بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وال محمد الطاهرين
كتب الصادق إلى عبد الله بن الحسن ، حين حُمل هو وأهل بيته يعزّيه عما صار إليه :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه .. أما بعد : فلئن كنتَ قد تفرّدتَ أنت وأهل بيتك ممن حُمل معك بما أصابكم ، ما انفردتَ بالحزن والغيظ والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، ولقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل ما نالك ..
ولكن رجعت إلى ما أمر الله جلّ وعزّ به المتقين ، من الصبر وحسن العزاء ، حين يقول لنبيه صلى الله عليه وآله الطيبين : { فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } وحين يقول: { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت } .
وحين يقول لنبيه حين مُثّل بحمزة : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } ، فصبر رسول الله ولم يعاقب . .
وحين يقول : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى }.
وحين يقول : { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون } .
وحين يقول : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }.
وحين يقول لقمان لابنه : { واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } .
وحين يقول عن موسى : { وقال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } .
وحين يقول : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات و تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.
وحين يقول : { ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة }.
وحين يقول : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين } .
وحين يقول : { وكأين من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } .
وحين يقول : { والصابرين والصابرات } ،
وحين يقول : { واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين } .. وأمثال ذلك من القرآن كثير ..
واعلم أي عم وابن عم !.. أن الله عز وجل لم يبال بضر الدنيا لوليّه ساعة قط ولا شيء أحب إليه من الضر والجهد والبلاء مع الصبر ، وأنه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط..
ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخوّفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون ، ولولا ذلك لما قُتل زكريا ويحيى بن زكريا ظلما وعدوانا في بغيّ من البغايا .
ولولا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب لما قام بأمر الله عز وجل ظلما ، وعمك الحسين بن فاطمة صلى الله عليهم اضطهادا وعدوانا ..
ولولا ذلك ما قال الله عز وجل في كتابه : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون }.
ولولا ذلك لما قال في كتابه : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : لولا أن يحزن المؤمن ، لجعلت للكافر عصابة من حديد فلا يصدع رأسه أبدا ..
ولولا ذلك لما جاء في الحديث: إن الدنيا لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة ..
ولولا ذلك ما سقى كافرا منها شربة من ماء ..
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : لو أن مؤمنا على قلة جبل لابتعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه ..
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : إنه إذا أحب الله قوما أو أحبّ عبدا صبّ عليه البلاء صبّا ، فلا يخرج من غم إلا وقع في غم ..
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ما من جرعتين أحبّ إلى الله عز وجل أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا ، من جرعة غيظ كظم عليها ، وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب ..
ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر وصحة البدن وكثرة المال والولد..
ولولا ذلك ما بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا خصّ رجلا بالترحم عليه والاستغفار استُشهد.
فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي واخوتي!.. بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عز وجل والرضا بالصبر على قضائه ، والتمسك بطاعته ، والنزول عند أمره .. أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة ، وأنقذنا وإياكم من كل هلكة ، بحوله وقوته إنه سميع قريب ، وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته