جلس عامر ابن الستة عشر عاماً على ضفة أحد الأنهار ، يعبث بالأحجار الصغيرة المترامية حوله ثم يرميها في النهر أبعد ما تمكنه يداه من رميها ، محاولاً قتل الوقت بعد أن ملّ من فشله اليومي في تأدية المهام التي يضعها لنفسه . لذا قرر الاستسلام و عدم فعلِ أي شيء.
و بينما هو جالس ، مرّ شابٌ في ربيع عمره يحمل جرائد و أوراقاً عدّة بالإضافة إلى بعض الأقلام التي برزت من جيب سترته ، فخمّن عامر أنه لا بُدّ أن يكون كاتبا أو صحفي .
ثم سرعان ما وجد الشاب يقبع بجانبه مع أغراضه الكثيرة ، فأخذ يرمقه بزاوية عينه ، فحدّث الغريب نفسه قائلا : 12 مهمة ، أتمنى حقّاً أن أنهيها جميعها .
و هنا تدخل عامر بحديث الغريب الشخصي قائلاً : لا بدّ أنك مشغول جداً ، و لكن لِمَ تأتي إلى هنا لتعمل ؟؟ ألا يلهيك منظر الطبيعة و حركة النهر ، بالإضافة إلى حيوية المكان هنا ؟
أجاب الرجل بابتسامةٍ عريضة على شفتيه :آتي إلى هنا كلما تعددت مهامي و شعرت بأن الوقت غير كافي للقيام بها ، أو شعرت بالخمول و الكسل لتأديتها .
فأردف عامر المستغرب قائلاً : و ما علاقة النهر بهذه المهام ؟
وجّه الشاب عينيه إلى النهر ثم قال : معظم الناس يأتون إلى هذا النهر للسباحة والصيد ، أليس كذلك ؟
- بلى ، و الصيد هنا هو الأكثر شيوعا .
- تماما ، اذا هذا النهر ، فيه العديد من الأسماك و الخيرات الكثيرة لمن يشمر عن ساعديه و يتعب من أجل الحصول عليها ، بينما لن ينتفع شيئا من يجلس متكتفاً يراقب جريانه، بل قد يحصد بقايا السمك النافق .
- صحيح ، و لكن ما المغزى من كلامك هذا ؟
- ما أريد أن أقوله هو أن الوقت مثل هذا النهر ، فيه الكثير من الفوائد و الإنجازات إذا تمكنت من استغلاله ، و صيد الفرص الكثيرة فيه ، و إن جلست هكذا تحاول قتله و تضييعه بأيّ شكل فلن تحظى بشيء ، بل قد تحصد النتائج السلبية .
انحنى فم الفتى و أظهر ابتسامةً عريضة و قد ثارت همته و قويت عزيمته ، ثم أردف قائلاً : لهذا السبب تأتي إلى هنا كل يوم ، حتى يذكرك منظر الصيد و النهر بالوقت ، فتسارع لتأدية مهامك .. أليس كذلك ؟
ابتسم الشاب و اومأ برأسه ، ثم انكب على عمله ، بينما جرى الفتى إلى منزله و إرادته قد غلت بداخله و ثارت عليه بعد هذا الدرس الحكيم .