|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
كلما ضاق صدرك أذكرني آتيك وأتكلم معك
بتاريخ : 20-10-2010 الساعة : 07:37 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
في مدينة دمشق
كنت منشغلاً بتأليف هذا الكتاب.. لما سافرت إلى دمشق في شهر ذي القعدة الحرام عام (1404) لزيارة المرقد المقدس للسيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها)
وأود هنا أن أدون جانباً من مشاهداتي في الأعتاب المقدسة لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي مراقد الذين دفنوا في تلك البقاع من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
في ليلة مولد الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الموافقة للحادية عشرة من ذي القعدة (1404ه).. كنت وعدداً من الاصدقاء في احتفال أقيم بهذه المناسبة في مجلس أحد العلماء الإيرانيين، الذي كان يسكن في ضاحية السيّدة زينب (عليها السلام) في الشام.
ظفر، في ذلك المجلس، كل من كانت له حاجة – وأين هو الذي لم تكن له حاجة؟! – بنوال ما أراد. لقد كان المجلس محفوفاً بعناية أهل بيت العصمة (عليهم السلام) وخاصة الإمام بقية الله (ارواحنا فداه).. فالمجلس هذا قد أقيم في وسط الأمويين، أي من كان هواهم مع بني أمية، وأكثر سكنة المنطقة من أهل البغض والشنآن لأهل بيت الطهر والعصمة (عليهم السلام).. فكيف لا يكون اذن محفوفاً بعناية الامام (ارواحنا فداه)؟!
وعلى أي حال.. كانت لي أنا أيضاً في ذلك المجلس حاجات، إحداها أن أوفق لتدوين هذا الكتاب.
بعد أيام قليلة، وخلال ارتباط روحي خير ما يعبر عنه أن أقول أني فهمت في الرؤيا أن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال لي: نحن قد هيأنا لك من قبل ما يلزم لتدوين الكتاب. لقد أخلينا لك دار أحد أحبتنا وهيأناها، وملأنا قلبه بمحبتك ومودتك.. ألم تر إليه كيف تلقاك بحفاوة بالغة؟! أليس من التوفيق لك.. أن وفرنا لك هذا؟! فلم تتكاسل، ولا تواصل عملك؟!
قلت مولاي.. ما لدي مصادر للتأليف. فألهمت أن المصادر ستوفر، لكني لم أعرف من أين سأحصل عليها. ومرت أيام.. كنت عاكفاً في أثنائها على تدوين هذا الكتاب، أعتمادا ًعلى المخزون في ذاكرتي. حتى إذا وصلت إلى موضع لابد فيه من مراجعة بعض المصادر.. فكرت في سري: ربما كان عليّ أن أراجع بعض علماء الشيعة المقيمين في دمشق، لأستعير ما احتاج من كتب. وما ان خطر في بالي هذا الخاطر وتفطن له مضيفي.. حتى حدث – بإرادة ولي الله الأعظم الامام صاحب الزمان (عليه السلام) الذب به تتم الصالحات – أن اشترى هذا الرجل المضيف دورة كاملة من كتاب (بحار الأنوار) وجاء به إلى الدار.
وما كان صاحبي هذا ليشتري الكتاب في غير هذه الحالة. وحتى لو كان قاصداً من قبل أن يقتني الكتاب لما حصل عليه في دمشق بهذا اليسر، وفي هذه الطبعة التي هي أجود طبعاته.
وصفوة القول. أني لا أستطيع أن أذكر في هذا السياق أكثر مما ذكرت. بيد أني استطيع تلخيص الموضوع بعبارة واحدة، هي أن كل ما ظفرت به من توفيق في تأليف هذا الكتاب – عدا ما يمكن أن يكون فيه من خطأ – فإنما هو من ألطاف الامام بقية الله (روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء).
ويسترعي الانتباه في أول جزء تناوله من كتاب البحار لأتفحص طباعته وتجليده (و هو كتاب يربو عدد أجزائه على المئة) أنه كان الجزء التاسع والستين، الذي فتحته فطالعني فيه الصفعة 254 من الباب 37 في (صفات خير العباد وأولياء الله).
وتفاءلت بهذا الموافقة التي هي مرشد ورائد معنوي. وعزمت بعون الله أن أختار من هذا الجزء ما ينسجم والموضوعات التي كنت مشتغلاً في التأليف عنها، لكي يمتلئ محبوا امام الزمان (عليه السلام) بالكمالات المعنوية والروحية، حتى يصلوا إلى مقام أولياء الله (جل جلاله).
