكلام عن ( الاخبار والروايه ) متنامي الاطراف ومستطرد , المهم لدي هنا هو موضوعة القطع بصدورها ويقابل عدم القطع الظن , ولذا احتدم الحوار لدى طبقات العلماء في قطعية الحديث وظنيته وللوقوف على حقيقة ذلك وللخروج بنتيجة مفيدة نستعرض بعض من كلام السيد المحقق ابو القاسم الخوئي ( رض ) في الجزء الاول من كتاب ( معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة) بالتحديد ماجاء في المقدمة الاولى ( حقيقاً انا لا اعلم احد من علماء الطائفة في العصر الحديث اختلف مع مجمل ما يقوله السيد الخوئي في هذا الصدد لذا كان تركيزي على قوله وحكمه رحمه الله )
يقول السيد الخوئي في معجم رجال الحديث الجزيء 1 في المقدمة الاولى
(( ذهب جماعة من المحدثين إلى أن روايات الكتب الاربعة قطعية الصدور .
وهذا القول باطل من أصله ؟ إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد .))
هذا هو رأي الخوئي الواضح في عدم قطعية روايات الكتب الاربعة ( التي هي اشهر كتب الحديث عند الشيعة ) يتعجب من قول القطعية بصدور خبر روائي اذ العقل والمنطق لا يمكن ان يحكم بقطعية صدور أي خبر مروي واحد عن واحد .
اذا هنا يتضح ان الخبر الذي يرويه واحد عن واحد ( غير قطعي ) بغض النظر عن كونه صحيح او ضعيف وهذا ما يسميه علماء الحديث بخبر الاحاد .
وفي موضع نقاش القول بقطعيتها على اعتبار احسن القول كدليل على ذلك الا وهو ان الكتب والاصول كانت مشهورة وان العلماء اهتموا بها وبرواياتها
((إن الاهتمام المزبور لو سلمنا أنه يورث العلم ، فغاية الامر أنه يورث العلم بصدور هذه الاصول والكتب عن أربابها ، فنسلم أنها متواترة ، ولكنه مع ذلك لايحصل لنا العلم بصدور رواياتها عن المعصومين عليهم السلام ، وذلك فإن أرباب الاصول والكتب لم يكونوا كلهم ثقات وعدولا ، فيحتمل فيهم الكذب .
وإذا كان صاحب الاصل ممن لايحتمل الكذب في حقه ، فيحتمل فيه السهو والاشتباه ))
اذن حتى لو كانت اصول كتب الحديث متواترة فهذا لا تعني القطع بصدور اخبارها عن المعصوم وانما القطع بصدورها ( أي الكتب والاصول ) عن اصحابها ومؤلفيها ( القصد ان التواتر بان الكليني الف كتاب الكافي يعني القطع بان مؤلف الكافي هو الكليني )
وفي موضع اخريقول
((وعلى الجملة : إن دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب الاربعة من المعصومين عليهم السلام واضحة البطلان .
ويؤكد ذلك أن أرباب هذه الكتب بأنفسهم لم يكونوا يعتقدون ذلك ))
فهو ينفي اعتقاد القطعية حتى لدى اصحاب هذه الكتب ( فكيف نعتقد نحن بقطعية صدور روايتها عن المعصوم اذا كان صاحبها لا يعتقد بقطعيتها !! )
ويستعرض في مناقشته كلام للكليني والصدوق والطوسي ( رضوان الله عليهم ) الدال على عدم اعتقادهم بصحة الاحاديث فضلا عن اعتقادهم بقطعيتها !!
فيقول السيد
((وأما الشيخ - قدس سره - فلا شك في أنه لم يكن يعتقد صدور جميع روايات كتابيه ولا سائر الكتب والاصول عن المعصومين عليهم السلام .
ومن ثم ذكر في آخر كتابه أنه يذكر طرقه إلى أرباب الكتب الذين روى عنهم في كتابه ، لتخرج الروايات بذلك عن الارسال إلى الاسناد ، فان هذا الكلام صريح في أن مارواه في كتابه أخبار آحاد محتملة الصدق والكذب ، فإن كان الطريق إليها معلوما كانت من الروايات المسندة ، وإلا فهي مرسلات وغير قابلة للاعتماد عليها .
