قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي، يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً ـ ثم قال (صلى الله عليه وآله) ـ معاشر الناس، إن عليا مني و أنا من علي خلق من طينتي وهو إمام الخلق بعدي، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين وخير الوصيين وزوج سيدة نساء العالمين وأبو الأئمة المهديين.
معاشر الناس، من أحب عليا أحببته ومن أبغض عليا أبغضته، و من وصل عليا وصلته ومن قطع عليا قطعته، ومن جفا عليا جفوته ومن والى عليا واليته، ومن عادى عليا عاديته.
معاشر الناس، أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا.
معاشر الناس، والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية، ما نصبت عليا علما لأمتي في الأرض حتى نوه الله باسمه في سماواته وأوجب ولايته على ملائكته»[1].
وقال (صلى الله عليه وآله) ـ في حديث ـ: «فأتاني جبرئيل فقال: إن ربك يقول لك: إن علي بن أبي طالب وصيك وخليفتك على أهلك وأمتك والذائد عن حوضك وهو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنة.. »[2].
صفات الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
عن أبي إسحاق عن أبيه قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في جماعة من أصحابه إذ أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) نحوه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أراد أن ينظر إلى آدم في خلقه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب»[3].
وقال (صلى الله عليه وآله): «أقضى أمتي وأعلم أمتي بعدي علي»[4].
وقال (صلى الله عليه وآله): «أوحي إليّ في عليّ ثلاث: أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين»[5].
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا قسيم الله بين الجنة والنار لا يدخلها داخل إلا على حد قسمي وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي والمؤدي عمّن كان قبلي، لا يتقدمني أحد إلا أحمد (صلى الله عليه وآله)، وإني وإياه لعلى سبيل واحد، إلا أنه هو المدعو باسمه، ولقد أعطيت الست: علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وإني لصاحب الكرات ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس»[6].
النبأ العظيم
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي، أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الأعلى.
يا علي، أنت إمام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وسيد الصديقين. يا علي، أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر. يا علي، أنت خليفتي على أمتي وأنت قاضي ديني وأنت منجز عداتي. يا علي، أنت المظلوم بعدي. يا علي، أنت المفارق بعدي، يا علي، أنت المحجور بعدي. أشهد الله تعالى ومن حضر من أمتي، إن حزبك حزبي وحزبي حزب الله، وإن حزب أعدائك حزب الشيطان»[7].
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «أول من شرى نفسه لله علي بن أبي طالب (عليه السلام)... »[8].
دخل أبان على الإمام الرضا (عليه السلام) فقال: سألته عن قول الله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ))[9]؟ فقال: «ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام).. »[10].
وعن ابن عباس قال: لما نزلت ((قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى))[11] قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين يأمرنا الله بمودتهم؟ قال: «علي وفاطمة وأولادهما»[12].
من كلام للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في التمسك بالأئمة ومتابعة أثرهم (عليهم السلام): «من أطاع إمامه فقد أطاع ربّه»[13].
وقال (عليه السلام) أيضاً: «لا تزلوا عن الحق وأهله، فإنّه من استبدل بنا أهل البيت هلك وفاتته الدنيا والآخرة»[14].
وقال (عليه السلام): «عليكم بطاعة أئمتكم، فإنّهم الشهداء عليكم اليوم، والشفعاء لكم عند الله غداً»[15].
وقال (عليه السلام): «شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة»[16].
وقال (عليه السلام): «أسعد الناس من عرف فضلنا وتقرب إلى الله بنا وأخلص حبنا وعمل بما إليه ندبنا وانتهى عما عنه نهينا، فذاك منا وهو في دار المقامة معنا»[17]. [1] بحار الأنوار: ج37 ص109 ب52 ح2. [2] مستدرك الوسائل: ج18 ص181 ب8 ح22445. [3] أمالي الشيخ المفيد (رحمه الله): ص14 المجلس 2 ح3. [4] أمالي الشيخ الصدوق (رحمه الله): ص548 المجلس81 ح20. [5] بحار الأنوار: ج40 ص23 ب91 ح42. [6] الكافي: ج1 ص197 باب أن الأئمة (عليهم السلام) هم أركان الأرض ح3. [7] عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص6 ب30 ح13. [8] المناقب: ج2 ص64 فصل في المسابقة الى الهجرة. [9] سورة النساء: 59. [10] تفسير العياشي: ج1 ص251 من سورة النساء ح171. [11] سورة الشورى: 23. [12] بحار الأنوار: ج36 ص166 ب39 ح151. [13] غرر الحكم ودرر الكلم: ص116 ب5 الفصل 1 ح2030. [14] غرر الحكم ودرر الكلم: ص117 ب5 الفصل 1 ح2033. [15] غرر الحكم ودرر الكلم: ص116 ب5 الفصل 1 ح2025. [16] غرر الحكم ودرر الكلم ص116 ب5 الفصل 1 ح2023. [17] غرر الحكم ودرر الكلم ص115 ب5 الفصل 1 ح1995.
وفي يوم الغدير أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن أخذ البيعة لعلي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين بزيادة الشهادة الثالثة: (أشهد أنَّ علياً وليّ الله) في فصول الأذان والإقامة.
وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين»[1].
وفي الحديث عن أبي ذر أنه أذّن بعد واقعة الغدير وأخذ يهتف بعد الشهادتين بالشهادة الثالثة، فرفع ذلك بعض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال (صلى الله عليه وآله): «أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعلي بالولاية؟! أما سمعتم قولي في أبي ذر: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر؟! ».
