ينقسم البحث القرآني عن الإنسان الى فصلين رئيسين:
الاول: الآيات القرآنية المتعرضة للإنسان كفرد.
الثاني: الآيات القرآنية المتعرضة للإنسان كمجتمع.
هنا سنقتصر الحديث عن الجانب الأول.
أول موضوع نجده في الآيات القرآنية من خلال هذا المنظور نشأته المادية، نظرية: خلق الإنسان في القرآن الكريم من الموضوعات المهمة فلسفياً وعقائدياً واجتماعياً.
فنشأة الإنسان وكيفية هذه النشأة فيها نظريات عديدة اختلاف المذاهب والأديان والاتجاهات الفلسفية والكلامية، وكذلك الآيات القرآنية التي تتعرض الى تلك النشأة. وتشترك كل هذه الآيات في أنها تبتنى على النظرية الاسلامية عن الخلق وعن الوجود والذي هو مرتبط بالله سبحانه وتعالى ومخلوق من قبل الله ويفيض على كل الوجود والخلق بما فيهم الإنسان.
ويمكن تصنيف الآيات المتعرضة لهذا الجانب الى طوائف:
الطائفة الاولى: الآيات القرآنية التي تتناول موضوع نشأة الإنسان وخلقه بعد أن لم يكن شيئاً، أي كونه مسبوقاً بالعدم من قبيل قوله تعالى:
«… وقد خلقتُك من قبل ولم تكُ شيئاً». (مريم/9)
«أولا يذكر أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً».(مريم/67)
«هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكُن شيئاً مذكوراً».(الإنسان/1)
هذه الطائفة من الآيات القرآنية تحاول أن تثبت أن الإنسان مسبوق بالعدم ولم يكن شيئاً يذكر.
الطائفة الثانية: الآيات القرآنية التي تشير الى أن نشأة الإنسان كانت من الارض وأن أصله ومادته الإرض من قبيل قوله تعالى:
«هو أعلمُ بكم إذ انشأكم من الارض…».(النجم/32)
«منها خلقناكم وفيها نعيدُكم ومنها نُخرجكم تارةُ أخرى».(طه/55)
«والله انبتكم من الارض نباتا».(نوح/17)
«هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها».(هود/6)
النظر الساذج السطحي يصور تحول التراب الى نبات دون خلق أو تحول بينما هناك عمليّة خلق وتحول من صورة نوعية أخرى والمادة بنفسها لا يمكن أن تتحول من دون محرك.
فالانسان ليس مخلوقا مباشراً بلا أي ارتباط بما قبله، فبعض وجود الإنسان من الارض، وبهذا كان الإنسان له جانب ارضي ومأخوذ من الأرض وليس مقطوع الصلة بكائن ووجود قبله.
الطائفة الثالثة: وهي الآيات القرأنية التي تصرح أن الإنسان خلق من تراب، من قبيل قوله تعالى:
1ـ «… أكفرت بالذي خلقك من تراب ثُمّ من نطفة ثُمّ سوّاك رجلاً».(الكهف/37)
2ـ «فإنا خلقناكم من تراب…».(حج/5)
3ـ «ومن آياته أن خلقكم من تراب…».(الروم/20)
4ـ «والله خلقكم من تراب…».(فاطر/11)
5ـ «هو الذي خلقكم من تراب…».(غافر/67)
6ـ «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب…».(آل عمران/59)
الطائفة الرابعة: وهي الآيات التي تصرح بأن الإنسان خلق من طين او من صلصال او من حمأ مسنون من قبيل قوله تعالى:
1ـ «ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون».(الحجر/26)
2ـ «وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون».(الحجر/28)
3ـ «خلق الإنسان من صلصال كالفخار».(الرحمن/14)
4ـ «هو الذي خلقكم من طين…».(الانعام/2)
5ـ «… خلق الإنسان من طين».(السجده/7)
6ـ «… انا خلقناهم من طين لازب».(الصافات/11)
7ـ «قال أنا خيّر منه خلقتني من نار وخلقتهُ من طين».(ص/76)
8ـ «قال ءأسجدُ لمن خلقت طيناً».
الطائفة الخامسة: وهي الآيات التي تدل على أن الانسان خلق من ماء مهين من قبيل قوله تعالى:
1ـ «الم نخلقكم من ماء مهين».(المرسلات/20)
2ـ «ثم جعل نسله من سُلالة من ماء مهين».(السجده/8)
3ـ «خلق من ماء دافق».(الطارق/6)
الطائفة السادسة: تدل على أن الإنسان خلق من نطفة من قبيل قوله تعالى:
1ـ «خلق الإنسان من نطفة…».(النحل/4)
2ـ «اولم ير الإنسان أنّا خلقناهُ من نطفة…».(يس/77)
3ـ «أنا خقلقنا الإنسان من نطفة…».(الإنسان/2)
4ـ «من نطفة خلقهُ فقدّره».(عيسى/19)
5ـ «الم يكُ نطفة من مني يُمنى».(القيامة/37)
6ـ «وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تٌمنى».(النجم/45-46)
7ـ «أفرأيتم ما تُمنون…».(الواقعه/58)
8ـ «فإنا خلقناكم من تراب ثُمّ من نطفة…».(حجم/5)
9ـ «والله خلقكم من تراب ثُمّ من نطفة…».(فاطر/11)
10ـ «هو الذي خلقكم من تراب ثُمّ من نطفة…».(غافر/67)
هذه ستُ طوائف من الآيات تشير الى كيفية نشأة الإنسان وخلقته في جانبه المادي. وهناك طائفة أخرى سابعة تشير الى كيفية نشأته في جانبه الروحي والإنساني تفرزها عن هذه الطوائف.
وهذه الطوائف تختلف حسب مدلولها المطابقي، إلا انها من حيث أصل الفكرة ليس فيها تناف وتناقض بل كل طائفة تحاول أن تكشف جانباً من جوانب خلقة الإنسان في بعده المادي.
قلنا في البحث السابق إنّ هذه الطوائف من الآيات تدل على حقيقة غير قابلة للإنكار وثابتة علمياً هي أن خلقة الإنسان في جانبه المادي غير العضوي مأخوذة من الارض (التراب) وهذا لا ينافي أن يصبح كائناً عضوياً وهذا الكائن العضوي يعيش على التراب بصورة غير مباشرة.
الآيات تؤكد على حقيقة علمية ثابته هي أن الإنسان في جانبه غير العضوي وحتى في شكله التدريجي يعيش في نمو وتوالد وتطوّر على التراب والأجزاء المادية الموجودة في الارض، ولهذا لو منع منه الغذاء والماء المأخوذ بشكل أو آخر من الارض لا يستطيع أن يستمر في حياته وينتهي مصيره الى الموت.