هذا الواقعة ذكرها أحد كبار المراجع. وقد رواها عنه رجل ثقة. قال: حكي لي أحد علماء طهران حادثة جرت له.. على هذا النحو:
طرق باب دارنا يوماً رجل قد وخطه الشيب.. قائلاً لي – واسم هذا الرجل الشيخ حسن: أريد ان أدرس العلوم والمعارف التي تدرس في الحوزة العلمية. وينبغي أن تدرّسني في كتاب (جامع المقدمات).
أما أنا فقد كان لي من كثرة الأعمال ما يشغلني عن تدريس هذا الرجل. ثم أن التدريس في كتاب المبتدئين هذا لا يناسب شأني. ومع هذا كله وجدتني أجيبه إلى ما أراد.. وابتدأنا درسنا فعلاً.
بمرور الأيام ألفت الشيخ حسن هذا وانبسطت إليه، حتى غدا من الخواصّ. فكان يقضي أكثر أوقاته معي في الدار.
وحدث مرة أن كان لي شغل قد تعوق انجازه في إحدى دوائر الدولة أيام الحكم الملكي في إيران. فاقترح على أحدهم أن أعطيه مبلغاً من المال في مقابل تعهده بانجاز هذا الشغل. وكنت على وشك أن أوافق على هذا الأقتراح عندما قال لي الشيخ حسن: ليس في وسع هذا الشخص أن يحقق لك ما أردت. أن هذا الشغل مما لا يمكن أن يتحقق أصلاً. في حينها لم أدرك ما قصد الشيخ حسن. وقد بات واضحا ًفيما بعد – على كثرة المساعي التي بذلتها في هذا الصدد – ان الشغل لم ينجز.
في أحد الأيام.. كنت ألقي درساً عليه، ولم أكن قد حضّرت الدرس قبل التدريس. فقال لي: لم تقرأ الدرس البارحة.. إذ انك حديث عهد بزواج جديد، وقد أرادت زوجتك الجديدة ألا تنصرف عنها إلى المطالعة حتى تتفرغ لها أكثر، فقامت باخفاء الكتاب في المكان الفلاني. لما أردت أن تطالع الدرس البارحة بحثت عن الكتاب فلم تجده!
يقول هذا العالم الطهراني: ولما قصدت المكان الذي ذكره الشيخ حسن وجدة الكتاب. ثم سألت زوجتي الجديدة فأقرت أنها قد جعلته نفس الموضع الذي دلني عليه صاحبي الشيخ.
وسألت الشيخ: كيف عرفت ذلك؟ فقال: لي قضية لا أبوح بها لأحد، لكني أؤثرك بها وحدك ؛ لأنك أستاذي: كنت أعيش في إحدى القرى التابعة لبلدة مشهد – وابي كان عالم القرية. وقبل عشرين عاماً توفى أبي.. فاجتمع رأي أهل القرية أن يجعلوا عمامة أبي على رأسي أخلفه فيهم. وما زالوا يصرون على حتى صيروني عالمهم. أيامها كنت شاباً تجنح نفسي إلى هواها وأنانيتها، ولم تطوع لي أن أقول: لا أعلم – إذا سئلت عما لا أعلم. وهكذا سلخت مدة عشرين عاماً بلا علم ولا معرفة بين هؤلاء الناس.. أحكي لهم في العقائد من عندي، وأفتيهم من تلقاء نفسي في مسائل الحلال والحرام وطباق ما يلائم ذوقي. ولعلي قد حكيت لهم – ولعشرات المرات – قضايا غير صحيحة ولا واقعية. وعلاوة على هذا.. كنت أقبض سهم الامام (عليه السلام) من أموال الخمس، واتصرف به – بلا اذن شرعي.
وما زلت على هذه السيرة.. حتى كان يوم كنت أنظر فيه على وجهي في المرآة. فعلق بصري بشيء كان في صورتي، جعلني أضطرب من الداخل. أن شيبا ًقد وخط شعر لحيتي، فابيض شيء منه. عندها أدركت أن نذر الشيخوخة قد لاحت في وجهي. وشعرت بالنفس اللوامة تخزني وتعنفني، وبالضمير يحاكمني: ترى.. إلى متى وأنت تقود هؤلاء الناس بالحيلة والخداع وبلا معرفة ولا علم؟!