وروي عن سلمان الفارسي أيضاً أنه أذّن بعد قصة الغدير فذكر بعد الشهادتين الشهادة الثالثة في أذانه، فأخبر بعض الصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فلم يرَ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أنه أقرّ لسلمان ذلك.
هذا بالإضافة إلى روايات اُخرى تدلّ على أنّ الشهادة الثالثة جزء من الأذان والإقامة، وقد اخترنا ذلك في الفقه[2].
الله تعالى يعصم نبيّه (صلى الله عليه وآله)
ثم انه لما تمّت بيعة الناس لعلي (عليه السلام) بالخلافة وبعد أن صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهم الفرض، أمرهم بالرحيل، وقد طال مكثهم هناك للبيعة ثلاثة أيّام.
فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن أمر الناس بالرحيل يومه وليلته حتى أشرف على عقبة هرشا[3]، وكان قد تقدّمه نفر من المنافقين إلى ثنية العقبة وأخذوا معهم دباباً قد طرحوا فيها حجارة لينفروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) ناقته ويقضوا عليه قبل أن يصل إلى المدينة.
قال حذيفة ـ بن اليمان ـ: فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمرني أن آخذ بزمام الناقة، ودعا عمّار بن ياسر وأمره بأن يسوقها، حتى إذا صرنا في رأس العقبة ودحرج اُولئك النفر تلك الدباب بين قوائم الناقة، فزعت الناقة وكادت أن تنفر، فصاح بها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أسكني يا مباركة فليس عليكِ بأس».
فلما رأى القوم أن الناقة لا تنفر تقدّموا إليها ليدفعوها بأيديهم، فجعلت أنا وعمّار نضرب وجوههم بأسيافنا ـ وكانت ليلة مظلمة ـ فتأخّروا عنا وقد أيسوا مما دبّروه.
فقلت: يا رسول الله ألا تبعث إليهم رهطاً من أصحابك يأتوك برؤوسهم؟
فقال (صلى الله عليه وآله): «إني أكره أن يقول الناس: دعا قوماً إلى دينه فأجابوه فقاتل بهم، حتى إذا ظفر بعدوّه قتلهم، ولكن دعهم فإن الله لهم بالمرصاد وسيمهلهم قليلاً ثم يضطرّهم إلى عذاب غليظ».
قال حذيفة: ثم انحدرنا من العقبة ونزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتوضّأ وانتظر أصحابه، حتى نزلوا واجتمعوا لصلاة الصبح، فرأيتُ اُولئك النفر قد انخرطوا مع القوم ودخلوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الصلاة، فلما قضيت الصلاة دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اُولئك النفر وعاتبهم على ما كان منهم من الوقوف على العقبة، فاعتذروا بأنّهم تقدّموه إليها لضيق المكان، وليأنس بعضهم ببعض، فنظر إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مليّاً ثم قال: «وما الله بغافل عمّا تعملون»[4].
الثقلان وديعتا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يزل بعد يوم الغدير يكرّر من قوله:
«يا أيها الناس اني فرطكم، وأنتم واردون عليَّ الحوض، ألا واني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يلقياني، وسألت ربّي ذلك فأعطانيه، ألا واني قد تركتهما فيكم: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرّقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم. أيها الناس، لا ألفينّكم بعدي ترجعون كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجرّ السيل الجرّار، ألا وان علي بن أبي طالب أخي ووصيّي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله»[5].
تأكيد حديث الغدير
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: «أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أخرج فأنادي في الناس: ألا من ظلم أجيراً أجره فعليه لعنة الله، ألا من توالى غير مواليه فعليه لعنة الله، ألا ومن سبّ أبويه فعليه لعنة الله.
قال علي (عليه السلام): فخرجت فناديت في الناس كما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الناس: هل لما ناديت به من تفسير؟
فقلت: الله ورسوله أعلم.
قال (عليه السلام): فقام عمر وجماعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فدخلوا عليه، فقال عمر: يا رسول الله هل لما نادى علي من تفسير؟
قال (صلى الله عليه وآله): نعم، أمرته أن ينادي: ألا من ظلم أجيراً أجره فعليه لعنة الله، والله يقول: ((قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى))[6] فمن ظلمنا أجرنا فعليه لعنة الله.
وأمرته أن ينادي: من توالى غير مواليه فعليه لعنة الله، والله يقول: ((النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ))[7] ومن كنت مولاه فعليّ مولاه، فمن توالى غير علي وغير ذرّيته فعليه لعنة الله.
وأمرته أن ينادي: من سبّ أبويه فعليه لعنة الله، وأنا أُشهد الله وأُشهدكم أني وعلياً أبوا هذه الاُمّة، فمن سبّ أحدنا فعليه لعنة الله».
قال الخباب بن الأرتّ: كان هذا الحديث قبل ارتحال النبي (صلى الله عليه وآله) من هذه الدنيا بتسعة عشر يوماً[8]. [1] بحار الأنوار: ج27 ص1 ب10 ح1. وأنظر شرائع الإسلام تحقيق آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله): ج1 ص60 في الآذان والإقامة. [2] راجع موسوعة الفقه ج19 كتاب الصلاة، في فصول الأذان والإقامة. [3] هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة يرى منها البحر، وقال ابن الأثير: هي ثنية بين مكة والمدينة، وقيل: هرشى جبل قريب من الجحفة. أنظر لسان العرب: ج6 ص363 مادة (هرش). [4] أنظر بحار الأنوار: ج28 ص100 ب3 ح3. [5] الإرشاد: ج1 ص181 فصل. [6] سورة الشورى: 23. [7] سورة الأحزاب: 6. [8] راجع بحار الأنوار: ج22 ص489 ب1 ح35، وأنظر الصراط المستقيم: ج2 ص93 ب9 الفصل 17 ح13