وبعبارة أخرى : إن الشيخ إنما التزم بذكر الطريق ، لئلا تسقط روايات كتابه عن الحجية لاجل الارسال))
وهنا يقصد الشيخ الطوسي
ويقول السيد بشكل لا يلبسه الشك ان ما يرويه الشيخ في كتبه ( الاستبصار والتهذيب اكثر من 18,500حديث) هي اخبار احاد , وكما قال سابقا الخبر الذي يرويه واحد عن واحد غير قطعي , ويفرق كذلك سمحاته بين الحجية التي قد تتحقق من خبر الاحاد والقطعية التي نفاها مطلقا عن خبر الاحاد
وفي موضوع اخر يقول السيد
((أقول : لو كان الشيخ يعتقد أن جميع روايات الكافي والفقيه قطعية الصدور أو أنها صحيحة ، وإن لم تكن قطعية الصدور لم يكن يعترض على هذه الروايات بضعف السند أو بالارسال ))
وهنا يتضح بشكل جلي ان الحكم بقطعية الصدور شيء والحكم بالصحة شيء مختلف تماما عن القطعيةوفضلا عن هذا فالشيخ لا يعتقد بصحتها جميعا فضلا عن القطع بصدورها
ويقول في موضوع اخر
((وليت شعري إذا كان مثل المفيد والشيخ - قدس سرهما - ، مع قرب عصرهما ، وسعة اطلاعهما لم يحصل لهما القطع بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام ، فمن أين حصل القطع لجماعة متأخرين عنهما زمانا ورتبة ؟ أو ليس حصول القطع يتوقف على مقدمات قطعية بديهية أو منتهية إلى البداهة ؟ .))
اذا هنا مع تاكيده على ان الطوسي والمفيد ثبت عنهما انهما لم يقولا بقطعيه جميع الروايات فالسيد يتسآئل استنكاريا ليوضح ان الحكم بالقطع يحتاج مقدمات بديهية قطعية ( وسنأتي على ذكرها لاحقا ) ولنظع هنا اشارة ( **** ) لنتذكرها لاحقا
وفي موضع اخر
((ثم إن في الكافي - ولا سيما في الروضة - روايات لايسعنا التصديق بصدورها عن المعصوم ، ولابد من رد علمها إليهم عليهم السلام .
والتعرض لها يوجب الخروج عن وضع الكتاب ، لكننا نتعرض لواحدة منها ونحيل الباقي إلى الباحثين .
فقد روى محمد بن يعقوب باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله في قول الله عزوجل : ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون .
فرسول الله صلى الله عليه وآله الذكر وأهل بيته المسؤولون وهم أهل الذكر ) ( 1 ) .
أقول : لو كان المراد بالذكر في الآية المباركة رسول الله صلى الله عليه وآله فمن المخاطب ، ومن المراد من الضمير في قوله تعالى : لك ولقومك وكيف يمكن الالتزام بصدور مثل هذا الكلام من المعصوم فضلا عن دعوى القطع بصدوره ؟ ! .
وعلى الجملة : ان دعوى القطع بعدم صدور بعض روايات الكافي عن المعصوم - ولو إجمالا - قريبة جدا ، ومع ذلك كيف يصح دعوى العلم بصدور جميع رواياته عن المعصوم ؟ بل ستعرف - بعد ذلك - أن روايات الكتب الاربعة ليست كلها بصحيحة ، فضلا عن كونها قطعية الصدور .))
وهنا يحكم السيد بقطع عدم صدور البعض !! فضلا عن تمييزه ما بين الصحيح والقطعي ( يعني القطع بعدم قطعية بعضها ) فيقطع السيد ان مثل هكذا احاديث لم تصدر عن المعصوم
قد يقول قائل ان السيد في جميع ذلك كان في موضع نفي الحكم بقطعيتها اجمالا ولم ينفي احتمال ان يكون بعضها قطعي , نعم وهذا صحيح , فالسيد كان يقول ان الاعتقاد ان الكتب الاربعة كلها قطعية امر غير صحيح وغير مقبول , ولكن لنتذكر ان في محل دحضه هذا الرأي كان يقول
1-لا يمكن الحكم بقطع خبر مروي واحد عن واحد ( خبر الاحاد )
2-روايات كتب الشيخ الطوسي البالغ عددها اكثر من 18500 اخبار احاد
3-حكم بقطعية عدم صدور بعض من روايات الكافي
اذن بعد ذلك كله ماهو وضع الحديث بعد ان نفينا عنه دعوى القطعية بالصدور عن المعصوم ؟
يقول السيد الخوئي كذلك في حديثه عن اهمية علم الرجال وفي مقام الرد على منكريه في مقدمة كتابة معجم رجال الحديث .
