لا مبالغة في القول إن الإمام الحسين علمنا كيف نعيش قبل أن يعلمنا كيف نموت. ربما لا يحتاج الانسان الى من يعلمه كيف يموت، لكنه بالتأكيد بحاجة الى من يعلمه كيف يعيش حياته بكرامة وعدالة. وكل قصة الإمام الحسين هي درس في هذا الموضوع. وهو درس يأتي على امتداد الدعوة القرآنية الخالدة القائلة: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم." فالدعوة القرآنية هي من أجل الحياة، بالدرجة الأولى، سواء كانت الحياة قبل الموت، أم الحياة بعد الموت.
هنا بعضٌ من معالم الحياة كما أرادها لنا الإمام الحسين:
أولاً، الحرية: في قوله "كونوا أحراراً في دنياكم."
ثانياً، المسؤولية الفردية عن المجتمع: من الحرية تنبثق المسؤولية. وحينما يدعونا الإمام أن نكون أحراراً في دنيانا، فهذا مقدمة لكي نكون مسؤولين فيها عن الشأن العام.
ثالثا، وعلى قاعدة المسؤولية الفردية عن الشأن العام، تنبثق إرادة الإصلاح في المجتمع: في قوله "لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر." لاحظ الأفعال الكاشفة عن الإرادة والقصد في: "خرجت" و "اريد".
رابعا، خصائص الحكومة الصالحة:"ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله." هذه هي احدى قواعد الوعي السياسي السليم، اقصد بها المعرفة او الثقافة السياسية السليمة.
خامسا، الوعي الانتخابي: في قوله "ومثلي لا يبايع مثله". هذا هو الادراك الموضوعي لقيمة الذات. وهو من شروط الممارسة الانتخابية السليمة، فضلاً عن الثقافة السياسية.
سادسا، الوعي القيمي للأشياء والظواهر السياسية في المجتمع. في قوله "ألا ترون الى الحق لا يعمل به، وإن الباطل لا يتناهي عنه."
سابعا، رفض الظلم. في قوله "... والحياة مع الظالمين الا برما."
ثامنا، وعلى قاعدة رفض الظلم، تأتي مسألة التصدي للحاكم الظالم والجائر. في الحديث الذي يرويه عن جده رسول الله "من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل أو قول كان حقاً على الله أن يدخله مُدخله."
تاسعا، الحوار: في كل الحوارات التي أجراها الإمام منذ تحركه الأول في مكة والمدينة الى يوم استشهاده في كربلاء في العاشر من محرم. الحوار والكلمة هو الاداة الرئيسية في الاصلاح.
عاشرا، الموت كخيار أخير، فإذا تعذر تحقيق الإصلاح عن طريق الحوار والأمر بالمعروف والكلمة الصادقة المؤثرة، يكون الموت، أو الاستشهاد، هو الخيار الاخير في عملية الإصلاح، في قوله "إني لا أرى الموت إلا سعادة:" هذه هي التضحية من اجل الاصلاح.
أتمنى على الخطباء في العشرة الثانية من محرم أن يخصصوا كل ليلة لواحدة من أسس الحياة السليمة التي أراد الإمام لنا أن نبني حياتنا بموجبها كما يخصصون كل ليلة من الليالي العشر الأولى لواحد من أصحاب وآل الإمام الحسين.
لا ينبغي أن ينقضي محرم إلا ويكون كل الناس على وعي عميق بهذه الأسس، وإيمان راسخ بها، وعمل صادق بمضمونها.
هذه هي العِبرة.