- وقال المجّدد الميرزا النائيني (رضي الله عنه) في إجابة سؤال وجّه له وهو:
سؤال رقم 2016
س: هل الإمام عليه السلام يعلم الغيب ؟
ج: هذه المسألة وإن كانت مما لم يكلف الله عباده بمعرفته والخوض فيه وليست موردا للاستفتاء والتقليد، لكن لا يخفى أن الغيب عكس الشهود وهو عبارة عن كل أمر مستور، ومقتضى بعض الروايات المعتبرة الصحيحة أن جميع العالم بما فيه من المجردات بمراتبها والماديات بأنواعها عند الإمام صلوات الله عليه كحلقة في يد أحدنا يقلبها كيف يشاء، ومضمون هذه الرواية المباركة ومحصل مفادها هو المستفاد من عدة الروايات الأخر البالغة حد الاستفاضة، وهو المنطبق على مضامين جملة مما تضمنته الزيارة الجامعة الكبيرة وغيرها من الزيارات المعتبرة أسانيدها والمتلقاة بالقبول عند وجوه العصابة، وقضية ذلك هي إحاطة علومهم بجميع العالم إحاطة ذاتية وهذا هو الذي تقتضيه ولايتهم المطلقة على ما في العالم، ولا يخفى ما في التمثيل بالحلقة في كف أحدنا يقلبها كيف يشاء من الدلالة على ما ذكر من الإحاطة بما في قوسي الصعود والنزول.
وعلى هذا فليس شيء مما كان أو يكون إلى يوم القيامة من الغيب بالنسبة إليهم صلوات الله عليهم ويختص بما كان مستورا عنهم بما لا يعلمه إلا الله تعالى، والله العالم(10).
وسوف ننتقي بعض الروايات الشريفة من الكافي الشريفة وبصائر الدرجات والّتي تثبت أنّ علمهم عليهم السّلام للغيب من الأمور المسلّمة حتّى من غير وحي من قبل الله تعالى وكيف يحتاج آل محمّد عليهم السّلام إلى ملك من الملائكة لتعليمهم الغيبيّات وقد وردت روايات عدّة مضمونها أنّهم عليهم السّلام هم أمره تعالى بين الكاف والنون حيث يقول أمير المؤمنين عليه السّلام في صفات أهل البيت عليهم السّلام:
"الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله ونور الله وحجاب الله وآية الله يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه فهو وليه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء.
ويكتب على عضده: "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" فهو الصدق والعدل وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع على الغيب، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت، ويعطى منطق الطير عند ولايته . . . [إلى أن يقول] . . . خلقهم الله من نور عظمته وولاهم أمر مملكته فهم سر الله المخزون وأولياؤه المقربون وأمره بين الكاف والنون إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون.
علم الأنبياء في علمهم وسر الأوصياء في سرهم وعز الأولياء في عزهم كالقطرة في البحر والذرة في القفر، والسماوات والأرض عند الامام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ويعلم برها من فاجرها ورطبها ويابسها، لأن الله علم نبيه علم ما كان وما يكون وورث ذلك السر المصون الأوصياء المنتجبون، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون يلعنه الله ويلعنه اللاعنون.
وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض؟ . . ."(11).
فمن روايات الكافي الشّريف(12)
- عن سيف التمار قال:
كنّا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال علينا عين فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا ليس علينا عين؛ فقال وربّ الكعبة وربّ البنية ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر (عليه السلام) أعطيا علم ما كان و لم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة و قد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة.
- صحيحة ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول - وعنده أناس من أصحابه -:
عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لامرنا، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم ؟!
فقال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟
فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم أجراه فبتقدم علم إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله قام علي والحسن والحسين عليهم السلام، وبعلم صمتَ من صمتَ منّا، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عز وجل أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله، أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم.
- عن جماعة بن سعد الخثعمي أنه قال كان المفضل عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له المفضل:
جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء قال لا الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء.
- عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
لا والله لا يكون عالم جاهلا أبدا عالما بشيء جاهلا بشيء ثم قال الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ثم قال لا يحجب ذلك عنه.