(( الجزم بعدالة رجل أو الوثوق بها لايكاد يحصل إلا بمراجعته . هذا ، والحاجة إلى معرفة حال الرواة موجودة . حتى لوقلنا بعدم حجية خبرالواحد ، أو قلنا باختصاص حفإن جية الظهور بمن قصد افهامه ، فانتهى الامر إلى القول بحجية الظن الانسدادي أو لزوم التنزل إلى الامتثال الظني ، فإن دخل توثيق علماء الرجال رواة رواية في حصول الظن بصدورها غير قابل للانكار .))
اذن كل عملية البحث عن وثاقة الرجال سواء أ كان الخبر احاد او غيره هو من اجل حصول الظن بصدورها
اذن هذه الاخبار المروية واحد عن واحد حتى وان تم توثيقها او التحقق من رجالها ومنحها مراتب الحديث المعروفة ( صحصح , الحسن , موثوق , الضعيف ! ) فهو من اجل حصول الظن بصدورها او عدم حصول الظن .
قد يقول قائل ان العلماء بما فيهم السيد يجزمون بعدم حجية اتباع الظن , فأقول انما هم هناك يقصدون الظن بنفسه والظن من غير علم ( او الظن قبال العلم ) وليس ( الظن قبال القطع )
اذ يقول السيد الخوئي
((كما ثبت بتلك الادلة أن الظن بنفسه لايكون منجزا للواقع ، ولامعذرا عن مخالفته في ما تنجّز بمنجز ))
وليس هذا بموضوعي حجية الظن او عدم حجيته ( ولكن للوتضيح خوفا من وقوع البعض في تناقض الفهم )
اعود للنقطة التي وعدت بالوقوف عليها لتكون ختاما للموضوع
(**** )اذ قال السيد ((أو ليس حصول القطع يتوقف على مقدمات قطعية بديهية أو منتهية إلى البداهة ؟))
ولنسأل ماهي المقدمات البديهية التي يتوقف عليها حصول القطع ؟
السمع ( مثلا عندما تسمع شخصا فبأمكانك القطع بأنه تكلم بما سمعت ) وهذا غير متأتي في موضوعنا لأننا لم نشهد ولم نعاصر احد المعصومين
النظر ( مثلا عندما تشاهد شخصا يقوم بفعل امامك فبأمكانك القطع بأنه قام بفعلته ) وهذا غير متأتي ايضا لأننا لم نعصرهم
التواتر في الإخبار او الرواية ( ويعرفه العلماء هو الحديث الذي رواه عدد غفير من الرواة في كل طبقة بحيث يستحيل تواطئهم على الكذب وتكون روايته بدون وسائط مجهوله )
ويضع العلماء قبالة الكثير من الشروط لكي يتحقق منه القطع ربما لو طبقت جميعها بشكل عملي سنخرج بعدم وجود حديث ( خبر ) متواتر اصلا !! لنتركها ونتمسك بالتعريف المنطقي والعقلي للتواتر ( وهو ان يكون رواة طبقاته كثر ولا ينتهون الى وسيلة مجهوله )
انا حقيقتا لا اعرف بالظبط ماهو العدد المطلوب لدى علماء الحديث ليتجاوز الرواة عتبة الكثر في طبقاته , ولكن ذات مرة سمعت مناظرة للسيد فرقد القزويني أحتج فيها على شخص قال له هذه رواية متواترة فكان فرقد القزويني غير مقتنع ورد عليه باللهجة العامية ( تكَدر تجيبلي 20 سند لروايتك حتى اعتبرها متواترة ؟!! ) فسكت الطرف الاخر , فحقيقة انا لا اعلم العدد بالظبط الذي يعتبرون عنده الخبر متواتر .
والجميع يعترف بان المتواتر قليل جدا وان الاغلب الاعم من الاخبار في كتب الحديث هي اخبار احاد او مرسلات او غير ذلك كما قال السيد الخوئي ايضا في موضع استدلاله عن حجية خبر الاحاد
((وأما الاجماع الكاشف عن قول المعصوم : فهو نادر الوجود ))