عندها.. ما كان مني إلا قعدت على الأرض، وقد تسلط عليّ بكاء مرّ ونحيب حتى إذا حان وقت المساء.. مضيت إلى المسجد، فصعدت المنبر، واعترفت للناس بحقيقة أمري. قلت لهم: إني كنت أفتيكم في كثير من المسائل بدون علم، وأن جل ما عملتموه من أعمال دينية أعمال باطلة.. ولهذا فإني أعتذر إليكم وأطلب العفو منكم.
وظن أهل القرية هؤلاء أني أقول هذا الكلام لأكسر غلواء النفس. ولكنهم إذ رأوني جاداً في كلامي جداً لا مجال معه للتواضع.. ابتدروني سراعاً، وأخذوا ينهالون عليّ ضرباً ولكماً حتى أخرجوني من القرية.
وعافتني زوجتي.. كما هجرني أبنائي ؛ لأني أمسيت مصدر عار لهم، فاستنكفوا من الانتساب إلي. عندها يممت وجهي نحو طهران، أقطع المسافة وحدي مشياً على الأقدام.(1).
هائماً كنت مصحراً في البرية العريضة بلا أنيس. وقد يمر بي اليوم واليومان لا أذوق ماء ولا غذاء – وما معي نقود.. حتى وافيت في نهاية الأمر إلى مشارف طهران. كنت قد ضقت ذرعاً لما اشتمل عليّ من الغم ولما أكابده من عسر وبؤس. عندها جأرت إلى الله تعالى أستجير. قلت: ربي.. أما أن تأخذني من هذه الدنيا، وأمّا أن تفرج عني. إنما فعلت هذا في سبيلك.. فخذ بيدي، واجعلني من انصارك، واعف عن جرمي وجنايتي! وإذا أنا كذلك.. وإذا بي أرى سيداً جليلاً ذا هيبة يمشي إلى جانبي في البرية، فأدهشني مرآه في البداية: ترى.. كيف ظهر إلى جواري فجأة. ولا أكتم أن شيئاً من الخوف منه قد خامرني في ذلك الوقت، بيد أني أطمأننت إليه لماناداني باسمي في غاية الرقة والمؤانسة، قائلاً لي: لا تحزن، إن الله يعفو عنك. وقال كلمات أخرى في هذا المعنى جعلتني كمن أنطلق دفعة واحدة من عقال كان يكبله.. ووقر في قلبي أن هذا الرجل قد جاء يعنيني.
ثم أن هذا السيد قال لي: تذهب صباح غد إلى مدرسة (الميرزا محمد الوزير) في طهران، وتقول لمتولي شؤون المدرسة: الغرفة الفلانية التي فرغت اليوم ينبغي أن تحولها إلى أسكن فيها. ولسوف يحول إليك الغرفة للسكنى. واذهب بعدها إلى العالم الفلاني (الذي هوأنت يا استاذي) وقل له يدرّسك، فلا يقدر ألا يفعل. وخذ هذه النقود، وعليك بالدرس. وكلما ضاق صدرك أذكرني آتيك وأتكلم معك.
وفعلت ما أوصاني، فجئت إليك، فأذنت لي في الحال أن أستفيد من درسك، إذ جعلت لي درسا ًخاصاً. وما كنت ذكرته لك – خلال ارتباطي بك – من المغيبات.. فانما هو الذي علمنيه لأخبرك به.
قال العالم الطهراني: عندئذ قلت للشيخ حسن: أيمكن أن تستأذن لي لألقاه؟ فقال على البساطة: نعم، فأنا أراه في أكثر الأوقات، ولا بد أنه سيأذن لك! في ذلك اليوم ذهب الشيخ حسن.. لكنه لم يعد. وتصرمت أيّام، ولم يحضر الدرس. وبعد أيام جاءني وقال: تكلمت مع المولى في صدد الاستئذان للقائه.. لكنه أوصاني أن أقول لك: متى ما كسرت نفسك كما فعل الشيخ حسن وتجاوزتها مثله سالكاً في طريق الدين.. فأننا نحن نأتي لرؤيتك). وأقول لك معتذراً أن الامام ولي العصر (عليه السلام) قال لي ألا أحضر درسك بعد الآن.
قال العالم الطهراني: بعدئذ ودّعني الشيخ حسن وانصرف. وكان ذلك آخر عهدي به.
الهامش
(1) المسافة ما بين مدينة مشهد ومدينة طهران تزيد على (900) كيلو متر.
المصدر
الكمالات الروحية
السيد حسن الأبطحي
|
|
|
|
|