من روايات بصائر الدّرجات (13)
- صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه وآله فقال علم النبي علم جميع النبيين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة ثم قال والذي نفسي بيده انى لأعلم علم النبي صلى الله عليه وآله وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة.
- صحيحة عبيدة بن بشير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ابتداء منه:
والله إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرضين وما في الجنة وما في النار وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ثمّ سكت، ثمّ قال: أعلمه من كتاب الله أنظر إليه هكذا ثم بسط كفيه ثم قال إن الله يقول: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء".
- معتبرة عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
إنى لأعلم ما في السماء وأعلم ما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وأعلم ما يكون، علمت ذلك من كتاب الله، إن الله تعالى يقول "فيه تبيان كلّ شيء".
ونختم حديثنا بمناجاة مولانا الإمام الصادق عليه السّلام:
روى الشيخ الصدوق بسنده الصحيح عن معاوية بن وهب قال: استأذنت على أبي عبدالله عليه السلام فقيل لي: ادخل، فدخلت فوجدته في مصلاه، فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول: «يا من خصنا بالكرامة، وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضى وما بقي، وجعل افئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولاخواني ولزوار قبر أبي الحسين صلوات الله عليه الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا، وسرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظا أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضاك، فكافهم عنا بالرضوان، وأكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصبحهم وأكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك أو شديد، وشر شياطين الجن والانس، وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم، اللهم إن أعدائنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، وخلافا منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبدالله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الانفس، وتلك الابدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش» فما زال وهو ساجد يدعو بهذا الدعاء، فلما انصرف قلت: جعلت فداك، لو أن هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا، والله لقد تمنيت أني كنت زرته ولم أحج، فقال لي: ما أقربك منه، فما الذي يمنعك من زيارته؟! ثم قال: يا معاوية لم تدع ذلك، قلت: لم أدر أن الامر يبلغ هذا كله، قال: يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الارض، يا معاوية لا تدعه، فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده، أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والائمة عليهم السلام أما تحب أن تكون غدا ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر له ذنوب سبعين سنة؟
أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة؟
أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج وليس له ذنب فيتبع به؟
أما تحب أن تكون غدا ممن يصافح رسول الله صلى الله عليه وآله(14).
قال الشيخ النمازي الشاهرودي (رضي الله عنه) في مناجاة مولانا الصادق عليه السلام: يا من خصنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي - الخ. رواه الصفاّر في البصائر بأسانيد متعددة، وكذا رواه ابن قولويه القمي في كامل الزيارة بأسانيد سبعة، فيها الصحاح والمعتبر (15).
ــــــــــ
(1) آل عمران، آية 179.
(2) الجنّ، آية 26 - 27.
(3) آل عمران، آية 49.
(4) التوبة، آية 105.
(5) البقرة، آية 143.
(6) المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 23 باب عرض الأعمال عليهم، عليهم السّلام وأنّهم الشهداء على الخلق.
(7) المجلسي، المصدر نفسه، ج26، ص447، ح2.
(8) علي النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج8، ص42.
(9) محسن الخزازي، بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة، ج2، ص57 نقلاً عن: محمّد جميل حمود، الفوائد البهيّة، ج2، ص125.
(10) من كتاب الفتاوى الصادرة عن الفقيه الأعظم إمام المحققين المجدد الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، تنظيم وتعليق جعفر الغروي النائيني، (ط1، قم المقدّسة، دار الهدى، 1429هـ)، ج3، ص552 وما بعدها.
(11) المجلسي،المصدر السابق، ج25، ص108-111، ح38 باب جامع في صفات الإمام.
(12) الكليني، الكافي، ج1، ص260 وما بعدها، باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم.
(13) الصفّار، بصائر الدرجات، مج1، ص262 باب في علم الأئمّة بما في السّماوات والأرض والجنّة والنّار وما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.
(14) الصّدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص122-123 ثواب من زار قبر الحسين عليه السّلام، ح44.
(15) علي النمازي الشاهرودي، المصدر السّابق، ج7، ص339.
والحمد لله ربّ العالمين ،،،،
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم
والعن أعداءهم ،،،